استمتعوا
“لقد انكشف أمرك، فاخرج فورًا!”
فما إن صدحتُ بتلك الكلمات حتى خرج بيبي من خلف البوابة حيث كان متخفّيًا.
“بي؟ (أكنتِ تعلمين؟)”
“بديهيا، وكيف لي ألّا أشعر بك وأنتَ تتابعني عن قرب؟”
“بي… بي؟ (مـ، مَن يتابع؟ أنا؟)”
“أجل، أنتَ.”
“بييك! (آخ!)”
أطلق بيبي أنينًا وقد أُمسك متلبّسًا.
“فما قولك الآن؟”
اقترب مترددًا ثم طأطأ رأسه.
“بي… بي. (المعذرة… لقد ظننت أنّ الطريق هيّن، ولم أظنّ أنك ستضلّين في الجبال).”
كنتُ أنوي أن أوبّخه عند لقائنا ثانية… لكن ما إن رأيته متكدرًا على هذا النحو، رقّ قلبي.
“حسنًا، لقد سامحتك. أمّا بشأن عشب شينسونتشو… فشكرًا لأنك أحضرته لي.”
“بي! (إن أردتِ المزيد جلبته لكِ متى شئتِ، فقط اطلبِ!)”
‘أواه، أيريد أن يجلب لي المزيد؟’
لقد مرّت أيّام منذ أن كففت عن تناول ذلك الدواء العشبي الكريه، وما زال طعمه المرّ عالقًا في فمي، مجرّد التفكير فيه يجعل لساني ينقبض.
“ما أخذتُه يكفيني، فلا تكلف نفسك. على أي حال، عليّ أن أمضي إلى طائفة الشيطان، فإلى اللقاء.”
لوّحت له مودّعًا وسلكت الطريق المرسوم في الخريطة، غير أنّ بيبي لم يبرحني، بل راح يرفرف بجانبي.
“ولِمَ تتبعني بعد؟”
“بييك-بييك؟ بييك! (وماذا لو تهتِ مجددًا وأنت ذاهبة إلى طائفة الشيطان وحيدة؟ أنا أرافقكً خصيصًا.)”
لم يدم حزنه طويلًا حتى عاد يزهو ويتبجّح.
‘لا شكّ أنّ وجود اثنين أفضل من واحد.’
“إن لم تتركني خلفك هذه المرة، فلتأتِ معي.”
“بييك! (سنرى ما ستفعل!)”
‘يا لهذا الطائر…!’
أغاظني، لكن لم يطب لي أن أفقد الصديق الوحيد الذي كسبته.
‘لا خيار آخر.’
“فلننطلق، علينا الإسراع. فثمة جبال من المهام بانتظارنا حال وصولنا إلى طائفة الشيطان.”
وهذه المرة، لم يعارض بيبي، بل طار بجانبي في الاتجاه نفسه.
***
“ذُكِرَ في الخريطةِ أنّ هنا جبلاً صخريًّا، ولكن….”
ثبت بصري في المشهد المهيب الذي أمامي، وكأنّ أيّ زلّة قدم سترسلني مباشرة إلى العالم الآخر.
‘لكنّه لم يَقُل إنّ الجبلَ صخرةٌ شاهقةُ الانحدار!’
لقد عبر بيبي الصخرة قبلي، وجلس يستريح، بينما كنتُ أمام جرف عالٍ لا يحتمل إلا موضع قدم واحدة.
‘إن اجتزتُ هذا الممر الضيّق، اتسع الطريق بعدها.’
شهقت عميقًا وقبضتُ كفّي، ناظرًا إلى نهاية المسار.
‘كيف لي أن أضيع هذه الفرصة في بلوغ طائفة الشيطان! لن أعود صفر اليدين. سأعبر مهما كان!’
تشبّثتُ بالنتوءات البارزة، ووضعت قدمي بحذر على الممر الضيق.
‘لا تنظري إلى أسفل، لا تنظري…’
ثبّتُّ بصري أمامي، خشية أن يخذلني الرعب إن رمقتُ قاع الوادي.
فجأة…
طَخ!
سمعتُ شيئًا يتساقط من تحت قدمي.
“واه! بحق السماء!”
كدتُ أهوي فعلًا.
لمحتُ أسفل قدمي صخورًا تنهار.
