حدّقت فينديا أمامها وركضتْ بكلّ قوّتها، لكن الفرار كان مستحيلًا.
“أمسكتُ بكِ.”
“آه!”
في النهاية، أمسكتْ بها المرأة.
“لم أرَ شيئًا، أقسم بذلك! حتى إنني أغمضتُ عيني! إذا كنتُ قد رأيتُ شيئًا، فسأتظاهر بأنني لم أرَ شيئًا! أنا جيّدة في ذلك! فقط اتركيني!”
عندما أُمسك بها، أغمضتْ فينديا عينيها بإحكام وبدأتْ تتوسّل بيأس.
في مثل هذه اللحظات، من الأفضل تجنّب النظر إلى وجه من يطاردك.
كان الهدف إيصال رسالةٍ صادقة قدر الإمكان: لم أرَ وجهك، ولن أفشي شيئًا لأحد.
“لماذا قد أقتلكِ؟”
جاءها صوتٌ غير متوقّع، وكأنه يتساءل باستغراب.
لحظة…
لم تكن قد انتبهتْ من قبل بسبب خوفها، لكن صوت المرأة بدا مقاربًا لعمرها.
رغم فضولها، لم تجرؤ فينديا على فتح عينيها بعد.
أهو فخّ؟
هل بمجرّد أن أفتح عيني ستصرخ قائلة: “لقد رأيتِني!” ثم تقتلني؟
بينما كانت فينديا تحلّل كلّ سيناريو ممكن—
“لا بدّ أنكِ أسأتِ الفهم. لم أقتل ذلك الرجل. فقط جعلته يفقد وعيه.”
عاد الصوت مرّةً أخرى بنبرة أهدأ من ذي قبل، تكاد تكون مطمئنة.
بعد تفكيرٍ طويل، ابتلعت فينديا ريقها وفتحت عينيها بحذرٍ قليلًا.
من خلال رؤيتها الضبابيّة، رأت امرأةً تقف أمامها وقد نزعت غطاء رأسها، ولم يكن بيدها أيُّ سلاح.
“لا بأس، يمكنكِ فتح عينيكِ.”
لم يبدُ الأمر وكأنّه فخ، ففتحت عينيها بالكامل بحذر.
عندما اتّضحت رؤيتها، بدأت التفاصيل التي لم تلحظها من قبل في الظهور بوضوح.
على سبيل المثال، كانت المرأة مماثلةً لها في الطول، وكانت تحدّق بها بعينين بنيّتين لامعتين.
كان وجه المرأة مستديرًا وناعمًا، أشبه بوجه أرنبٍ، ممّا أضفى عليها مظهرًا رقيقًا وجميلًا.
بدت في عمرِ فينديا تقريبًا، وربما كانت تصغرها بعامٍ أو عامين.
أما شعرها البنيّ الفوضويّ، فكان مقصوصًا حتى كتفيها.
بشكلٍ عام، لم تكن تبدو كشخصٍ خطير.
ومع ذلك، لم تتخلَّ فينديا عن حذرها بعد.
“إذًا، لماذا كنتِ تلاحقينني؟”
“لم أُرِدْكِ أن تفهمي الأمر بشكلٍ خاطئ! كنتُ أحاول أن أشرح.”
أخيرًا، أبعدت المرأة يدها عن رقبة فينديا.
للحظةٍ خاطفة، راودت فينديا فكرة الهرب مجددًا، لكنها سرعان ما تخلّت عنها. كانت واثقةً من أنها ستُمسك بها مرةً أخرى دون شكّ، فقد أثبتت المرأة بالفعل قدرتها على اللحاق بها بسهولة.
“ذلك الرجل هو من بدأ الأمر. حاول سرقة شيءٍ يخصّني، لذا لقّنته درسًا.”
قالت المرأة ذلك وهي تخلع رداءها، كاشفةً عن جسدها النحيل.
كانت ترتدي قميصًا شفافًا من الشيفون الأزرق، وبنطالًا منقوشًا بخيوطٍ ذهبيّة، مخصّصًا لركوب الخيل، مع حذاءٍ طويلٍ مصنوعٍ من الجلد.
