«همممف! همممف!»
ما إن رأى الرجل “فينديا” حتى بدأ يتلوّى بعنف. وقد تمايل الكرسي الهزاز جيئةً وذهابًا بشكلٍ خطر، بفعل حركة جسده العنيفة.
«……»
كان المشهد غريبًا إلى درجة أن لساني عجز عن النطق.
«أليس هذا الوغد يستمتع بما يحدث؟»
قال “رون” بامتعاض، وقد علت وجهه ملامح الاشمئزاز وهو يراقب الرجل يتأوّه ويتمايل على الكرسي بشكل مبالغ فيه.
«همممف! همممف!»
ظلّ الرجل يصدر تأوّهات متكررة، وكان فمه مكممًا، مما جعل كلامه غير مفهوم، لكنه بدا وكأنه يحاول الدفاع عن نفسه.
«آه، توقف عن هذا! كفّ عن التململ وابقَ مكانك.»
وحين نفد صبره، ركل “رون” الكرسي الهزاز بقوّة، فانقلب إلى الخلف من شدّة الدفع.
«همممف!»
سقط الرجل على الأرض بصوتٍ مكتوم، وكانت قدماه تتحركان على نحو بائس، كذيل سمكة تتلوّى خارج الماء.
«من هذا الرجل؟ ما الذي يحدث هنا؟»
«إنه متسلل!»
عندما طالبت “فينديا” بتفسير لهذا المشهد الغريب، صرخت “ساشا” بانفعال.
وعند التمعّن، لاحظت أن “ساشا” تمسك بمقلاة، و”كريس” يحمل عصا مكنسة، أما “رون” فكان خالي اليدين.
«ليس أنا من فعلها.»
رفع “رون” صوته مدافعًا، وقد بدت ملامح الغضب على وجهه، وكأنه شعر بالاتهام حين نظرت إليه “فينديا” تتحقّق ممن كان يحمل شيئًا.
«لكنني لم أقل شيئًا.»
«أقسم أنه ليس أنا. لا أعرف أحدًا بهذا الغباء. أيّ معتوه يقتحم منزلًا ثم يُغمى عليه فورًا بسبب ضربة مقلاة؟»
ضيّقت “فينديا” عينيها بشك، ثم التفتت إلى “ساشا” بعد سماع تعليق “رون”.
«تشه. المقلاة تقوّست بسببه.»
تمتمت “ساشا” بوجهٍ حزين، وهي تحدّق في المقلاة التي ارتفع قاعها المستوي نحو الأعلى بشكلٍ ملحوظ.
حقًا؟ هل هذا ما يحزنكِ الآن…؟
لكن دهشتها لم تدم طويلًا.
فما أدهشها حقًا لم يكن أن “كريس”، الحارس، لم يتصدَّ للمتسلل، ولا أن “رون” لم يكن هو من طرحه أرضًا، بل أن “ساشا” هي من قبضت عليه!
«أنا لستُ… همممف!»
عندها، صرخ الرجل الملقى على الأرض وهو يتلوّى، وكأن هناك شيئًا ضروريًا يحاول قوله…
«لستُ معتوهًا!»
«همممف!»
وحين قالت “فينديا” ذلك وكأنها تخمّن، ردّ الرجل على الفور، وكأنه يؤكد كلامها.
«……»
هل هذا هو ما يشغلك الآن؟
رمقه الأربعة جميعًا بنظرات امتعاض ممزوجة بالشفقة.
«ساشا، ماذا حدث؟»
«حسنًا…»
وباختصار، فقد تسلّل أحدهم إلى المنزل في الليل. شعرت “ساشا” بالخطر، فأمسكت بمقلاة من المطبخ، وتسلّلت بخفّة خلف الرجل، ثم ضربته على مؤخرة رأسه.
فأُغمي عليه في الحال. لم تستطع التعامل مع الوضع بمفردها، فاستعانت بـ”كريس”، وسحباه معًا إلى الحديقة، حيث قيداه في الكرسي.
كمّمت “ساشا” فمه بإحكام، تحسّبًا لاحتمال أن يثير ضجّة.
