منذ بضع ساعات فقط، كانت ليلي قد قدّمت وجبة خفيفة في وقت متأخر من الليل، محاولةً استرضاء أنجيلا وكسب رضاها مجددًا.
ومع ذلك، ما إن أشرقت الشمس، حتى تصرفت من تلقاء نفسها مرة أخرى، فبدا الأمر، من منظور أنجيلا، وكأنها تقول لها. “هل تظنينني ألعَب معكِ؟“
خادمة لها سجلّ في التسلل خلسة، تدخل المبنى الرئيسي الممنوع دون إذن أو تقارير، ثم تعود حاملة شمعدانًا مكسورًا.
ذلك وحده كفيل بجعلها موضع نفور، لكن الأسوأ من ذلك أنها، في الآونة الأخيرة، نالت استحسان المسؤولين، وأصبحت تتقاضى راتبًا أعلى بكثير من راتب أنجيلا نفسها.
من أي زاوية نظرت إليها، كانت فتاة مثيرة للضيق.
‘… أليس هذا ما قد تكون أنجيلا تفكر به؟‘
خفضت ليلي نظرها إلى الأرض. كانت تتمنى لو أنجيلا تنفجر غيظًا، أو تصرخ، أو حتى تُصدر عقوبة.
لكن أنجيلا لم تقل شيئًا. بدا وكأنها ستترك ليلي واقفة إلى الأبد.
فقط حين انحنى ظهرها كمن يقدّم نذرًا، قالت أنجيلا بكلمة مقتضبة.
“قفي مستقيمة.”
بمحاولةٍ لئلا تبدو متوسّلة، اعتدلت ليلي بسرعة في وقفتها.
وكانت أنجيلا تحدّق بها بنظرة لا تُصدّق.
“لقد تمركز الفرسان في المبنى الرئيسي منذ البارحة. كيف دخلتِ؟“
“أريتُهم الخاتم الذي منحه لي جلالة الإمبراطور كدليل.”
“خاتم؟“
ترددت ليلي، ثم نقلت الشمعدان إلى يد واحدة، وسحبت الخاتم بالأخرى.
“لقد رافقتُ جلالته إلى الجناح الشرقي الليلة الماضية، ومنحني إياه حينها.”
“وهل طلبت السيدة دينتا حقًا بعض الوثائق؟“
لم تستطع ليلي الكذب في هذه النقطة.
إضافة ذنب جديد سيكون أكثر مما تستطيع تحمّله.
“هاه……”
تنهدت أنجيلا تنهدًا عميقًا خرج من أعماق صدرها، ثم نادت باسمها.
“ليلي دينتا.”
“نعم، كبيرة الخدم.”
“أنا أعلم أنك تخفين شيئًا عني. وأعلم أيضًا أنك تشاركين هذا السر مع المساعد والسيدة دينتا.”
اتسعت عينا ليلي في صدمة.
ظننتُ أنني غطّيتُ كل شيء تمامًا!
ازدادت تجاعيد أنجيلا حدة وهي ترى نظرة الذهول على وجهها.
“هل كنتِ تظنين حقًا أن أحدًا لن يلاحظ تحرّكاتك المحمومة؟ بعد اختفائك، بدأت تحدث أمور غريبة في المبنى الرئيسي، ثم التصرفات الغريبة للمساعد، وأحاديثك مع نفسك — نعم، حديثك مع نفسك! هاه……”
تنهدت مرة أخرى، بتنهد أثقل من ذي قبل.
“ليلي، أعلم أنك بذلتِ جهدًا، لكن قصر الدوق تملؤه الآذان. وقد جاءني أكثر من شخص يشعر بالقلق، معتقدًا أنك بدأتِ تهلوسين بسبب الضغط النفسي الناتج عن إشاعات الأشباح. بل إن بعضهم تطوع لتنظيف المبنى الرئيسي بدلاً عنك.”
“هـ…هلوسة؟“
تلفّتت ليلي بعينيها المرتبكتين. وتذكرت كيف كان زملاؤها لطفاء معها مؤخرًا بشكل غريب.
يعني… أنا ممتنّة لأنكم لم تتهموني بالهرطقة، لكن يا رفاق… أكان هذا السبب في لطفكم؟
رؤية ليلي واقفةً مصدومة، جعلت أنجيلا تهزّ رأسها قليلًا.
