استمتعوا
بدا الشبح وكأنه أدرك تردد ليلي، فقال بنبرة رقيقة:
[أعلم جيدًا أن الثقة صعبة. قد تتساءلين، ماذا لو غيّر كلامه لاحقًا؟ أو ماذا لو أغضبته بطلبي؟ هذه الشكوك مفهومة.
لكن، رغم كل ذلك، ألا يمكنكِ أن تثقي بي؟
صدقيني، أنتِ وحدكِ من أملكِ بالنسبة لي.]
كانت نبرته، مقارنةً بحديثه الغامض السابق، تفيض بالصدق والإخلاص. كتفاه المتراخيتان ونظراته المتوسلة لرأفةٍ منها كانتا تعكسان رجاءً حارًا.
وكيف لا، وقد مرّ بمحنٍ لا تُحتمل؟
لو كانت هي من أصبحت شبحًا غير مرئي، مهجورة من الجميع،
لما صمدت ثلاث ساعات، فضلاً عن ثلاثة أسابيع،
قبل أن تنهار باكية.
‘يبدو… نوعًا ما مثيرًا للشفقة’،
فكرت ليلي وهي تعض شفتيها بتوتر.
‘لم يؤذني، ويبدو عاقلاً تمامًا.
ربما لهذا لا يخيفني كما توقعت. وعده يبدو صادقًا، على الأقل.
أظنه سيمنحني صندوقًا من الذهب على الأقل.’
لكن، فوق كل ذلك، ما جذب ليلي حقًا هو أنها ستتمكن من مواصلة تنظيف القصر الرئيسي دون مضايقات الأشباح، على عكس الخادمات الأخريات.
جمعت ليلي شجاعتها، وقررت أخيرًا، فقالت:
“لا يمكنني تقديم مساعدة كبيرة. أنا حقًا لا أعرف شيئًا عن هذه الأمور الروحية، وباعتباري خادمة مبتدئة، فإن ما يمكنني فعله في القلعة محدود جدًا…”
نهضت من مكانها بتردد، وهي تُنفض تنورتها المجعدة،
ثم أضافت بحذر، مشيرة إلى واجباتها:
“وعلي أيضًا القيام بعملي الأصلي. إن أهملت التنظيف، قد أفقد وظيفتي كخادمة في القصر الرئيسي. وسموك، كما تعلم، لا يستطي التجول إلا هنا. إذا حدث ذلك، سيكون من الصعب علينا اللقاء.”
ألقت نظرة خاطفة لترى إن كان نبرتها العامية المتواضعة قد أزعجته، ثم واصلت:
“وإلى جانب ما ذكرته، هناك بالتأكيد أسباب أخرى تجعلني غير مؤهلة لأكون مرافقة لسموك. لكن…”
كانت تنوي أن تعلن، رغم كل ذلك، أنها ستخدمه بإخلاص إن قبلها.
لكن الشبح لم ينتظر، بل أنهى الحديث بنفسه:
[رغم كل هذه القيود، أنتِ أفضل مرافقة يمكن أن أحظى بها.]
رفع يده اليمنى إلى صدره، وانحنى بأدبٍ رفيع، قائلاً:
[أعبر عن امتناني العميق لرحمتكِ.]
كان انحناؤه يشبه إيماءة أميرٍ وسيم خرج من صفحات كتاب مصور قديم باهت الألوان.
بدت ليلي وكأنها لا تنتمي إلى هذا المشهد، فبدلاً من خادمة متسخة الثياب، كان ينبغي أن تقف هناك أميرة ترتدي ثوبًا مترفًا مطرزًا بطبقات من الحرير.
ارتبكت ليلي لهذا التحية غير المتوقعة، فأمسكت يديها بقوة،
ثم انحنت بدورها بعمق أكبر من انحناء الدوق، وقالت بأدب:
“حسنًا، أرجو أن نعمل معًا جيدًا.”
وهكذا، قبلت ليلي منصب مرافقة الدوق الشبح، لكنها ظلت تجهل ما الذي يمكنها فعله بالضبط. كل ما يقلقها هو ألا تكون قد زرعت فيه آمالاً زائفة.
