رمشت ليلي بدهشة أمام هذا الاتهام الصادم. لم تكن هذه المحادثة التي توقّعتها.
واصل آيدن حديثه بنبرة هادئة.
[نشأتُ في القصر الإمبراطوري منذ طفولتي. لا بدّ أنك سمعتِ القصة.]
أجابت ليلي برفق.
“نعم، أنك فقدت والديك باكرًا، وتولّى الإمبراطور السابق رعايتك كابن له.”
[صحيح. الاثنان ربّياني كابنهما الحقيقي. لكن المشكلة كانت… في إهمالهما لابنهما الفعلي. لقد كان جلالته قاسيًا على يوليوس. جسديًا ونفسيًا. والغضب الذي تراكم في نفس يوليوس على مرّ السنوات بسبب المقارنات المستمرة…]
أخذ آيدن نفسًا خفيفًا قبل أن يُكمل.
[…صُبّ عليّ.]
“أتعني أن الغضب الموجَّه للإمبراطور السابق… صبّه عليك؟“
[نعم. في الجسد كما في النفس.]
رأى التعبير على وجهها، فأضاف سريعًا.
[كان ذلك منذ زمن طويل. وحين كبرنا، توقّفتُ عن التغاضي. وبعد بعض الاشتباكات، يبدو أنه أدرك أنه لم يعد قادرًا على الفوز، فبدأ يتجنّب المواجهات المباشرة.]
ابتسم ابتسامة واثقة، وكأنه يثبت أنه بخير—لكن ليلي لم تشعر بأيّ راحة.
“حين كبرتما؟ إذًا، قبل ذلك… كم عانيتَ؟ جسديًا؟ ونفسيًا؟ هل تُقال جملة كهذه بهذه البساطة؟“
غياب التفاصيل جعل مخيّلة ليلي تسرح بعيدًا نحو أسوأ الاحتمالات.
“هل اعتذر لك يومًا؟“
هزّ آيدن رأسه نفيًا.
“وتركت العالم يظنّ أنك كنت صديقًا مقربًا له طوال حياتك؟“
[تلك الإشاعة بدأناها نحن. حين بلغنا سنّ الرشد، أدركنا أن الظهور كحليفَين يصبّ في مصلحتنا. فطمسنا الماضي باعتباره مشاحنات طفولية، وتظاهرنا بالقرب. ‘أصدقاء العمر‘… ربما كنّا كذلك، قبل أن نبلغ العاشرة.]
نظرة خاطفة على التاريخ الملكي جعلت عقل ليلي يتوقّف.
[لكن يوليوس لم يتخلَّ عن تلك الكراهية يومًا. قد لا يراها أحد سواي، لكنني دائمًا كنت أميّز تلك النظرة في عينيه. وفي النهاية، بلغ هدفه. حتى إن لم يكن قد خطّط لهذه النهاية.]
“ذ، ذلك الحقير الوضيع!”
ارتعشت قبضة ليلي.
“أتفهم أنه عاش طفولةً صعبة، لكن أن يصبّ ألمه على غيره؟ ذلك خطأ فادح! هل أرمي الخاتم في المجاري حالًا؟!”
بصدق، كان الأمر مثيرًا للشفقة. كان يوليوس ضحية أيضًا—سجينًا لجراح طفولته، ينمو ممتلئًا بالحقد.
وبصرف النظر عن الصواب أو الخطأ، وجدت ليلي قصته مأساوية.
لكن إن خُيّرت، فهي بلا شكّ تنتمي إلى منزل الدوق. وآيدن كاشيمير يعني لها أكثر بكثير.
“ومع كل هذا، سموّك لِمَ لم تُخبرني أن لا جدوى من التعامل مع شخصٍ مثله؟“
[أليس ذلك بائسًا؟]
“ماذا؟“
[اعترفت أنني كنتُ أُضرب في طفولتي.]
