«يا لك من أحمق تافه!»
«أ-أنا آسف…»
«اخرس! اغرب عن وجهي حالًا!»
بوم!
ضرب “فالديني” الطاولة بعنف وهو يحدّق في الرجل الذي بالكاد كان يستطيع التحدّث من شدّة تورّم وجنتيه وسقوط إحدى أسنانه.
وتحت وطأة أمر الطرد العنيف، نهض الرجل المرتجف من ركبتيه وغادر الغرفة مهرولًا.
«أحمق عديم النفع!»
لم يستطع “فالديني” كبح غضبه، فرمى كأسًا زجاجيًا باتجاه الباب الذي كان يُغلق.
تحطّم الكأس بصوتٍ حاد، متناثرًا إلى شظايا على الأرض في اللحظة التي أُغلق فيها الباب.
تنفّس “فالديني” بصعوبة، وكان صدره يعلو ويهبط من شدّة الغضب، قبل أن يجلس على كرسيه.
كان قد أمر بالاستيلاء على متجر جوز الهند في القسم الثاني، لكن ماذا نال مقابل ذلك؟ عاد الرجل مضروبًا، بلا أسنان.
والأسوأ من ذلك؟ لقد ضُرب على يد شقيقته!
كان “فالديني” يعلم منذ البداية أن “يوليز” لم تكن فتاةً عادية — فمنذ صغرها لم تكن تهتم بالدمى، بل كانت تضربها — ومع ذلك، فهي تبقى امرأة. امرأة أضعف جسديًا من الرجل.
ومع ذلك، تلك المرأة لم تكتفِ بكشف خطّته، بل ضربت رجله حتى أفقدته وعيه. كانت فضيحة لا توصف.
«إذًا، هي تعلم بكل شيء.»
همس “فالديني” وهو ينقر على سطح المكتب بإصبعه السبّابة.
لا شك أنها أدركت أنه هو من دبّر المكيدة للاستيلاء على متجر جوز الهند. ومع هذا، التزمت الصمت.
«ثعلبة ماكرة… ما الذي تخطّط له؟»
كانت شوكة في خاصرته، بل مصدر إزعاج دائم. فكرة التنافس على الخلافة بحد ذاتها كانت سخيفة. في العادة، يُورّث اللقب للابن البكر، هكذا تسير الأمور في هذا العالم. إنه “القانون الطبيعي”.
لكن، قبل عدّة أشهر، أعلنت والدته فجأة أن الوريث سيُختار بشكلٍ عادل من خلال منافسة.
«لا بدّ أنها — يوليز — من دفعت أمي إلى هذا القرار.»
فقط لمجرّد تذكّر الأمر، بدأ “فالديني” يصرّ على أسنانه من شدّة الغيظ.
“يوليز”، التي ظلّت منذ طفولتها تتحدّث عن رغبتها في أن تصبح رئيسة العائلة، دون أن تُدرك مكانتها الحقيقية، لا شك أنها هي من أوحت بالفكرة إلى والدتهم.
أما والدتهم، مركيزة “هيدن”، فكانت امرأة معروفة بعدلها ونزاهتها.
اعترض “فالديني”، لكن اعتراضه لم يجدِ نفعًا.
وفي النهاية، لجأ إلى الحيلة واستحوذ على القسم الأول. أما “يوليز”، فحصلت على الثاني، الذي لا أمل له في الفوز، في حين أن الأخ الأصغر لم يكن مهتمًا باللقب أصلًا، فحصل على الثالث.
كلّ شيء كان يسير وفق خطّته.
حتى جاء اليوم الذي افتُتح فيه فرعٌ لمتجر “جوز الهند” في القسم الثاني.
كان هذا أوّل فرع للمتجر الشهير خارج العاصمة. فجأة، بدأ القسم الثاني، الذي كان يحتضر، ينبض بالحياة من جديد. وبدأ الناس يتوافدون إليه لشراء جوز الهند.
حتى أن “فالديني” حاول إقناع ماركيز “روتشينس”، الذي يحتكر بيع جوز الهند، بنقل المتجر إلى القسم الأول مقابل شروط أفضل، لكنه قوبل بالرفض.
«اللعنة… كيف استطاعت إقناعه؟»
كيف تمكّنت من كسب رجل عنيد كالماركيز “روتشينس” وإقناعه بافتتاح متجره في القسم الثاني؟
بالطبع، متجر جوز الهند وحده لم يكن كافيًا ليجعلها تفوز. فالقسم الأول يمتلك عدد عملاء أكبر وبشكلٍ ساحق.
