‘في المرّة الماضية ظننتُه مثل جرو، والآن أراه كقطّ؟ ما خطب بصري الذي يصنّف رجلاً بالغًا هكذا…؟‘
توقّف آيدن عن العبث بالصندوق، وعاد ليراقب ليلي.
كانت نظراته حادّة بعض الشيء، فقالت بخفّة.
“بالمناسبة، هل هناك مكان تودّ الذهاب إليه؟ يمكنني مرافقتك في جولة داخل القصر، أو حتى في المدينة إن رغبتَ. أو… هل تودّ زيارة المقاطعة؟ أستطيع التحدّث مع المساعد بشأن ذلك.”
[أيّ مكان؟]
“نعم، أيّ مكان تريده.”
قالتها بثقة.
[إذًا خذيني إلى كنيسة الجناح الفرعي.]
“آه…”
صحّحت نفسها على عجل.
“أي مكان عدا كنيسة الجناح الفرعي.”
ضيّق آيدن عينيه.
‘مـ، ما الخطب…؟ هو يعلم أنني غير مسموح لي بذلك—فلِمَ يسأل أصلاً؟‘
رغم محاولتها التظاهر بالثبات، تجنّبت ليلي النظر إليه، وانشغلت بترتيب الصناديق في الجهة الأخرى من الغرفة.
كان الجناح الفرعي مبنًى نائيًا، يبعد نحو خمس عشرة دقيقة سيرًا على الأقدام عن القصر الرئيسي.
الحديقة المحيطة به مهملة، تكاد تختنق بالنباتات البرّية، والمبنى نفسه بدا رثًّا مقارنة بباقي أرجاء قصر الدوق.
حين بدأت ليلي عملها، أخبرتها إحدى الخادمات القديمات أنّه كان في الماضي مكانًا نُفيت إليه زوجة أحد اللوردات القدامى.
لعلّ هذا ما جعل أحدًا لا يقترب منه إلا مضطرًّا.
ومن ثمّ، أصبح المكان الأمثل لحبس روح الإمبراطور.
[ومجدّدًا، يتمّ استبعادي؟ لقد استثنيتِني عندما نقلتِ عنصر الحماية أيضًا.]
بعد مغادرة الإمبراطور الزائف، نُقل الخاتم بنجاح. وبفضل استراتيجية ‘الالتقاط والرمي‘، تمّ تقليص زمن لمسه إلى الحدّ الأدنى.
كانت طريقة مدروسة قائمة على منطقٍ واضح.
ما دام حمل الخاتم يجلب النحس، فالخلاص هو في ألا يحمله أحد لأكثر من لحظة. لا تعطِ اللعنة وقتًا لتُفعّل نفسها.
أسندت المهمة إلى وولفرام. ارتدى قفازيه، بينما فتحت ليلي النافذة وتفقّدت الخارج. وحين تأكّدت من خلوّ المكان، أعطته الإشارة، فرمى الخاتم خارج النافذة.
ثم تكرّر المشهد: التقط، ارمِ، التقط، ارمِ…
في البداية، خالجهم بعض التوتّر، لكن سرعان ما تبيّن فاعلية الخطة. فسارت العملية بسلاسة بعدها.
العائق الحقيقي الوحيد كان مشقّة تتبّع مكان سقوط الخاتم. كان على ليلي أن تراقب بعينين يقظتين لمعرفة موضع هالته المتلوّية المخيفة.
لكن الجزء الأكثر حرجًا كان ردود أفعال الناس حين يصادفون المشهد — نظرات مرتبكة، وتجاهل متعمّد.
تحمّل وولفرام الأمر بكرامة، وكأن لا شيء غريبًا يحدث. أما ليلي، فتصنّعت اللا مبالاة، رغم أن تظاهرها لم يكن مقنعًا البتّة.
“ليلي، ماذا كنتِ تفعلين أنتِ والمساعد تلك الليلة؟“
سألتها ماري في الليلة الأخيرة عند مكان المبيت، وقد غلبها فضولها أخيرًا.
كادت ليلي أن تتلعثم وهي تحاول ابتكار إجابة.
“أمـ، أمم… المساعد قال إنه يريد اختبار قوة ذراعه…”
“قوة ذراعه؟ سمعت أنه كان يرمي خاتمًا؟“
“نعم، كان يختبر إلى أيّ مدى يمكنه رميه. يبدو الأمر غريبًا، أليس كذلك؟ المرء يظن أن تمارين الضغط تكفي، لكن لا، أصرّ أن أقف في كل مرّة لألتقطه. أظن أن هوايات النبلاء فوق فهمنا البسيط.”
كان عذرًا مضحكًا.
ماري لم تصدّقها بوضوح، لكنها أومأت بلطف على أيّ حال.
وشعرت ليلي أن ماري ستبلّغ كبيرة الخدم بهذا ‘السلوك غير المعتاد‘ للآنسة دينتا.
تمنّت من أعماقها لو استطاعت محو تلك الذكرى. عضّت شفتها بقوة وتمتمت.
“أولوية جلالته القصوى الآن هي استعادة استقراره، ولهذا من الأفضل ألا يتواصل مع سموّك. لقد تحسّنت حالته بوضوح بعد أن ابتعد عنك—وهذا وحده يُثبت كل شيء.”
[إذًا تنوين الاستمرار وحدك؟]
“يبدو أنّني مضطرة لذلك…”
[وتُعلنين لقاءً سرّيًا بهذه الجرأة؟]
كادت تقفز من مكانها.
“لـ، لقاء سرّي؟! كيف تقول شيئًا غير لائق هكذا؟!”
[أنتِ ذاهبة للقاء يوليوس وحدك، من دوني. أليس هذا ما يُسمّى بلقاءٍ سرّي؟]
“لا وجود لشيء اسمه اجتماع سري تودّع فيه ثم ترحل علنًا!”
[لكنّك لم تخبريني بما تنوين قوله له، ولا كيف ستقنعينه. يبدو لي الأمر سرًّا خالصًا.]
نبرته كانت لطيفة، لكن كلماته حملت ظلالَ غيرةِ عاشقٍ يشكّ، وإن لم تدرك ليلي ذلك، وقد أشاحَت بنظرها حياءً.
“هذا فقط لأن الخطة لم تكتمل بعد. ما إن تكتمل، سأُخبرك بكل شيء.”
لكن آيدن بدّل لهجته، وتحدّث بصوتٍ خافتٍ متوسّل.
[كنتُ أؤمن أنّك ستخبرينني حين يحين الوقت. حاولتُ أن أتحلّى بالصبر. آسف لأنني لم أنتظر أكثر. لكن الكذب ليس مقبولًا. لقد اتّخذتِ قراركِ فعلًا. فلماذا لا تخبرينني؟ أتخشين من معارضتي؟ حتى إن عارضتُ، يجب أن تشاركيني الأمر، ليلي.]
كلامه كان منطقيًّا بالكامل، لكن ليلي أطبقت شفتيها بصمتٍ عنيد.
‘أنا آسفة، ولكن حتى لو سقطت السماء، لا يمكنني إخبارك، سموّك. ماذا عساي أن أقول—إنني أخطط لإغواء الإمبراطور؟!’
وبعد صمتٍ طويل، تنفّس آيدن بعمق وقال.
[هاه…]
ثم أدار وجهه، ومرر يده عبر شعره، وأخيرًا، بصوتٍ فخمٍ مهذّب لم تستمع إليه منذ زمن، قال.
[سأخرج في نزهة قصيرة.]
وغادر الغرفة هكذا، بكل بساطة.
تركت وحدها، حدّقت ليلي في الباب طويلًا. لكنها لم تكتفِ بالنظر إليه فقط—كان في الأمر شيء ناقص، شعور غير مكتمل.
فتقدّمت نحوه ببطء… ثم توقّفت.
وفي النهاية، لم تستطع اللحاق به. عادت إلى الصناديق وأكملت عملها بصمت.
