استمتعوا
اندفعت هاينا من غير وعي منها بزفرة إعجاب متكسّرة، تخرج من بين شفتيها متعرّجة النغمة، وكأنّها وُلدت لتفضح دهشتها.
فمع أنّ الفارق في العمر بينها وبين هونغ إيدو – في الجسد الأصلي – لم يكن يُذكر، إلا أنّ كلمة عمّي كادت تنفلت منها بطبيعتها.
“…؟”
“مرحبًا بعودتك يا أبي. هل كنت بخير طَوال هذه المدة؟”
“……?”
حينئذٍ انحنت هَينا بانحناءةٍ مؤدَّبة حتى بدا سُرَّتها، ثم أشرقت بابتسامة وضيئة.
لقد غدت طفلةً مؤدبة كأنها خرجت لتوّها من مدرسةٍ عتيقة في قرية “تشونغهاك”.
“هاينا، أنتِ…”
ألقى هونغ إيدو نظرة متحيّرة نحوها، غير أنّ ارتباكه لم يلبث أن تلاشى سريعًا، كأنّما انطفأ اهتمامه بها برمّته، وكأنّه أقنع نفسه بأنّ الأمر ليس إلا إحدى مقالب هاينا المعتادة.
“نعم… كنتُ بخير.”
وبوجه تغشاه الحيرة، رمقها إيدو بنظرة مضطربة.
“وأنتِ يا هاينا… هل أنتِ بخير حقًا؟”
لو كان ذلك ما يُسمّى بسلام الأب مع ابنته، فهو أسوأ سلام على الإطلاق.
“نعم، بفضل قلقك عليّ يا أبي.”
“إذن، عودي الآن إلى غرفتك.”
يا له من رجل جافّ الدم والدموع! ألا يجدر بك ايها السيّد أن تُبدي شيئًا من الدفء حين تخاطبك ابنة صغيرة بهذا اللطف؟! لو كنتُ أنا أمّ هاينا، لما كففت عن إغداق مئة قُبلة عليها ما إن تقع عيني عليها.
كان أبواي – رغم تعب العمل – لا ينامان قبل أن يغمراني بالقبل والعناق.
“ولِمَ ترسلني دومًا إلى غرفتي يا والدي؟ أأنت متعب جدًا؟”
“…!”
“إن كنت متعب، فقل صراحة إنّك متعب، لا أن تحبسني في الغرفة! حينها، أشعر بجرح في قلبي.”
قالت هاينا كلمتها بلهجة عاتبة، ثم أدارت جسدها بعنف وصعدت الدرج نحو غرفتها.
‘لا أرغب في الاستمرار في هذه المناوشة معك يا عمّي.’
وبينما كانت خطواتها تتلاشى في الأعلى، ظلّ هونغ إيدو واقفًا في المدخل، كالمسمّر في مكانه، غير قادر على الحركة.
“…تشعر بجرح؟”
تمتم بالكلمات في شبه ذهول.
“آه، سيّدي المدير!”
أقبلت المربية أوريونغ على عجل وقد فاجأها وقوفه هناك.
“لقد عدت؟ لو ناديتنا لحملنا أمتعتك! إن كانت في السيارة فسأذهب فورًا–”
“لا. لا حاجة.”
“عفواً؟”
“تركتُ الأمتعة في الفندق. سأقيم هناك مؤقّتًا.”
“الفندق؟! ألن تمكث في المنزل؟”
أومأ إيدو برأسه.
“وجودي هنا يثقل على هاينا، أليس كذلك؟”
“ماذا تقول! ليست كذلك، آنستي الصغيرة تُحبّك كثيرًا–”
“كانت تصاب بنوبة كلّما رأتني.”
تذكّر إيدو اللحظة التي مرّت قبل قليل، حيث لم تُبدِ هاينا أيّ نفور، فتردّد قليلًا، لكنّه سرعان ما هزّ رأسه نافياً.
“ما حدث الآن لا يعدو أن يكون سحابة عابرة. إن بقيتُ حولها طويلاً، سيعود المرض ليُنهكها. الابتعاد عنها خير لها.”
“سيّدي المدير…”
لم تجد المربية ما تقول، فاكتفت بالصمت، فيما خطا هو إلى الداخل وهو يومئ برأسه ببرود.
“جئتُ فقط لتحيّة والدي. أهو في الغرفة؟”
“لا، السيّد الرئيس غير موجود. قال إنّه سيعود للعشاء.”
“إذن سأعود عندها.”
وما إن همّ بالانصراف، حتى استوقفته المربية بصوتٍ حثيث.
“سيّدي المدير، أرجوك… انتظر في المنزل حتى يعود الرئيس. الآنسة هاينا قد تغيّرت كثيرًا مؤخرًا.”
“…؟”
ارتسمت الدهشة على وجهه، فأعاد إلى ذهنه ملامح هاينا القريبة.
منذ وفاة والدتها لم يسبق لها أن خاطبته بمثل ذلك الوضوح والصفاء.
لطالما كانت تتهرّب منه، ثم تنفجر بالبكاء حتى يغشى عليها.
أمّا اليوم فقد تحدّثت كطفلة يقظة، براقة العينين.
كان من الطبيعي أن يظنّ إيدو أنّ ابنته لا تراه إلا سببًا للألم، وكيف لا، وهو لا يسمع منها سوى كلمة مرتعشة.
“أمّ… أمّاه…”
تفسير الأطباء لم يزده إلا حيرة. إنّها صدمة الفقد، تنفجر كلّما تذكّرت أمّها برؤية وجه أبيها.
لقد جاب بهم كلّ المعالجين، فلم يزد الأمر إلا سوءًا.
ومنذ تلك الحادثة التي انهارت فيها هاينا بين يديه حتى أصابتها حُمّى، لم يبرح قلبه طيف الذعر.
هو يحبّها حدّ السماء، لكنّ خوفه على حياتها يفوق شوقه للقرب منها.
‘أن أتحدث معها بعد كلّ هذا الوقت… لقد كان أمرًا افتقدتُه طويلًا.’
كانت هاينا في عينيه اليوم. ذكية، متألقة، لطيفة، جميلة… ابنته بحق.
غير أنّه حين سمع من المربية أنّ تغيّرها لم يدم إلا أسبوعين، عاد الحذر ليشدّه.
“لا زال الوقت مبكرًا للحكم. دعينا ننتظر حتى يترسّخ استقرارها.”
وهكذا، آثر الانزواء في غرفته، طالبًا من المربية ألّا تسمح لابنته بالاقتراب منه.
***
“هُمم… أنجزتُ واجباتي.”
أيُعقل أن يُثقَل كاهل طفلة في السابعة بكلّ هذا الكمّ من الواجبات؟! أليست قسوةً على براءة الصغر؟ أين حقوق أطفال الأسر الثرية؟
لو لم أكن أنا – الموظفة الكورية التي اعتادت العمل حتى الواحدة بعد منتصف الليل – لما احتملتُ هذا. أمّا طفلة عادية، فكيف؟
هكذا شردت هاينا تفكّر في ‘حقوق الطفل في طبقة الأثرياء من الجيل الثالث’، حتى انتبهت أنّ وقت العشاء قد حلّ.
قفزت عن كرسيها تبحث عن المربية أوريونغ.
‘لا بد أن أتذكّر اسمها دائمًا، فقد بدا عليها الحزن الشديد حين نسيته آخر مرة.’
وأما أبي… فأين هو؟! أهذا عدل؟ يعود بعد طول غياب ثم لا يبحث عن ابنته! شعور بالغصّة دبّ في صدرها.
‘لقد عشتُ مع والدين فقراء لكنّهما غمراني بالمحبّة والدفء… فكيف بي الآن ابنةً لمنزل بارد كهذا؟! المال بلا حنان كالجسد بلا روح. لو كان أبي وأمي هنا، لكانت حياتي كاملة، نأكل ما نشتهي، ونتمشّى بلا همّ ولا وجل…’
“أشتاق إليكما يا أبي… يا أمي…”
هكذا همست، وفي لحظة تردّد وقع خلفها وقعُ أقدام…
“!”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 7"