لكنّ ليلي لم تكن تنوي منحه فرصةً للتفكير، بل أرادت أن تُربكه تمامًا، أن تُقنعه بأنها بريئةٌ تمامًا، لا تعرف شيئًا عمّا يجري.
قالت بصوتٍ مملوءٍ بالتردّد المصطنع.
“جلالتك، هل حدث وأن… خدعت الدوقَ بطريقةٍ ما؟”
[ولِمَ خطر لكِ مثلُ هذا الظنّ؟]
“فقط… لا أستطيع تخيّل سببٍ آخر يجعله يُبدي كلَّ هذا العداء تجاهك، إلا إنْ كان الأمرُ على درجةٍ من الخطورة. بصراحةٍ، لقد أصبحتُ في وضعٍ لا يُطاق في الآونة الأخيرة.”
نثرت كلماتِها بعنايةٍ فيها من الحِدّة ما يكفي لأن تُصغيَ إليها آذانُ الإمبراطور.
“منذ أن بدأ صاحبُ السموّ يرفض العلاج، لم يهدأ المساعد بورنيت من مطاردتي كلَّ يوم. يقول لي: ‘إن كان الإمبراطورُ يتحسّن، فلمَ يزداد دوقُنا سوءًا؟’ “
أنصت يوليوس، مذهولًا، فيما تابعت ليلي كلامَها.
“لقد راودني ذاتُ السؤال، أردتُ حقًّا أن أعرف الجواب.
لكن الآن، وقد استعاد جلالتُك رشدَك، وصِرنا قادرين على التحدّث، فاغفر لي جرأتي… ما الذي حدث بينكما؟ ألم تكونا أقربَ من الإخوة؟”
وبينما كانت تتكلّم، انقلب الموقفُ تمامًا، إذ أصبحت هي مَن يُوجّه الأسئلة.
أجابت بنبرةٍ حادّة، فعاد يوليوس إلى صمته، متأمّلًا.
أما ليلي فانتظرت، تمنحه الحيّز ليُبديَ حركتَه القادمة.
وأخيرًا، تحدث.
[الأمر ليس فضيحةً مالية كما ظننتِ، ولكن… هناك ما يُثقل صدري. آيدن يعتقد… أنني السببُ في ما آلَ إليه.]
“جلالتك؟” قالتها مُتجهمة.
“أتقصد أنّ صاحبَ السموّ يظنّ أنّك مسؤول عمّا آلَ إليه حالُ روحه؟”
[نعم.]
“لكن هذا… ألا يُعدّ مستحيلًا؟”
[ولِمَ تقولين ذلك؟]
“لأنّ جلالتك في الحالة ذاتها، أنت أيضًا ضحية!
كيف يمكن أن تكون السببَ والضحيةَ في الوقت نفسه؟”
قالت ذلك بإيمانٍ راسخٍ لا تردّد فيه.
[إنكِ حادّةُ الذكاءِ على ما يبدو.]
ابتسم يوليوس ابتسامةً خفيفة، كانت الأولى منذ زمن، وفيها صدقٌ مباغت.
لقد التهم الطُّعم.
فأكملت ليلي تمثيليّتها كمن يظنّ نفسَه محقّقًا بارعًا بينما يضلّ طريق الحقيقة.
“الجاني الحقيقي لا بدّ أنه من استولى على جسد جلالتك.
ولو كان عليّ أن أُخمّن… فهو قائد تلك الطائفة، أليس كذلك؟”
[نعم.]
وافقها يوليوس دون أدنى تردّد.
إذًا، فقائد الطائفة هو من استولى على جسد الإمبراطور.
تظاهرت ليلي باللامبالاة، وكأنّها كانت تعرف ذلك منذ زمن.
“من الصعب تصديق أن شخصًا مثلي — مجرد …أه… طبيبةً —أدركتُ هذا بينما النبيلُ الكبير، صاحبُ السموّ، لم يُدركه. ربما يجدر بنا التفكيرُ في تفسيراتٍ أخرى.”
