6
استمتعوا
“بيبّي. بيييك؟”
(ما هذا التعبير؟ ألأول مرة ترين طائرًا يتكلم؟)
‘أليس من الطبيعي أن تكون هذه هي المرة الأولى؟’
كان الطائر الشفاف يتحدث بثقة مدهشة، حتى كدت أظن أن الخلل فيّ أنا.
لكني لم أجرؤ على الرد بتسرّع.
‘رغم أني لم أره إلا للحظة، إلا أن طبيعته لا تبدو ودودة أبدًا. إن انزعج، فقد يُسقطني من هنا ولن يكون ذلك مستغربًا.’
الحذر لا يضر.
“بييك! بيب. بيييك!”
(انزلي! يا إلهي، كم أنتِ ثقيلة! ظهري سيتحطم!)
‘كم يمكن أن أكون ثقيلة أصلًا؟’
“أبي كان يقول إنني خفيفة كريشة!”
‘رغم أن يده كانت ترتعش حينذاك… لكني أدركت لاحقًا أن السبب لم يكن وزني!’
حين رددت على الطير الذي كان يشتكي، نزلت إلى الأرض، فصدر منه صوت خافت كتنفّس الريح من بين منقاره وهو يضحك.
“بييك بيب.”
(والدك يبدو من الذين يبالغون كثيرًا.)
“هذا غير صحيح! أبي لا يبالغ أبدًا!”
“بيييييك، بييك!”
(نعم نعم، لنقل ذلك.)
عندما رأيت سخرية هذا الطائر الوقح، وددت لو أصفعه، لكن لم أستطع.
‘لو ضربته فسيُعتبر ذلك إساءة للحيوانات.’
فآثرت الصبر، فأنا صاحبة قلب كبير.
‘لأعطه الثمرة وأتخلص منه سريعًا.’
“هاك، خذ هذه الثمرة الحمراء.”
ناولته ما أراد، لكنه لم يأكلها، بل حدّق فيها كمن وقع في حرج.
‘أعطيك ثمرة خاطرت بحياتي لأقطفها، ولا تأكلها؟’
“لماذا لا تأكلها؟”
“بيب.”
(لا أستطيع أكلها بهذه الطريقة.)
“لماذا؟”
‘هل يحتاج أن أقشّرها له أيضًا؟ يا له من طائر متطلب.’
كنت أتأمل القشرة بجدية، أفكر إن كان يجب أن أبدأ بتقشيرها، لكن الطير تابع حديثه.
“بييك بييك.”
(لا يمكنني أكل شيء لم يُقدَّم لي بنية الدعاء من أجلي.)
‘لا يستطيع الأكل إلا إذا أُهدي له الطعام بدعاء؟ كأننا في طقس شعائري!’
“إذًا، لا يمكنك أكل ما تشتهي بحرية.”
‘لهذا كان يكتفي بالنظر للثمرة.’
“هل لهذا علاقة بجسدك الشفاف؟”
“بييك بيب.”
(من الأفضل لك ألا تعرفي.)
“ولِمَ لا؟”
فجأة، كسا الحزن وجه الطائر الشفاف.
“بييك بييب بيب.”
(لأنك، حين تعرفين كل شيء، ستخافين مني وتتجنبينني… كما فعل كل من عرفني قبلك.)
‘ربما لكون جسده شفافًا، تعرّض لكثير من التحيّز والتمييز.’
وأنا أعرف هذا الشعور جيدًا.
‘كنتُ يتيمة نشأت في دار أيتام، ووحيدة دومًا. حتى البالغون كانوا يتحاشونني.’
رغم أن تلك حياة مضت، فإن مجرد استحضارها يجعلني أشعر بمرارة في حلقي.
“لا تقلق، حتى لو كنت شبحًا، لن أخاف منك.”
“بييك بيب؟”
(وكيف تثقين بذلك؟)
“أنت تعرف السبب، أليس كذلك؟ لقد جئت إليك فور أن استعدت ذاكرتي. أنا في حياتي الثانية، وقد واجهت الموت بالفعل، بل ورأيت طائرًا يتحدث أمام عيني. فماذا بعد يُفاجئني؟”
“……”
ظل الطائر الشفاف صامتًا، لا أعلم ما الذي كان يدور في ذهنه.
‘هل يعقل أنه على وشك البكاء؟’
ولأني لم أسبق لي أن واسيت طائرًا باكيًا، أسرعت في تغيير الموضوع قبل أن تفيض دموعه.
“على أي حال، إن كنت سأدعو لأجلك، فلا بد أن أعرف اسمك. ما اسمك؟”
“بيب؟”
(طائر؟)
“هذا ليس اسمًا، بل فصيلة.”
يبدو أنه لم يكن يحمل اسمًا بعد.
“حسنًا، لأنك أنقذتني، سأكافئك وأمنحك اسمًا. هممم… ما الذي يليق بك؟”
وأنا أتأمله، خطرت لي فكرة جميلة.
