‘اغه، يغلق عينيه بهدوءٍ كما لو أنّه نائمٌ بسلام. لا أستطيع حتى أن أضربه على رأسه!’
تذمّرت ليلي في نفسها.
وجهُه الوسيم المسترخي، ويده الكبيرة التي غطّت ظهر كفّها، كانا قريبين حدَّ العبث.
ولو أرادت، لأمكنها أن تمرّر يدها عبر جسده الشفّاف وتُخرجها ثانيةً بسهولة، فمهما حاول ذلك الرجل—الذي يختلف عنها حتى في عظامه—أن يضغط بإرادةٍ قوية، فلن يجدي ذلك نفعًا.
ومع ذلك، كانت تتصرّف بحذرٍ، خوفًا على حال آيدن… بل على حال روحه بالذات.
فقد بدا وجهه حين دخلت الغرفة سيّئًا للغاية.
كان دائمًا ذا هالةٍ زرقاء باهتة، لكنّه اليوم بدا أبهت من المعتاد، كأنّ التعب الشديد قد أنهكه. شدّت نفسها خوفًا من أن ترى آثار تلوّثٍ على روحه.
ركّزت ليلي مجددًا، محاولةً أن تستشعر ما إن كان ثمّة خطبٌ ما.
“همم… لا، لا أشعر بأي حرارة.”
شعرت من حول يدها بمقاومةٍ خفيفة، أشبه بما يُشير إلى حدود روحه، ومن هناك لم يكن ينبعث أيُّ دفءٍ… ولا حتّى أثرٌ له.
كان الهواءُ أشبهَ بنسيم الفجر البارد قبل أن تمسَّه أشعة الشمس.
وما إن همّت بأن تقول إنّه لا توجد أيّ حمّى، حتى سبقها آيدن بالكلام.
[يكفيني أن تتحقّقي من أمري، فقد خفَّ صداعي بعض الشيء.]
ثم رفع أهدابه الطويلة، ونظر إليها بابتسامةٍ رقيقةٍ كنسيم الربيع.
تجمّدت ليلي تحدّق به، فاغرةً فمها قليلًا.
ولم يكن ذلك ذنبها؛ فامرأةٌ قرّرت البارحة فقط أن تُطفئ مشاعرها نحوه، كان ذلك الابتسام منها قسوةً بالغة.
‘لا حاجةَ إلى مرآة، أعلم أنّ وجهي احمرَّ كالجمر!’
وكما توقّعت، ازدادت عيناه المبتسمتان عذوبةً، وأصبحت ابتسامته أحلى من رحيق الخوخ.
سحبت ليلي يدها بسرعة.
“هـ، هذا مطمئن. لم أشعر بشيءٍ غير طبيعي، ولون روحك لا يزال صافياً كذلك.”
لكن ابتسامةً مختلفة مرّت على شفتي آيدن، كانت أقرب إلى ابتسامةٍ ساخرةٍ خفيّة، إلا أنّها لم تدم إلا لحظةً وجيزة، حتى خُيِّل إليها أنّها توهّمتها.
إذ لا سبب يجعله يبتسم هكذا وهي قد أخبرته بأنّ روحه ما زالت نقية.
“على أي حال، أرى أنّ الأفضل أن لا تُجهد نفسك اليوم.”
[حسنًا، فهمت.]
سرت قشعريرةٌ خفيفة داخل كمّها.
كان صوته حين أجابها لطيفًا للغاية، كأنّه يُناديها بحنوٍّ زائدٍ عن الحدّ.
‘هل جنّ؟’
تساءلت في اضطراب.
فحين افترقا البارحة، لم يكن آيدن يتحدّث بهذا الأسلوب على الإطلاق.
كان فرِحًا لأنّها علقت في قصر الدوق، لكن نبرته كانت آنذاك عاديةً، صافيةً وبسيطة.
أما الآن، فقد أصبح أكثر رقّةً ممّا كان حين قرّر أن يجعلها مساعدته.
أيُّ تحوّلٍ هذا الذي طرأ عليه بين ليلةٍ وضحاها؟
ثم أدركت السبب بسرعة.
“هل التقيتَ بجدّتي البارحة؟”
[السيدة دينتا؟]
“نعم.”
[كلا.]
أجاب بثقةٍ كاملة، وابتسم في وجهها بثباتٍ حتى وهي تحدّق فيه محاولةً قراءة ما وراءه.
‘اللعنة! هل نثر شيئًا من غبار الجانّ على وجهه؟ لماذا يتلألأ هكذا؟!’
كادت تغلي من الإحباط.
كلّما حاولت التفكير، شدّها بريقه نحوه مجددًا.
ورأت أنّ لا فائدة من البقاء أمامه، فاستدارت.
“حسنًا، سأبدأ عملي إذن.”
وبينما شرعت في تنظيف المكان صباحًا، كانت تراجع في ذهنها سلوك آيدن الغريب.
لم تُصدّق لحظةً أنّه لم يلتقِ بجوليا. لقد تلقّى بلا شكّ إشارةً حول كيفية كسر اللعنة، وبعد سماعها قرّر أن… يغويها.
‘يا إلهي، أغواء؟! هل هذا هو التعبير الصحيح؟ أهو يحاول إغوائي؟!’
ارتعشت يدها وهي تمسك بالمنفضة. لقد أفزعها ما خطر ببالها، لكن لم يكن ثمة تفسيرٌ آخر لتصرّفه الغريب.
أزالت الغبار المتراكم ومسحت المكتب، بينما ظلّ آيدن صامتًا في مكانه، على غير عادته.
كان في العادة يتبعها أينما ذهبت، يثرثر أو يمازحها بأحاديث لا طائل منها.
وبصراحة، كانت ترى في ذلك إزعاجًا محضًا؛ فهو لا يساعدها، بل يبطئها بكلامه الكثير.
حتى حين كانت تبلغه برفقٍ أنّ الوقوف الطويل قد يرهقه، كان يجيب بثبات.
“لا بأس، لست متعبًا على الإطلاق.”
لكن اليوم، جلس بهدوءٍ في كرسيّه دون أن يُطلب منه ذلك!
رمقته ليلي بين الحين والآخر.
كان جالسًا وقد تشابكت ساقاه، ووجهه المثاليّ مطرقًا في تفكيرٍ عميق.
وكلّما التقت عيناه بعينيها، ابتسم بلطف، من غير أن يتحرّك نحوها.
ولأول مرةٍ منذ زمن، استطاعت أن تُنجز أعمال الصباح بسلام.
ظلّ سلوكه الغريب مستمرًّا حتى بعدما ودّعها لتذهب إلى لقاء يوليوس، وقد بدا هادئًا على نحوٍ غريب.
[أراكِ لاحقًا. كوني حذرة.]
أما بالأمس، فقد أمضى خمسَ دقائق على الأقل عند الباب يُلقي عليها التعليمات والتحذيرات، فكان هذا التغيير لافتًا بالفعل.
بعد أن خرجت من الجناح الشرقي، التفتت إلى الخلف بلا سببٍ واضح.
كان آيدن في العادة ينتظر خلف الباب حتى تعود، لا يذهب إلى مكتبه.
لكنّها شعرت اليوم بأنّه قد يفعلها حقًّا ويغادر إلى مكتبه.
تنفّست الصعداء. أخيرًا ستحظى ببعض المساحة لنفسها.
فمهما كانت مشاعرها تجاه آيدن، فإنّ سلوكه الأخير كان أكثر من أن يُحتمل.
نظرت مرةً أخيرة إلى الباب، ثم تابعت طريقها نحو الجناح الفرعي.
***
لم تعد ليلي تحضر ماءً مقدّسًا إلى الجناح بعد الآن، فقد تحسّنت حالة يوليوس كثيرًا.
لكن هذا جعله أكثر صعوبةً في التعامل، لذلك لم يكن تحسّنه مصدرَ سعادةٍ كاملة لها.
جلست أمامه إلى طاولة السرير، وفتحت فمها بهدوءٍ.
“هل هناك أمرٌ ترغب بإخباري به؟”
حاولت ليلي ألّا تخضع لنظرته الحادّة وهي تسترجع ما طالبت به في اليوم السابق.
—
من الطبيعيّ أن أطيع أوامر جلالته، لكن كيف لطبيبةٍ بسيطة أن تواجه قائد طائفةٍ يستعمل قوى خارقة؟
إلا إذا أكّدتَ لي أنّ لنا فرصةً حقيقية في النصر، فلا بدّ أن أكرّس نفسي هنا لمعالجة هاتين الروحين النبيلتين.
ذلك ما يُحقّق واجب الطبيب على أكمل وجه.
—
كانت تلك الكلمات نقيضًا تمامًا لما قالته قبلاً حين أثارت ضجّةً كأنّها على وشك اقتحام العاصمة فورًا.
حدّق فيها يوليوس بعينين يظلّلهما الغموض، فيما أنهت حديثها قائلةً إنّها تحتاج وقتًا للتفكير.
وبينما كانت ليلي غارقةً في استعادة تلك اللحظة، سمعته يقول.
[هل يقلقك سحرُ قائد الطائفة؟]
“نعم، هذا صحيح.”
أجابت بأدبٍ جمّ، وهي تدرك أنّ هذه المحادثة ليست سوى وسيلةٍ لكسب الوقت.
فما دام قد تقرّر ألّا تذهب إلى العاصمة مع يوليوس، فهي تستخدم هذا العذر لتؤخّر الرحلة دون أن تثير شكوكه.
لو توقّفت فجأةً عن المجيء إلى الجناح، لما كان ثمّة مشكلة،
لكنّها لا تستطيع أن تقطع العلاقة دفعةً واحدة، إذ لم يُحسم بعد مصير يوليوس.
هل تُكمِل علاجه تمامًا؟ أم تترك روحه تائهةً في الأرض إلى الأبد؟
في الحقيقة، كانت ترغب في أن تلقيه في وسط محيطٍ شاسع،
لكنّ الإمبراطور ليس من أولئك الذين يمكن التخلّص منهم بسهولة.
وفي ظلّ احتمالاتٍ مفتوحةٍ كهذه، قد تتعقّد الأمور إن تدهورت العلاقة بينهما.
وبينما هي في ذلك، رأت أنّه من الأفضل أن تجمع مزيدًا من المعلومات حول قائد الطائفة.
“إنّها قوّةٌ أذلّت شمس الإمبراطورية نفسها.
أمثالي، من عامة الناس، سيعجزون تمامًا أمامها.
فلو انفصلت روحي عن جسدي، فذلك كارثةٌ كاملة.
لهذا، لا أجرؤ على المجازفة في أمرٍ بهذا الحجم.”
لكنها كانت تعلم أنّ اليوم الذي تصطفّ فيه النجوم الخمس الكبرى لن يحلّ قبل تسعةٍ وتسعين عامًا، أي أنّ خطر انفصال روحها عن جسدها لم يكن واردًا أصلًا.
أما إن كان يوليوس يعلم ذلك أم لا، فلم تكترث له.
فأيًّا يكن ما سيقوله، كانت تعتزم أن تُحرّف كلامه قليلًا، وتتظاهر بالقلق، لتنتزع منه المزيد من الضمانات.
[ليس ذلك مما ينبغي لكِ القلق بشأنه.]
‘سنرى إن كان عليَّ أن أقلق أم لا.’
قالت في نفسها، مشدودةَ العزم، مستعدّةً لخوض المعركة.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 46"