‘يبدو راضيًا، فهذا يكفي، أليس كذلك؟’
فكرت وهي تتجنب النظر إلى ابتسامته المبتهجة،
ثم أمسكت بأدوات التنظيف وتوجهت إلى الطابق الثاني.
كان عقدها مع الشبح، إن جاز التعبير، عملًا جانبيًا.
كما أخبرته، لا يمكنها إهمال واجبها الأساسي.
في الرواق، تردد صدى خطوات شخص واحد فقط.
رغم أن شخصًا يسير أمامها، لم يصدر عنه أي صوت،
حتى حفيف ثيابه. لو أغمضت عينيها، لشعرت وكأنها وحدها.
هذا التناقض بين الرؤية والسمع كان غريبًا ومثيرًا للقشعريرة.
وصلت ليلي إلى الطابق الثاني، متأخرة عن موعدها بعشر دقائق، وبدأت التنظيف في جوٍ غامض ومقلق.
لم يبتعد الشبح عنها. لم يتحدث إليها مباشرة، بل اكتفى بمراقبتها بهدوء وهي تعمل، كما لو كان ينتظر انتهاءها من التنظيف ليبدأ في مناقشة الأمور الجدية.
ربما أراد مراعاتها، لكنها كانت تتمنى لو انتظرها في مكان آخر.
كان وجوده المفاجئ، وهو واقف كالشمعدان،
يصيبها بالذعر كلما نسيت أمره ثم التقت به فجأة.
ومع مرور الوقت، أدركت ليلي أن خوفها من الشبح لم يكن المشكلة الحقيقية. كان هناك رعبٌ أعمق بكثير.
‘لم أتوقع أبدًا أن أعمل تحت مراقبة من قبل رئيسي الكبير…’
العمل في صمت تحت أنظار الرئيس!
كارثة لم تخطر على بالها قط.
أنهت ليلي التنظيف بصعوبة في هذا الجو المرعب،
وبقي الطابق الثالث فقط.
عندما وقفت عند السلالم، كسر الدوق صمته أخيرًا وقال:
[يجب أن ألتقي وولفرام.]
“تقصد السيد بيرنت، المساعد؟”
كان البارون وولفرام بيرنت أقرب معاوني الدوق، ويتولى حاليًا منصب وكيل الإقطاعية. لم تره ليلي من قبل، لكنها سمعت خلال تدريب الخادمات أنه رجل ذو شعر بنفسجي ويرتدي نظارات.
[أريد مناقشة مدى تقدم التحقيق في مشكلتي،
وما يجب فعله لاحقًا.]
“هذا رائع!” تنفست ليلي الصعداء.
[ما الرائع؟]
“كنت في حيرة من أمري، لا أعرف ماذا أفعل.
أصبحت مرافقتك، لكن كما قلت، لا أجيد شيئًا.
كنت أفكر أن وجودي أو غيابي لن يغير شيئًا.
لكن وجود شخص يمكنه المساعدة يجعلني مرتاحة جدًا.”
ابتسم الدوق ببساطة، كما لو كان الأمر بديهيًا.
فكرت ليلي أنها ربما قلقت بلا داعٍ.
فما الذي يمكن أن تفعل خادمة مبتدئة وشبح بمفردهما؟
التواصل مع مساعد كفء كان الخطوة المنطقية.
نظرت ليلي إلى السلالم.
كان توقيت كلام الدوق مثاليًا؛ فمكتب وولفرام يقع في الطابق الثالث، حيث كانت متجهة.
لكن…
“هناك مشكلة. أنا لست في مقام يسمح لي بلقاء المساعد. إن طرقت بابه بتهور، سأُعاقب من كبيرة الخدم ويُعاد تدريبي.”
فالخادمة المبتدئة لا يحق لها التحدث إلى نبيل يحمل لقبًا.
أعلى شخص يمكنها لقاؤه هو كبيرة الخدم،
وعليها أثناء العمل أن تتحرك كصرصور، متجنبة أنظار النبلاء.
فكر الدوق لحظة، ثم أجاب:
[كل ما عليكِ هو لقاؤه. اتركي الباقي لي.]
