كانت التارت الشهيّة المعروضة في المتجر مقلوبة الآن على الأرض، فيما تناثرت الصواني والملاقط في كل اتجاه.
الزبائن الذين قصدوا المتجر لشراء التارت أصيبوا بالذعر وسارعوا بالخروج.
أما كيت، فكانت ترتجف بجسدٍ مرتعد ووجهٍ شاحبٍ كالجصّ.
“هاه…”
كانت فينديا مذهولة. فكون غريغوري، الشرطي، يقلب المكان رأسًا على عقب كأنه أحد البلطجية المستأجرين كان أمرًا صادمًا بحدّ ذاته، لكن كلمات بالديني كانت أكثر عبثية.
“سرقة؟ عمّ تتحدث؟”
“وتتجرئين حتى على التظاهر بالبراءة… كما توقعت. لا تمتلكين أدنى قدر من الأخلاق التجارية. افتتاح متجر باستخدام وصفة ليست لكِ هو بطبيعة الحال انتهاك لأسرار المهنة.”
وبعينين تلمعان بالخبث، أخذ بالديني يتفقد كل زاوية في المتجر، وكأنه عثر أخيرًا على ما يظنه دليلاً ضدها.
“أنتِ تحبين القانون، أليس كذلك؟ إذن ستفهمين هذا جيدًا. القانون الإمبراطوري، المادة الحادية والثمانون، الفقرة الثانية: من يستحوذ على أسرار تجارية تخصّ غيره، أو يستخدمها، أو يفشيها لطرف ثالث، يُعاقَب بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات أو بغرامة تصل إلى ثلاثمئة ألف كرون.”
ارتسمت سخرية لاذعة على وجه بالديني.
لم يكن يصدق حتى الآن أنّ مبيعات القسم الثاني ارتفعت بهذا الشكل منذ أن أصبحت تلك الحقيرة ديا مستشارة لهم. كيف تجرؤ—وهي التي طالما احتقرها—على تهديد مكانته؟
كان ذلك يثير غضبه لدرجة لا تُحتمل. لذا قرر استغلال الفرصة والتخلص منها تمامًا.
“انتهاك أسرار تجارية؟ تلك الوصفة تخصني منذ البداية!”
“أي وصفة تبتكرينها في متجري تنتمي إليّ بطبيعة الحال! أولاً تُظهرين جهلكِ الفاضح، والآن تسرقين عمل غيركِ لتمارسي التجارة؟”
تدخل تشارلز قبل أن تكمل كيت كلامها.
ومع وجود السلطة إلى جانبه، تبخر قلقه بالكامل. كما أنّ كيت لم تكن مخطئة—فالوصفة صُنعت بالفعل في متجره، وبالتالي تُعد ملكًا له من الناحية القانونية.
أن تفكر بأن تنجح وحدها مستخدمة وصفة ليست لها، بعد أن دمّرت حياة مالكها الأصلي!
لم يكن تشارلز قادرًا على مسامحة كيت.
“كلاكما، تعالا بهدوء. سترافقاننا للتحقيق.” قال غريغوري بعد أن دمّر متجر كيت. بدا منتفخ الصدر أكثر من المعتاد، ربما لاعتقاده أنها فرصته لاستعادة رضا بالديني.
ألا يتعب هؤلاء أبدًا؟ ما أوقحهم. تافهون، تبًا.
نقرت فينديا لسانها بضجر وهي تنظر إلى الرجال الثلاثة.
بالديني، غريغوري، تشارلز… ثلاثة رجال، ومستوى الانحطاط واحد. بل إنهم الآن، وبمجرد التمعّن، يبدون متشابهين قليلًا في الملامح أيضًا… يا له من زمنٍ بائس.
“فوهه! هل ارتعبتِ؟ هل ظننتِ أنكِ ستفلتين بعد سرقتكِ؟”
كان يشعر للمرة الأولى منذ زمن بانفراج في صدره. لقد كان ينتظر هذه اللحظة ليردّ لها الصاع صاعين، وها هو الآن يسحق كبرياء تلك المرأة المتغطرسة.
“سأقترح حلاً. اكتبي تعهّدًا بعدم استخدام تلك الوصفة مرة أخرى. وسلمي كل الأرباح التي جنيتها من بيع تلك التارت إلى مالكها الحقيقي.”
قال ذلك لكيت بنبرة كرمٍ زائف.
كان اللجوء إلى القانون هو الأفضل، لكنه سيستغرق وقتًا طويلًا.
