“هل تعرف هذه المرأة، عزيزي؟”
سألت الزوجة الشابة تشارلز بنبرة متسائلة.
“آه، ما الذي يحدث هنا بالضبط… لحظة. هيه! ما الذي تفعلينه هنا؟! وما هذا المنظر! وأين تركتِ طفلتكِ؟!”
“هاه… طفلتكِ؟”
انطلقت ضحكة ساخرة من شفتي كيت.
الصوت اللطيف، وكلمة “هدية”، وطريقته في قول “بابا”…
كان هذا جانبًا من زوجها لم تره يومًا.
“من هذه؟ أجبني، عزيزي!”
“أ-أوه، الأمر هو…”
ارتبك شارلز فجأة تحت ضغط أسئلة زوجته، بعدما كان يصرخ منذ لحظة.
وبينما تراقب كيت هذا الجانب الغريب من زوجها، ابتسمت بسخرية وقالت:
“زوجي. ووالد طفلتي.”
“…ماذا؟ زوجكِ؟ ووالد طفلتكِ؟”
ظلّت المرأة ترمش بعينيها عدّة مرات، إلى أن أدركت الموقف أخيرًا، وحدّقت في شارلز بنظرة تكاد تقتله.
“حبيبتي، يمكنني شرح كل شيء، الأمر ليس كما يبدو… هيه! توقفي! لا تذهبي!”
بينما كان شارلز يحاول يائسًا تدارك الموقف، كانت كيت قد غادرت المطعم بالفعل، بعد أن أشعلت الموقف ورحلت.
كانت فينديا تتابع المشهد كلّه بصمت، ثم التفتت إلى الرجل الجالس بجانب حماة كيت:
“أَنْهِ الأمر وانسحب.”
“حاضر، سيدتي.”
انحنى كريس باحترام.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
“كيت! كيت، انتظري!”
ركضت فينديا وسط المطر الغزير، تطارد كيت التي كانت تركض بلا وجهة.
يا لها من مصادفة غريبة…
وكأنّ السماء تواطأت مع الموقف، إذ غطّت الغيوم الداكنة السماء فجأة، ودوّى الرعد، ثم انهمر المطر بغزارة.
كانت قطرات المطر ترتطم بالأرض وتتناثر مع كل خطوة تركضها كيت.
أخيرًا، لحقت بها فينديا، وأمسكت بكتفها بصعوبة.
استدارت كيت بعنف، ونظرت إليها بعينين غاضبتين.
لم يُعرف ما إذا كان ما يسيل على وجهها دموعًا أم مطرًا.
“كنتم تعرفون كل شيء، أليس كذلك؟! كنتم تعرفون وتعمدتم…!”
“نعم، كنتُ أعلم.”
“لماذا؟ لماذا فعلتِ ذلك؟! لماذا؟! لا… لا، أنا آسفة… أنا… هـه…”
وحين أدركت كيت أنّها أفرغت غضبها على الشخص الخطأ، خارت قواها وسقطت على الأرض.
كل ما فعلته فينديا هو أنّها أظهرت لها الحقيقة—الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها، والتي لم يكن ينبغي أن تبقى مخفية، والتي من حق كيت أن تعرفها. حقيقة أولئك الذين لم يعاملوها يومًا كعائلة.
كيت كانت تشعر بذلك من قبل. لكنها كانت تتهرّب، لأنها لم تملك شيئًا، لذا قررت أن تغضّ الطرف.
“كيت.”
نادتها فينديا بصوت دافئ وحنون، ثم جلست إلى جانبها على الأرض.
وتحت المطر المنهمر الذي بلّل جسديهما، مدّت فينديا يدها، وأحاطت كتفي كيت المرتجفتين بلمسة دافئة.
“جهّزتُ لكِ متجرًا في منطقة سيكند. خلفه غرفة صغيرة، يمكنكِ العيش فيها مع ريجين.”
“هـه… هـهك…”
“أنا واثقة أنّكِ قادرة على النجاح بمفردكِ يا كيت. لا تعملي لأجلهم بعد الآن، بل من أجلكِ… ومن أجل ريجين.”
“ريجين… ريجين تحتاج إلى عائلة. لا يمكنني السماح لها بأن تنشأ وحيدة، كما نشأتُ أنا.”
قالت كيت بصوتٍ مختنق، وهي تخفض رأسها وترتجف بشدة، وكأنها تكافح من أجل عدم الانهيار بالكامل.
رغم كل ما رأته وعرفته، لم تستطع بعد أن تترك ذلك الخيط الأخير من الأمل… حتى وإن كان هشًّا ومؤلمًا.
