وضعت امرأة شريحة من رقائق جوز الهند المخصصة للتذوق في فمها.
راقبها الجميع وهم يحبسون أنفاسهم، مترقّبين بفارغ الصبر أن تنفرج شفاهها وتنطق بالحكم.
لكن فم المرأة بقي مغلقًا، وكأنها تتعمّد المماطلة أو تستغرق في التذوق، إذ أغمضت عينيها وبدأت تتذوق الرقاقة بتمعّن.
“أه… ما رأيك؟”
لم يتمالك أحد الحاضرين نفسه وسأل أخيرًا، عندها فقط فتحت المرأة عينيها وقالت:
“مقرمشة، وحلاوتها معتدلة، وطعمها غني…”
“مقرمشة؟”
“إنها لذيذة للغاية!”
مع هذا الإعلان، اندفع الجميع نحو الصينية، يلتقطون الأطباق ليتذوقوا رقائق جوز الهند بأنفسهم.
قرمشة، قَرْمَشَة.
تعالت أصوات تفتّت الرقائق في أنحاء المكان.
“يا إلهي…”
تفاجأ الجميع واتسعت أعينهم من شدّة الدهشة.
ففي العادة، تُصنع الحلويات من الزبدة الغنية، لكن هذه الرقائق كانت شيئًا مختلفًا تمامًا.
خفيفة ونظيفة على الحنك، لكنها مليئة بالنكهة والحلاوة.
النوع المغطّى بالعسل حلو، بينما النوع الآخر كان بسيطًا ونقي الطعم.
“كيف تُصنع هذه الرقائق؟”
“هل تُباع في المتجر؟ من أين يمكننا الحصول عليها؟”
بدأت الأسئلة تنهال من الحضور بعد ظهور هذه الحلوى الفريدة.
وبدأ الموظفون، الذين تم تدريبهم مسبقًا بعناية، في ترديد العبارات المحفوظة بكل سلاسة وثقة.
“إذا أحضرتم جوز الهند الذي اشتريتموه، فسوف نقوم بفتحه نيابة عنكم مجانًا!”
“سيفعلون ذلك بدلًا عنا؟”
سادت همهمة بين الحضور من شدّة الدهشة.
ولهم الحق، فجوز الهند أصبح رائجًا، والجميع بدأ بشرائه وتناوله، لكن المتاجر لم تكن تبيع سوى الثمرة نفسها، دون تقديم خدمة فتحها، ما يجعل الأمر متروكًا بالكامل للمشتري.
وقشرة جوز الهند الخارجية صلبة للغاية، وتحتاج لطرقها عشرات المرات بسكين عادي، وهو أمر متعب ومزعج.
والآن، هناك من يعرض فعل ذلك عنهم؟
ربما لم يلفت هذا انتباه النبلاء الذين يرسلون خدمهم للقيام بذلك، لكن بالنسبة للعامة الذين يشترون ويفتحون الثمار، كان هذا خبرًا رائعًا.
استهداف مثالي.
ولم يكن هذا كل شيء.
“بالإضافة إلى ذلك، إذا أردتم شراء رقائق جوز الهند فقط، فيمكنكم الحصول عليها بسعر 5.99 كرانغ، أو شراء مجموعة كاملة بسعر 20 كرانغ.”
“ها هي.”
ظهر موظف آخر من حيث لا يدري أحد، رافعًا صندوقًا بين يديه ليعرضه على الحضور.
أطلق الحاضرون عبارات إعجاب.
في قاع الصندوق الأنيق وُضعت وسادات داعمة، وفوقها وُضعت حبتان من جوز الهند المُقشّرتين بدقة ومغلفتين بورق فاخر.
كما احتوى الصندوق على زجاجتين صغيرتين؛ إحداهما على شكل زجاجة لطيفة مزينة برسم جوز الهند، والأخرى تحتوي رقائق جوز الهند في عبوة زجاجية صغيرة جذابة.
يُقال إن العين تأكل قبل الفم، وكان ذلك خير مثال.
التغليف الفاخر جعل منها هدية مثالية، واستقطب على الفور أنظار النبلاء القريبين من المكان.
“سيبدأ البيع من الأسبوع المقبل! والموقع بجوار متجر جوز الهند في القسم الثاني! نرجو منكم الكثير من الدعم والاهتمام!”
انتشرت الأخبار بسرعة من خلال الأحاديث المتناقلة.
* * *
“ماركيزة لافين، أشكركِ على دعوتكِ.”
“كلما رأيتكِ، أزداد فضولًا لمعرفة سر هذا الجمال الذي يزداد نضارة يومًا بعد يوم!”
“أليس حب الماركيز لكِ هو السر وراء هذا التألق؟ يظهر ذلك جليًّا على وجهكِ!”
تنافست السيدات والآنسات النبيلات في إغداق سيدة واحدة بالمديح والكلمات المعسولة السطحية.
كان الجميع يدرك أن جمال ماركيزة لافين ليس استثنائيًا، لكن للحفاظ على رضاها، كانوا مستعدين لقول ما لا يعتقدونه حقًا.
فقد كانت ماركيزة لافين تُعدّ ملكة المجتمع الأرستقراطي في الإقليم، وإغضابها يعني الخروج من دائرة النخبة الاجتماعية فورًا.
“ها ها ها، أجل، ذلك الرجل لا يكفّ عن تدليلي”، ردّت الماركيزة ضاحكة، وقد اعتادت على هذا النوع من المجاملات.
في حديقة عائلة لافين المزهرة بأزهار ملونة زاهية، جلست نحو ثلاثين سيدة وآنسة عند طاولات مغطاة بمفارش بيضاء أنيقة.
رغم أن الجميع تمنّى حضور حفل الشاي هذا، الذي يُقام لأول مرة منذ مدة طويلة في قصر لافين، إلا أن ثلاثين فقط نلن شرف الدعوة.
وكانت يوليز إحداهن.
وبما أنها أصبحت مؤخرًا نجمةً صاعدةً في مجتمع هيدن، فقد جرى إجلاؤها بالقرب من الماركيزة، إلى مقعد قريب من رأس الطاولة.
ومع ذلك، لم تكن يوليز معتادة على هذا النوع من حفلات الشاي، المليئة بالمجاملات المصطنعة والأحاديث المبالغ فيها.
فمنذ صغرها، كانت تفضل ركوب الخيل والتلويح بسيف خشبي على ارتداء الفساتين واحتساء الشاي. شعرت بأنها غريبة عن هذا الجو، وضاقت ذرعًا لدرجة أنها أوشكت على الانسحاب، لكنها تمالكت نفسها استجابةً لرجاء ديا المتكرر.
ففي النهاية، كانت يوليز هي من طلبت من الماركيزة تنظيم الحفلة، متعهدة بتحمّل جميع التكاليف بنفسها.
وكان ذلك بتوجيه من ديا.
—
“علينا استغلال هذه الفرصة للترويج بالشكل الصحيح.”
—
غرست يوليز كلمات ديا في قلبها بعمق. كل هذا من أجل إنقاذ القسم الثاني.
“هل نتابع إلى الداخل؟ لقد أعددت شيئًا بعد الشاي.”
نهض الجميع بسرور وبدوا وكأنهم معتادون على اتباع خطوات ماركيزة لافين.
ولم تتردد يوليز في الانضمام إليهم ودخول القصر.
في ممر القصر، وسط جو تعمه الضحكات الراقية، توقفت إحدى السيدات فجأة وقد لفت نظرها إطار صورة معلّقة على الحائط.
“يا إلهي، ماركيزة، هذه الصورة رائعة!”
عندها التفتت جميع السيدات والآنسات للنظر إلى اللوحة المعلّقة على الجدار.
“تلقيتُها كهدية مؤخرًا.”
أجابت الماركيزة بسرور وهي في غاية الرضا.
كانت صورة الماركيزة لافين معلّقة على الحائط الأبيض في الممر، ويجاورها مباشرة صورة أخرى للمركيز لافين.
صورة الماركيزة كانت لنصف جسدها، تجلس فيها بأناقة، بينما كانت صورة الماركيز كاملة الطول، واقفًا بثبات ومهابة.
لكن… كان ثمة أمرٌ غير مألوف.
الصورة بحد ذاتها كانت جميلة ومُتقنة. وكانت الملامح بوضوح هي لماركيزة وماركيز لافين.
ومع ذلك… شيء ما لم يكن طبيعيًا. كانت بالفعل صورة الماركيزة، ولكن وكأنها ليست هي.
بل هي نفسها، لكن هناك شيء غير مألوف…
“… آه…”
بدأت السيدات والآنسات، اللواتي أُعجبن بالصور، يُدركن شيئًا فشيئًا أمرًا غريبًا.
فحين أمعنّ النظر، لم يكن هناك أثرٌ واحد لعيبٍ على وجه الماركيزة، حتى تلك العيوب الطفيفة التي عجزت مساحيق التجميل عن إخفائها، لم يكن لها وجود في الصورة.
أما شعرها فكان يلمع ببريق صحّي، ويبدو ناعمًا وذا كثافة واضحة.
وصورة الماركيز لم تكن مختلفة كثيرًا.