“هل ترغب أن أريك ما تعنيه الطفولة البائسة حقًا؟“
ضحك آيدن ولم يستطع كتم نفسه، ثم قال ممازحًا.
[لا حاجة لذلك. أنا فضولي، لكنّي سأحترم كرامتك.]
أجواء الحديث اللطيفة خفّفت على ليلي كثيرًا. كان هذا أفضل بكثير من نبرة الازدراء الذاتي التي تحدّث بها عن ماضيه.
لم تلبث ليلي أن التقت نظره حتى أشاحت بعينيها سريعًا. شعرت بخجلٍ غريب لمجرّد التواصل البصري. ولتغيير الأجواء، تمتمت.
“شـ، شكرًا… لإخبارك إيّاي بشيءٍ لا بد أنه مؤلم استعادته. الآن فهمتُ لماذا لم تردني أن أذهب وحدي. سأكون حذرة.”
[الأمر يتعلّق بالحذر، لكن أكثر من ذلك… هو من أجل أن تستفيدي منه.]
“أستفيد منه؟“
[نعم. حين تحاولين إقناع يوليوس. إنه بارع في إخفاء مشاعره الحقيقية. وقد يكون مخادعًا. حتى أنا، أحيانًا، أتساءل إن كان قد تجاوز غيرته القديمة وحقده.]
كان المعنى واضحًا. لم يتجاوزها.
[تذكّري دومًا—حين تظنين أنك تخدعين يوليوس، قد تكونين أنتِ المخدوعة. ويجب ألا يعلم أبدًا أنكِ تعملين لصالحِي.]
كان منطقيًّا تمامًا، لكن سماعه من آيدن جعله يتسلّل أعمق إلى عقلها.
[أحسني استغلال ما رويته لك.]
رفعت ليلي بصرها نحوه.
[إنه عاري… وعار يوليوس. وقد يكون مفتاح اختراقه.]
أيّ قلب هذا الذي يُقدّم ماضيه المؤلم كورقة شطرنج؟
فكّرت ليلي في عادات آيدن الصغيرة. ضيقه الصامت، قلقه المستمر، وتذمّره من الصناديق وهو يقول—
[كل ما أريده هو استعادة جسدي لأتمكّن من مساعدتك.]
هل كان يفكّر في هذا بينما كنت أرتّب المكتب… وهو واقفٌ عند الباب طوال الوقت؟
كان آيدن دائمًا يريد أن يفعل شيئًا لأجلها. لكن ليلي لم تتوقّع منه شيئًا أصلًا.
ما الذي يمكنها طلبه من شخصٍ لا يراه أحد—شخصٍ لا يؤثّر في العالم إلا بتحطيم الأشياء؟
حتى في عقدهما، كانت ليلي تؤدي العمل الحاضر، وآيدن يتكفّل بالسداد لاحقًا.
لم يكن بحاجة للتعلّق بها بهذا الشكل. ومع ذلك، ها هو ذا—يقدّم حتى أقسى ذكرياته، محاولًا أن يجد أيّ شيءٍ، أيّ شيءٍ قد يساعدها.
“شكرًا لك.”
قالتها بصدق.
“لقد ساعدتني كثيرًا.”
كانت هي من تلقّى النفع، لكن آيدن هو من ابتسم وكأنه الفائز.
ابتسامته لم تحمل أيّ زيف أو حساب. تمامًا كما كانت دومًا مؤخرًا.
ولذلك بالذات، شعرت ليلي بوخزة ندمٍ مفاجئة.
‘حين يعود إلى جسده… ربّما لن أرى تلك الابتسامة ثانية. فنحن من عالَمين مختلفين.’
لم تكن الروح فقط من عليها أن تعود إلى مكانها. بل هما أيضًا.
صحيح، قد يحتفظان بالذكرى لبعض الوقت. ذلك الوقت الغريب الذي قضاه مع خادمة كانت أشبه بحيوانٍ لطيف غريب الطباع.
