استمتعوا
اقتربت ليلي بهدوء، وانحنت برأسها وقارًا.
“أنا ليلي دينتا، الخادمة المُكلّفة بمكتب الدوق. أتيتُ لأخذ بعض الأغراض بطلبٍ من العالِم المقيم في القصر.”
ردّ عليها الفارس ذو الندبة في ذقنه، والذي كانت ملامحه الخشنة تُضفي عليه مظهرًا صارمًا، بنبرة جافة.
“يُمنع دخول الأفراد الخارجيين أثناء إقامة جلالة الإمبراطور.”
كان من المثير للضحك حقًا، كما قالت أنجيلا، كيف يتصرف هؤلاء وكأنهم أصحاب المكان! يُطلقون على خادمة القصر نفسها لقب “أحد الأفراد الخارجيين“!
أجابت ليلي ببساطة.
“لدي تفويض من جلالة الإمبراطور.”
وأبرزت الخاتم الذي كانت تحمله في يدها. وما إن رأى الحُرّاس الاسم المنقوش داخل الخاتم، حتى فتحوا لها الباب.
“كوني سريعة.”
كانت ليلي تشك في أعماقها إن كان هذا سيفلح، لكنها تنفّست الصعداء حين نجح! إذ أن اسم الإمبراطور، في نهاية المطاف، له سُلطان لا يُقاوم.
وما إن وطأت قدماها الداخل، حتى بدأت أفكارها تتسارع. إن كان آيدن لا يزال عالقًا في المبنى الرئيسي، فلا بد أن الغرض المرتبط بروحه لا يزال هنا.
حين ساعدت سابقًا في تنظيف المبنى، كانت قد استكشفت أغلب زواياه، لكنها لم ترَ شيئًا يبعث ضوءًا غريبًا.
مما يعني أنها يجب أن تتوجه إلى المكان الوحيد الذي لم تستكشفه جيدًا، الطابق الرابع. لكن المشكلة أن معظم غرف الطابق الرابع كانت مغلقة.
سارت ليلي نحو غرفة التخزين. كان آيدن لا يزال هناك، واقفًا كما أمرته سابقًا، بتعبير هادئ كتمثال، وقد اتسعت عيناه حين دخلت.
[ليلي، ألم تقولي إنك لن تستطيعي القدوم لفترة؟]
“أحتاج إلى مساعدتك يا صاحب السمو.”
[انتظري.]
تحركت نظرات آيدن قليلًا خلفها.
[يوليوس؟]
استدارت ليلي برأسها. بدا أن روح الإمبراطور قد تبعتها — أو بالأحرى تبعت الخاتم — حتى وصلت إلى هنا. كانت قد توجهت مباشرة إلى المبنى الرئيسي دون أن تلتفت، فلم تلاحظ.
[آيدن…]
حتى يوليوس نفسه تعرف على آيدن.
[ما قلتَه كان صحيحًا… يبدو أن يوليوس عالق بنفس الطريقة التي كنتُ بها.]
بينما كان آيدن يُقيّم الموقف بهدوء، كانت ردة فعل يوليوس أكثر حدة.
[آه—آه، آآآه!]
بوجهٍ مملوء بالذعر، وكأنه رأى شبحًا مروعًا، أطلق صرخة واستدار ليفرّ هاربًا.
‘لم أعد أفهم شيئًا على الإطلاق…’ تمتمت ليلي في داخلها، بينما حثّت آيدن قائلة.
“أولًا، أرجو أن تتبعني. علينا أن نعثر على شيء ما قبل أن يصل الإمبراطور المزيف.”
أسرعت ليلي وآيدن إلى الطابق الرابع. كان صوت خطواتهما المتعجلة يتردد صداه في السلم.
[لدي الكثير من الأسئلة.]
تحدث آيدن بنبرة ثابتة إلى جانبها، حتى بينما كان لهاث ليلي يتصاعد من سرعة الحركة.
[في كل مرة تأتين لزيارتي، أشعر بأن الضغط يزداد أكثر فأكثر.]
“أقسم لك أنني بريئة! قبل أن أبدأ بخدمتك، كانت حياتي هادئة تمامًا.”
