استمتعوا
في النهاية، انتهى بهم الأمر جميعًا في العربة.
وبينما بدأت العجلات بالدوران، سألت ليلي وولفرام بحذر:
“لكن… كيف عرفت أين تجدنا؟“
“أنا مندهش أكثر من أنك اعتقدتِ أنني لن أعرف. لقد حاولتِ مغادرة الدوقية، ألم يخطر ببالكِ أنكِ ستحتاجين لتزوير هويتك أو استعارة هوية أحدهم؟“
لم تكن نبرته ساخرة، وهو ما جعل الأمر أكثر إذلالًا.
شعرت ليلي وكأنها ارتكبت حماقة واضحة.
تمتمت بنبرة دفاعية.
“طبعًا خطر لي. لكن شخصًا مثلي ما كان ليقدر على فعل ذلك. وظننتُ أن لا أحد سيهتم بغيابي على أية حال.”
“جميع العاملين في قصر الدوق يتم تتبعهم وتسجيل تقارير عنهم بدقة. غيابكِ أُبلغ عنه تلقائيًا.”
“آه…”
كان وولفرام يحدق بها بثبات، ثم أعطاها نصيحة صادقة.
“أنصحكِ شخصيًا ألا تحاولي الهرب مجددًا. ستتجاوزين قدراتك في شيء لا تجيدينه، وسيؤذيكِ ذلك ويؤذي من حولك.”
وافقت معه، بصدق.
ومع ذلك، لم يكن كل ما حصل خطأها بالكامل…
“بالطبع، الخطأ الأساسي ليس خطأك.”
اتسعت عينا ليلي—لقد قرأ أفكارها.
وعندما انحنى وولفرام فجأة برأسه، ازدادت دهشتها.
“أعتذر مجددًا على ما قلته في ذلك اليوم.
كنت أنا من لم يفهم موقعه.”
“كـ، كم كان مصدومًا صاحب السمو؟“
لم تتخيل ليلي قط أن وولفرام بيرنت سيعتذر من تلقاء نفسه.
لابد أنه أدرك حجم خطئه بعد أن واجه كارثة لم يستطع السيطرة عليها.
ما كانت تود معرفته حقًا هو: كم كانت الكارثة سيئة؟
أرادت أن تهيئ نفسها ذهنيًا قبل أن تقابل دوق كاشيمير مرة أخرى.
“لحسن الحظ، لم يمت أحد.”
ابتلعت ليلي ريقها بصعوبة.
كانت تتخيل، في أسوأ الأحوال،
أن مكتبه قد تم تدميره بطريقة درامية.
تابع وولفرام اعتذاره.
“أعلم أنني تركت ندبة دائمة على علاقتنا من الثقة. لكن أرجو أن تمنحيني فرصة أخرى. أريد بصدق أن أنقذ صاحب السمو.”
كان اعتذاره عميقًا ومخلصًا.
لكن كلما زاد صدقه، شعرت ليلي بأنها أكثر إنهاكًا.
“كنت في صفك من البداية. كنت أريد مساعدة صاحب السمو أيضًا. لو أنك لم تقل ما قلته، لكنت أنا من قدم جدتي له بنفسي.”
“أنا آسف.”
احمر وجه وولفرام خجلًا.
بدا كمن يدرك تمامًا أنه دمر كل شيء.
تنهدت ليلي.
لم تكن تريد أن تكون قاسية على من اعترف بخطئه واعتذر بإخلاص.
وإن كانت واثقة الآن أن حياتها لم تعد مهددة،
إذًا… نعم، ما زالت تريد مساعدة الدوق.
“كفى اعتذارًا. الآن دعني أفكر في طريقة أشرح بها هذا لصاحب السمو.”
وعندما توقفت المحادثة، أمسكت جوليا يد ليلي برقة.
دفء العائلة—هذا الإيماء البسيط جلب لها راحة غير متوقعة.
ولم تدرك كم كانت مشدودة حتى تلك اللحظة.
بصراحة، عندما صعدت جوليا إلى العربة،
لم تكن ليلي مرتاحة للوضع.