لكن كلّه كان مجرّد انحراف فرضته الظروف.
وحين يعود آيدن إلى حياته النبيلة المتألقة، سينسى سريعًا فتاةً خشنة اليدين مثلي.
بل قد يتمنّى أن يمحو من ذاكرته تلك الفترة التي اضطرّ فيها للتذلّل لخادمة كي يبقى على قيد الحياة.
ومن يدري كيف تتبدّد مشاعر البشر؟
قد يتظاهر اليوم بأنه يريد أن يكون بقربها طوال الوقت. وقد يبدو سعيدًا فعلًا بوجودها.
لكن في النهاية…
المشاعر تتلاشى. والثبات لا يعيش إلا في القصص. وليلي كانت تعرف ذلك جيّدًا.
لذا قرّرت أن تتذوّق اللحظة كما لو أنّها ستدوم إلى الأبد—ثم تتركها ترحل حين يحين وقتها.
فمن لا يستطيعون الوداع، لا يجلبون إلا الشقاء لأنفسهم.
***
في صباحٍ أشرقت فيه الشمس بهدوء، ظهرت ليلي دينتا أمام الجناح الفرعي تحمل سلّة نزهة مُغلقة بإحكام.
“صباح الخير!”
ألقت تحيّتها المعتادة على الحارس، وانحنت بأدب، ثم أدخلت المفتاح في قفل باب الجناح.
وبعد أن دخلت، أخرج الحارس ساعته الجيبية وتفقّد الوقت.
كان الجناح الفرعي يُغلق عادة، من دون أيّ مراقبة خاصّة.
بل لم يكن له حارسٌ معيّن أصلًا.
لكن منذ بدأت ليلي دينتا بالتردّد عليه، أصبح هناك حارس ثابت على بابه.
المهام كانت بسيطة.
أولًا: لا يُسمح لأيّ شخص، سوى ليلي دينتا، بالدخول أو الخروج.
ثانيًا: أيًّا كانت الأصوات الصادرة من الداخل، لا يجوز التدخّل أو الاستفسار.
ثالثًا: إن لم تخرج ليلي دينتا بعد ساعة، يجب كسر النافذة بالمطرقة المخصّصة للطوارئ وتفقّد الداخل.
كانت أوامر غريبة بما يكفي لإشعال الفضول.
وحقيقة أنّ ليلي دينتا—الشخص الأكثر حديثًا في القصر—مرتبطة بها، زاد النار اشتعالًا.
كان الغموض يحيط بها من كلّ جانب.
ترقٍّ غير معقول في المكانة. مؤشّرات على اضطراب نفسي محتمل.
تعيينات لأقاربها أثناء غياب الدوق.
ومع ذلك، وبفضل دعم الرجل الثاني في السلطة داخل القصر، سُرّي على كل ذلك بأمرٍ صارم بالكتمان.
والآن، تحضر كل صباح ومعها سلّة، وتدخل جناحًا من المفترض أنه فارغ…
لكن الجندي الجيّد لا يشكّك في أوامر قائده.
كان الحارس يعلم جيّدًا أن الفضول قد يُهلك مستقبله.
فاكتفى بالتركيز على مهامه المحددة.
في هذه الأثناء، داخل الجناح، أقفلت ليلي الباب خلفها واستجمعت قواها العقلية كي لا تتفاجأ حين تستعرض صالة المعيشة.
كان الجناح كوخًا صغيرًا، لكنه يحوي كلّ ما يلزم للحياة اليومية.
وبسبب حجمه، كان الباب يفتح مباشرةً إلى غرفة المعيشة.
في الأمس، لسببٍ ما، كان الإمبراطور في غرفة المعيشة منذ الصباح، وكادت ليلي تُسقط السلة من يدها حين دخلت.
لكن لحسن الحظ، بدا اليوم أنه ما زال في غرفة النوم.
فتنهدت بارتياح، وتوجّهت أولًا نحو الكنسية.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 33"