“على كل حال، السبب الوحيد في تغاضيّ حتى الآن، هو مشاركة المساعد في الأمر، واعتقادي أنه لا يشكّل ضررًا مباشرًا على عائلة الدوق. وأيضًا لأنك ما زلتِ تحاولين تأدية عملك كخادمة. لكن في الآونة الأخيرة، لقد كنتِ حقًا…”
توقفت أنجيلا، وحدّقت في ليلي. فخفضت ليلي رأسها.
“لقد بدأت أتساءل إن كان ينبغي لنا الإبقاء عليك كخادمة. ما رأيك؟“
“أرجوكِ، لا تطرديني! لا يمكنكِ طردي!”
صرخت ليلي، وقد صُدمت من شدة وقع كلماتها.
لقد أرادت أن تبقى لترى لحظة عودة آيدن إلى وعيه.
حتى لو كانت قدرتها الوحيدة هي نقل الكلمات، فقد كانت تودّ أن تساعد.
كم ستكون سعادتها لو استطاعت أن تشهد لحظة فتحه لعينيه أخيرًا؟ أكثر من أي وعد أو مكافأة، كانت ليلي ترغب فقط في رؤية تلك العيون مجددًا.
وفوق ذلك، كان عليها أن تحمي هذا القصر التاريخي من غضب الدوق.
فإن طُردت الآن، قد ينهار القصر بأكمله هذه المرة.
هل أركع؟
فكرت ليلي بجدية.
لا. هذا لا يكفي. ما هو أكثر جدية من الركوع؟
الانحناء حتى تلمس جبهتي الأرض؟
ولو فكرت بعقل أكثر صفاءً، لربما أدركت أن وولفرام سيعترض على طردها، لكن ليلي كانت مذعورة أكثر من أن تُفكّر بوضوح.
حتى آيدن بدا منزعجًا، إذ بدأ خشب الأرضية تحت قدميه يُصدر صوتًا مريبًا متوترًا.
“لم أقصد أنني سأطردكِ.”
أوه.
هدأت ليلي وآيدن معًا في نفس اللحظة.
“ما قصدته هو، هل من الصواب أن تبقي خادمة؟
بهذا الشكل، قد تؤثر تصرفاتك على انضباط طاقم العمل بأكمله.”
كانت تفهم الموقف، لكن إن لم تكن خادمة، فما هو اللقب الذي يمكن أن تبقى تحته في القصر؟
فمساعدة الدوق مهمّة سرية، وهي لا تملك مهارات استثنائية تظهرها أمام العلن.
تنهدت أنجيلا، وهي ترى ليلي تحدق بها كما لو كانت فرخًا تائهًا.
“سأتحدث في هذا الأمر مع المساعد. أما الآن، يمكنكِ الانصراف. اعتني بالسيدة دينتا اليوم.”
“شكرًا، كبيرة الخدم.”
لوّحت أنجيلا بيدها بإشارة صرف، فسارعت ليلي لوضع الشمعدان المكسور على الطاولة وتراجعت خارج الغرفة.
تنهدت تنهيدة مثقلة، وكان صدرها يعتصر. لقد نجت من الطرد، لكن العقوبة ما زالت معلقة.
فلو أصرت كبيرة الخدم على ضرورة فرض عقوبة لحفظ النظام بين الخادمات، فلن يستطيع وولفرام الاعتراض كليًّا.
إلا إذا تدخل أصحاب الشأن الأعلى.
فهمست إلى آيدن برجاء شديد.
“سـ، سموك، لقد سمعتَ ما قيل، أليس كذلك؟ كما تعلم، كل هذا كان من أجلك. عادةً ما ألتزم بالقوانين ولا أثير المتاعب. فأرجوك، أرجوك، دع الأمر يمر بسلام… لا تخفيض في الراتب، ولا مهام إضافية، أرجوك…”
[لن أدع شيئًا من هذا يحدث.]
ذلك الوعد الحازم بدّد قلقها.
لم يتبقَّ سوى العثور على وولفرام قبل أن تفعل أنجيلا، وتسبق الأحداث.