أصرت جوليا أنها لا تستطيع ترك حفيدتها تذهب وحدها إلى مكان خطير—لكن حين تحل الخطورة فعلاً، فلن تكون قادرة على حمايتها أكثر مما تستطيع ليلي نفسها.
كان من المطمئن أكثر لو بقيت جوليا في البلدة.
من الأفضل أن يكون أحدهما بأمان تمامًا بدلًا من أن يكون الاثنان في خطر.
كما أنها لم تكن مرتاحة لفكرة أن تُورط جوليا في وظيفة الترجمة.
ومع ذلك، الآن، وجود جدتها بجانبها منحها قوة جديدة.
باتت ليلي، وقد استعادت بعض هدوئها،
تفكر في طريقة لتخفيف وقع الأمر على آيدن.
****
عندما عبرت العربة بوابة القصر وتوقفت عند أسفل الدرج المؤدي إلى المبنى الرئيسي، لم تكن ليلي قد توصلت إلى شيء مناسب لتقوله، رغم كل التحضيرات الذهنية التي أجرتها.
نظرت إلى القصر من خلال النافذة وفغرت فمها.
تنهد وولفرام بهدوء.
“لقد ازداد الوضع سوءًا.”
“مـ، ما هذا كله؟ هل هذا… هل هذا من فعل صاحب السمو؟ منذ البارحة؟“
“لا. كانت هناك بوادر البارحة، لكنه هدأ عندما سمع أنكِ في إجازة. هذا بدأ قبل بضع ساعات فقط. وتحديدًا—في اللحظة التي بلغني فيها أنه تم إصدار تصريح السفر لكِ.”
لم يكن القصر كما كان في اليوم السابق.
لم يتبقَ لوح زجاجي واحد في النوافذ.
الإطارات والمصاريع ملتوية أو ممزقة تمامًا.
نصف الباب الرئيسي سقط وكان ملقى على الدرج.
ذلك وحده كان كافيًا لرسم صورة عن الخراب في الداخل.
كان وولفرام، على غير عادته، يبدو قلقًا بحق.
“قد تكونين في خطر أيضًا. وبصراحة، كنت أود مرافقتك لحمايتك، لكن بمجرد أن يرى صاحب السمو وجهي، يزداد هيجانه… أنا آسف.”
نظرت ليلي حولها مجددًا.
كانت الساحة خالية تمامًا،
والستائر مسدلة على جميع المباني الأخرى.
القصر، الذي بات يشبه منزلًا مسكونًا،
مع المحيط الكئيب، خلق جوًا مريبًا عميقًا.
كان مخيفًا لدرجة تدفع أي شخص للجنون—لكن إن لم تتصرف هي الآن، فالأمور لن تتحسن.
وبينما أخذت ليلي نفسًا عميقًا ومدّت يدها نحو باب العربة، أمسكت جوليا يدها الأخرى وسحبتها إلى الخلف.
كان وجهها شاحبًا.
“ليلي، لم تخبريني بشيء عن هذا.”
“آه… ألم أذكره؟“
“قلتِ فقط إنه رمى بعض الأشياء!”
“لم أره غاضبًا بهذا الشكل من قبل أيضًا.”
هزّت جوليا رأسها بعنف.
“لا. هذا… هذا غير طبيعي.”
كانت خائفة أكثر من حفيدتها.
وبصراحة، لم يكن بوسع ليلي أن تلومها.
فالدخول إلى ذلك المكان بخطواتك لم يعد يبدو كتصرفٍ عقلاني.
كانت جوليا، التي لا تمتلك أي دفاعات نفسية ضد هذا النوع من الأمور، بلا شك أكثر رعبًا بكثير.
‘لكن يجب أن أرى صاحب السمو.
هذه هي الطريقة الوحيدة لحل أي شيء.’
نظرت ليلي بيأس بين النافذة وجدتها، حين—
بانغ!
صوت انفجار مفاجئ من الخارج جعل ليلي تقفز في مقعدها.
نصف الباب الأمامي المتبقي قد انخلع تمامًا من مفاصله وتدحرج على الدرج.
ارتعبت الخيول ورفعت قوائمها الأمامية، واهتزت العربة بعنف.
تشبثت ليلي بجوليا، ولفّهما وولفرام بذراعيه معًا.
وأثناء ذلك، ارتطم رأسه المضمد بسقف العربة وأطلق تأوهًا متألمًا.
لم يتمكن السائق من تهدئة الخيول وإعادتها إلى موقعها إلا بعد وقت طويل.
وعندما رفعت ليلي بصرها، رأت الدوق واقفًا عند المدخل المدمر.
كان يحدق إلى العربة—وجهه شاحب وفارغ.
ومع ذلك، بدا في تعابيره شيء يشبه طفلًا تائهًا،
لا يعرف ماذا يفعل.
وفي اللحظة التي رأت فيها ذلك الوجه، نزلت ليلي من العربة دون أن تدرك حتى أنها أفلتت يد جدتها، وركضت إلى أعلى الدرجات.
لم تستطع جوليا أن تبعد عينيها عن ظهر حفيدتها.
وعند الدرجة الأخيرة،
وقفت ليلي أمام الفراغ وبدأت تتحدث إليه بلهفة.
ضمّت يديها، وانحنت، ولوّحت بيديها بإيماءات نشيطة.
وخلال كل ذلك، لم يحدث أي شيء غريب.
كان وولفرام يراقب من الأسفل،
وعاد بصيص من الأمل إلى وجهه الصامت.
في تلك اللحظة القصيرة—أكثر من كل القصص التي سمعتها في النزل—فهمت جوليا بحق دور ليلي وأهمية ما تحملته.
فسألت للتأكيد.
“أنت لا تنوي ترك ليلي، أليس كذلك؟“
“هذا صحيح.”
كان رد وولفرام حادًا وصريحًا.
الآن أدركت جوليا يقينًا.
مهما حدث، ومهما قالوا أو فعلوا—هؤلاء الناس لن يتركوا ليلي أبدًا.
ما زالت ترى نفسها وصية على ليلي.
وكان من واجبها حماية حفيدتها البريئة والساذجة من هذا الخطر المجنون تمامًا.
وبما أن ليلي اعتادت على هذا الوضع لدرجة أنها أسقطت حذرها بالكامل، فإن عين جوليا الساهرة أصبحت أكثر ضرورة من أي وقت مضى.
لكن مع تصميم الدوق ومساعده بهذه القوة،
علمت جوليا أن أمامها خيارًا واحدًا فقط.
“أود مناقشة تفاصيل عمل الترجمة أكثر. وأيضًا… سلامة ليلي.”
عليها أن تساعد الدوق على استعادة وعيه، في أسرع وقت ممكن.
****
كان آيدن كاشيمير يسترجع ما حدث في اليومين الماضيين.
في اليوم الأول الذي اختفت فيه ليلي ديينتا، كان بخير.
فقد أخبره وولفرام بأنها في إجازة، بعد كل شيء.
استغرب من أن الخادمة لم تخبره بنفسها في اليوم السابق،
لكنه افترض أنها ربما نسيت.
لكن في اليوم الثاني، حين لم تظهر بعد في المبنى الرئيسي،
بدأ آيدن يشعر أن هناك أمرًا غير طبيعي.
حاول ألا يندفع نحو استنتاجات مظلمة.
بل فكر باحتمال أنهما فقط لم يصادفا بعضهما—فتفقد القصر بعناية ثلاث أو أربع مرات.
وحين لم يجدها، بدأ يفتش كل غرفة،
ثم وقف في ممرات كل طابق، على أمل أن يصادفها.
قضى وقتًا طويلًا يؤكد شيئًا واحدًا.
ليلي دينتا لم تعد موجودة في القصر.
ومع ذلك، ظل آيدن يحاول إقناع نفسه أن ما حدث مجرد سوء فهم.
لم يخطر بباله ولو للحظة أنها غادرت… وأنها لن تعود.
لقد كان يثق بليلي دينتا… ثقة مطلقة.
عاد إلى المدخل الجانبي وانتظر.
وأخيرًا، فُتح الباب.
لكن من خرج لم تكن ليلي دينتا—بل كبيرة الخدم.
حدّق آيدن في الباب بتعبير جامد لوهلة طويلة…
ثم تبعها بصمت.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل "13- في معظم الحكايات القديمة "