1- الأب الضعيف و اللص
استمتعوا
جوروك.
يدٌ كبيرةٌ وناعمةٌ لِرجلٍ يعصر الماء من ثوبٍ حريريٍّ مبلل.
لكن، على عكس الجدية التي ارتسمت على وجهه الأبيض الشاحب حتى برزت عروقه، لم يكن ما يتساقط على الأرض سوى بضع قطراتٍ من الماء تشبه الندى.
‘هل عصر ثيابي أمرٌ بهذه الصعوبة حقًا؟‘
بينما كنت أراقب تلك اللحظة بعينين مليئتين بالأسى، تنهدتُ تنهيدةً خفيفةً وصفعتُ جبهتي بيدي الصغيرة مُحدثةً صوتًا خافتًا.
“أبي، لا ترهق نفسك كثيرًا. قد ينزف أنفك مرةً أخرى إذا…”
لم أكد أُكمل كلامي حتى بدأت قطراتُ الدم تتساقط من وجهٍ خالٍ من أي لونٍ للحياة، مصحوبةً بصوتٍ يشبه سقوط حبات المطر، فتلطخت الأرض بلون الدم الأحمر.
“أنفك، ينزف…!”
لا داعي للذعر! كنت أعلم أن هذا قد يحدث، لذا أعددتُ ما يلزم!
أخرجتُ منديلاً من جيبي، وحرّكتُ ساقيّ الصغيرتين بسرعةٍ نحو أبي.
دون أن ينبس بكلمة، انحنى أبي بسلاسةٍ ليصبح في مستوى عينيّ.
بفضل ذلك، تمكنتُ من إيقاف نزيف أنفه بالمنديل دون عناء.
“ألم أقل لك لا ترهق نفسك؟“
ما إن قلتُ ذلك حتى التقت عيناي بعينيه السوداوين،
اللتين تبدوان للوهلة الأولى باردتين وقاسيتين.
شعرٌ أسودٌ يتدلى حتى صدره، وبشرةٌ بيضاء كنقاء الثلج،
وجمالٌ لا يفقد رونقه حتى من مسافةٍ قريبة— هذا الرجل هو أبي.
‘لكنه أبٌ ضعيفٌ إلى درجة أن ينزف أنفه وهو يغسل ثياب ابنته البالغة من العمر سبع سنوات.’
كما ذكرتُ سابقًا، أبي ضعيف الجسد.
بل يمكن القول إنه أضعف من الضعفاء.
أيعقل أن ينزف أنف المرء لمجرد عصر ثوب طفلة صغيرة؟!
‘سمعتُ أن بعض المناطق يطلقون على أمثال أبي لقب ‘السمكة الهشة‘.’
أنا، سول تشون سونغ، ابنة هذا الأب ‘السمكة الهشة‘،
وأبلغ من العمر سبع سنوات هذا العام.
منذ أن وُلدتُ وحتى الآن، عشتُ مع أبي وحدنا في قريةٍ صغيرةٍ نائية بعيدة عن صخب المركز.
‘لذلك، عندما كنتُ أصغر سنًا،
كنت أظن أن أبي عاديٌ مثل الجميع…’
لكن، مع مرور الوقت واختلاطي بأصدقائي من أبناء جيلي،
أدركتُ الحقيقة شيئًا فشيئًا.
لا والد إيكسون، أعز أصدقائي في القرية، ولا والد أونها، أكثر أطفال القرية شقاوةً، ينزف أنفهما بسبب مجرد غسل الثياب.
‘بل على العكس، كانا يقطعان الحطب طوال اليوم أو يشربان الخمر في وضح النهار ويصيحان في أرجاء القرية دون أن يصيبهما أدنى تعب.’
بعد مراقبتي لأشخاص القرية في مثل سن أبي،
خلصتُ إلى أن قوة أبي الجسدية أضعف حتى من والدة إيكسون.
‘حتى الآن، يرهقه مجرد جلوسي على ركبتيه. وهذا النزيف الأنفي، لمَ لا يتوقف؟‘
بينما كنتُ أسد أنفه بجدٍ، شعرتُ بيد أبي تمتد نحو ظهري.