“أجل، لأنك تصدر صوت ‘بيبي’ حين تبكي،
ما رأيك باسم ‘بيبي’ ؟”
“بييب؟”
(تمزحين؟)
يبدو أن الاسم أعجبه كثيرًا.
“إذًا نال اسم ‘بيبي’ إعجابك! هيا لنبدأ الصلاة الآن.”
“بيب!”
(يا لوقاحتك!)
“وأنا أيضًا لم ألتقِ بطائر يتحدث مثلك.”
“بي… بييك!”
(نعم، لدي بعض المهارة في الحديث…)
‘هل هو محرج الآن؟ وكأنه صدق كلامي بجدية!’
ورغم أني لم أقصد مدحه، فإن كلماتي أهدأت غضبه.
‘أخيرًا يمكنني أن أدعو.’
وضعت الثمرة الحمراء أمامه، وجمعت يديّ بخشوع.
“إلهي اجعل بيبي يستمتع بهذه الثمرة.”
فما إن انتهيت، حتى تحولت الثمرة إلى شفافة، كما لو أن دعائي قد استُجيب.
‘هذا مذهل.’
“بييت!”
(إنها الثمرة!)
وانقضّ بيبي على الثمرة يلتهمها بسعادة.
“سعدتُ لأنك أحببتها.”
“نجمتي، ما الذي تفعلينه هناك؟”
كنت أنظر إلى بيبي وهو يأكل بفرح، حين سمعت صوت أبي.
“آه، أبي!”
وبلا وعي، خبأت الطائر خلف ظهري.
“ظننت أنكِ كنتِ تتحدثين مع أحد، لكنكِ وحدكِ هنا؟”
“نعم، كنت أحدّق في شجرة الثمرة. بدت شهية جدًا.”
عندها، طار بيبي نحوه بجناحيه يصدران صوت رفرفة خفيفة.
‘أيها الطائر اللعين…!’
وكنت أرمقه بنظرات مشتعلة، لكن والدي لم يبدُ عليه أي رد فعل.
“بييك بيب!”
(تعبير وجهك رائع! لا تنسي أن لا أحد سواك يراني أو يسمع صوتي.)
‘أكان عليك أن تخبرني بذلك الآن فقط؟’
“بيب بيب بيب بيب!”
(كيك كيك كيك كيك!)
ضحك بيبي ضحكة ماكرة، ثم انطلق طائرًا في السماء.
“هل أعجبتكِ الثمرة، نجمتي الصغيرة؟ إذًا، سأقطف لك المزيد بنفسي.”
وبينما كنت أحدّق إلى حيث اختفى بيبي، انحنى والدي ليقابلني بعينيه.
‘أشعر بالذنب لأنني كذبت عليه.’
لكن لو أخبرته بالحقيقة، فلن يسمح لي حتى بتجاوز عتبة المنزل.
“أبي، أنت رائع!”
“…هل أقتلع شجرة الثمرة من جذورها لأجلك؟”
كانت كلماتي شكرًا له لأنه يضعني دائمًا أولًا، لكنها جعلته يفرح كطفل صغير.
‘بقوّة تكفي لاقتلاع شجرة هونغوا من جذورها… لا، بل إنّ أبي قادرٌ حقاً على اقتلاع الأشجار.’
“لا، إن اقتلعتها فسوف تتألم الشجرة، وهذا أمرٌ لا أحبّه.”
“صحيح، لقد أخطأ أبيكِ، ولن أفعل شيئاً تكرهينه يا نجمتي.”
‘آه، يا لها من راحة.’
“لابد أنكِ مرهقة من القراءة، ادخلي لترتاحي قليلاً، سأقطف بعض ثمار هونغوا وألحق بكِ.”
“حسنًا!”
وبما أنني كنت مرهقة بالفعل بعد تسلّقي للأشجار، دخلت غرفة النوم بلا اعتراض.
“لحظة واحدة…”
لكنّ أمرًا ما بدأ يثير قلقي.
“ألم يقل أبي للتوّ إنني قد أكون مرهقة بسبب القراءة؟”
****
راح هوي يتلفّت حوله قبل أن يقترب من شجرة هونغوا.
‘لابد أن أُنهي الأمر سريعًا قبل أن يراني أحد، يجب ألا تشعر نجمتي بشيء، لذا سأستخدم أقل قدر من القوّة.’
“قوانغ سي جي جون (عرض النور و القوة) .”
ما إن فرد هوي كفّه، حتى انطلقت فجأة إبرٌ بنفسجية لا تُحصى، وغطّت الشجرة بالكامل.
دوّى صوت كالرعد، ومعه تهاوت ثمار هونغوا المعلّقة بالأغصان، مكوّنة كومةً تحت الشجرة.
“أبي، ألم تسمع صوت الرعد في الحديقة؟”
‘هل كان الصوت مرتفعًا أكثر من اللازم؟’
اقتربت خطوات تشون سونغ شيئًا فشيئًا نحو هوي، وقد بدا عليها الفزع.
