“هل ثمّة مكان قريب يمكن أن أُنمّي فيه لياقتي البدنية؟”
“هيه! أعرف المكان الأمثل.”
“وأين هو؟”
“تش! جبل ميجي! لا يتدرّب فيه إلا الأساطير، أفهمتِ؟”
“لستُ بارعة إلى ذلك الحد… أخشى أن أضيع إن صعدتُ هناك.”
وحينما رآني خائفة، قال بيبّي بوجه مطمئن كأن لا شيء يدعو للقلق.
“بففت! الجبل ليس عاليًا أصلًا، أشرُد قليلًا وأنا أطير فأجده قد اصبح خلفي. حتى الأطفال يمكنهم تسلّقه.”
“حقًّا؟ وكيف أصل إليه؟”
“حسنًا، حسنًا! بما أنّك أغدقتِ عليّ بتلك الثمرات الحمراء، فسآخذك إلى المدخل. اعتبريها خدمة خاصّة.”
قفز بيبّي وانطلق محلّقًا، وكأنّه يردّ لي الجميل.
وبإرشاده، بلغتُ بسهولة مدخل جبل ميجي.
‘وهكذا تسلّقتُ الجبل بطريقة ما… لكن كان عليّ أن أدرك أنّ النزول لن يكون يسيرًا لمجرّد أنّ ذلك الطائر المزعج جعله يبدو سهلًا، وكان عليّ أن أسأله عن طريق العودة.’
لم أكن أدرك حين كنتُ معه أنّ جبل ميجي يحوي مسالك أكثر مما ظننت.
‘ها أنا عند تفرّع في الطريق… من أيّ طريق جئت أصلًا؟’
كنتُ قد مررتُ بتفرّع آخر قبل قليل، وأكاد أجزم أنّني أدور في حلقة مفرغة بدل أن أنزل.
‘لقد أرهقني السير.’
ولستُ معتادة على هذا القدر من الحركة، فلا عجب أن أكون مرهقة.
‘لكن عليّ أن أجد طريق النزول قبل أن يحلّ الظلام.’
‘سيكون بالغ الخطورة إن حاصرني الليل هنا.’
‘الوقت يوشك أن ينفد… ماذا أفعل؟’
كان الأفق قد اسودّ نصفه.
وكلّما ازداد اضطرابي، ازداد تيهاني.
‘فلأهدأ أوّلًا. إن علّمتُ المسالك التي سلكتها، فلن أختارها ثانية. رغم أنّني أحبّها، لكن لا خيار لي.’
نزعتُ مشبك الفراشة الذي وضعه أبي في شعري، وتركته عند بداية الطريق.
أوّلًا المشبك، ثم الشريط الأحمر.
‘هذا آخر ما لديّ.’
فككتُ الشريط الذي كان يربط الجانب الآخر من شعري، وربطته بغصن شجرة قرب الطريق.
‘ليت هذا الطريق هو الصواب.’
أرخيت شعري ودعوت أن أكون في الطريق الصحيح.
واصلت المسير، وقدماي تثقلان كأنهما من رصاص، ثم وطئت شيئًا ما.
‘هذا…!’
رفعت قدمي، وسقطت أرضًا من شدّة الصدمة. لقد كان مشبك الفراشة، أوّل ما تركته.
‘لم أكن أتوهّم… أنا أدور حول نفسي.’
وما لبث أن زاد البلاء سوءًا، إذ بدأ المطر يتساقط. أوّل الأمر قطرات معدودات.
‘حلّ الظلام، ولا أرى شيئًا. ما العمل؟’
قرّرت على الأقل أن أبتعد عن المطر، فاتخذتُ ظلّ شجرة ضخمة مأوى.
وبدأتُ أرتجف، ولعلّها كانت رجفة المطر.
وفجأة تذكّرت ما قاله أبي قبل أن يذهب إلى السوق.
“نجمتي، سأذهب إلى السوق، فابقي حيث أنتِ، حسنًا؟”
“حسنًا، سأفعل!”
‘أهو عقاب لأني لم أُطع أبي؟’
شعرت برغبة في البكاء، لكن لم يكن لديّ وقت لأذرف دموعي.
‘إن بقيتُ هنا، سأموت من البرد.’
فكّرت أن أواصل السير، لكن الظلام حال دون الرؤية، وخشيت أن أتأذّى أكثر.
‘ماذا أفعل؟’
عندها خطرت لي كلمات أبي.
“نجمتي، إذا أصابك خطر، نادي عليّ فورًا.”
“وإن ناديتك، ستجدني حقًّا؟”
“بالطبع! سأطير إليك من أي مكان، يا نجمتي.”
“مستحيل! أنت لست طائرًا، أبي! كيف ستطير؟”
“سأطير من أجلك، ألا تصدّقين أباك؟”
“أصدّقك! إذن إذا وقعتُ في مشكلة، ستأتي لإنقاذي، أليس كذلك؟”
“أجل، سأكون عندك في لمح البصر.”
‘هل سيعثر عليّ حقًّا؟’
لقد تركتُ ملاحظة بأني ذاهبة إلى الجبل.
‘سخيفة أنا… لم أقل أي جبل.’
ظننت أنّي سأعود سريعًا، فكتبتها على عجل، ولم أتخيّل أن يحدث هذا.
“بابا، أنا هنا!”
تكوّرتُ على نفسي، أرتجف، وهمست.