“بالمناسبة، أين ستكون الآن؟ عليّ أن أبقى بجانب جدتي.”
[أريد أن أبقى معك.]
كانت تشعر بأنه سيقول ذلك.
“إذًا، انتظر لحظة فقط. سأشرح كل شيء للجدتي أولاً كي لا تُفاجأ.”
تركت ليلي آيدن واقفًا أمام غرفة جوليا، وانزلقت إلى الداخل وحدها.
وكانت جوليا مشغولة في عملها بالفعل.
“صباح الخير، ليلي. ما الذي جاء بكِ باكرًا؟“
“قالت كبيرة الخدم إن عليّ الاعتناء بكِ اليوم.”
“حقًا؟ هذا جيد.”
أجابت جوليا بخفّة، دون أن تعلم شيئًا عمّا دار وراء القرار.
“لكن جدتي، هناك أمرٌ لا بد أن أخبركِ به. سمو الدوق واقف الآن خلف الباب. هل سيكون من المناسب أن يدخل؟“
ارتسمت الحيرة على وجه جوليا، وسألت مجددًا.
“سمو الدوق؟ ألم يكن عاجزًا عن مغادرة المبنى الرئيسي؟“
“الأمر طويل، لكنني التقيتُ جلالة الإمبراطور بالمصادفة الليلة الماضية، ورافقته، ومن ثم…”
بدأت ليلي تسرد القصة كاملة — الخاتم، شبح يوليوس، التسلل إلى المبنى، سرقة التميمة، خداع الفارس، وحتى إصابتها من السقوط.
لم تغفل عن تفصيل واحد، آملة أن يُكسبها ذكر الإصابة بعض التعاطف.
“… وهكذا حدث كل شيء.”
راقبت ليلي ملامح جوليا بعناية.
كانت جوليا شاحبة الوجه، عاجزة عن الكلام للحظة.
استعدّت ليلي لتوبيخ قاسٍ.
نعم… حين أفكر في الأمر، لقد كنتُ متهوّرة جدًا.
حتى لو لم يكن هناك بديل.
حتى لو عادت بها الأيام مئة مرة، كانت لتتخذ نفس الخيارات.
فالتوبيخ كان نتيجة لا بد منها.
لكن بدلًا من أن تغضب، ارتجفت شفاه جوليا، وغطّت وجهها بكفيها.
“في النهاية، تحقق ما كنت أخشاه حين كنتِ صغيرة. حين رغبتِ بالهرب وقتها، كان يجب عليّ أن آخُذكِ وأهرب. لو فعلت، لما أصبتِ، ولما تورطتِ في هذه الأمور الخطيرة… كان عليّ أن أساعدكِ في العثور على وظيفة أخرى، غير هذه في القصر.”
كان صوتها المرتعش مشبعًا بالدموع. فصرخت ليلي، مصدومة.
“جدتي، أنا بخير! بالكاد أصبتُ بأذًى! مجرد خدش في ركبتي لأنني كنت مهملة، لا بسبب شبح!”
رؤية جوليا تلوم نفسها بدلًا من توبيخها كانت أشد وقعًا على قلب ليلي.
“سأكون حذرة حقًا من الآن فصاعدًا. أعدك.”
وبينما كانت تعبث بمنديلها بقلق، قدّمته إلى جوليا.
وبينما كانت جوليا تمسح دموعها، أدارت ليلي وجهها بعيدًا، غير قادرة على مواصلة المشاهدة.
وهنا لمحت آيدن واقفًا عند الباب، وعيناه متسعتان.
لـ–لماذا أنت بالداخل بالفعل؟! متى دخلت؟!
راحت ليلي تنظر بسرعة بين جوليا وآيدن.
وقبل أن تتمكن من تحذيرها، خفضت جوليا المنديل وتحدثت.
“لقد تبعتكِ لأحميكِ، وها أنا أُظهر هذا المشهد المُخز. لكن… ما جدوى الندم الآن؟ علينا أن نُسرع في حلّ الأمور إن أردنا الحفاظ على سلامتك. وهذا كان سبب مجيئي إلى هنا من الأساس، لكنني سرعان ما استسلمت.”
وبعينين تشعّان بعزمٍ متجدد، نظرت جوليا إلى الأمام.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات