استمتعوا
“قال التاجر الذي جاء من العاصمة إن الجثة عُلّقت على بوابة القلعة.”
تحدث وولفرام في الهواء دون أن يُبدي أي اهتمام بأن ليلي تكلمت من تلقاء نفسها.
“سأقوم أولاً بالتحقيق لمعرفة ما إذا كانت هناك اتباع متبقين.
كما سأتابع الأوضاع في العاصمة.
هل هناك تعليمات أخرى يا صاحب السمو؟”
[يجب أن أجد مترجماً للغة السولمون.]
كانت تلك نهاية ما قاله آيدن، دون أي شرح إضافي.
هل يمكن أن يكون من تبقى من الوثنيين من شعب سولمون؟ هل ينوي جلب مترجم لمرافقة الاستجواب؟ لكنه قال بوضوح ‘مترجم’ وليس ‘مترجماً فورياً’.
كانت ليلي تشعر بالحيرة وتود معرفة السبب، لكنها رأت أنه من الأفضل أن تظل ضمن حدودها كعاملة بعد تصرف وولفرام السابق.
فكبت فضولها ونقلت كلام الدوق.
“يريد صاحب السمو إيجاد مترجم للغة السولمون.”
“صاحب السمو، هذا…”
بدا أن وولفرام فهم فوراً مقصد الدوق، بخلاف ليلي.
وبعد لحظة من التردد، قال:
“حسنًا، مفهوم.”
ساد الصمت بعد ذلك في المكتب.
وبعد أن لاحظت ليلي أن الأجواء هدأت، تحدثت بأدب:
“إذن، سأغادر الآن.”
[إلى أين تظنين نفسك ذاهبة؟ دورك لم ينتهِ بعد.
تعلمين ذلك، أليس كذلك؟]
ينبغي أن يفهم هذا الشبح أن الابتسامة لا تعني دائمًا اللطف.
لاحظت ليلي بحدسها علامات الريبة والمراقبة التي كانت تتوارى خلف ابتسامة المشرف.
شرحت بحذر حتى لا تثير استياءه:
“أعتقد أن عملي هنا قد انتهى، وأود إتمام تنظيفي في مكان آخر. سيدي المساعد، لقد كُلِّفت مؤقتًا بتنظيف القصر الرئيسي، فإذا احتجت التواصل مع صاحب السمو، فبإمكانك دائماً العثور عليّ.”
هي مجرد ناقلة لكلمات الدوق.
ولم يكن لديها عمل آخر قبل أن يجلب وولفرام معلومات مفيدة لبدء النقاش القادم.
أومأ الشبح موافقًا، وكأنه اقتنع بكلامها.
لكن عندما همّت ليلي بالتحرك، أوقفها وولفرام.
“انتظري. هناك أمر أود مناقشته مع صاحب السمو.”
توجه إلى المكتب في منتصف الغرفة،
وأخرج مجموعة من الوثائق وبدأ يقرأ:
“هذا التماس بخصوص نزاع على الأراضي في منطقة رانديل. هناك نهر ساميبيلا يفصل بين الجانبين…”
تمكنت ليلي بالكاد من فهم الجزء المتعلق بـ’التحقيق’.
أما أسماء الأشخاص والمناطق والمصطلحات القانونية،
فكانت تمر بأذنيها كأنها ليست من اللغة الإمبراطورية.
لم ينتهِ شرحه إلا بعد وقت كافٍ لتنظيف استراحة كاملة.
[وأين هي الوثائق المتعلقة بذلك؟]
“أين هي الوثائق المتعلقة؟”
رددت ليلي كلام الشبح بتعب يعبّر عن الإرهاق من الوقوف وتأخر أعمالها الأخرى.
لكن وولفرام لم يُبدِ أي انزعاج، بل رد بوجه مشرق:
“لقد جهزتها هنا!”
وأخرج المزيد من الأوراق.
‘يبدو أنها مشكلة استعصت على الحل لفترة طويلة.’
أخذت ليلي تضرب ساقها بخفة وهي تفكر بوضعه،
وبعد أن حسبت الوقت والمسافة المتبقية من أعمالها،
رأت أنه يمكنها تأجيل ثلاثين إلى أربعين دقيقة من وقتها.
لكن وولفرام لم يعرف حدًا للتوقف.
فبعد أن انتهى من الموضوع الأول، تبعه الثاني، ثم الثالث.
