“مهلًا! لقد فاتك نمش هنا، لم يتم تغطيته بالكامل.”
“إن قمتُ بذلك، ستتغير الصورة.”
“وهذا بالضبط ما أريده!”
“……”
كان لدى الرسام الشاب فنسنت الكثير ليقوله، لكنه آثر الصمت.
فهو لم يرَ من قبل، ولم يسمع حتى عن عمل كهذا.
تلوين صورة فوتوغرافية مطبوعة باستخدام الأقلام الملوّنة والفرشاة؟!
ومع ذلك، قام فنسنت بتنفيذ تعليمات ديا بدقة، فابتكر لونًا يطابق لون بشرة الشخصية في الصورة إلى أقصى حد، ثم بدأ في تلوين البقع والشوائب ليُظهر بشرة ناعمة كالعاج الأبيض.
وأما الأجزاء التي ينبغي طمسها، فقد قام بتغطيتها بلون الخلفية الذي أعدّه مسبقًا، مما أتاح له مسحها بشكل طبيعي.
ثم استخدم جهازًا سحريًا يُطلق الهواء الساخن لتجفيف الألوان ودمجها مع الصورة تمامًا، وكأن شيئًا لم يكن.
وكان الزبائن في غاية الرضا عن هذه الصور، رغم أنها لم تكن مطابقة للواقع بالكامل.
نعم، فينديا لم تكتفِ بإضفاء طابع “الإنستا” على المقهى، بل ذهبت لأبعد من ذلك — حيث قدمت خدمة تعديل صور الزبائن.
أطلقت على هذه العملية اسم “فوتوشوب”.
والنتيجة؟ نجاح ساحق. كان المقهى يعجّ بالزبائن.
فالجميع كان يتوافد على أمل الحصول على “صورة العمر”.
تمتم فنسنت بأسى:
“أشعر وكأنني أرتكب أمرًا غير أخلاقي.”
فأجابته فينديا بنظرة جادة:
“وما الخطأ في أن يرغب الإنسان بالاحتفاظ بجماله؟”
لم تكن عملية التعديل مفرطة. كان التلاعب الكبير بالصور سيفضح بسهولة، لذا كان هناك حدود لا يمكن تجاوزها.
ومع ذلك، كان الزبائن راضين كل الرضا.
والأهم من ذلك أن كثيرًا من النبيلات ممن كُنّ يخضعن لعلاجات تجميلية قاسية وغير علمية قبل جلسات التصوير، قد انخفض عددهنّ بشكل ملحوظ.
كان الأمر مفيدًا للطرفين من نواحٍ عدة.
“الناس يرغبون في الاحتفاظ بجمالهم، ولو للحظة خاطفة، حتى لو كانت عابرة.”
“آه، لم أقصد…”
“نحن نساعدهم على امتلاك هذا الجمال، بطريقة أسهل وأقل ألمًا.”
“أعتذر، لقد أسأت التعبير.”
أجاب فنسنت معتذرًا، وقد ارتسمت على وجهه ملامح الندم.
وبعد التفكير، وجد أن ما قالته فينديا صحيح تمامًا. فالرغبة في الجمال من أصدق رغبات البشر، والزبائن لم يكونوا يسيئون لأحد، كل ما أرادوه هو توثيق لحظة خاصة من حياتهم.
“كن فخورًا يا فنسنت. فالابتسامات التي ترتسم على وجوه النبيلات عندما يتسلّمن الصور المعدّلة التي أنجزتها… أجمل من الصور نفسها.”
أومأ فنسنت برأسه متأثرًا، وقد بدا عليه الامتنان والتأثر.
ثم قالت فينديا:
“سنستخدم ألوان الخلفية التي ركّبتها حتى الآن فقط. أفكر بتغيير الخلفية قريبًا، لقد وجدت موقعًا جديدًا بالفعل.”
“أليست الخلفية الحالية شديدة الشعبية؟”
“أتظن أن الجميع يودّ امتلاك صورة بخلفية متطابقة؟ يجب أن تكون هناك ندرة نسبية حتى نحافظ على قيمتها وجاذبيتها. على كل حال، استمر في العمل الجيد.”
غادرت فينديا غرفة الرسم الصغيرة التي أُعدّت خلف المقهى، بعدما شجّعت فنسنت على مواصلة عمله.