“أنا هنا… نجمتك هنا… أرجوك، ابحث عني…”
ربما كان السبب هو الريح الباردة…
بدأ رأسي يصدع، والرؤية تتلاشى، وحرارتي ترتفع فجأة.
ولم أرَ سوى وجه بابا يبتسم لي.
***
“نجمتي!”
كان هوي يستخدم تقنيّة المشي الهوائي، يكاد يطير في السماء.
لم يبالِ بالمطر الذي أغرقه، وهو يفتّش كلّ شبر من الجبل القريب من القرية، لكن لم يكن لتشون سونغ أثر.
استعاد هوي الملاحظة التي تركتها.
[أبي، ذاهبة إلى الجبل للعب!]
‘هل أصابها مكروه؟ لا، لا بدّ أنّها بخير.’
ذلك الذي لم يؤمن يومًا بالحكام، اصبح يتضرّع مرارًا أن يحفظ الحاكم تشون سونغ، حتى لو كان الثمن أن يموت ميتة شنيعة.
“تشون سونغ! سول تشون سونغ!”
وبينما كان محلّقًا، أصغى بأقصى ما أوتي من سمع لوشوشة الجبل العميقة.
“بابا… أنا اشعر بالبرد…”
عندها سمعها – صوت تشون سونغ.
“تشون سونغ!”
‘إنه صوت نجمتي!’
حتى الهمس الخافت كان كافيًا، فقد عرف فورًا مكانها، وانطلق نحو الصوت.
وها هي، متكوّرة تحت شجرة ضخمة.
“نجمتي! استيقظي!”
‘جسدها ساخن.’
“نجمتي، افتحي عينيك!”
لا بد أنّ المطر والبرد تمكّنا منها، فحرارتها تحترق.
عيناها تائهتان، لا تركّزان.
“هيا، اصعدي على ظهري.”
“بابا…؟”
“أجل، يا نجمتي، أنا هنا. فلنعد إلى البيت الآن.”
سماع صوته الضعيف منها كان كافيًا ليغمره ارتياح جارف. حملها برفق على ظهره.
أنفاسها الحارّة تلسع عنقه.
‘حالها سيئ… عليّ أن أصل بها إلى الطبيب فورًا.’
وانطلق هوي محلّقًا في السماء.
‘لن أفقد نجمتي… لن أفعل…’
“بابا…”
“أجل، أعلم أن الأمر يؤلمك، اصبري قليلًا. بابا سيجعل كل شيء بخير.”
كان غارقًا حتى العظم، يبدو كجرذ مبلّل، ولم يفكّر إلا في تشون سونغ.
عينيه المبلّلتين، بالمطر أو بالدموع، تلألأتا بحزن يائس.
“…لذلك ارجوكِ، ابقَي معي.”
***
كانت تشون سونغ تسبح في حلم دافئ.
‘شعرت كأنّها تحلّق فوق الغيوم، دافئة ومطمئنة.’
ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها، لكن سرعان ما تبدّلت إلى عبوس قلق.
‘هل أنا… في السماء؟ لا، لا يمكن… بابا سيحزن كثيرًا…’
وبينما كانت تغيب وتفيق، مشغولة البال على أبيها، كان هوي جالسًا بجانبها في صيدلية القرية، قابضًا على يدها.
“لقد أعطيتها الدواء، وستتعافى بعد بضعة أيام من الراحة. لا داعي لكل هذا القلق.”
“لكن… لماذا لا تستفيق؟”
قال الطبيب بهدوء، لكن قلق هوي لم يتبدّد.
“الدواء والإرهاق جعلا نومها عميقًا. هي تتعافى، وستفتح عينيها حين تكون مستعدّة.”
ارتعشت يد هوي التي تشدّ على يدها الصغيرة.
تنفّس الطبيب الصعداء وهو يراقبهما.
“تشون سونغ تحتاج إلى الراحة، لكنك أنت أيضًا، أيها السيّد، عليك أن تعتني بنفسك. أنت ترتجف.”
“أنا بخير.”
“حقًّا! أتطلب مني أن أُهمل مريضي؟ آسف، لكن لا بدّ أن أُصرّ. سأُحضّر لك بعض الدواء الآن.”
كان الطبيب يدرك أنّ تشون سونغ هي عالم هوي بأسره، وأنه لن يفكّر بنفسه. فتركه وغادر ليحضّر الدواء.
أما هوي، فلم يعره انتباهًا، بل ظلّ قابضًا على يدها هامسًا.
“نجمتي، عليك أن تستفيقي… هل غضبتِ لأنني تأخّرت؟ أنا آسف جدًّا… أرجوكِ…”
حاول أن يهدّئ نفسه، لكن صورة سول هوا وهي تنزف وتموت طغت على ملامح تشون سونغ في مخيّلته.
“علينا أن نُربّي نجمتنا لتكون قويّة وطيّبة، حسنًا؟”
“لا! لا! سول هوا! لا تتركيني…”
حاول أن يتمسّك بها، أن يبقيها إلى جواره، لكن عبثًا.
لم يستطع حتى أن يحتفظ بأنفاسها الأخيرة.
كادت الذكرى تخنق أنفاسه.
ومع ذلك، لم يُزِح عينيه عن تشون سونغ.
“سول هوا، أرجوكِ، أحمي نجمتنا.”
رنّ صوته المكلوم في الغرفة.
وظلّ هوي بجانبها، صامتًا، حتى بزغ الفجر.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 7"