«لماذا كنتَ في الخارج، أيها المستأجر؟»
«عندما يتسلل أحدهم ليلًا، كما لو أنه على وشك دفن جثة، كيف لي ألا أخرج لأتحقّق؟»
بمعنى آخر، لقد صادف المشهد صدفة، وخرج لأنه بدا ممتعًا بالنسبة له.
«تولّوا الأمر بأنفسكم. أنا ذاهب.»
لكن “رون”، وقد فقد اهتمامه فجأة، استدار ودخل القصر دون أن يلتفت خلفه.
«سيدتي… هل ندفنه؟»
سأل “كريس” وهو ينخز الرجل المتلوّي بعصا المكنسة، كأنّ الأمر لا يتعدّى عملًا يوميًا.
يا لها من قدرة على قول أشياء مرعبة بذلك الوجه البريء.
«ندفنه؟! لا طبعًا. أولًا، علينا التأكّد مما إذا كان يعمل وحده أم أن أحدًا أرسله.»
«كما هو متوقّع من سيدتنا ديا. هناك فرقٌ شاسع بينها وبين شخصٍ ما يفضّل الهمجية.»
قالت “ساشا” بتهكّم، وصفّقت بسخرية وهي تشير بوضوح إلى شخص معيّن بتعليقها اللاذع.
وقبل أن تبدأ المشاجرة بين الاثنتين، اقتربت “فينديا” من الرجل المقيّد إلى الكرسي والممدّد على الأرض.
اتسعت عينا الرجل وهو يحدّق فيها بحدّة.
«من أنت؟ ولماذا تسلّلت إلى هنا؟»
جلست القرفصاء أمامه وسألته، ثم أزالت الشريط اللاصق الذي كان يغطي فمه.
«روز بيك، أووغ!»
«……»
على الفور، أعادت “فينديا” الشريط اللاصق إلى فمه ونهضت واقفة.
«علينا أن نستجوبه.»
* * *
«لنحبسه في القبو!»
«ليس لدينا قبو.»
«……»
انكمشت “ساشا” بحزن بعد اقتراحها الفاشل.
«س-سيدتي… ماذا لو… دفنّاه فعليًا؟ أعني، الساحة الخلفية واسعة بما يكفي…»
«كريس، عندما تقول شيئًا كهذا بذلك الوجه البريء، قد يظنّ الناس أنك جاد فعلًا.»
«لكني… أنا فعلاً كنت…»
«مرفوض.»
قُطعت كلماته بصرامة، فتدلّى رأس “كريس” بخيبة أمل واضحة.
ناقشوا كيفية التعامل مع الرجل، لكن لم يظهر حل فعّال.
وقد انقضى الليل، وأشرقت شمس الصباح.
وكما توقّعت، فقد أرسلت عائلتها هذا المتسلّل.
لو لم تكتشفه “ساشا”، لكانت اختُطفت وأُخذت بعيدًا.
«هاه…»
عبست “فينديا” وهي تضغط على جبينها بأصابعها. صداعها يزداد.
لا يمكنها قتله، فالقتل جريمة مهما كانت دوافعه. ولا تستطيع تسليمه للشرطة، فمن المؤكّد أنه سيفضح أمرها. ولا يمكنها إطلاق سراحه ببساطة، إذ من المحتمل أن تهاجمها عائلتها مجددًا.
إنه موقف يدعو للجنون.
المتسلّل، الذي ظل يتخبّط طوال الوقت، بدا أنه فقد طاقته بالكامل، وبدأ حتى يغفو.
«ما هذا؟ كيف أصبح من أُمسك به مرتاح البال، بينما من قبض عليه هي من تعاني الصداع؟»
كم كان الأمر مثيرًا للسخرية.
مزّقت “فينديا” الشريط اللاصق عن فمه فجأة.
«آآآآآآه!»
صرخ الرجل بألم وفتح عينيه على وسعهما. على الأقل، استيقظ تمامًا الآن.
وحين انتهت من مهمتها، أعادت الشريط إلى فمه بعناية وأناقة.