يبدو أنه اعتاد أن يعانقني كلما اقتربتُ منه.
شعرتُ برعشةٍ خفيفةٍ في يده الكبيرة وهي تلامسني بحزنٍ عميق.
‘كلما عانقني، ترتجف يداه، مما يعني أن وزني ثقيلٌ عليه بلا شك.’
“أبي، ألستُ ثقيلةً عليك؟“
“كلا، أبدًا.”
ردّ أبي بنبرةٍ حاسمةٍ ووجهٍ يبدو عليه اللامبالاة.
‘لكن… ألا يبدو أن يديك ترتجفان أكثر؟‘
رغم محاولته التماسك، لم تتوقف يداه عن الرعشة،
مما فضح تعبه رغم تعابير وجهه المجاهدة.
“هل تشعرين …. بالإرهاق؟“
ساراك.
سَرَتْ خصلات شعره الطويلة الناعمة على خدي وهو ينحني نحوي ليسألني.
سحبتُ المنديل الملطخ بالدم، ونظرتُ إليه بقلقٍ يفوق قلقه عليّ.
‘المتعب الحقيقي هو أنتَ يا أبي، لا أنا… لكن يبدو أن النزيف توقف، وهذا حسنٌ على الأقل.’
رغم تعبه الواضح، لم يُنزلني أبي من حضنه ولو مرةً واحدةً قبل أن أطلب ذلك.
كانت دفء يده البيضاء الباهتة تلمسني بحنانٍ لا يضاهى،
وكان في نظراته الباردة شيءٌ من الدفء طالما ظللتُ قريبةً منه.
‘أعترف أن حالة أبي تقلقني، لكنني أحب هذه اللحظات التي أقضيها في حضنه أكثر من أي شيء.’
حتى الآن، ينظر إليّ بنفس النظرة المليئة بالعاطفة،
فاحتفظتُ بصورته في عينيّ.
‘لا مفر من ذلك.’
“أبي، سأظل بجانبك دائمًا.”
لأكون موجودةً كلما نزف أنفه الضعيف، لأهرع إليه وأمسح دماءه.
سأحميك يا أبي.
ابتلعتُ بقية كلماتي في صمتٍ حفاظًا على أبي الذي يبذل قصارى جهده لإخفاء ضعفه أمامي.
عندها، مدّ أبي إصبعه الصغير الطويل نحوي دون كلام.
“لمَ إصبعك الصغير فجأةً؟“
سألته متعجبةً، ففتح شفتيه اللتين هما الجزء الوحيد في جسده الذي يحمل لون الحياة، وقال بهدوء:
“لـتعديني. قد تقولين هذا ثم تتركينني وحدي يا نجمتي.”
نجمتي.
هكذا يدعوني أبي.
قال إنه اختار لي هذا الاسم لأنني النجمة الأكثر تألقًا وأغلى ما في هذا العالم بالنسبة له.
“لن أذهب.”
“إذن عديني.”
‘ما الذي يجعل أبي مضطربًا هكذا؟‘
لم تكن كلماته مجرد كلامٍ عابر،
فقد كان القلق واضحًا في تعابير وجهه المظللة.
‘يبدو وكأنه سيفقدني في أية لحظة.’
رغم ضعفه الجسدي، كان أبي بارعًا في التحكم بتعابيره،
لكنه الآن بدا هشًا وكأنه على وشك الانهيار.
‘على أي حال، أبي هو عائلتي الوحيدة،
وليس لي مكانٌ آخر أذهب إليه.’
حسبما روى لي أبي، رحلت أمي إلى السماء بعد ولادتي بسبب أمرٍ هام.
“إذن، هل تزوجتَ من جنيةٍ تعيش في السماء يا أبي؟“
“كانت امرأةً غامضةً بالفعل، جميلةً وحكيمةً.”
قال إنها كانت شخصًا لا يمكن إلا أن يُحَب.
كلما سألته متى ستعود أمي لاشتياقي إليها، كنت أرى في وجهه تعبيرًا يفوق شوقي، يتلوه ابتسامةٌ حزينةٌ بدلاً من الجواب.
لم أحصل على ردٍ واضح، لكنني أدركتُ غريزيًا.
‘أمي لن تعود.’