لكن فينديا كانت تعرف.
“في عائلة غير سعيدة… لا يمكن للطفل أن يكون سعيدًا أيضًا.”
لأنها عاشت ذلك بنفسها.
رغم أن عائلتها كانت، من الخارج، عائلة كاملة غير مفككة، إلا أن فينديا—وقبل أن تنتقل إلى هذا الجسد—لم تعرف طعم السعادة ولو لمرة واحدة.
“السبب الوحيد لعدم طلاقي من والدك هو أنتِ.”
كانت تلك الجملة التي تردّدها والدتها كما لو كانت تحية صباح.
“والدتكِ وأنا نبقى معًا فقط من أجلكِ.”
هذا ما كان يهمهم به والدها باستمرار.
من الخارج، كانوا يبدون كعائلة مثالية.
لكن كل يوم كان جحيمًا. كان والداها يتشاجران باستمرار، يتبادلان الاتهامات والشتائم بلا توقف.
وفي كل مرة كانت تنشب بينهما مشاجرة كبيرة، كانت فينديا تشعر وكأنها تسير على جليد رقيق.
أبسط تصرّف منها كان يشعل نيران غضبهما، وكانت تلك النيران دائمًا ما تصيبها في النهاية.
لماذا؟ كيف يمكن لهذا أن يكون من أجلي؟ لم أشعر بالسعادة ولو للحظة واحدة.
وفي النهاية، ما تعلّمته أولًا في ما يسمى بـ«حضن العائلة» لم يكن الحب، بل كيف تتحسّس الأجواء وتتجنّب الغضب. وكيف تبكي بصمت.
“والدك…”
“والدتكِ…”
تحوّلت إلى سلّة قمامة لمشاعر والديها، يتناوبان على تفريغ همومهما فيها، ولم تملك الشجاعة يومًا لرفض ذلك أو الرد، لأنها كانت تعلم أن الرد الوحيد سيكون:
«ومن تظنين أنه السبب في كل هذا؟»
وحين بلغت سن الرشد، انفصل والداها. وكلٌّ منهما ادّعى أنه “قام بواجبه”، لكن لم يرغب أحد منهما في اصطحابها.
وهكذا، بدأت حياتها المستقلة وهي في العشرين.
ولم تشعر يومًا براحة نفسية كتلك اللحظة. كان الجسد متعبًا، لكن روحها كانت حرّة أخيرًا.
ومنذ ذلك الحين، كانت تبذل كل ما بوسعها لتعيش حياة طبيعية… مثل الآخرين.
“لا يوجد سبب يدفعكِ للتورّط في حياة شخص غريب.”
كلمات كريس لم تكن خاطئة.
فمستشارة مثل فينديا لم تكن ملزَمة بالتدخّل إلى هذا الحد.
ومع ذلك، لم تستطع التراجع. ربما لأنها رأت في الطفلة الصغيرة، ريجين، انعكاسًا لطفولتها المؤلمة.
“لماذا تقولين إن ريجين لا تملك عائلة؟ كيت، أنتِ عائلتها.”
“…”
“ريجين لديها أم.”
عند هذه الكلمات، رفعت كيت رأسها ببطء، وقد كانت فينديا تمد يدها بشيء باتجاه وجه كيت المبلل بالدموع.
“لون بشرتكِ فاتح، وظننت أن هذا اللون سيناسبكِ.”
كان أحمر شفاه.
وحين تردّدت كيت في أخذه، أمسكت فينديا بيدها ووضعتها فيه بلطف.
“كيت. كوني شجاعة. من أجل ريجين.”
وبعد أن رحلت فينديا، جلست كيت تحدّق في أحمر الشفاه المستقرّ بين يديها، قبل أن تنفجر في بكاءٍ صامت.
لقد كانت أول هدية تحصل عليها… منذ أن تزوّجت وأنجبت.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
“أأنتِ قلقة من أنها لن تأتي…؟”
كانت فينديا ترتجف قليلًا من أثر المطر في اليوم السابق، فارتشفت رشفة من الشاي الساخن لتدفّئ جسدها البارد.
“لا. لقد فعلنا كل ما بوسعنا. القرار الآن بيد كيت إن كانت ستخطو هذه الخطوة أم لا.”
نظر إليها كريس مطوّلًا.
لكن رغم قولها إنها غير قلقة، كانت ساقاها تهتزّان بوضوح.
من كان يراها… يعلم كم كانت متوترة.