كان أمرًا متهورًا، لكن إن كان المطلوب مجرد اللقاء، فهناك طريقة.
صعدت ليلي السلالم ببطء.
كخادمة تنظيف، كانت تعرف جيدًا جداول الأشخاص المهمين وأماكن تواجدهم المعتادة.
بدأت بمسح الأرضية من نهاية الرواق،
وهي تراقب خلسة الغرفة التي يفترض أن وولفرام يعمل فيها.
كان هناك جندي يحرس الباب.
رتبت ليلي خطواتها وجملها في ذهنها بعناية.
عندما اقتربت من المكتب، ودون أن يتمكن الجندي من إيقافها، طرقت الباب بسرعة.
[يا لها من مفاجأة أن يفوت جندي من عائلة الدوق خادمة!
يبدو أنهم بحاجة إلى إعادة تدريب أساسي.]
لو سمع الجندي تعليق الشبح البارد، لشعر بالظلم.
فالخادمة التي تنظف لا تُعتبر عادةً هدفًا يستدعي الحذر.
لكن بعد هذا الحادث، سيكون أكثر حيطة.
“ما الذي تفعلينه، أيتها الفتاة؟”
أمسك الجندي بياقة ليلي بعنف.
في تلك اللحظة، سمعا صوتًا من الداخل يقول: “ادخل.”
“لا شيء، سيدي المساعد!”
“لدي رسالة للسيد بيرنت!” صرخت ليلي بأعلى صوتها.
هزها الجندي من ياقتها وهددها بهمس:
“المساعد ليس شخصًا يمكن لخادمة مثلكِ لقاؤه!
اذهبي إلى كبيرة الخدم!”
لكن هذا الأسلوب التقليدي لن يوصلها إلى البارون حتى لو مرت ألف سنة. لم تتخيل سببًا منطقيًا يبرر حاجة خادمة مبتدئة للقاء المساعد مباشرة.
كان المواجهة المباشرة دون وسطاء هي الطريقة الوحيدة.
آملة ألا يكون وعد الدوق كاذبًا، صرخت بكل قوتها:
“سيدي المساعد، أرجوك، استمع إلي! لدي تقرير بالغ الأهمية!”
بدأ الجندي يسحبها بعيدًا عن الباب.
“سأبلغ كبيرك الخدم بكل ما فعلتِ.
كيف تتجرأ فتاة وقحة مثلكِ على عبور عتبة قلعة الدوق…”
فجأة، انفجر زجاج نافذة الرواق القريبة بصوت مدوٍ.
“آه!” صرخت ليلي وهي تتقلص خوفًا.
توقف الجندي مذهولاً، وعيناه متسعتان.
ما إن هدأت صدمتها الأولى، حتى التفتت ليلي نحو الشبح.
كان لا يزال يحدق في ياقتها التي يمسكها الجندي.
اقترب الشبح منها، وقف إلى جانبها،
ووضع يده على كتف الجندي.
في لحظة لم تفهم فيها ما يحدث،
سقط الجندي إلى الخلف كما لو أصابته لكمة غير مرئية.
كادت ليلي تسقط معه، لكنها، بفضل توترها وحذرها منذ اقتراب الشبح، تمكنت من تحرير نفسها في اللحظة المناسبة.
[ليلي، هل أنتِ بخير؟] سأل الشبح بقلق.
[حرصتُ ألا تصل الشظايا إليكِ، لكن تحققي إن كنتِ مصابة.]
كانت ممتنة لمساعدته،
لكن قلبها كاد يتوقف. واصل الشبح فحص حالتها.
[كيف حال عنقكِ؟ هل ترك أثرًا؟]
حركت ليلي عنقها يمنة ويسرة ببطء، كإشارة أنها لا تستطيع الرد بسبب الجندي، وأن عليه رؤية عنقها السليم بنفسه.
لكن الشبح، على ما يبدو، فهم الأمر بشكل مختلف.
نظر إلى الجندي الممدد على الأرض بعينين باردتين.
بدت نظرته مشؤومة،
فتساءلت ليلي إن كان عليها منعه من شيء ما.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 3"