استمتعوا
تحدثت ليلي بسرعة.
“أقصد المترجم، هل يمكن الوثوق به؟”
[ألم تقولي إنك لن تشغلي بالك؟]
ضحك الدوق ضحكة قصيرة.
همست ليلي كي لا تُزعج وولفرام.
“أنا آسفة، لكني قلقة للغاية ولا أستطيع التوقف عن التفكير.
ماذا لو قام ذلك الشخص بالإبلاغ عنّا إلى المعبد؟ حينها سنكون في ورطة حقيقية. عودك للحياة وكل وعودنا ستتبخر.”
[عودة للحياة؟ ليلي…]
“لو كان الأمر بيدي، لتعلمت لغة سولمون بنفسي من الآن وبدأت الترجمة. لكن بما أن ذلك مستحيل، فلا بد من وجود وسيلة حماية مضمونة. أعلم أني أتدخل بما لا يعنيني، لكن…”
ظل شخص واحد يتكرر في ذهن ليلي وهي تتحدث.
شخص يتمتع بعمق في لغة سولمون،
وشخص تثق به ثقة عمياء… جدتها.
ترجمة كتب محرّمة مهمة أخطر مما تخيلت، لذا لم تجرؤ على اقتراحها مباشرة. لكنها فكرت أنه إن لم يجد الدوق الشخص المناسب، فقد تلجأ لطلب مساعدة جدتها…
طمأنها الدوق:
[سنتخذ جميع الاحتياطات، فلا تقلقي.]
“كما قلت، ربما هو قلق لا مبرر له.”
تساءلت لماذا لم يتدخل، فإذا بوولفرام يحدّق فيها بعينين حادتين.
“لنكن واضحين. أنت هنا فقط لنقل أقوال سيادته.
لا حاجة لتشغيل بالك بأي شيء آخر.”
“أنا فقط قلقة على تعافي سيادته…”
“ليلي دينتا.”
ناداها وولفرام بنبرة مزعجة.
حاولت ليلي بكل ما أوتيت من قوة أن تمنع جفونها من الاسترخاء والهبوط بإرهاق.
‘ما مشكلتك، وولفرام بيرنت؟’
همست لنفسها بسخرية وهي تنهض من على الكرسي المساعد وتشبك يديها باحترام فوق بطنها.
من تلوم؟ كل هذا جلبته على نفسها.
لطالما حذّرها وولفرام من التدخل،
لكنها من تجاهلت ذلك بحسن نية.
‘آه، ليتني أعود لتنظيف الأرضيات فقط.’
لم تكن مهامها الرفيعة في قصر الدوق تتماشى مع شخصيتها.
“سألتِ عن مسألة الثقة بالمترجم؟”
“نعم، سيدي المساعد.”
“حسنًا، سأوضح الأمر. سيبقى هذا الشخص تحت المراقبة حتى أثناء نومه داخل القصر. وإن لوحظ عليه أي شيء مريب، فسينتهي أمره في اليوم الذي يُكمل فيه عمله.”
شحب وجه ليلي من الصدمة.
كانت تفكر في حلول مثل الفحص الأمني،
أو تعهد بعدم إفشاء الأسرار، أو تحقيق شامل في خلفيته.
لكنها لم تتخيل أبداً أن يصل الأمر إلى التفكير في القتل.
هي تعلم أن لديهم السلطة لفعل ذلك،
وتعلم أنهم لن يُحاسبوا إن قتلوا أحدهم في الخفاء.
وتعلم أنهم قتلوا كثيرين أثناء حملة القضاء على الوثنيين مؤخراً.
لكن القتل لمجرد الشك؟
أليس هذا كأن لا يوجد أي إجراء من الأصل؟
لماذا التحقق من الشك إذا كان المصير هو القتل؟
فقط كلفه بالعمل ثم اقتله فوراً!
اصفرّ وجه ليلي.
كانت تنوي ترشيح جدتها لهذا العمل القذر…
[لا يا ليلي.]
رأى الدوق وجهها وناداها بسرعة.
[نحن لا نتعامل مع الأمور بهذه الطريقة.
وولفرام يحاول تخويفك فقط. ترجمة الكتاب المحرّم ستُجرى بطريقة سلمية، مقابل أجر مستحق.]
لكن الشك الذي تسلل إليها لم يكن سهل الزوال.
حين يضع المرؤوس خطة، فإنه دائمًا ما يخضعها داخلياً لفحص إن كانت ستروق لرئيسه أم لا.
كون وولفرام فكر في هذا الخيار،
يثبت أن هذا النوع من الأساليب مألوف لديهم.
ربما وافق الدوق على فكرته،
وهو الآن فقط يتظاهر بالهدوء كي لا تهرب ليلي.
نظرت ليلي إلى الدوق بعينين يملؤهما التردد.
‘وماذا عني؟ إن كانوا يفكرون في قتل مترجم،
فماذا سيفعلون بمن يعرف أكثر منه؟’
جاء الجواب من وولفرام.
“وهذا الشيء لا ينطبق على المترجم وحده.”
تجمد وجه ليلي تماماً.
يريد أن يهددها الآن بشكل رسمي.
كأنه يقول لها: إن كنت تخشين الموت،
فالتزمي الصمت واعملي بجد.
‘النبلاء، يا لهم من…’
خشيت أن تنفضح مشاعر الاشمئزاز على وجهها،
فخفضت عينيها.
شعرت بنظرات الدوق على خدها، لكنها لم تلتفت إليه.
“إن واصلت التدخل أو التساؤل عن أمور لا تعنيك،
فحينها أنتِ أيضًا… أوه!”
دوّى صوت انفجار، وتناثرت الأوراق التي على مكتب وولفرام في كل الاتجاهات. رفع وولفرام ذراعه ليحمي وجهه.