ولم يبقَ سوى شهرين على انتهاء مسابقة الوريث. استرجاع الأموال فورًا كان أكثر فائدة له.
وإذا انخفضت مبيعات القسم الثاني وارتفعت مبيعات القسم الأول، فسيميل ميزان التقارير الشهرية إلى صالحه.
“ما الذي ستفعلينه؟ آه، وأنتِ—أنتِ من حرّض على كل هذا—لن تفلتي من العقاب.”
فرض بالديني على كيت اتخاذ قرار، بينما كان يحدّق فينديا بصرامة.
حتى لو أمكن تسوية حادثة وصفة التارت بهذه الطريقة، لم يكن بالديني يملك أي نية لترك فينديا وشأنها.
فهو سيحرص على “تأديب” تلك المرأة المزعجة التي أهانته وعرقلت طريقه في كل فرصة سنحت لها.
“فه!”
في تلك اللحظة—انفجرت فينديا ضاحكة، بعدما كانت واقفة صامتة طوال الوقت.
عندها ظهر شرخٌ في ملامح بالديني الواثقة والمتعجرفة.
“تضحكين؟”
“لن تفلتي من العقاب~.”
قلّدت فينديا كلماته نفسها وهي تضحك بسخرية.
“لا بد أنكِ جُننتِ من كثرة التفكير في دخول الزنزانة. يبدو أنكِ لا تدركين وضعكِ حقًا…!”
توك.
رمت فينديا شيئًا عند قدمي بالديني المشتعل غضبًا.
وتوجّهت أنظار الجميع تلقائيًا نحو ما سقط على الأرض.
كان كتابًا يحمل عنوان:
«يمكنك أنت أيضًا! 100 وصفة للخبز».
أحد أشهر الكتب وأكثرها مبيعًا في مجال الخَبز.
وهو كتاب قديم، مليء بوصفات أساسية جدًا؛ حتى الكاتب نفسه ذكر أنّها وصفات موروثة عن والدته، وأن استخدامها متاح للجميع.
“يبدو إذن أننا جميعًا يجب أن ندخل السجن، أليس كذلك؟ لأن وصفة التارت مأخوذة من هذا الكتاب.”
“ما هذا الهراء!”
“وصفة التارت الخاصة بكيت، التي تدّعون أنها سرقتها منكم… موجودة هنا، في هذا الكتاب.”
رفعت فينديا كتفيها بلا مبالاة، فشحب وجه تشارلز كليًا.
“هذا مستحيل!”
أسرع والتقط الكتاب من الأرض، يقلب صفحاته بجنون.
“م-ما…؟ ل-لا يمكن…!”
لكنّ الأمر كان صحيحًا.
فالوصفة في الكتاب هي نفسها وصفة كيت تمامًا.
بدأ العرق البارد ينحدر على جبين تشارلز المذعور.
“ه–هذا غير منطقي! تارت تلك المرأة لذيذة للغاية لدرجة أن الزبائن يصطفّون للحصول عليها! لو كانت مصنوعة بهذه الوصفة، لكانت كل محلات التارت ناجحة بالقدر نفسه! لكن متجرنا وحده ازدهر—لا بد أن هناك شيئًا مختلفًا!”
وبوجه مرتعب، تشبّث تشارلز بطرف بنطال بالديني.
“كلا… لقد صُنعت بهذه الوصفة. يمكنك التأكد بنفسك.”
قالت كيت ذلك بحزم، وكأنها تدق المسمار الأخير في نعش حججهم، لأنها ببساطة كانت الحقيقة.
“هل نذهب جميعًا للتحقيق معًا؟”
عقدت فينديا ذراعيها بثقة واضحة، وارتسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة ذات مغزى.
فقد توقعت منذ فترة طويلة أن شيئًا كهذا سيحدث—واتخذت استعداداتها جيدًا.
حتى أنها طلبت من كيت أن تترك كتاب الوصفات خلفها عن قصد.
كانت الوصفة بالفعل مأخوذة من الكتاب.
لكن كان هناك أمر آخر مهم.
فالسر لم يكن في الوصفة ذاتها، بل في:
نوعيّة المكوّنات المستخدمة،
وكمّ الوقت المبذول في إعدادها.
فعلى الرغم من أن المكوّنات المكتوبة متطابقة،
إلا أن نوع الطحين والزبدة—ومصدرهما—يمكن أن يغيّر طعم التارت كليًا.
وكذلك وقت راحة العجين قد يكون ثابتًا،
لكنّ مدة الخَبز كانت تختلف تبعًا للفصول.
