استمتعوا
كانت وجهة رئيسة الخدم هي المكتب.
–بارون، ليلي ديينتا لم تعد بعد.
– إذًا ليلي دينتا المذكورة هنا هي فعلًا تلك ليلي دينتا، هاه.
تنهد وولفرام ووضع الوثيقة جانبًا.
انتقل آيدن إلى خلفه وقرأ الورقة.
كانت تأكيدًا من الإدارة بشأن إصدار تصريح سفر.
ينص على أن ليلي دينتا في رحلة قصيرة مع جدتها.
– هذه أسوأ محاولة هروب رأيتها في حياتي.
سأرسل أحدهم لإعادتها. شكرًا على التأكيد.
ثم صرف وولفرام رئيسة الخدم.
عندها فقط أدرك آيدن أن الخادمة التي وعدت بالعودة غدًا كانت تنوي، في قلبها، أن ترحل إلى الأبد.
لم ترد إطلاقًا على مناشدته اليائسة للثقة،
وأدرك أن تخيّله لمستقبل يجمعهما كان شيئًا قد فعله وحده.
ما اجتاحه في تلك اللحظة كان شعورًا بالخيانة.
وبالنظر إلى أنه كان يعتبرها في البداية وسيلة مريحة للتواصل ليس إلا، فقد كان ذلك شعورًا مبالغًا فيه.
ثم لمح من زاوية عينه كرة الكتان.
وتذكّر كم كان سعيدًا حين تلقّاها.
كم بدا سخيفًا في تلك اللحظة.
هل ضحكت عليه؟ هل اعتقدت أنها خدعته بالكامل؟
غمره الخجل… ولم يتذكر شيئًا بعد ذلك.
****
الآن، كان آيدن واقفًا عند المدخل، ينظر إلى الأسفل.
فُتح باب العربة، ونزلت الخادمة.
كان ذلك الوجه الذي بحث عنه بيأس.
صعدت الدرجات على عجل، لكنها لم تستطع أن تنطق أمام آيدن.
بدت مثيرة للشفقة، لا تجرؤ على النظر في عينيه،
ولا تعرف ما الذي ينبغي فعله.
كان يحدّق بها، وكأنه يراقبها. وبشكل أدق، كان ينتظر.
‘قولي شيئًا. كذبة، عذر، أي شيء. لا يهمني.’
سواء كان منطقيًا أو مجرد شيء مفبرك، لا يهم.
ولا حاجة لأن يكون طويلًا.
لو قالت فقط إنها تأخرت دون قصد،
لكان آيدن مستعدًا لأن يغضّ الطرف عن محاولة هروبها.
لم يكن هذا قصده منذ البداية.
لو كان يملك القوة لعبور عتبة المدخل،
لكان قد قذف بالعربة كلها عندما وصل وولفرام.
منذ دقائق فقط، لم يكن يريد أن يترك ‘الخائنة‘ تمضي.
لكن في اللحظة التي ركضت فيها الخادمة نحوه مباشرة دون تردد، تلاشت كل تلك الأفكار.
الآن، لم يكن بوسعه إلا الانتظار—على أمل أن تقول شيئًا يدافع عنها.
كان الأمر مثيرًا للضحك تقريبًا.
هي التي ارتكبت الخطأ، ومع ذلك، كان يشعر وكأنه هو من يُحاكم.
“أنا آسفة!”
انحنت الخادمة فجأة انحناءة عميقة.
“لقد طلب مني سموك أن أثق به، لكنني كنت خائفة من أن يقوم مساعدك بقتلي وحده.كان يجب أن أكون صادقة بشأن مخاوفي…”
خفضت جسدها أكثر وأكثر.
ولو تُركت، لكان جبينها قد لمس الأرض.
“لم أكن أعلم أن سموّه يتألم إلى هذا الحد. من الآن فصاعدًا، سأصدق كل ما يقوله. ولن أرحل دون أن أخبر أحدًا مجددًا. أنا آسفة حقًا.”
للرجل الذي كان يتمنى عذرًا… قدّمت ليلي اعتذارًا.
لم تُعطه أبدًا ما أراده أو توقعه.