في تلك اللحظة شعرتُ بالحزن، لكنني الآن بخير.
لأن لديّ أبي.
أبٌ يحبني أكثر من أي أحدٍ آخر!
“حسنًا! سأعدك إن كان هذا ما تريد!”
عندما عقدتُ إصبعي الصغير بإصبعه،
رفع أبي إبهامه بوجهٍ جديٍّ هذه المرة.
“والختم أيضًا.”
‘لا أظنه سيُخدع من أحدٍ أبدًا.’
“ها هو الختم!”
بعد أن ضغطنا إبهامينا معًا بقوة،
عانقني أبي بحزمٍ كأنه اطمأن أخيرًا.
‘لا أدري لمَ أشعر بالنعاس فجأة.’
ربما بسبب جلبة النزيف، أو دفء يد أبي،
شعرتُ بجسدي يسترخي وغلبني النعاس.
بينما كنتُ أرمش بعينيّ الثقيلتين بصعوبة،
لم يمضِ وقتٌ طويل حتى غفوتُ في حضن أبي الدافئ.
***
‘أشعر بالعطش.’
كم من الوقت نمتُ؟
عندما فتحتُ عينيّ مجددًا،
وجدتُ نفسي ممددةً في غرفة النوم المعتمة، مغطاةً ببطانية.
‘بالمناسبة، لقد نمتُ في حضن أبي، أليس كذلك؟
يبدو أنني ظللتُ نائمةً بعدها.’
مددتُ جسدي المرتاح كقطةٍ صغيرةٍ وتثاءبتُ بكسل.
‘لكن، أين ذهب أبي؟‘
كنتُ دائمًا أنام إلى جانبه، لكن الغرفة كانت خاليةً من أي أثرٍ له.
“في مثل هذا الوقت، ليس لأبي الكثير من الأماكن ليذهب إليها… أليس من الممكن أن يكون قد ذهب إلى الحمام وانهار هناك؟“
“‘انقذيني! نجمتي، أنا أغرق!'”
تخيلتُ أبي وهو يتخبط في المرحاض صارخًا،
فانتفضتُ مذعورةً ورفستُ البطانية واقفةً على قدميّ.
‘لا يمكنني أن أدع أبي يغرق في الحمام!’
هرعتُ خارج غرفة النوم بسرعةٍ لأبحث عنه.
“…أتشرّف بلقائك.”
في اللحظة التي دخلتُ فيها المطبخ مسرعةً لأعبره، سمعتُ صوت رجلٍ غريبٍ يأتي من حيث يلتقي الرواق بالغرفة الرئيسية.
‘هذا ليس صوت أبي.
إنه صوتٌ أسمعه لأول مرة، ولا يبدو كأنه من أهل القرية…’
ما إن سمعتُ الصوت الغريب حتى شعرتُ بشعيرات جسدي تقف خوفًا.
‘أهو… لص؟‘
في هذه القرية الريفية الصغيرة، حيث يطفئ الجميع أنوارهم وينامون حال غروب الشمس كما لو كان ذلك اتفاقًا مسبقًا،
لم يكن من المعتاد أن يزور أحدٌ أبي في وقتٍ متأخرٍ من الليل.
‘إنه لصٌ بالتأكيد؟‘
إن كان لصًا حقًا، فأبي في خطر.
‘أبي الذي ينزف أنفه من مجرد عصر الثياب،
إن هاجمه لصٌ فقد يموت فجأة كالسمكة الهشة!’
تخيلتُ أبي ينهار فاقدًا الوعي من مجرد رؤية وجه اللص،
فصرختُ في داخلي دون صوت.
‘…لا! لا يمكنني أن أدع أبي يموت فجأة! لأنقذه، يجب أن أقبض على اللص قبل أن يهاجمه! لكن… كيف؟‘
بينما كنتُ أعتصر دماغي تفكيرًا،
لمحتُ في ركن المطبخ عصاتين خشبيتين.
كانتا عصواتٍ تُستخدمان لفرد الثياب أثناء الغسيل.
‘هذا هو الحل!’
في هذه اللحظة، لم يكن لديّ سلاحٌ أفضل منهما.