وبينما كانت تغادر الغرفة ومرّت بالمخزن في طريقها نحو داخل المقهى، بدأت تسمع ضجيجًا يتعالى تدريجيًا.
وما إن فتحت الباب الخلفي ودخلت إلى المقهى حتى وجدت جميع المقاعد مشغولة بالكامل.
كان المقهى يعكس أجواء شتوية غريبة لا يمكن العثور عليها في الجنوب.
فقد أعدّت فينديا المكان بعناية ليمنح زوّاره إحساسًا وكأنهم في بلد شتوي أوروبي شبيه بـ”جبال الألب”، بعيدًا عن دفء الجنوب وأجوائه الساحلية.
ولتحقيق هذا الإحساس، قضت وقتًا طويلًا في المكتبة تبحث في كتب عن بلدان العالم المختلفة لتجد ما يُشبه طبيعة جبال الألب قدر الإمكان وتعكسه في تصميم المكان.
وبناءً على مجموعة من الصور المرجعية التي جمعتها، طلبت من فنسنت أن يرسم مناظر طبيعية على الجدران مستوحاة من تلك الصور.
وقد تم توظيف فنسنت تحديدًا لأنه يتمتع بقدرة استثنائية على رسم المشاهد وكأنها حقيقية.
والنتيجة؟ نجاح باهر.
حتى إن بعض الزبائن شعروا وكأنهم انتقلوا فعلًا إلى تلك البلاد الأجنبية.
“لدينا الآن 40 زبونًا في قائمة الانتظار.”
جاء أحد موظفي المقهى يُبلغ ديا بما يجري.
كان هناك زبائن يأتون إلى المقهى ثم يغادرون بعد الحصول على رقم انتظار، لأن المقاعد ممتلئة بالكامل.
أما النبيلات اللواتي حالفهن الحظ ودخلن، فكنّ منشغلات بالتقاط صور لهنّ في زوايا التصوير الخاصة، أمام موظفي المقهى الذين يحملون آلات التصوير السحرية.
وكان طاقم التصوير يعمل بجد واجتهاد كبير، فقد تلقوا تدريبًا مكثفًا على يد فينديا نفسها حول كيفية التقاط “صور العمر” باحتراف.
“المشروبات تُباع بشكل جيد، سواء كانت باردة أو ساخنة.”
أومأت فينديا برأسها، وقد كانت تتابع التقرير باهتمام.
وُضعت على الطاولات مشروبات بعدد الزبائن بدقة. ورغم أن الأسعار كانت أعلى من المقاهي الأخرى، فإن الزبائن التزموا جميعًا بقاعدة “مشروب واحد لكل شخص”.
توقّعها بأن المقهى سيحظى بشعبية بين الشابات النبيلات كان في محلّه تمامًا.
لكن ما لم تتوقعه هو هذا التنوع الكبير في أعمار الزبائن.
وكان هناك عدد لا بأس به من السيدات الأكبر سنًا، كما أن عدد الرجال كان ملحوظًا أيضًا.
اتضح أن الرغبة في الحصول على “صورة العمر” لا تقتصر على فئة عمرية أو جنس معين.
قالت فينديا بتوجيه احترافي:
“هذا جيد. إذا أراد الزبون صورة كاملة للجسم، فلا تلتقطوها من الأمام مباشرة. التقطوا الصورة من زاوية منخفضة مائلة قليلًا إلى الأعلى. هكذا ستبدو الأرجل أطول بشكل طبيعي.”
“حسنًا، سأحرص على إبلاغ الفريق مرة أخرى.”
“واهتموا بجودة الطعام أكثر. حتى وإن كانت الصور رائعة، فإن الزبائن لن يعودوا إن لم يكن الطعام لذيذًا.”
فالمقهى، مهما بلغت جاذبيته البصرية، لن يعود الزبائن إليه إن لم يكن الطعام لذيذًا.
“بالطبع، سآخذ ذلك بعين الاعتبار.”
وبعد أن تبادلت مع الموظف بضع كلمات أخرى، غادرت فينديا المقهى.
الفكرة القادمة ستكون… الغابة.
فكّرت في ذلك بينما كانت تنظر حولها، وقد شعرت بدهشة داخلية؛ إذ إن “القسم الثاني،” الذي كان قبل أسابيع قليلة مجرد مكان مهجور لا يأتيه سوى من يشتري جوز الهند، قد تغيّر كليًا في غضون ثلاثة أسابيع فقط.