تبدو هذه الملابس والإكسسوارات باهظة الثمن، من النوع الذي لا يستطيع عامّة الناس تحمّل تكلفته.
هل يمكن أن تكون من النبلاء؟ أم أنها فارسة؟
لكن الأهم، كيف تمكّنت من إسقاط رجلٍ بالغٍ بهذا الجسد النحيل؟
“لم أفعل ذلك بيدي فقط، استخدمتُ سلاحًا.”
بينما كانت تتحدّث، مدّت المرأة يدها إلى جيبها، ممّا دفع فينديا للتراجع بخطواتٍ سريعة.
قالت وهي تُظهر القفاز الجلديّ في يدها بفخر، مع ابتسامةٍ خلّابة أبرزت غمازاتها.
قفازٌ جلديّ؟
كان القفاز الجلديّ مرصّعًا بالمسامير.
في اللحظة التي كانت فينديا تتساءل فيها عن جدواه…
تششش!
ضغطت المرأة على زرٍّ صغيرٍ في إبهام القفاز، فتطايرت شراراتٌ مخيفة من المسامير المعدنيّة.
“ضربةٌ واحدةٌ تكفي.”
قالت المرأة ذلك، ثم خفضت نظرها بخجل، واحمرّت وجنتاها الشاحبتان.
لماذا تخجلين أصلًا؟
تجمّدت فينديا بذهولٍ للحظة، لكنها استعادت رباطة جأشها سريعًا عندما لاحظت شيئًا يلمع تحت ضوء الشمس.
رأت دبوسًا مثبتًا على ياقة قميص المرأة بدا مألوفًا جدًّا.
كان دبوسًا على شكل وردةٍ زرقاءَ تتوسّطها لؤلؤة.
“هِيدِن…؟”
“هاه؟ هل تعرفينني؟”
اتّسعت عينا المرأة المستديرتان بدهشة. ثم بدأت تحدّق بتركيزٍ شديدٍ في وجه فينديا، وكأنّها تحاول التذكّر.
وبعد لحظةٍ من الإدراك، أشارت بإصبعها نحوها.
“أوه! ألستِ تلك السيدة التي زارت منزلنا منذ بضعة أيّام؟”
* * *
“دينروس، هل أنتَ ذاهبٌ الآن؟”
اقتربت جاين من دينروس، الذي أنهى استعداداته للمهمّة وارتدى زيّ القتال الرسمي.
لكنّه مرّ بجانب والدته دون أن يُلقي عليها حتى نظرة عابرة، متقدّمًا بخطوات ثابتة.
“هل يجب أن تكونَ أنتَ من يتولّى هذه المهمّة الخطيرة؟ هناك العديد من الفرسان الآخرين، فلماذا أنت تحديدًا؟ الإمبراطور… تصرّفه غريب حقًّا.”
بفضل ساقيه الطويلتين، تقدّم دينروس بخطوات واسعة، ممّا أجبر جاين على تسريع وتيرتها للحاق به، بينما كانت تثرثر بجانبه.
“دينروس، الأميرة ترغب في مقابلتك. ألا تظنّ أنّ الوقت قد حان لتفكّر في الزواج مجدّدًا؟”
رغم أنّ نبرتها بدت قلقة، لم تتأخّر نواياها الحقيقيّة في الظهور.
توقّف دينروس عن السير بوجه بارد خالٍ من أيّ تعبير، دون أن يكلّف نفسه عناء منحها حتى ابتسامة ساخرة.
“سأرتّب موعدًا يُناسبكِ وأهتمّ بالأمر.”
“أمّي.”
“نعم، أخبرني، متى يُناسبك؟”
فرحت جاين بسماع كلمة “أمّي” من ابنها بعد زمن طويل، لكنّها ما لبثت أن تجمّدت عندما التقت نظراتها بعينيه. كان في عينيه شيء جعلها تشعر بالخوف.
“أظنّ أنّني أخبرتُكِ ألّا تتدخّلي في مسألة زواجي.”