فبالرغم من أنه كان معروفًا بقصر قامته، إلا أن ساقيه في الصورة بدتا أطول بكثير من الواقع.
كيف بدا الأمر طبيعيًا إلى هذا الحد؟
وفوق ذلك، كانت نظرته حازمة، وشعره المصفف بعناية بدا أكثر كثافة وحيوية من المعتاد.
ومع تطور أدوات التصوير السحرية، بدأت الصور تحلّ محل اللوحات المرسومة، وأصبح من المعتاد أن تُطبع الصور بحجم كبير وتُعلّق على الجدران.
فهذا هو الاتجاه السائد حاليًا، وأصبح من مظاهر الرقي.
لكن لهذا الاتجاه سلبياته؛ فالصور، على عكس اللوحات المرسومة، تُظهر كل شيء على حقيقته، دون تنقيح بالفرشاة.
لذلك، كان النبلاء يخضعون لحميات صارمة وعناية دقيقة بالبشرة قبل موعد التصوير.
وفي يوم التصوير، كان المكياج الثقيل أمرًا لا غنى عنه، ومع ذلك، كانت هناك حدود لما يمكن إخفاؤه.
ولكن… كيف استطاعت هذه الصورة أن تخفي كل العيوب وتُبرز الجمال بهذا الشكل؟
مهما أمعنّ النظر، لم يستطعن فهم السر.
والأكثر إدهاشًا كان خلفية الصورة، التي أسرت أنظار الحاضرات وأذهانهن.
فخلف الماركيز والماركيزة، ظهرت طبيعة خلابة تتكوّن من جبال مكسوّة بالثلج وبحيرة زرقاء عميقة.
كان منظرًا لم تره أيٌّ منهن من قبل.
في الجنوب، حيث المناخ دافئ أغلب الوقت، لا وجود لمثل هذا المشهد الخيالي.
“أين يقع هذا المكان، سيّدتي؟ هل سافرتِ إلى بلد آخر؟”
كان الفضول يأكلهن لمعرفة إن كان هذا المكان حقيقيًا. وإن كان كذلك، فهنّ على استعداد للذهاب إليه مهما طال الطريق، فقط لالتقاط صورة مماثلة.
صورة فريدة كهذه ستكون مصدر فخر لسنوات طويلة.
“وهل يمكننا معرفة من هو المصوّر؟ أود بشدّة معرفة أين التُقطت هذه الصورة، سيّدتي.”
كان كل الضيوف ينتظرون بفارغ الصبر إجابة الماركيزة.
“الآنسة يوليز، ما اسم المصوّر مرة أخرى؟”
التفتت الماركيزة لافين نحو يوليز وسألتها.
لماذا تسأل يوليز؟
انتقل اهتمام الحاضرات نحوها في لحظة واحدة.
“هذه صورة قدّمتها لي الآنسة يوليز كهدية، ويُطلق عليها اسم ‘صورة العمر’، التقطها مصوّر من مقهى ’الحياة‘ التابع للقسم الثاني في ذا لاين.”
“صورة العمر؟” بدأت الهمسات تنتشر بين الحاضرات.
وبينما كانت أعينهنّ تتبادل النظرات باستغراب، بدأت يوليز التي كانت تراقب تفاعلهم عن كثب، تُلقي العبارات التي لقّنتها لها ديا بإتقان شديد:
“ابتداءً من الأسبوع المقبل، سيُقدّم مقهى ’الحياة‘ في القسم الثاني صورًا مجانية من هذا النوع.”
“صور مجانية؟”
“نعم. سنختار أسبوعيًّا اثنين من زبائن المقهى لتقديم صورة العمر كهذه. والمصوّر موهوب يعمل حصريًا مع القسم الثاني، ولا يمكنكم إيجاد مثله في أي مكان آخر.”
دبّ الحماس بين السيدات والنّبيلات. تبادلن النظرات المترددة، وقد بدَون منجذبات للفكرة، حتى تجرأت إحداهن وسألت:
“أفهذا المكان في الصورة… ليس حقيقيًّا؟ أهو داخل المقهى؟”
“صحيح، إنها من داخل المقهى. لدينا عدة زوايا تصوير مصممة لتلائم رغبات الزبائن، ويمكنهم اختيار الخلفية التي يرغبون بها.”
تذكّرت نصيحة ديا بأن “لا أحد يقاوم صورة مثالية”، ووجّهت يوليز جملتها الأخيرة بحزم:
“زوروا مقهى ’الحياة‘ في القسم الثاني، واحصلوا على أجمل صورة في حياتكم.”
كان إعلانًا دعائيًا مباشرًا… ومؤثّرًا.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
الواتباد : han__a505
التعليقات لهذا الفصل "024"