لم يكن بإمكان آيدن أبدًا أن ينتصر عليها.
تلاشى غضبه مثل حبات الرمل، والآن لم يبقَ سوى فضول تجاه التعبير الذي كانت تحمله وهي تتكلم.
لم تبدُ ليلي راغبة في رفع رأسها.
نظر آيدن إلى رأسها المستدير، ثم نطق أخيرًا، غير قادر على الانتظار أكثر.
[ارفعي رأسك.]
رفعت ليلي رأسها بحذر.
كانت حاجباها مقوّسين مثل الجبال، وشفتيها بارزتين قليلًا.
كان وجهها مليئًا بالقلق.
استطاع آيدن أن يفهم فورًا، أن قلقها لم يكن بشأن ما إذا كان سيقبل اعتذارها.
بل كان بشأنه، آيدن كاشيمير. كانت تشعر بالأسف تجاهه.
لكن لماذا؟
أي فكرة جريئة تلك التي تدور الآن في رأس هذه الخادمة؟
كانت في وضع مزرٍ تمامًا مثله.
لقد خدمت بأمانة إلى جانب شبح كانت ترتعب منه لدرجة أنها تصرخ، ومع ذلك، ما حصدته بالمقابل كان تهديدًا لحياتها.
انتهى بها الهروب إلى لا شيء، والآن وقفت وحيدة، كأضحية أمام روح مجنونة.
لم يكن هناك أحد ليساعدها.
لم يكون من المدهش لو ان ليلي دينتا قد قررت الهرب مرة ثانية.
ظروفها لم تتغير منذ المرة السابقة، وإذا شعرت بالتهديد حينها، فلا شك أنها تشعر به مجددًا.
حتى وإن كانت الآن ترثي حاله بسذاجة، فهي ستعود إلى رشدها قريبًا.
وعندما تفعل، ستضحك من كونها قلقت بشأنه ذات يوم.
في لحظة كهذه، ما نفع الكلمات المزخرفة كالطواويس، أو الناعمة كالقطط؟ مقارنة بقيمة الحياة، فإن حتى صندوقًا مليئًا بالذهب لا يعدو أن يكون مجرد كومة من الحجارة الباهتة، عديمة القيمة.
ولأول مرة، شعر آيدن أن ما يملكه ليقدّمه… مؤلم في ضآلته.
“صاحب السمو، هل أنت بخير؟“
سألت ليلي بحذر بعد أن طال الصمت.
يدها المرتجفة، التي كانت تُفتح وتُغلق، بدت وكأنها قد تمتد نحوه في أي لحظة.
حدّق آيدن مباشرة في تلك العينين المليئتين بالشفقة.
ليلي دينتا لم تكن قد أدركت الواقع بعد.
وسيظل ذلك صحيحًا، طالما استمرت في الشعور بالأسف تجاهه.
أدرك آيدن ما عليه فعله.
كان عليه أن يكسب تعاطفها. كي لا تتمكن من تركه.
كي تستمر في الشعور بالأسف تجاهه بكل ما في قلبها…
دفن وجهه بين يديه وتكلم بصوت منهار.
[لا، ليلي. لست بخير. لقد تركتني وحدي.]
“آه…”
[تخلّيتِ عني هنا. كنت سعيدًا حين تلقيت هديتك، لكن حتى حينها، كل ما كنتِ تفكرين فيه هو كيف تتركينني.]
“تـ… تخلّيت عنك؟“
ليلي، التي كان يراها من خلال فراغات أصابعه،
ارتبكت ولم تعرف ما تفعل.
واصل آيدن تمثيله.
[لا بأس إن لم يرَني أحد. لم أكن أهتم لذلك أبدًا.
لكنني لم أستطع رؤيتك. لقد وعدنا بعضنا، ومع ذلك، مهما طال انتظاري، ومهما تهت في الطرقات، لم تعودي.]
كان ينوي فقط أن يبدو مثيرًا للشفقة.
لكن كلما تكلم أكثر، عادت تلك المشاعر تتدفّق من جديد.
القلق، الخوف الغامض، ثم الغضب والرعب حين أدرك الحقيقة.