تنفستُ بعمقٍ وجدية، ثم احتضنتُ إحدى العصوات الخشبية بكلتا يديّ بصعوبة، فهي بطول جسدي تقريبًا.
‘كنتُ أود أن أحمل واحدةً بكل يد…’
لكن قوتي الحالية لم تسمح إلا بعصا واحدة.
‘لكن بما أنها ثقيلة هكذا، إن ضربته من الخلف على ساقيه دفعةً واحدة، فلن يكون ذلك مستحيلاً!’
تذكرتُ نصيحةً عن طرد اللصوص سمعتها من إيكسون عن والده ذات مرة، فبدأتُ أتحرك بخفةٍ نحو مصدر صوت اللص.
“اخفض صوتك.”
توقفتُ لحظةً عندما سمعتُ هذا الصوت التالي.
‘هذا صوت أبي! هل هو مع اللص الآن؟‘
لم أتردد طويلاً، فزاد قلقي واندفعتُ مسرعةً نحو مصدر الصوت.
“نجمتي خفيفة النوم، تماما مثلي.”
هناك، كان أبي يواجه رجلاً يرتدي قناعًا يشبه وجه الشيطان.
كان القناع بلونٍ أحمرٍ ناريٍّ مع عينين قرمزيتين،
يجذب الأنظار بقوةٍ بسبب ألوانه الصارخة.
‘ليس وقت الانشغال بقناع الشيطان! يبدو شريرًا من مجرد النظر إليه! لا أعرف التفاصيل، لكن أبي في خطر!’
بينما كنتُ أهدئ قلبي المذعور وأبحث عن فرصةٍ لطرد اللص، سمعتُ:
“…حقًا؟“
على عكس توقعاتي بأنه سيهاجم أبي، ردّ الرجل ذو القناع بهدوءٍ صادقٍ خالٍ من أي خداع.
‘لكن… هذا القناع الشيطاني أقصر من أبي بكثير؟ صوته يبدو صبيانيًا، وقامته تشبه أخواتي وإخوتي في القرية…’
ترددتُ لحظةً، ثم تذكرتُ قصةً عن أطفالٍ يتامى يسرقون الطعام من الجوع.
‘إذن، هل هذا القناع الشيطاني لصٌ جاء ليسرق طعامًا من جوعه؟ لكن لماذا يتحدث أبي عني مع لص؟‘
شعرتُ أن شيئًا ما غير صحيح، فاختبأتُ خلف إناءٍ كبيرٍ في الغرفة الرئيسية، أراقب الوضع بهدوءٍ وأنفاسٍ محبوسة.
“هاا… أظنني سمعتُ هذه القصة مئة مرة.”
لم أستطع رؤية تعابير اللص بسبب القناع،
لكن نبرته المتضجرة كانت كافيةً لأفهم مزاجه.
“على أي حال، لقد أحضرتُ الأغراض التي أمرت بتجهيزها.”
ثم، دون تأخير، أخرج الرجل ذو القناع صندوقًا من جيبه وسَلَّمه لأبي. كان صندوقًا ثمينًا مغلفًا بحريرٍ محكم.
“الدواء هذه المرة أقوى من السابق، لذا قد ينزف الدم أكثر.”
“حسنًا.”
بعد سماع التحذير، احتفظ أبي بالصندوق في صدره.
“إذن، سأعود الآن.”
بعد تسليم الصندوق،
انحنى الرجل ذو القناع نحو أبي مودعًا، ثم أردف:
“سيد الشيطان السماوي.”
‘سيد… الشيطان السماوي؟‘
في تلك اللحظة التي خرجت فيها هذه التسمية الغريبة من فم الرجل المقنع، بدأت ذكرياتٌ مجهولةٌ تتدفق إلى عقلي كقطعٍ كاملةٍ من الماضي.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 5 - 5- سر الطائر الشفاف 2025-06-11
- 4 - 4- التدريب السري للشيطان السماوي 2025-05-31
- 3- خبير في تربية الأطفال 2025-04-20
- 2- طفلة غير عادية 2025-04-20
- 1- الأب الضعيف و اللص 2025-03-24
التعليقات لهذا الفصل "1- الأب الضعيف و اللص "