***
لكن شعورها الغريب لم يكن مبررًا لترك العمل.
حين استقامت ليلي أخيرًا، كانت قد مضت ثلاث أو أربع ساعات.
بات المكتب منظّمًا بشكلٍ متقن، وكأنه مستعدّ للاستعمال من صباح الغد.
وما زال آيدن لم يعد، ربّما لا يزال ‘يستنشق الهواء‘ .
خدشت ليلي رأسها. لم تتوقّع أن يغضب لهذا الحدّ.
في جوهر العلاقة، هما أقرب إلى مترجمة ومسافرٍ أجنبي، وإن كان ‘البلد الأجنبي‘ هنا هو بعدٌ آخر.
لكن إن استرجعت البداية، فلم يكن هناك اتفاق ينصّ على أن يتشاركا كل حركة وكل فكرة.
بالطبع، هي تتفهّم أن يرتبط أحدهم عاطفيًّا بالشخص الوحيد القادر على رؤيته.
‘لكن… أليس هذا كثيرًا؟ إنّه… متشبّث نوعًا ما؟‘
لم تشعر بذلك سوى الآن، بعد كل هذا الوقت من التخطيط والتدبير، تساءلت. هل اعتماد سموّه على ليلي دينتا بهذا الشكل… أمرٌ سليم؟
‘آه، لا يهم. ليس بيدي شيء أصلحه.’
أدارت عينيها قليلًا.
الخطوة التالية كانت نقل الصناديق إلى الردهة لإنهاء الترتيب.
لكن بمجرد أن فتحت الباب واستدارت، وجدت نفسها وجهًا لوجه مع آيدن، واقفًا إلى جانبها مباشرة.
“آه!”
شهقت وارتبكت، وأسقطت الحمولة التي كانت تحملها بيدٍ واحدة.
لحسن الحظ، لم تسقط على قدميها.
كانت تلك أول مرّة تُفاجأ فيه هكذا منذ لقائهما الأول.
لكنّ تعبير وجهه المعتم حين رأى ردّ فعلها، جعلها تشعر وكأنها ارتكبت جريمة عظيمة لمجرّد ارتجافها.
لكن بصراحة، أيّ شخص سيفزع حين يفتح بابًا فيجد أحدهم واقفًا خلفه—سواء أكان شبحًا أم لا.
بدل أن تشرح ذلك، تمتمت بسؤال.
“مـ، متى عدت؟“
لم يُجب. بل اكتفى بنظرة نحو الصناديق المبعثرة، ثم دخل المكتب بهدوء.
راقبت ليلي حالته، وسرعان ما جمعت الصناديق ورتّبتها بمحاذاة الجدار.
ثم نقلت بقية الأغراض من داخل الغرفة أيضًا.
انتهى العمل أسرع مما توقّعت، فبقيت واقفة قرب الباب قليلًا، ثم أغلقته بهدوء.
[اجلسي.]
وأشار إلى الكرسي وهو ينطقها. صوته كان هادئًا، لكن نظراته نحو المقعد كانت مشتعلة—ولم تدرك ذلك إلا بعد فوات الأوان.
بل، إنّه ألقى ذات النظرة حين رأى الصناديق من قبل…
أنزل آيدن يده ببطء بعد أن أشار، وقبضها بقوّة.
كان الغضب يفيض منه، وكأن عينيه تشتمّان بدلًا من لسانه.
ثم جلس مقابلها، وبلعت ليلي ريقها بصعوبة.
جلسة انفرادية مع رئيس غاضب… سيغمى عليّ.
كان واضحًا ما سيقوله.
سيسألها عن خطّتها لإقناع يوليوس—طالما أنّه لا يستطيع مرافقتها، فهو يريد على الأقل معرفة التفاصيل.
القاعدة الأساسية في التفاوض. العطاء مقابل العطاء.
هل أخبره؟ يبدو على حافة الانهيار… لا. لو علم، سيغضب أكثر. سأجعله يرى النتيجة بنفسه.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 32"