“ثغرة؟”
“نحن لا نقيم بناءً على إجماليّ المبيعات، بل على معدّل النمو، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
“وهذا يعني أنّ الماركيزة تريد اختيار وريثٍ لديه إمكانياتُ نموٍّ أكبر، وليس فقط من يحقّق أداءً جيدًا حاليًّا. ومن هذا المنظور، فإنّ اختيار القسم الثاني بدلاً من الأول كان قرارًا ذكيًّا.”
“لكن لماذا؟ القسم الثاني بالكاد لديه زبائن، بينما القسم الأول يحقّق نجاحًا باهرًا.”
“لأنّ احتمالية استمرار مبيعات القسم الأول، التي هي بالفعل مرتفعة، في النموّ بشكلٍ متفجّر، ضئيلة جدًّا.”
“هاه؟”
بدت ساشا وكأنّها بدأت تفهم أخيرًا ما كنتُ أقوله.
“فكّري في الانتقال من 80 إلى 100، مقابل الانتقال من 10 إلى 100. أيّهما يملك معدلَ نموٍّ أعلى؟”
الثمانون تمثّل القسم الأول، والعشرة تمثّل القسم الثاني.
ما زال أمامنا ثلاثة أشهر. وإذا نجحنا في جذب الزبائن خلال هذه الفترة، ففرصتنا بالفوز قائمة.
إضافةً إلى ذلك، يضمّ القسم الثاني متجر جوز الهند، وهو المتجر الوحيد من نوعه خارج العاصمة. كلّ ما علينا فعله هو استغلاله بالشكل الصحيح.
“أوه! حين تضعين الأمر بهذه الطريقة، يبدو منطقيًّا فعلًا.”
وحين أدركت ساشا أنّ الأمر لم يكن مجرّد خطوةٍ متهوّرة، بل خطةٌ مدروسة، بدأت تنظر إليّ بثقةٍ أكبر.
بالطبع، لم يكن أيّ شيءٍ ممكنًا دون موافقة يوليز.
وبعد أن استمعت يوليز إلى الخطة، وافقت بلا تردّد، معتبرةً أنّها لن تخسر شيئًا.
فقد كانت في موقفٍ يائس، وقالت إنّها تفضّل أن تحاول على أن تترك الأمور تسوء أكثر.
وطبعًا، لم يكن ذلك بالمجّان.
اتفقتا على أن تحصل على 5% من أرباح القسم الثاني شهريًّا.
وإذا نجحت الخطة، ستحصل أيضًا على مكافأةٍ مضمونة.
وإذا سارت الأمور كما هو مخطّط، فلن يقتصر الأمر على تمويل ترميم القصر، بل سيكون بإمكانهنّ البدء من جديدٍ حقًّا.
“…ها هي تلك النظرة مجددًا. نظرة العجوز المنحرف. سيّدتي ديا، هل أصبحتِ رسميًّا موظّفةً في القسم الثاني؟”
سألت ساشا، وقد اعتادت تمامًا على ابتسامة فينديا الماكرة.
“لا. أنا أعمل كمستشارة.”
“أليس الأمر متقاربًا؟”
“مختلف تمامًا. الموظف شيء، والمستشار شيء آخر.”
“وما الفرق؟”
“المستشار… يبدو أكثر هيبة.”
اتّسعت عينا ساشا بدهشةٍ لا تُصدّق.
“يا للعجب. لن أتفاجأ إن قلتِ لاحقًا إنك ستكتبين كتابًا بعنوان: ‘من موظّفة مبتدئة إلى مالكة مبنى ومستشارة تنفيذيّة: سيرتي الذاتيّة’.”
ولو كتبت سيرتها الذاتية يومًا، لكانت أدرجت منصبها كـ: مالكة مبنى ومستشارة للقسم الثاني.
فينديا، التي لم تستطع كتم ضحكتها، رفعت زاوية فمها وهي تبتسم، وتقدّمت بخفةٍ إلى الأمام.
“ساشا، أسرعي. يجب أن نعود ونبدأ بإعداد العرض التقديمي.”
“انتظريني! آتية!”
أسرعت ساشا خلف فينديا.
وبعد أن اختفت الاثنتان من المكان،
ظهر بهدوء ظلٌّ داكنٌ كان مختبئًا في الزقاق.