[همم. أحقًا كانت كذلك؟]
نعم، كانت كذلك. فقد كانت ليلي تعيش حياة خادمة هادئة، رزينة، بلا مغامرات. كل شيء بدأ يتغير منذ أن تم تعيينها في المبنى الرئيسي.
ولو أراد آيدن، لطلبت من صديقاتها أن يشهدن كم كانت متزنة ومهذبة!
لكن الآن، كان عليها تحمّل هذه المعاملة غير العادلة.
[طلبتُ منك بالأمس فقط ألا تتورطي في أي شيء خطير. توسلتُ إليك ألا تتصرفي بتهوّر.]
“هل تسمي ذلك توسُّلًا؟! هذا مبالغة، يا صاحب السمو!”
[ومع ذلك، ها أنتِ تجرّين شبحًا آخر معك. حقًا، لم أعد أعلم ماذا أفعل بك.]
كانت نبرته تشبه نبرة وليّ أمر يتعامل مع مهرٍ شارد.
كم هذا ظالم! لم تفعل شيئًا عن قصد!
[ماذا حدث مع يوليوس؟ قلتِ إنه كان يتبع جسده.]
“حسنًا، الليلة الماضية التقيت بالإمبراطور المزيف، وبعد أن ساعدته في الإرشاد—”
[ليلي!]
نادى آيدن اسمها بصوت مملوء بالفزع.
“أغه، حسنًا، حدثت أشياء كثيرة ولم يكن لدي خيار. على أي حال، أهداني الخاتم كهدية. لكن اتضح أن روح جلالته كانت مرتبطة به.”
[خاتم يربط الروح… أن تقبلي شيئًا مشؤومًا كهذا…]
“لقد رميته فورًا! لكن لاحقًا فكرت أنه قد يكون دليلًا يساعد في حل مشكلتك، و—آه!”
في الدرجة الأخيرة المؤدية إلى الطابق الرابع، تعثّرت ليلي وسقطت. اصطدمت ساقها بعنف بحافة السلم.
تجمّعت الدموع في عينيها من شدّة الألم.
[هل أنتِ بخير؟!]
“إنه مؤلم…”
اهتز صوتها وجسدها معًا. لم تستطع حتى أن تكذب وتقول إنها بخير.
لكن أكثر من الألم، كانت مصدومة. لقد مر زمن طويل — منذ الطفولة — على آخر مرة سقطت فيها على الدرج.
فركت ساقها من فوق التنورة. لا بد أن الكدمة ستظهر لاحقًا.
لكن ليس الآن وقت التذمّر. دخلت ليلي الممر بخطوات حازمة.
“على أي حال، أعتقد أن روح سموك أيضًا لا بد أنها مرتبطة بشيء ما. علينا أن نعثر عليه قبل أن يفعل الإمبراطور المزيف! إن استخدمه في أمر شرير، أو أخذه إلى مكانٍ آخر، قد تُسحب روحك معه — كما يحدث الآن مع الإمبراطور الحقيقي.”
توجهت ليلي أولًا إلى غرفة نوم آيدن. وحين أمسكت بمقبض الباب، وجدته بالطبع مغلقًا.
[إذًا… لهذا كنتِ تتصرفين بهذه العجلة. أنا مدين لك أكثر مما ظننت…]
قال آيدن شيئًا وقد ارتسمت على وجهه مشاعر معقدة، لكن ليلي تجاهلته تمامًا.
فتركيزها الآن كله منصبّ على حلّ المشكلة.
“يا صاحب السمو، أرجو أن تفت الباب.”
[أتريدينني أن أفتحه؟]
“نعم، إنه مغلق.”
[لا وقت لدينا لإحضار المفتاح، كما أرى.]
أومأت ليلي برأسها.
كان وولفرام، كنبيل محترم، يملك مسكن خاص به. ومع أنه يبدأ يومه باكرًا وينهيه متأخرًا، إلا أن الوقت الآن مبكر جدًا ليكون قد وصل.
ولم يكن بإمكانها طلب المساعدة من كبيرة الخدم. ما العذر الذي يمكن أن تسوقه لفتح باب في الطابق الرابع؟ ذلك الطابق لا علاقة له بمسؤولياتها. وأنجيلا ليست ممن يُمكن خداعهم بعذر واهٍ.