كانت كيت قد أدركت أن الطقس يؤثر في التارت، ولذلك غيّرت وقت الخَبز قليلًا في كل فصل بعد محاولات وتجارب عديدة.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد؛ فقد اكتشفت كذلك النوع الدقيق من الطحين والزبدة القادرين على منح التارت قوامه الهشّ المثالي، لتبتكر بذلك تارتًا يحمل بصمتها الخاصة.
كلّ ذلك كان ملكًا لكيت وحدها—معرفةٌ تراكمت من جهدها، محفوظة في رأسها وحده.
ومنذ البداية، كانت هي من يشتري المكوّنات ويصنع التارت ويبيعه، لذا لم يكن لتشارلز أن يعرف أيًا من هذه التفاصيل. ومن المرجّح أنّه اكتفى باتّباع الكتاب كما هو، واشترى المكوّنات من أي متجرٍ دون اهتمامٍ بنوعيّتها.
“وبالمناسبة، متجرُكم لا يبيع سوى تارت البيض وتارت الجبن. يبدو أنك حتى لم تُلقِ نظرة على قائمتنا، أليس كذلك؟”
وعند تلك الكلمات، توجّهت أنظار تشارلز وبالديني وغريغوري أخيرًا إلى التارت المبعثرة على الأرض. كانت جميعها تارت فواكه مزينة بفاكهة طازجة.
وهذا ما كانت فينديا قد اقترحته على كيت مسبقًا؛ إذ توقّعت أن الطرف الآخر سيتمادى ويتمسّك باتهاماته حتى النهاية بشكل مُخزٍ، فبادرت إلى تغيير نوع التارت بالكامل.
وبما أنّ كيت كانت قد درست إعداد التارت وصنعته مرارًا لا تُحصى، فقد صنعت تارت الفواكه بسهولة تامة.
وكان ذلك ثمرة جهدها المثابر—جهدٌ لا يمكن لتشارلز أن يبلغه مهما حاول.
ولم يُخْذِلها جهدها قط؛ فقد أسرت تارت الفواكه قلوب الزبائن، وارتفعت شعبيتها يومًا بعد يوم، حتى تجاوزت ما كانت تحققه عندما كانت تبيع تارت البيض سابقًا.
“نحن نبيع فقط تارت الفاكهة الموسمية. وأيضًا المنتج الأكثر مبيعًا لدينا… تارت جوز الهند. هل متجرُكم قادرٌ على صنع تارت جوز الهند؟”
وبعد أن أمسكت فينديا بمقاليد النصر كاملة، ابتسمت بارتياح. فجوز الهند كان يُوزَّع فقط داخل منطقة سكيند، ولم يكن بإمكان متجر فيرست الحصول عليه.
“آه! صحيح… آسفة. لقد رغبتَ في جوز الهند بشدة لدرجة أنك حاولتَ القيام ببعض الألاعيب في الخفاء للحصول عليه، أليس كذلك؟”
“أنتِ…”
كانت كلماتها كافية لخدش أعماقه؛ فتشوّه وجه بالديني على نحوٍ يصعب وصفه. ارتجفت قبضتاه المشدودتان، وشحب وجهه بشدّة.
“إن كنتَ تدرك ما يجري، فغادر الآن. فالمعطّل الحقيقي للعمل هنا هو أنتُم. وإن أردنا، لجررناكم بأنفسنا إلى التحقيق.”
“اخرسي! أتدرين أمام مَن تتكلمين؟ أتظنين أنكِ ما زلتِ تساوين شيئًا؟ ذلك الطلاق—!”
كوآآانغ!
“آآاه!”
في اللحظة التي اندفع فيها بالديني نحو فينديا، صرخ وتوقّف في مكانه.
إذ دوّى صوت ارتطامٍ هائل.
سقطت صينية معدنية ارتطمت بوجه بالديني على الأرض بصوتٍ صاخب. وباللحظة نفسها، بدأ أنفه ينزف بغزارة.
تفاجأت فينديا واستدارت تنظر.
وهناك—
وقف رون، وقد ركل الصينية لتصطدم مباشرةً بوجه بالديني، وهو يمسك بريجين بين ذراعيه.
“هل تريد أن تموت؟”
قالها دون أي تلطيف أو ت
هذيب، بصوت خشنٍ وخطير—ومع ذلك، كانت يداه تغطيان أذني ريجين بعناية شديدة.
[ أوهانا : لو رون مش البطل كنت بقول نزوج رون لكيت 👁️👄👁️ ]
التعليقات لهذا الفصل " 36"
دقيقه دقيقه وقف تصوير… رون هو البطل😀؟