مدّ هوي يده بسرعة، وسحب الإبر التي كانت مغروزة في الأرض.
“أبي، هل ضربت صاعقة حديقتنا؟ هل أنت بخير؟”
خرجت تشون سونغ إلى الحديقة بفارقٍ زمنيّ ضئيل.
“يبدو أن الصاعقة أصابت شجرة هونغوا، لقد تساقطت جميع ثمارها.”
“لكن… ألا تحترق الثمار إن أصابتها صاعقة؟”
تأمّلت تشون سونغ الثمار التي بدت سليمة تمامًا، وقالت بتعجّب.
‘فتاة ذكيّة إلى حدٍّ يثير المتاعب.’
“ربّما السماء علمت أن نجمتي تشتهي ثمار هونغوا، ولأنكِ تخافين من الصواعق، فلنأكل الثمار سويًّا هذه الليلة وننام معًا، ألا توافقين؟”
تناول هوي بعض الثمار ووضعها في يد تشون سونغ، ثم حملها بين ذراعيه وعاد بها إلى غرفة النوم.
“موافقة!”
ويبدو أن خطة هوي نجحت في تشتيت انتباهها.
‘نجوتُ هذه المرّة… لكن ينبغي أن أكون أكثر حذرًا في المرّات القادمة.’
لكنّ أحدهم كان يراقبه بنظرات مريبة… وكانت تلك تشون سونغ نفسها.
‘كيف لم ألاحظ هذا الإهمال من قبل؟ من المعجزة أنه لم يُكتشف حتى الآن.’
نفس الحدث، لكن تفكير الأب والابنة كانا في اتجاهين متعاكسين تمامًا.
****
‘في النهاية، لم أتمكّن من سؤال أبي عن الكتاب.’
لكن لو كان قد شكّ بشيء، لكان بالغ في حمايتي، وهو لم يفعل شيئًا غير مألوف.
‘بل إنه بات يشتري لي كتبًا أكثر تعقيدًا من السوق، لا أدري ما الذي جعله مهووسًا فجأة بالكتب… أهذه هي التربية المبكرة التي يتحدثون عنها؟’
ومع ذلك، فإن كتبه كانت مفيدة كوسائد أو كحامل لأواني الحساء.
وفي تلك اللحظة، سمعت صوتًا مألوفًا.
“بيييك!”
(يبدو كأنكِ تفكرين في أمر ما!)
كان الطائر الشفّاف. منذ أن قطفت له ثمرة هونغوا، بدأ يستغلّ غياب أبي ليزورني بين حين وآخر.
‘غالبًا ما يأتي من أجل الثمار، أليس كذلك؟’
ولحسن الحظ، أبي كان يقطف الكثير منها، فيحظى بيبي بوليمةٍ كلما زارني.
“لا أجد وسيلة للتسلل إلى طائفة الشيطان من دون أن يلاحظ أبي.”
“بييك! بييييك!”
(لا تتسرّعي، كل شيءٍ في أوانه. ما رأيك الآن بأن تركّزي على تقوية جسدك؟)
“لكن حتى إن بدأتُ التدريب من الآن، فلن يكون ذلك كافيًا لدخول الطائفة.”
“بييك بييك. بيك.”
(أنا لا أقصد التدريب لدخول الطائفة، بل لتتمكني من الوصول إليها! ماذا لو هاجمكِ وحش بريّ في الطريق؟ هل ستفرّين بدون طاقة؟)
…هل هناك وحوش في الجبال؟”
“بييك بييك!”
(وأين تسكن الوحوش إن لم تسكن الجبال؟)
‘لم يخطر ببالي وجود وحوشٍ برية… يبدو أنّ الطريق إلى الطائفة أصعب مما تخيّلت.’
‘لا يمكنني أن ألقى حتفي بين أنياب وحش قبل أن أصل إلى هدف رحلتي… وأبي ذهب إلى السوق في الوقت المناسب.’
“وهل تعرف مكانًا مناسبًا لتقوية جسدي؟”
أجاب الطائر بثقة.
“بيييك!”
(أعرف مكانًا رائعًا!)
وبعد لحظات، كنت قد ضعت.
“لم تقل لي إن الطريق متاهة كهذه أيها الطائر اللعين!”
هكذا صرخت من منتصف الجبل، حيث تشابهت الطرق وتشعّبت كأنها لا تنتهي.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 8 - نوك نوك! قادمة! 2025-08-13
- 7 - ابقَي معي 2025-08-13
- 6 - رعد مدوي 2025-07-31
- 5 - 5- سر الطائر الشفاف 2025-06-11
- 4 - 4- التدريب السري للشيطان السماوي 2025-05-31
- 3- خبير في تربية الأطفال 2025-04-20
- 2- طفلة غير عادية 2025-04-20
- 1- الأب الضعيف و اللص 2025-03-24
التعليقات لهذا الفصل " 6"