لم يكن الازدحام يقتصر على المقهى فقط، بل امتد حتى الشوارع المحيطة به، إذ غصّت بالناس.
“نعتذر! بسبب تراكم الطلبات، يُرجى من الزبائن الذين يسجلون طلباتهم الآن العودة بعد ساعة ونصف لاستلام طلباتهم!”
صرخ موظف متجر رقائق جوز الهند، وهو يحمل واحدة بين يديه، مخاطبًا الزبائن المنتظرين في طابور الانتظار.
ورغم الإعلان بأن وقت الانتظار قد ازداد من ساعة إلى ساعة ونصف، فإن الطابور لم يتناقص، بل ازداد طولًا.
فمن الذي يرفض خدمة مجانية لفتح جوز الهند الصلب؟ لم يكن هناك ما يمنعهم من الانتظار.
لقد كانت حيلة مثالية لاستقطاب الخدم الذين ينجزون المهام نيابة عن النبلاء والعامة على حدٍّ سواء.
“أرسلوا عشرين شحنة إلى قصر الكونت سيلسين، من فضلكم.”
“ونحن نطلب ثلاثين شحنة، أرسلوها إلى قصر الكونت غاليري.”
إلى جانب ذلك، كانت صناديق هدايا جوز الهند المصممة بطابع فاخر تُباع بكميات كبيرة بين النبلاء، كأنها سلعة نادرة.
“تمامًا كما خُطط له.”
كانت فينديا تراقب المشهد بكل فخر ورضا.
صحيح أن خدمة تقشير جوز الهند لم تكن تحقق ربحًا مباشرًا، لكن مبيعات صناديق الهدايا كانت تعوّض ذلك بشكل ممتاز.
في الحقيقة، الهدف من تقديم خدمة تقشير جوز الهند لم يكن الربح المباشر، بل إبقاء الناس في المكان لأطول فترة ممكنة.
استراتيجية “الاحتجاز الناعم”.
تقوم الخدمة على تقشير جوز الهند مجانًا، لكن بشرط أن ينتظر الزبون ساعة كاملة.
وهذه الساعة لا تكفي للذهاب إلى المنزل والعودة، لذلك كان من المؤكد أن الزبائن سيقضون هذا الوقت في التجول، أو تناول الطعام، أو زيارة المقهى القريب.
وفي تلك الفترة الزمنية، سيبقون داخل نطاق القسم الثاني، وبالتالي سترتفع المبيعات تلقائيًا؛ فحيثما وُجد الناس، وُجدت النقود.
بعبارة أخرى، كانت فينديا تشتري وقت الزبائن عبر تقديم خدمة مجانية.
وبين انتظار تقشير جوز الهند، وطابور الدخول إلى مقهى “صور العمر”، بدأ الزبائن يتجهون نحو المقاهي والمتاجر الأخرى في المنطقة.
وهكذا بدأت دورة انتعاش تجاري شاملة.
كونها عملت سابقًا في قسم التسويق، كانت فينديا تعرف جيدًا كيف تستفيد من “تأثير التنقيط” الاقتصادي، ونجحت في تطبيقه عمليًا.
لكن الأهم من ذلك…
“أوه؟ يبدو أن متجرًا للفطائر قد افتُتح هنا أيضًا؟”
“حقًا؟”
“هل نذهب لنرى؟ سمعت أن متجر الفطائر في القسم الأول فقد زبائنه بعدما تغيّر طعمه وشكله.”
“لكن هذا المكان يعج بالزبائن، هيا بنا نجربه!”
وعندما لاحظ المارّة المتجر الجديد، انضموا تلقائيًا إلى طابور الانتظار بدافع الفضول.
أما فينديا، التي كانت تراقب ازدياد عدد الزبائن في متجر الفطائر الذي افتُتح قبل أيام فقط، فقد علت وجهها ابتسامة عريضة.
فهي تعرف أن أعداد الزبائن ستواصل الارتفاع.
ذلك المتجر لم يكن سوى الفرع الجديد لذاك المتجر الشهير في القسم الأول.
وتعود بنا الأحداث الآن إلى ما قبل ثلاثة أسابيع — إلى لحظة انطلاق هذا المشروع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
الواتباد : han__a505
التعليقات لهذا الفصل "025"