“…….”
“…….”
غطّت “ساشا” و”كريس” فميهما بصمت.
ورغم جولات النقاش العديدة التي تلت ذلك، لم يتمكن الثلاثة من التوصّل إلى قرار حتى حلول الظهيرة.
«أوني!»
في تلك اللحظة، رنّ صوتٌ مشرق ومنعش كرائحة البرتقال، انتشر في أرجاء الفناء، متناقضًا تمامًا مع “فينديا” التي بدت شاحبة ومنهكة بعد اجتماع الصباح وتفويتها وجبة الإفطار.
رفعت “فينديا” عينيها نصف المُغمضتين.
كانت “يوليز” قد نزلت من عربة متوقفة، تلوّح بكلتا يديها من عند بوابة السور الأمامية.
«بما أنه لم تكن هناك عربة، قررت أن آتي بنفسي!»
«آه… صحيح.»
كانت “فينديا” قد وعدت “يوليز” بتقديم مخطط مفصّل لعملية “إنقاذ القسم الثاني” في فترة بعد الظهر.
وقد أمضت الليلة السابقة في إعداد وثائق الاجتماع، تمامًا كما كانت تفعل في أيام الاجتماعات السابقة، لكنها نسيت كل شيء بسبب ذلك الرجل.
«سيدتي، هل أعيدها؟»
«لا. لكن، هل يمكنك فتح البوابة لها بدلًا من ذلك؟»
هزّت “فينديا” رأسها نفيًا وأعطت التعليمات بهدوء.
وبما أن عائلة الماركيزة عرضت المساعدة، فقد تكون لدى “يوليز” طريقة للتعامل مع الأمر بهدوء.
«ن-نعم، حالًا!»
ركض “كريس” بسرعة لفتح البوابة، ودخلت “يوليز” مبتسمة بسعادة — لكنها تجمّدت في مكانها على الفور.
«يا إلهي.»
لمعت عيناها كما لو أن نجومًا قد زُرعت بداخلهما عندما وقعتا على وجه “كريس”.
وحين بدا أن “كريس” أُربك من تلك النظرات، أشاح بوجهه بخجل، وانحنى تحية سريعة قبل أن يهرب مسرعًا نحو “فينديا”.
تبعته “يوليز” وكأنها مسحورة، كما لو كانت في حالة تنويم.
«أوني! من هذا الذي يبدو وكأن وجهه من عالمٍ آخر…؟ أمم؟ ما هذا؟»
كانت “يوليز” تهمّ بسؤالها عن “كريس” بعينين لامعتين، قبل أن تلاحظ أخيرًا الرجل المربوط إلى كرسي.
قدّمت “فينديا” شرحًا موجزًا ودقيقًا، وأضافت أنهم ما زالوا يناقشون طريقة التعامل معه.
«آه. إذا كان الأمر كذلك، هل أتكفّل به أنا؟»
«أنتِ، يا آنسة يوليز؟»
هل خطر في بالها حلّ جيّد بهذه السرعة؟ لمعت عينا “فينديا” ببارقة أمل.
ابتسمت “يوليز” بهدوء، وبدأت تبحث في جيبها عن شيءٍ ما.
لا يمكن…
وكما كانت “فينديا” تخشى، أخرجت “يوليز” قفازًا ينبعث منه شرر كهربائي خافت.
كان وجهها محمرًّا بخجل، إلا أن قبضتها اليمنى، المرتدية للقفاز، كانت مشدودة بثبات وصرامة.
«ضربة واحدة، وتنتهي المسألة.»
«أممممف!!»
صرخ الرجل المتسلل، وقد شحب وجهه وتخبّط في مكانه مذعورًا.
«……»
فقدت “فينديا” القدرة على الحديث، وأغلقت عينيها المتعبتين.
لا تدري ما إذا كانت المشكلة فيها، أم أن كل من يحيط بها بعيدًا تمامًا عن أي تعريف لـ«الطبيعي».
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
الواتباد : han__a505
التعليقات لهذا الفصل "021"