سقط الحبر الأسود أسفل المكتب، وتطايرت الأوراق نحو الأرض.
انشق سطح المكتب إلى قسمين.
على وجه وولفرام ظهرت خدشة واضحة.
[لا أفهم. لماذا يتحدث بغباء هكذا؟]
وقف الشبح بجانبه،
وكان ينظر إلى وولفرام بعينين متسعتين أكثر من المعتاد.
بدت عيناه كأن شيئاً استحوذ عليه،
وبدأ الزجاج في النوافذ يهتز برفق.
المشهد بدا مألوفاً.
نظر وولفرام حوله في ارتباك.
“ما هذا؟ هل سيادته من يفعل هذا؟”
“ما الأمر؟!”
فتح أحد الجنود الباب وهو يصرخ، ثم تجمد من هول المفاجأة.
كان الوضع فوضويًا.
اقترب الشبح من رف الكتب خلف وولفرام ووضع يده عليه.
[حتى لو قلت له أن يصمت فلن يسمع. إذًا…]
صدر صوت تصدع من الرف،
وظهر تقوس واضح في إحدى الطبقات.
“آه!”
صرخ الجندي من الرعب.
ليلي أيضاً شحب وجهها.
شعرت بالخوف، لكنها علمت في قرارة نفسها… من سيتولى تنظيف هذا؟ أنا!
إن أرادت منع الكارثة، فعليها التدخل الآن.
قبضت على يديها وصرخت:
“اصـ، اصمت!”
توجهت أنظار الثلاثة نحو ليلي.
نعم، ثلاثة.
شعرت بالدوار.
كانت منشغلة في إيقاف الشغب لدرجة أنها نسيت وجود الجندي.
المصيبة تتبع الأخرى. الآن يجب أن تخرج من هذا الموقف دون كشف هوية الدوق، ودون أن تبدو مجنونة.
فكرت للحظة ثم قالت بصوت موجّه للفراغ:
“…هل أقول هذا؟”
صمت الجميع.
ثم قال الجندي بعد لحظة وهو يتراجع:
“يبدو أنه نجح. سأذهب وأستدعي كبير الخدم.”
وهكذا، بقي في المكتب فقط المعنيّون.
كادت ليلي أن تلحق به، لكنها تماسكت وبدأت تشرح.
“سيادته أراد إيصال هذه الرسالة إلى المساعد، لكنه لم يستطع، فغضب قليلاً. أرجو أن تدركوا أنني لم أكن أريد قول ذلك الكلام الوقح سابقاً.”
[إذن قولي له هذا.]
“ويقول أيضًا…”
[هي مساعدتي الثمينة، ويجب التعامل مع رأيها بجدية.]
رددت ليلي ذلك ببطء.
بدا أن وولفرام لا يزال في حالة صدمة.
أضاف الدوق:
[لذا توقف فورًا عن هذا التصرف المقزز،
وأظهر لها الاحترام الذي تستحقه.]
فتحت فمها بدهشة.
حتى لو كانت تنقل الكلام فحسب،
بدا هذا مبالغًا فيه لتقوله لنائب بارون.
بل إن هذه لغة خشنة حتى على دوق.
‘ما قلته قبل قليل… كان بدافع خارج عن إرادتي…’
سألها الدوق عندما ترددت:
[هل أكرره لك إن كنتِ لا تتذكرين؟]
“لذا توقف فورًا عن هذا… هذا التصرف المقزز وأظهر الاحترام.”
شعرت ليلي أنها على وشك الموت من الخوف.
أرادت التأكيد مجددًا أنها تنقل كلام الدوق فقط.
لكنها شعرت أن أي تعليق إضافي سيزيد الوضع سوءًا،
فابتلعت ريقها فقط.
وفي ذلك الصمت، انحنى وولفرام معتذرًا.
“أعتذر عن سلوكي الفظ.”
[هل أعجبكِ؟ هل تعتبرينه اعتذارًا كافيًا؟]
سأل الشبح بلطف.
[إن أردتِ، سأجعله يركع. فقط أرجوكِ، سامحيه.]
تحدث بصوت يتوسل ويهدئ في آن واحد.
“…حسنًا…”
رغم توسله المؤثر، ترددت ليلي.
لم تستطع قول نعم.
بعد أن عرفت كيف يتعامل النبلاء،
لم يعد بإمكانها أن تكون ساذجة.
من يضمن لها أنهم لن يقولوا لاحقًا:
“لقد عرفتِ أكثر مما يجب.” ثم يقتلونها؟
صحيح أن هناك وعد شرف قطعه الدوق،
لكن الناس يقولون أي شيء عندما يكونون في موقف ضعف.
وما إن يستعيد الدوق قوته وثروته،
قد يقرر أن ما قاله وولفرام أكثر كفاءة.
ووقتها، ستُقتل بحادث عربة أو سقوط من الدرج.
لذلك، من الأفضل أن… تتظاهر بأنها بخير ثم تهرب خلسة من القصر.
قد لا تحصل على توصية أو وظيفة جيدة،
لكن هذا أفضل من الموت.
ويجب أن تأخذ جدتها معها.
فقط فكرة أن هؤلاء قد يكتشفون قدرات جدتها يجعل العالم يظلم في عينيها.
شعر الشبح بشيء مريب، فأمسك بمعصمها.
[ليلي، لا. أيًا كان ما تفكرين فيه، لا. الأمر ليس كما تعتقدين.]
الهرب… نعم، الهرب هو الحل.
أبعدت ليلي نظرها عن يد الشبح التي عبرت جسدها بلا أثر،
وقد عقدت عزمها.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل "8- القصر المسكون و الخادمة"