كل تلك المشاعر الحادّة ملأت جسده مجددًا، وكأنها تخترقه.
“أنا آسفة. لم أعتقد أنك ستبحث عني إلى هذا الحد. حقًا لم أفكر بذلك.”
رفع آيدن وجهه ونظر إلى ليلي.
‘نعم… لماذا بحثت عنها بتلك الطريقة؟‘
لماذا بدا الأمر وكأن العالم قد انهار، وكأنني فقدت شيئًا لم أكن أتحمّل خسارته أبدًا، وانغمست في عجز وحزن…
البحث عن إجابة لذلك يمكن أن ينتظر.
ما يهم الآن هو ألّا يخسرها مرة أخرى.
حرّك يده غير الملموسة وأحاط بمعصمها.
لم يشعر بحرارة، ولا بإحساس، ولا حتى بملمس.
ومع ذلك، فإن تطابق صورتهما البصرية منح نوعًا غريبًا من الراحة.
“لن أرحل مجددًا.”
قالت ليلي أخيرًا بعدما طال الصمت، وبدت متوترة.
إذاً، كسب تعاطفها كان القرار الصائب.
[تمسّكي بذلك الوعد. حقًا، أنتِ كل ما أملك. لا تتركيني وحدي.]
نظر نحو الأسفل، باتجاه العربة حيث جلس ‘الجاني‘.
[إذا كان وولفرام هو المشكلة، فسأسقط عليه ثريا أو أقلب رفّ كتب حتى لا يتمكن من تهديدك…]
“صـ… صاحب السمو، آسفة،
لكن هذا التفكير اللي يحل كل شيء بالموت مخيف.”
همست ليلي بتوتر.
انفرجت شفتا آيدن قليلًا في ابتسامة. ردّها الجريء كان مسليًا.
وأخيرًا، شعر أن الأمور بدأت تعود إلى طبيعتها.
“وأعتقد أن المساعد فعلاً راجع نفسه.
اعتذر مرة اخرى في طريق العودة.”
[لكن، ماذا لو خطّط لشيء شرير سرًا؟ هل يمكنني وقتها أن أفعل ما أشاء؟]
“لا؟ كان عليك أن تقول ‘هل نسيت كارثة ذلك اليوم؟‘ ثم تقول إن صاحب السعادة لن يسامحه. وبعدها تدفع تمثالًا بعيدًا ليسقط وكأنه مؤثر مسرحي.”
[سأفعل ذلك.]
سأفعل ذلك بقدر ما ترغبين.
هل يكفي تمثال واحد؟ ألن تكون الثريا أكثر فاعلية؟
هل يوجد شيء آخر؟ أي شيء سيكون رائعًا. لو أنني أستطيع فقط…
تدافعت في رأسه سلسلة من الردود المبالغ فيها، والمتحمسة جدًا.
كان واضحًا أنها نتيجة ارتياح مفرط. تمسّك بعقله وابتلع تلك الأفكار.
رفرفت جفنا ليلي قليلًا، وتلألأت عيناها المشرقتان.
نظرت ليلي دينتا إليه مباشرة، دون تردد.
آيدن حدّق بها، وكأنه مأخوذ بها.
“سأذهب وأخبر جدتي أن الأمور قد حُسمت.”
[إذاً السيدة دينتا جاءت معكِ أيضًا.]
“هل سموّك عرف مسبقًا عن مقدّمة طلب الترجمة؟“
لمعت عينا ليلي للحظة.
[سمعت وولفرام يتحدث عنها في أول يوم من غيابك.]
“أجل، هذا وبعض الأشياء الأخرى… قالت إنها قلقت كثيرًا من أن ترسلني وحدي.”
رغم أن نبرة ليلي بدت متذمرة قليلًا،
إلا أنها استعادت رباطة جأشها بسرعة.
“فأرجوك انتظرني قليلاً فقط.”
بينما كان ينظر بشرود إلى ضفائر شعرها المتمايلة،
كانت ليلي قد وصلت إلى العربة بسرعة.
التفتت إليه للحظة قبل أن تفتح الباب تمامًا.
آيدن انتظر عودتها.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل "14- في معظم الحكايات القديمة "