كان الرجل يحدّق بفينديا فقط، وشعرها الذهبي يتلألأ وهي تبتعد.
“وجدتُكِ.”
* * *
اختبأ بيتر فوق شجرةٍ بعيدةٍ عن القصر، حابسًا أنفاسه.
لقد مضى وقتٌ طويلٌ منذ بدأ ينتظر وصول الهلال إلى أعلى نقطةٍ في السماء.
وكان الظلام قد اشتدّ لدرجةٍ يصعب معها تمييز ما إذا كانت عيناه مفتوحتين أم مغلقتين.
“إذًا، كلّ هذا الجحيم الذي مررتُ به كان من أجلها؟”
خرج صوته المتمتم ممتزجًا بالامتعاض.
لقد تكبّد عناءً كبيرًا للعثور على هذه المرأة التي كُلّف بتعقّبها.
لقد وصل أمر ملاحقتها حتى إلى صائدي الجوائز، ومع ذلك لم يحدث أيّ تقدُّم يُذكر.
الجميع حاول تعقّب آثار فينديا، لكنّ تحرّكاتها اختفت في لحظةٍ ما، وكأنها تبخّرت.
وما كان لذلك أن يحدث، ما لم تكن قد ماتت… أو أن أحدهم كان يُخفي مكانها عمدًا.
لكن، من هو بيتر؟
أمهرُ متعقّبٍ في نقابة الظلال “وايت” ، الرجل الذي يُشار إليه كخليفةٍ محتملٍ لقائد النقابة. رجلٌ قد تحلم فتياتُ العشرينيات بمواعدته، وقد يتمنّى الآباء أن يكون صهرًا لهم.
“أجل، إنّه أنا… بيتر.”
ابتسم بيتر ابتسامةً واثقة.
وكما هو متوقّع، كان هو أوّل من وجد المرأة، متقدّمًا على صائدي الجوائز المتلهّفين للجائزة الماليّة.
لقد عهد إليه قائد النقابة بهذه المهمّة دون غيره، رغم كثرة الأعضاء، لأنّه ببساطة لا أحد يفوقه مهارةً في العثور على الأشخاص.
وحين فشلت الطرق المعتادة، قرّر بيتر التنقيب في ماضي فينديا.
سواء حين كانت ابنةً لكونتٍ أو زوجةً لدوق، لم تكن لها صداقاتٌ أو معارفُ حقيقيّون يُعتمد عليهم. لذا، لم يكن أمامه سوى رشوة خدم العائلتين.
تحرّى بدقّةٍ تاريخها من خلال خدم عائلة دوق كالفيرمر، وخدم عائلة كونت روز، حتى كشف ماضيها.
حتى بيتر، رغم سنواته الطويلة في العالم السفلي، التي صقلته بالقسوة، لم يسعه إلا أن يشعر بالشفقة على قصّتها البائسة.
وبعد أن عرف كلّ شيء، أصبح تصرّف عائلة روز في محاولتهم لإيجاد فينديا يثير غضبه. لا عجب أنها فرّت منهم.
“الأشخاص أصحاب النفوذ دائمًا ما يكونون الأسوأ.”
تذمّر بيتر وهو ينقر بلسانه باستياء، ثم قفز بخفّةٍ من الشجرة.
ما أوصله إلى هذا الحد كان تلميحًا من أحد خدم كالفيرمر:
“لقد حُبست وجُوّعت لثلاثة أيام، وتعرّضت للإهانات بلا توقّف.”
قيل إنّ فينديا تدخلت للدفاع عن ماركيزة هيدن التي تعرّضت للسخرية في حفل شاي، لكنّ حماتها ضبطتها، فعاقبتها بثلاثةِ أيامٍ من الحبس والحرمان.
وحتى الآن، كانت كلّ المعلومات التي جمعها بيتر تصف فينديا بأنّها شخصٌ هادئٌ ومطيع، لا تتجرّأ على الاعتراض، لذا فوجئ بالحادثة.
تبعًا لحدسه، توجّه بيتر إلى إقليم هيدن — وهناك، عثر عليها بسهولة.
“آسف، لكنني رجلٌ يحترم مهنته إلى أقصى حد.”
ركض بسرعة، وقفز متجاوزًا سورًا يبلغ ارتفاعه كتفَ رجلٍ بالغ، ثم أخذ يتفحّص المكان بعينيه.
لم يكن هناك أيّ حارسٍ في الجوار. ربما توقّف مؤقتًا عن دوريّته — وهذه فرصته.
أما كونها مثيرةً للشفقة، فتلك مسألةٌ مختلفة. لقد وافق على المهمّة، وتسلم مُقدمًا أجره. والآن، كان عليه إنجازها.
دون أيّ تردّد، اندفع بيتر مباشرةً نحو القصر.
* * *
“آه…”
استيقظت فينديا من نومها، بسبب العطش الذي كان يُمزّق حلقها، فمدّت يدها متلمّسةً ما حولها.
تناولت الكوب الموضوع على الطاولة بجانب السرير—كان فارغًا.
مدّت يدها أكثر لتتناول إبريق الماء، لكنه كان فارغًا هو الآخر.
يبدو أنّ عشاء الليلة كان مالحًا قليلًا؛ فقد شربت كلّ الماء الذي أعدّته قبل النوم.
لم يكن أمامها خيارٌ سوى أن تفتح عينيها وتنهض بجسدها الذي ما زال مثقلاً بالنعاس.
كانت ساشا قد دخلت في نومٍ عميقٍ على الأرجح، وبما أنه لا يوجد خدمٌ في المنزل، كان عليها أن تجلب الماء بنفسها.
وقد اعتادت فعلَ الأشياء بنفسها على أيّ حال، لذا خرجت من الغرفة حاملةً الإبريق دون تفكير، وسارت في الممرّ الطويل.
كان المنزل كبيرًا، بمساحةٍ تقترب من 180 “بيونغ”، ويضم عشر غرفٍ، بينها غرفة نوم رئيسية، وصالة استقبال، ومكتب، وغرف للضيوف، إضافةً إلى خمسة حمّامات—ولذا كانت الممرات طويلة جدًا.
ولسوء حظّ فينديا، كانت تستخدم غرفة النوم الرئيسيّة، وهي الأبعد عن المطبخ.
كانت ساشا تقيم في غرفة الضيوف القريبة من المطبخ، في حين كان كريس في الغرفة الأقرب إلى المدخل الرئيسي.
وبينما كانت تسير ببطء، مرتديةً خفّها المنزلي، وصلت أخيرًا إلى المطبخ، وملأت كوبًا بالماء وشربته دفعةً واحدة، ثم أعادت ملء الإبريق.
كان الإبريق خفيفًا حين خرجت به، لكنه أصبح ثقيلًا عند العودة. حملته بحرص، وخطت عائدة عبر الممرّ بخطى هادئة.
كان ضوء الفجر الأزرق الباهت يتسلّل عبر نوافذ الممر.
وبينما كانت تمشي، ناظرةً بلا وعي إلى الخارج، توقّفت فجأة وتراجعت بسرعة.
“ما هذا؟!”
سقط الإبريق من يدها دون أن تشعر، وهرعت تلصق وجهها ويديها بزجاج النافذة.
تدفّق الماء من الإبريق المسكوب، وتبلّلت أطراف ثوب نومها، لكنها لم تلتفت لذلك.
بعينين متّسعتين من الصدمة، اندفعت فينديا إلى الخارج.
“ما الذي يجري هنا؟! ماذا تفعلون؟!”
رغم أنها كانت ترتدي خفًّا منزليًّا، إلا أنها ركضت بسرعة عبر الفناء وهي تصرخ باتجاه الأشخاص الثلاثة المجتمعين هناك.
كان المشهد يبدو وكأنه مقتطعٌ من فيلم، بقدر ما كان يعبق بجوٍّ موحش، يكاد يُدفن فيه أحدهم حيًّا.
استدار الثلاثة الذين كانوا مجتمعين تحت شجرة الكستناء في اللحظة ذاتها، وقد عرفتهم فينديا: من اليسار إلى اليمين—ساشا، كريس، ورون.
وبينما التفتوا، ظهر من بين أجسادهم شخصٌ آخر كان مخفيًّا.
رجلٌ مربوطٌ بإحكامٍ على كرسيٍّ هزّازٍ في الفناء، مقيّد اليدين والقدمين، وفمه مكمّم—عاجزٌ تمامًا عن الحركة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
الواتباد : han__a505
التعليقات لهذا الفصل "020"