توقفت لحظةً، إذ كادت تقول ‘مجرد خادمةٍ’ .
لكنّ يوليوس لم يُبدِ أيَّ ردّ فعلٍ تجاه زلّتها الصغيرة، بل مال إلى الأمام، ناثرًا طُعمه بدوره.
[من يُفكّر بعقلانيةٍ سيصل إلى النتيجة نفسها.]
قالها بنبرةٍ ذات مغزى، وعيناه تتابعان كلَّ تفصيلةٍ في ملامحها.
[لكنّ آيدن… ربما لا يملك تلك العقلانية، لا سيّما حين يتعلّق الأمر بي. لأنّه يُضمر لي الكراهية.]
“ماذااا؟!”
تفجّر ذهولُ ليلي عفويًّا، لا اصطناع فيه.
“صاحبُ السموّ يكره جلالتك؟! لكنّ قصّتكما معروفةٌ في أرجاء الإمبراطورية! كيف يكره صديقًا وثق به بحياته؟”
[هل تعرفين شيئًا عن طفولةِ آيدن؟]
“نعم… أعني، أنا من إقليم كاشيمير…”
[إذن سيكون الشرحُ أسهل.]
حرّك يوليوس رقبتَه وكأنّه يحاول التخلّص من تيبّسٍ لا وجود له.
[حين كنّا صغارًا، كانت البراءةُ تجمعنا، كنّا حقًّا كالإخوة.
لكنّ تلك الرابطة تلاشت كلّما كبرنا. بدأ آيدن يحسدني، لأني الابنُ الحقيقي للإمبراطور.]
انفرج فمُ ليلي قليلًا، مأخوذةً بما تسمع.
تابع يوليوس وهو يراقبُ ردّة فعلها عن كثب.
[ظنّ أنّ شفقة الإمبراطور عليه كانت محبّةً حقيقية، ثمّ، كخليفةٍ للدوق، راح يُنمّي طموحاتٍ ملوّثة. ولستُ أودّ الآن أن أسترجعَ كيف عاملني آنذاك.]
كانت قصّتُه تُشبه روايةَ آيدن إلى حدٍّ غريب، لكنّها أقلّ إقناعًا بكثير.
[وفي الوقت ذاته، بدأ يخدع نفسَه. ولكي يُبرّر كراهيتَه، أقنعها بأنّني أنا من أكرهه.]
تلعثمت ليلي وهي تسأله.
“إذ، إذًا… ماذا عن الشائعات؟ ألم تكونا صـ، صديقين فعلًا؟”
[علنًا، نعم. اتفقنا على أنّ التعاون بين قوتي الإمبراطورية سيحفظ النظام. لكنني كنتُ أعرف الحقيقة. فهو ما زال يُخفي في صدره شعورًا مشوَّهًا تجاهي. وهؤلاء الناس… يكفي أن تتباعدَ عنهم قليلًا، ليُحرّفوا كلَّ شيءٍ كما يشاؤون.]
“هذا…”
[قد يصعب عليكِ تصديقه، لكن تلك هي الحقيقة الكاملة عن السيّد الذي تخدمينه.]
قالها يوليوس بصدقٍ بالغٍ حتى إنّ ليلي كادت تصدّقُه.
[خلفَ الدوق ذي الدم الحديديّ، وخلف البطل الذي لا يُجارى، ما يزال هناك فراغُ الطفولةِ القديم.]
إن كان ما يفعله تمثيلًا، فليست له مكانةُ إمبراطور، بل يجب أن يكون نجمَ المسرح الأول!
[كلّما تعافيت، زاد ذلك من إيلامِ جراحِ آيدن الخفيّة.
سيفقد ثقته بكِ، وستتدهور روحُه أكثر، وربما يبدأ باختلاق الأكاذيب ليُبعدكِ عنّي.]
سواء كان هذا جنونًا أم تلاعبًا، فقد بات واضحًا أن يوليوس يؤمن تمامًا بأنّ انحدار آيدن حقيقيّ، وهذا بالضبط ما كانت ليلي تسعى إليه.