وبالنهاية، بقيت ليلي محتجزة معه لساعات، ولم يُطلق سراحها إلا بعد أن ترجّته بتذلل، موضحة أنها إن لم تكمل أعمالها فستقع في ورطة.
“آمل أنك لن ترتكبي الحماقة بإفشاء ما دار اليوم.”
هددها وولفرام وهو يحدّق بها ببرود عندما حاولت المغادرة.
بالفعل، ما قيل هناك هو أشياء لا يمكن لخادمة بسيطة أن تعرفها في حياتها كلها. ورغم كونه فظًا، إلا أنه لم يكن مخطئًا.
“سأضع ذلك في الحسبان، سيدي المساعد.”
ثم تحركت ليلي كالمجنونة لإنهاء عملها.
ومع ذلك، عندما أنهت ترتيب الأدوات،
كان وقت العشاء قد أوشك على الانتهاء.
ركضت بسرعة إلى غرفة الطعام حتى لا تبقى جائعة.
وبينما كانت تزيل قشرة بطاطس مسلوقة قد بردت،
جاءت ماري إليها.
“ليلي، كبيرة الخدم كانت تبحث عنك.
قالت تعالي بعد أن تنهي طعامك.”
“آه، شكرًا لإخباري.”
ابتسمت ليلي، لكن طرف فمها كان يرتجف.
لقد سئمت من التعامل مع كبار المسؤولين!
***
شعرت ليلي بالضيق والأسى وهي تحشو العشاء في فمها،
ثم ذهبت إلى غرفة رئيسة الخدم.
كانت تتوقع السبب: من المؤكد أن الجندي في الطابق الثالث قد وشى بها بسبب فوضى الأمس.
أثناء سيرها البطيء، بدأت تفكر في اختلاق عذر مقنع لما فعلته.
لكن كل ما خطر لها كان أعذارًا سخيفة مثل
“أردت الاعتراف بمشاعري للمساعد الذي أعجب به سرًا.”
طرقت الباب بيأس.
“كبيرة الخدم، ليلي دينتا هنا.”
[ادخلي.]
دخلت ليلي الغرفة بسرعة وراقبت تعابير وجه كبيرة الخدم.
لم تكن تبدو غاضبة، ولكن لا مجال للطمأنينة.
فحتى المحادثة الهادئة قد تنقلب إلى بركان في لحظة.
راقبتها ليلي بعناية أكبر.
كانت أنجيلا تراجع دفتر السجلات على مكتبها،
ففتحت ليلي عينيها دهشة.
ذلك السجل يحتوي على كل ما يخص أعمال الخدم،
بما في ذلك التقييمات.
شعرت بقشعريرة في جسدها.
يبدو أن تصرفها المفاجئ في الطابق الثالث كان سبب المشكلة فعلًا.
ماذا لو تسبب ذلك في إلغاء زيادة راتبها؟
بدأت ليلي تفكر بخطة اعتذار:
‘أنا آسفة، كبيرة الخدم. لقد كنت دائمًا معجبة بالسيد وولفرام. وعندما وقفت أمام مكتبه، لم أتمكن من كبح مشاعري…’
نعم، سأقول ذلك.
أنهت أنجيلا الكتابة،
ورفعت رأسها ثم بدأت تُثني على ليلي المرتجفة.
“ليلي، أحسنتِ فعلًا في تولّي تنظيف القصر الرئيسي.
قال المساعد بنفسه إنك نظّفتي المكتب ببراعة.”
رمشت ليلي بعينيها.
“كنت أعلم ذلك، لكن لم أتوقع أن يُلاحظك المساعد من أول يوم.”
“آه، رئيسة الخدم، عن ماذا تتحدثين؟”
“ألم تنظفي مكتب القصر اليوم؟”
“آه، نعم، فعلت! لقد ساعدت المساعد !”
لم تكن تكذب أبدًا. صحيح أنها لم تنظف،
لكنها ساعدت وولفرام بالفعل.
قالت أنجيلا بوجه راضٍ:
“لقد زارنا المساعد هذا العصر وقال إن الإدارة تسير جيدًا رغم مرض الدوق، وهذا بفضل إدارة الخدم الممتازة.”
أنزلت ليلي كتفيها المتشنجين من شدة التوتر.
شعرت بالراحة أخيرًا.
“لذا، من الغد، اذهبي مباشرة إلى مكتب القصر.”