لذا، كان عليهما الاعتماد على ‘القدرات الخاصة‘ لآيدن.
“سمعتُ أنك، قبل أن أبدأ عملي هنا، كنت تفتح الأبواب المغلقة بإرادتك. أرجوك، يا صاحب السمو.”
[ليست قدرة أستطيع استخدامها متى شئت.]
“لكنها تعمل بقوة العقل فقط، أليس كذلك؟ أنا أؤمن بك إيمانًا كاملًا، بلا ذرة شك. لذا، أرجوك—هيا! أنت قادر على ذلك!”
قبضت ليلي قبضتيها وشجّعته، ثم اختبأت خلف عمود بعيد. لكنها لم تستطع مقاومة التلصص لتراقب ما يحدث.
كان آيدن لا يزال ينظر إليها. وحين التقت عيناهما، تنهد بصوت خافت، ثم وجه نظره نحو الباب.
تنفس بعمق، ثم ضرب الباب بقبضته.
وبصوتٍ هادر، انفتح الباب كما لو كان من ورق!
رغم أنها قد رأته يفعلها سابقًا — بل وطلبت ذلك بنفسها — إلا أن المشهد ظل يُثير فيها قليلًا من الرهبة. الأشباح، حقًا…
ثم نظر نحوها وأشار لها بلطف. كان هو آيدن نفسه، كما عهدته. ارتاحت ليلي وسارعت نحوه.
“بماذا كنتَ تفكر قبل قليل؟“
[كنتُ أتذكّر تلك المرة التي هربتِ فيها.]
“أوه… فهمت. على كل حال، دعنا ندخل.”
تجنبت نظره، وتخطته بسرعة إلى الداخل.
الغرفة النظيفة بدأت تنبعث منها رائحة خفيفة راكدة، بسبب عدم استخدامها لعدة أيام.
جالت ليلي بنظرها في أرجاء المكان، باحثة عن أي ضوء شبيه بتلك اللمعة في الخاتم — وهج خافت كلهيب صغير، أو ضوء يتلألأ كغبار الجنيات.
عليهما أن يعثرا عليه بسرعة. فالصوت العالي منذ قليل ربما يجذب أحدًا.
‘أرجو أن يكون هنا، في غرفة النوم…’
نظرت حولها بقلق، لكنها لم تلاحظ شيئًا غريبًا فورًا. هل سيكون عليها البحث في كل درج، وكل صندوق، وكل رف كتب؟
عضّت ليلي شفتها.
‘هل سننتهي قبل أن يأتي أحد؟ إن تم الإمساك بنا، سيبدو الأمر وكأننا نسرق المكان!’
تنهدت بيأس. فسألها صاحب الغرفة.
[ما الذي نبحث عنه تحديدًا؟]
“سؤال وجيه…”
أجابت ليلي بتردد.
“بما أن الخاتم كان يخص جلالة الإمبراطور، أفترض أنه سيكون نوعًا من الحلي… لكن لا يمكن الجزم.”
[هل معكِ الغرض نفسه؟ أريني إياه.]
أخرجت ليلي الخاتم من جيبها. تأمله آيدن، ثم أومأ برأسه.
[أظنني فهمت.]
“فهمت ماذا؟“
أجابها فورًا بعد أن رأى الخاتم — رغم أنه ليس خاصته.
[ذلك الخاتم كان غرض الحماية الذي تلقاه يوليوس في المعبد بمناسبة بلوغه. لقد صلّى عليه كبير الكهنة بنفسه.
أما غرضي، فيجب أن يكون في ذلك الدرج.]
وأشار آيدن إلى درج طاولة النوم. بداخله، علبة خزفية صغيرة، بيضاء، مزخرفة برسوم كَرَمية على الغطاء، بحجم يناسب راحة اليد.
رفعت ليلي الغطاء بحذر.
في الداخل، كان هناك مسبحة، مرصعة بلآلئ صغيرة وأحجار كريمة.
“آه…”
أطلقت ليلي تنهيدة اندهاش.
فقد كانت المسبحة تتلألأ بضوء غامض، ساحر، كأنما تنبعث منها هالة مقدّسة…
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 25"