وزيادةً على ذلك، أنّ أوهامَه بُنيت على كذبتها؟ أروعُ ما في الأمر.
وأخيرًا، كشف يوليوس عن الغرض الحقيقي وراء كل ما لُقّنَهُ من افتراءاتٍ دقيقة.
[لكن، لا يجوز لكِ أن تُوقفي علاجي.]
كادت ليلي ترفع يديها فرحًا بالنصر.
أن تبقى بجانب الإمبراطور بذريعة العلاج، ذاك ما كانت تطمح إليه منذ البداية.
لكنها كبحت حماسها كي لا تبدو متسرّعة.
فتمتمت بوجهٍ متردّد.
“الآن بعدما أكّدَت جلالتُك أنّ وجودَك يُؤثّر سلبًا في حالة صاحب السموّ… ألا يجدرُ بي، بوصفي تابعةً له، أن أُكرّس نفسي له وحده؟”
هزّ يوليوس رأسه بهدوءٍ واتزان.
[حينها، يكون آيدن محظوظًا بوجود شخصٍ بهذه الدرجة من الولاء. أفهم ذلك. هذا القرار منطقيّ. وربما، إذا فعلتَ ذلك، ستتعافى روحُ آيدن—تمامًا كما تعافت روحي. هذا شيءٌ يستحق الاحتفاء.]
ثمّ، بنفس النبرة الرصينة التي يتحدّث بها الملوكُ عن شؤون الدولة، أضاف.
[غير أنّ هذا سيكون أقصى ما يمكنكِ تحقيقه.
ستُنقذين روحَه فقط.]
“ماذا تعني؟”
[أعني ما قلت. ستُطهّرين روحَه… لكنكِ لن تتمكّني من إعادة جمعها بجسدِه. فأنتِ لا تعرفين الطريقة، ولو كنتِ تعرفين، لكان قد أفاق الآن.]
كانت ليلي مطرقةً احترامًا، تُخفي نظراتِها كي لا يُقرأ ما يدور في ذهنها، لكنّها رفعت عينيها فجأة، حادّتين كالسهم، لتغوصا في عينيه مباشرة.
[اسمحي لي أن أُعيد ما قلتُه عن العلاج. إن كنتِ تريدين حقًّا إنقاذَ سيّدكِ يا ليلي دينتا… فعليكِ أن تقفي إلى جانبي.
كوني يدي اليمنى. فقط بطرد ذلك الزنديق الدنِس سنُعيدُ كلَّ شيءٍ إلى نصابه.]
للحظةٍ، نسيت ليلي كيف تتنفّس.
‘طردُ قائد الطائفة… هو السبيلُ للخلاص؟ هل هذا ما يكسر اللعنة؟ إنه واثقٌ جدًّا… لكن كيف يُخطّط لذلك؟’
والآن… كان يطلب منها أن تُصبح تابعته، أن تقف إلى جانبه، لا كطبيبةٍ، بل كخادمةٍ مخلصة.
رأى يوليوس الجمودَ في وجهها، فألان نبرته قليلًا.
[هل كان كلامي معقّدًا؟ دعيني أُبسّطه. ليبقَ آيدن هنا ليستريح، وأنتِ تعالي معي إلى العاصمة. هناك، سنقضي على قائد الطائفة، مصدرِ كلّ هذا الاضطراب. وحينها سيُشفى آيدن… وأنا أيضًا.]
لم تستطع ليلي كبحَ نفسها أكثر، فانطلقت أسئلتُها دفعةً واحدة.
“هل تعرف حقًّا كيف؟ ما خطّتُك جلالتك؟ ثمّ لماذا حاولت منعي حين قلتُ إنني سأثأر للإمبراطورية؟ أليس القضاءُ على قائد الطائفة هو الانتقامُ بعينه؟ فلماذا منعتني؟”
وكان صدرُها يعلو ويهبط بسرعةٍ تحت وطأة القلقِ والحيرة، بينما ظلّت عيناه الثابتتان تُحدّقان فيها، وفي ابتسامته تلك… معنىً لا يُقرأ.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 37"