“دينروس، أنتَ…”
توقّفت جاين فجأة وضغطت شفتيها معًا.
لم تكن نظرته إليها نظرة ابن لوالدته، بل كانت باردة وقاسية، مشبعة بالاحتقار، وكأنّها موجّهة إلى شخص لا قيمة له.
“هل اعتقدتِ أنّني كنت أمزح حين طلبتُ منكِ عدم التدخّل؟”
“دينروس! كيف تجرؤ على التحدّث إلى والدتك بهذه الطريقة؟!”
في تلك اللحظة، ظهر والده، الدوق السابق بلايم، متحدّثًا بصوت غاضب.
“أمّك تتحدّث بدافع القلق عليك، وأنت تردّ عليها بهذا الأسلوب؟ الزواج مرّة أخرى أمر طبيعي، ولكن في المقام الأول، لماذا ورّطتَ نفسك مع تلك العائلة وأوقعتَنا في هذه الفوضى؟”
“كفى، عزيزي.”
حاولت جاين تهدئة بلايم، وهي تراقب الوضع بقلق. بحكم خبرتها الطويلة في المجتمع الراقي، أدركت أنّ مكانة العائلة بدأت تتلاشى.
بلايم، الذي تقاعد من منصب الدوق، لم يعد سوى رجل مسنّ يقترب من السبعين. كان مدعومًا في السابق من كبار النبلاء، لكنّ إعلان دينروس عن تولّيه قضيّة “الظلال” قلب الموازين.
بدعم مباشر من الإمبراطور، أصبح نفوذه لا يُضاهى. وعلى الرغم من أنّ زواجه السابق من ابنة أسرة بسيطة أثار استياء بعض النبلاء، فإنّ طلاقه وحصوله على تأييد الإمبراطور أعاد إليه الهيمنة.
بمرور الوقت، تحوّل ولاء النبلاء إليه، بينما أصبح والده مجرّد رجل مسنّ متقاعد بلا سلطة.
“بدلًا من القلق عليّ، ربّما يجدر بكما التفكير في كِبَر سنّكما.”
“أيّها الوقح!”
صفعة!
دوّى صوت الصفعة الحادّ في أرجاء الممر.
بينما كان بلايم، الذي صفعه، يهتزّ جسده من الغضب والجهد، ظلّ دينروس واقفًا بلا حراك. لم يتحرّك رأسه، ولم تتغيّر تعابير وجهه. بل ازدادت نظرته برودة، وكأنّه لم يشعر بشيء.
كان من الواضح أنّه سمح له بضربه، وكأنّه يمنحه ذلك كفضل منه.
“كُفّي عن التصرّف وكأنّكِ لا تزالين دوقة كالفيرمر، فلم تعد هناك دوقة في هذا القصر بعد الآن.”
وجّه دينروس نظراته الحادّة نحو جاين، محذّرًا إيّاها بصوت بارد.
“كيف يمكنكِ أن تفعل هذا بي؟”
“كيف تجرؤ على تجاهل كلام والدك؟”
بينما كان والداه يحدّقان فيه بخليط من الغضب والخيانة، ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة.
“عندما أعود، يجب أن تكونا قد اختفيتما من هذا القصر دون أن تتركا أيّ أثر.”
كان صوته أشبه بزئير وحش، محمّلًا بتهديد واضح وصريح.
مرّت عيناه الزرقاوان الباردتان فوق والدَيه، اللذين كانا كل شيء عدا كونهما والدين، قبل أن يتجاوزهُما.
استأنف دينروس سيره إلى الأمام.
وفي تلك اللحظة، انزلقت نظراته خارج النافذة نحو مقعد في الحديقة، حيث اعتادت فينديا الجلوس كثيرًا.
كان الآن فارغًا.
لكنّه لم يتوقّف عنده طويلًا.
عيناه، اللتان يصعب قراءة ما بداخلهما، تحوّلتا بعيدًا عن المقعد وترَكّزتا إلى الأمام مجدّدًا، بينما واصل تقدّمه دون تردّد.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
الواتباد : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل "018"