لكن كان عليه اجتثاث البذرة قبل أن تنمو. لا بدّ من قطع الطريق قبل أن تصعد مرّة أخرى.
«سيدي فالديني.»
«ماذا الآن!»
صرخ بحدّة عند سماع طرقٍ على الباب، فانفتح ودخل أحد مساعديه.
اقترب المساعد بسرعة، وانحنى بأدب قبل أن يبدأ بالحديث:
«تمّ تسجيل موظّف جديد في القسم الثاني.»
«وتأتي لتبلغني بهذا الهراء؟! بدلاً من إضاعة الوقت، فكّر في طريقةٍ لانتزاع متجر جوز الهند!»
«إنه شخصٌ تعرفه، سيدي.»
ارتفع حاجبا “فالديني” الذي كان يزمّ شفتيه بغضب، متفاجئًا.
لم يكن يهمه من توظّف “يوليز” — فهي لن تستطيع إدارة ذلك السوق الضخم بمفردها على أية حال. أما هو، فكان يديره خمسة موظفين بالفعل.
وكان يؤمن أن من صفات القائد الحقيقي أن يعرف كيف يميّز الموهبة ويستعين بها.
«من هي؟»
«ديا. تلك المرأة أصبحت مستشارة في القسم الثاني.»
«بخ… هاهاهاها!»
ما إن نطق المساعد بذلك الاسم، حتى انفجر “فالديني” في نوبة ضحكٍ مدوية.
أمسك ببطنه من شدّة الضحك حتى اغرورقت عيناه، ثم مسح دموعه بمتعةٍ واضحة.
«هاه… يوليز فقدت عقلها فعلًا. أتت بتلك الفاشلة، التي لم تستطع حتى إدارة شؤون منزلها، لتعمل معها؟»
رسم “فالديني” ابتسامة ساخرة، وهو يتخيّل المستقبل بوضوح أمامه.
“يوليز” أولًا، ثم “فينديا”. كانتا مثل باقي النساء — من الأفضل لهنّ الجلوس في البيوت والتطريز، ثم الزواج والاعتناء بأزواجهن.
«ما الذي علينا فعله؟»
«هاه! دعهما وشأنهما. ماذا يمكن للنساء أن يُنجزن أصلًا؟ ستكون هذه فرصتهن الذهبية ليتذوّقن، بطريقتهن الخاصة، عظمة الرجال أصحاب الأعمال الحقيقية.»
قال ذلك بابتسامة خبيثة، مليئة بالازدراء تجاه المرأتين.
* * *
«يا آنسة، كيف تمكّنتِ من إدخال متجر جوز الهند إلى هنا؟»
سألت “فينديا” “يوليز” وهي تراقب متجر جوز الهند، الذي لم يتوقف تدفق الزبائن إليه ولو للحظة.
قبل بضعة أيام فقط، أنهت “فينديا” عرضها بنجاح، وتم تعيينها رسميًا كمستشارة للقسم الثاني. والآن، كانت تقوم بجولة تفقدية برفقة “يوليز”.
كان هناك فقط ثلاثة متاجر تبيع جوز الهند، الذي يُحصد حصريًا من جزيرة تتبع لماركيز “روشينس”.
اثنان منها في العاصمة، أما الثالث فقد افتُتح حديثًا في القسم الثاني.
وكان من المدهش بحد ذاته وجود جوز الهند في هذا العالم — إذ لم يمضِ على اكتشافه عامٌ كامل.
فقد شهد مناخ جزيرة ماركيز “روشينس” تغيّرات سريعة في السنوات الأخيرة، ما وفّر بيئةً ملائمة لنمو أشجار جوز الهند.
واللافت أن باقي الجزر لم تتعرض لأي تغييرات، بينما بدأت جزيرة “روشنيس” تتلقى أمطارًا غزيرة وأشعة شمس قوية على نحوٍ مفاجئ، مما جعلها بيئة مثالية لهذا النبات.
وعلاوة على ذلك، كان جوز الهند ذا جودة عالية — ماؤه حلو ومنعش، خالٍ تمامًا من أي مذاق قابض، مما جعله يحظى بشعبية جارفة في أرجاء الإمبراطورية.
«ألقيتُ بنفسي أرضًا وتوسّلت إليهم.»
«……»
«أمزح فقط، أوني! لا تأخذي الأمر على محمل الجد!»
انفجرت “يوليز” ضاحكة، وقد بدت على وجهها ملامح الاستمتاع وهي ترى تعابير الدهشة على وجه “فينديا”.
رغم أنها قالت إنها تمزح، إلا أن النكتة بدت واقعية — فمع “يوليز”، لم يكن ذلك مستبعدًا تمامًا.
«في الحقيقة، لديّ معرفة بابنة ماركيز روشينس. كنتُ قد ساعدتها من قبل، ويبدو أنها عندما علمت بأنني أعاني من هذا الأمر، تحدّثت مع والدها وأقنعته بمساعدتي.»
«إذًا، حتى إن حاول رشوة الموظفين…»
«بالضبط، لن ينجح.»
هزّت “يوليز” كتفيها بفخر، وبدت الثقة والانتصار جليّين على وجهها. فالخير الذي تقدّمه يعود إليك يومًا ما.
في النهاية، كان ما فعله “فالديني” مجرد مجهودٍ ضائع. ابتسمت “فينديا” بسخرية، ومدّت ذراعيها تتثاءب.
قالت بثقة:
«إذن… لنبدأ الآن.»
عملية إنقاذ القسم الثاني — تبدأ الآن.
* * *
«تفضّلوا بالتذوّق! تذوّق مجاني!»
صرخ عامل بدوام جزئي، وهو يحمل صينية كبيرة، بصوتٍ قويّ وحيويّ.
كان قد تم اختياره عمدًا لامتلاكه صوتًا جهوريًا، وقد أثبت ذلك فعاليته.
فقد بدأ الزبائن الذين قدموا لشراء جوز الهند من القسم الثاني يلتفتون بفضول نحو مصدر الصوت الذي دوّى في المكان.
«جرّبوه! إنه مجاني!»
كلمتا “تذوّق” و”مجاني” جذبتا انتباه بعض الأشخاص الذين كانوا متجهين مباشرة إلى متجر جوز الهند، فاقتربوا بدافع الفضول.
وكأن العامل كان ينتظر تلك اللحظة، ابتسم ابتسامة مشرقة وهو يمدّ الصينية نحوهم.
كانت الصينية تحتوي على عدّة أطباق ورقية صغيرة، وُضِع في كل منها بضع قطع من وجبة خفيفة رقيقة وذهبية اللون، تبدو مقرمشة وشهيّة.
«تفضّلوا، خذوا واحدة لكلّ شخص!»
«واحدة فقط؟»
«نعم، كلّ شخص يأخذ طبقًا واحدًا.»
وبتلك الكلمات، مدّ الناس أيديهم كما لو كانوا مسحورين، وأخذوا الأطباق الورقية الصغيرة. وبرغم كونها مجرّد عيّنة مجانية، إلا أن العرض الأنيق والنظافة لفتوا الأنظار.
«ما هذا؟ هل هي حلوى جديدة؟»
تساءل أحد الزبائن وهو يحدّق في الوجبة الموجودة على طبقه.
كانت تشبه إلى حدّ ما عجينًا مقليًا رقيقًا، لكنها اختلفت قليلًا، إذ كانت أرقّ بكثير.
وفوق ذلك، بدا أن نصف سطحها مغلّف بطبقة لامعة، كما لو طُلي بشيءٍ ما.
«إنها رقائق جوز الهند!»
«ماذا؟ لكن جوز الهند سائل! هل صُنعت من ماء جوز الهند؟»
اتسعت أعين الزبائن من الدهشة عند سماع المكوّن غير المتوقع.
حتى أولئك الذين كانوا يمرّون دون اكتراث بدأوا يتجمّعون حول العامل فور سماعهم أن الوجبة مصنوعة من جوز الهند.
«إنها مصنوعة من اللبّ الأبيض داخل ثمرة جوز الهند. طعمها لذيذ، وفوق ذلك فهي مفيدة للصحة — إنّها طعام صحي بامتياز!»
«وصنعتم منها وجبة خفيفة؟!»
بدأ الهمس يتصاعد بين الحاضرين، وعمّ المكان ضجيجٌ خافت من الدهشة.
فالأغلب اعتادوا على شرب ماء جوز الهند والتخلّص من الباقي.
صحيح أن البعض كان يأكل اللبّ الداخلي من حين لآخر، لكنه كان يُؤكل بشكله الطبيعي، ولم يسبق لأحد أن رأى مثل هذه الرقائق من قبل.
قرمشة!
صدر صوتٌ مقرمشٌ مثير للشهيّة، وجذب أنظار الجميع نحو مصدره.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
الواتباد : han__a505
التعليقات لهذا الفصل "023"