“ماذا؟”
كانت هذه الكلمة المختصرة تحمل في طياتها سؤالاً طويلاً:
لماذا تغيّر الحديث فجأة؟’
لو كان الوضع طبيعيًا، لكانت أنجيلا نهرتها بسبب سؤالها،
لكنها أجابت بلطف هذه المرة:
“قال المستشار إنه يثق بك ويمكنكِ تولي مكتب القصر وحدكِ. وطلب إعفائك من المهام الأخرى حتى لا يتشتت تركيزك.”
ومع استمرارها بالكلام، ازداد توهّج وجه أنجيلا.
“في الحقيقة، كنتُ معترضة. قلت إنه حتى وإن كنتِ ممتازة في التنظيف، فإن مكتب القصر ليس من مستواكِ بعد. ولماذا تخصيص عاملة لمكتب صغير؟ فترة الصباح تكفي لتنظيفه…”
وكانت ليلي تتفق معها تمامًا.
أي شخص لا يعرف التفاصيل سيظن أن ليلي دينتا حصلت على ترقية مجانية دون سبب.
لكن سواء أكانت خادمة بسيطة أم كبيرة خدم،
فكلاهما عليهما الامتثال لأوامر رؤسائهم.
“لكن بما أن المساعد أصر على ذلك، فلا مفر.”
ابتسمت أنجيلا وأضافت:
“استمري في رفع اسم قسم الخدم.”
“سأبذل قصارى جهدي، كبيرة الخدم!”
“جيد. احسنتي العمل.”
خرجت ليلي من الغرفة وعادت إلى سكن الخدم.
وحين سألتها ماري عن تنظيف القصر، أجابت بأنه كان مقبولًا.
ثم استمتعت بوقت فراغ شعرت أنه طال غيابه.
بدّلت ملابسها وتحدثت مع صديقاتها،
ومع مرور الوقت بدأت تفاصيل يومها تتلاشى.
رغم أنها حاولت نسيانه عمدًا، إلا أن ما حدث لم يُمحَ تمامًا.
في تلك الليلة، حلمت ليلي أنها تركض في الممرات هاربة من شبح الدوق الطائر.
كان الممر لا ينتهي، وكان الشبح يهمس قائلًا
[ليلي… ليلي…]
وفجأة، كان وولفرام يفتح الأبواب صارخًا:
“نحن بحاجة لرأي الدوق!”
كان كابوسًا بشعًا.
***
جمعت ليلي أدوات التنظيف مثل منفضة الغبار والمكنسة والصينية، وتنهّدت قائلة:
“سأظل أرى الكوابيس إلى الأبد…”
المشكلة لم تكن في الرعب،
بل في أن الحلم كان أشبه بعمل إضافي لم يُخلّصها من التعب.
على عكس الأمس، لم يمنعها الجندي عند الطابق الثالث.
بدا أنه تلقى تعليمات مسبقة.
“مرحبًا!”
حيّته ليلي بابتسامة مشرقة ودخلت.
لم يكن وولفرام قد وصل بعد.
عادةً ما تبدأ الخادمات العمل في وقت مبكر جدًا لتفادي لقاء النبلاء، ولذلك يتم تنظيم الوقت والمسار بدقة.
لكن هذا لم يعد يعني ليلي، فهي لم تأتِ للتنظيف فحسب،
بل بصفتها مترجمة للأرواح.
ومع ذلك، كانت قد جاءت مبكرًا ومعها أدوات التنظيف لأنها لم تحتمل ترك المكتب كأنه إسطبل خنازير.
لقد كان منظر المكتب مؤسفًا حقًا، يوقظ الحس المهني بداخلها.
حتى طبق الساندويتش الذي أُكل بالأمس كان لا يزال هناك،
بل حتى طبق اليوم الذي قبله.
وأكواب الشاي الكثيرة وقد جف ما بداخلها لم تكن أقل سوءًا.
تمتمت ليلي وهي تلتقط طبقًا:
“لو وضع هذه الأطباق خارج الباب، لأخذها أحدهم.
يبدو أنه لم يتبقَ أي طبق في الخزانة.”
[عندما كنتُ موجودًا…]
“آه!”
شعرت ليلي فجأة بصوت غريب يهمس في عقلها.
أمسكت بالطبق لا إراديًا.
لا يجب كسر طبق فاخر كهذا حتى لو أعطي للبارون.
سيكون خصمًا من راتبها!
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل "5- القصر المسكون و الخادمة"