‘الهاوية عميقة جدًا، إن سقطتُ فلن أعود حيّة.’
كان الضباب الكثيف يلفّ المكان مع بزوغ الفجر، فيزيد المشهد رهبةً ورعبًا.
‘هل أستطيع عبوره بسلام؟’
راودتني رغبة ملحّة في العودة، لكن صورة أبي وهو يمرض بجانبي ثلاثة أيام متوالية منعتني من الاستسلام.
‘كلا! لن أتراجع. سأمضي، وسأعبر. يمكنني! يمكنني!’
ردّدتُ تلك الكلمات في عقلي مع كل خطوة، حتى بلغتُ آخر حافة.
“يمكنني! أنا، سول تشون سونغ!”
صرختُ بكل قوتي وقفزتُ، وما إن بلغت الضفة الأخرى حتى انهارت ساقاي، فسقطت جالسة ألهث.
“نجحت! لقد فعلتها!”
غمرني شعور بالفخر، شعرتُ أن لا شيء يستحيل بعد الآن.
‘إن كنتُ اجتزتُ مصيدة الموت هذه، فما عساه يعجزني؟’
نهضتُ متجددة بالعزم، وأصلحت حقيبتي، متّجهة إلى الأمام.
***
حلّ الليل بعد مسير طويل، وقد أثقلني الجوع والتعب.
“بيبي، سنبيت هنا الليلة.”
“بي! (حسنًا!)”
أخرجتُ الحطب والعيدان التي جهزتها مسبقًا، وأشعلت النار بسرعة.
“ها قد صرنا ننعم بالدفء، أليس رائعًا؟”
“بي… بييك. (مـ، مذهل! لم أرَ طفلة في السابعة توقد النار من قبل!)”
تباهيتُ بمهارتي، وفتحت حقيبتي لأخرج الطعام.
“معي جوموكباب، ولك هونغوا!”
“بييك؟ (لي أيضًا؟)”
“أجل، أحضرتُ لك بعضه تحسّبًا للقاء.”
اغرورقت عيناه الخضراوان بالدموع.
“بييك! (الطيور تبكي دائمًا!)”
مسح جناحه سريعًا ليخفي تأثره.
‘ظننته طائرًا متبجّحًا، فإذا به رقيق المشاعر!’
رفعت بصري إلى السماء، حيث النجوم تتلألأ بكثرة.
“يشبه الأمر رحلة مع العائلة.”
“بييك؟ (عائلة؟)”
“نعم… تمنيتُ أخًا أصغر ألعب معه. ومعك يا بيبي، شعرتُ كأننا إخوة. نتشاجر… ثم نرعى بعضنا.”
ابتسم بيبي ابتسامة دافئة، كأن كلمة عائلة بدّلت حاله.
غلبني النعاس، فالتففتُ ببطانيتي إلى جوار النار.
***
لكن الليل في الجبال ليس بالهين؛ إذ يزحف المفترسون صوب ضوء النار.
رمقهم بيبي، ثم التفت إليّ وأنا غارقة في النوم.
‘لو لم أكن هنا، لكانت طعامًا للوحوش.’
تذكّر عبارتي. يشبه الأمر رحلة مع العائلة.
‘إن كان عائلة… فالأمر مختلف.’
بسط جناحيه الشفافين، وإذا بهالة زرقاء عظيمة تشعّ حوله، فارتدّت الوحوش خائفة.
تلألأت عيناه الخضراوان بصرامة.
“بييك. (اغربوا عن وجهي.)”
****
مع بزوغ الفجر، كنتُ ممتطيًا ظهره، وهو يتذمّر.
“بييك-بييك! (سأتحطّم من وزنك!)”
لكنني ابتسمت، فقد ظهر أمامنا طائفة الشيطان حقًا، ترفرف راياتها الحمراء وقد ارتسم عليها تنين أسود قابض على نجمة.
‘لا شكّ أنّ أبي قد أصبح السيد الجديد لطائفة الشيطان.’
هبط بيبي ووضعني على الأرض.
وبكل جرأة، خرجتُ من خلف الصخرة حيث كانوا يتدرّبون، وصرخت.
“أرجو أن تقبلوني عضوة في طائفة الشيطان، أيها الأخ الأكبر!”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 9"