“هل… هل أذهب لأتفقّد الوضع؟ لأعرف كيف تسير الأمور؟”
“لا! قلت لك، لا داعي. لقد قمنا بما يكفي.”
رفضت الفكرة بشدّة وهي تقضم أظافرها.
أطلق كريس تنهيدة قصيرة، ثم تحدّث بحذر:
“سـ- سيدتي، هل ما تأملينه حقًا… أن تترك زوجَها وتعيشَ مستقلة؟”
“بالضبط. أن تتخلّص من زوجها التافه وحماتها الحقيرة، وتعيش حياة كريمة مع ريجين. فقط هي وابنتها.”
“آه…”
“تشارلز؟ سيعمل حتى يُنهك جسده كل شهر فقط ليتمكّن من دفع نفقة الطفلة، أما حماتها فستتعرّض للاستغلال، تمامًا كما فعلت مع كيت.”
“……”
“أليس هكذا فقط يصبح هذا العالم أكثر عدلًا؟”
أجابت فينديا وهي تحدّق بعينيها الواسعتين، كما لو كانت تنتظر هذا السؤال منذ زمن.
تفاجأ كريس من هذا السيل المفاجئ من الكلمات، فلم يجد ما يقوله، واكتفى بإيماءةٍ صامتة.
“وعلى فكرة، كريس… تمثيلك كان ممتازًا.”
كأنك فعلًا شاب لعوب.
أدارت فينديا نظرها بعيدًا عن النافذة، وحدّقت مباشرة في كريس.
لقد استطاع بدهاء أن يستفزّ حماة كيت لتبوح بكل شيء. وبفضله، حصلوا على المعلومات دون عناء.
اعترفت المرأة بنفسها أنها تحصل على خصم بنسبة 50٪ على الإيجار، لكنها كذبت على كنتها وأخبرتها أن الإيجار ارتفع بنسبة 40٪.
لقد نجحت خطّتهم.
اقتربت حماة كيت من كريس بسبب مظهره الجذّاب، بينما تعمّد هو أن يتقرّب منها ويتظاهر بالتسلية.
في يوم المواجهة، استخدموا قسيمة طعام مجانية لجذب تشارلز وعشيقته إلى المطعم، بينما أحضر كريس الحماة إلى هناك أيضًا.
وبذلك، وُجد جميع “أبطال المسرحية” على خشبةٍ واحدة، كما خُطِّط تمامًا.
“لـ- لم أقم بشيء يُذكر، حقًا.”
“لقد رأيتك بنظرة مختلفة تمامًا.”
“هـ- هذا لا يبدو وكأنه مدح!”
احمرّ وجه كريس وهو يحتجّ بصوتٍ مشوش، يكاد يبكي.
قهقهت فينديا وأمسكت بكوب الشاي الدافئ بكلتا يديها.
يقولون إن الهدوء يأتي بعد العاصفة.
على عكس الفوضى التي عمّت في اليوم السابق، كانت الشمس مشرقة اليوم، والسماء صافية بلا سحابة واحدة، والجو يبعث على السلام.
ربما كيت لن تأتي بعد كل هذا…
“هممم…؟”
في تلك اللحظة، لمحت فينديا شيئًا خارج النافذة، فنهضت فجأة.
مدّت يدها بسرعة وفتحت النافذة التي كانت مغلقة حتى اللحظة.
“كيت!”
“آنسة ديا!”
دخلت كيت من البوابة التي فتحتها لها ساشا، وكانت تحمل ريجين في حضنها وهي تمشي باتجاههما.
“سأُربي ابنتي جيدًا، وسأجعل الجميع يرون ذلك!”
“……”
“سأصبح أمًّا تفخر بها ابنتها. سأتمكّن من ذلك، أليس كذلك؟”
بابتسامةٍ مشرقة كزهرةٍ تتفتّح، نطقت كيت بتلك الكلمات.
بشرتها كانت لا تزال جافة، والهالات السوداء تحت عينيها لم تختفِ، لكن عينيها كانتا تتلألآن بحيويّة غير مسبوقة.
وكانت تضع على شفتيها لونًا ورديًا مائلًا إلى المرجاني.
إنه نفس أحمر الشفاه الذي أهدته لها فينديا.
“بالطبع ستنجحين!”
ابتسمت ف
ينديا ابتسامةً مشرقة تزامنًا مع ابتسامة كيت.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
بعد أسبوعين.
“ماذا؟! هل هذا معقول؟!”
من شدّة الصدمة، أفلتت فينديا الأوراق من يدها فسقطت أرضًا تتطاير ببطء.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
التعليقات لهذا الفصل " 30"