“أعتــــذر.”
“لا عذر لي.”
وضع سيدوين يده على جبهته، ناظرًا إلى أوفان وميلون وأدولف، الذين كانوا جاثمين على الأرض في وضعية تُعرف بـ”الانبطاح”
كان الثلاثة راكعين على ركبهم، وأكفهم متشابكة خلف ظهورهم، فيما لامست جباههم الأرض، وارتفعت أردافهم لتحمل أوزانهم. لم يكن الأمر صعبًا على ميلون وأدولف، المتمرسين في فنون القتال، لكن أوفان كان يرتجف قليلًا من الإرهاق.
رغم ضعف قدرته على التحمل، فقد صمد طويلًا.
“إنهضوا، لما قُمتم بفعل شــئ لم أطلبة؟”
“نعتذر!”
“قلت إنهضوا.”
كان واضحًا أن كل ما فعلوه كان لأجله.
هؤلاء الرجال، الذين شاركوه الحياة والموت حتى هذه اللحظة، وأقسموا على التضحية بحياتهم من أجله، لا يمكن أن يتصرفوا من تلقاء أنفسهم دون إدراك العواقب.
وفقًا للقواعد، كان من المفترض أن يُعاقَبوا بالموت، إذ تصرفوا بأنانية دون أوامر، مما جعل الوضع أكثر سوءًا. ومع ذلك، قرر سيدوين التغاضي عن ذلك.
“بما أنه لم تظهر أي ردود فعل غير طبيعية، فهذا يعني أن بوني تشيغو لم تتعرض لضرر نفسي بالغ.”
تنص العقود السحرية على أن من يخالف شروطها سيدفع الثمن.
ووفقًا لعقد سيدوين، يُحظر عليه إلحاق “ضرر نفسي بالغ” ببوني تشيغو.
كان هذا الشرط مزعجًا ومعقدًا للغاية، لأن تحديد ما يُعتبر “ضررًا بالغًا” لم يكن واضحًا تمامًا. فما قد يبدو تافهًا لشخص، قد يكون مدمّرًا لآخر.
لكن في ذلك الوقت، لم تكن لديه القدرة، ولا حتى الخيار، لتعديل بنود العقد.
استعاد سيدوين في ذاكرته تفاصيل ذلك العقد القليل البنود، وتلك البصيرة الغامضة التي وقفت وراءه.
* * *
قبل سنوات…
“شرطي الوحيد هو هذا: عندما تبلغ حفيدتي سن الرشد، اعتنِ بها.”
كان سيدوين في الثالثة عشرة من عمره آنذاك، وبحساب السنوات، لم تكن حفيدة البارون برود سوى طفلة في السابعة.
في مملكة هاريو، يُعتبر المرء بالغًا عند بلوغ العشرين، ما يعني أن حفيدة برود لن تصل إلى سن الرشد قبل ثلاثة عشر عامًا أخرى.
وعدٌ يمتد لثلاثة عشر عامًا؟
المستقبل مجهول، والحياة قد تنقلب رأسًا على عقب في ساعات، فكيف يُمكن للمرء أن يلتزم بوعدٍ يمتد لسنوات طويلة؟
عند سماع هذا الشرط، كان من الطبيعي أن يتبادر إلى الذهن أنه عرض للزواج.
“هل تطلب مني الزواج من حفيدتك، أيها البارون؟”
ضحك برُود بصوت عالٍ، ثم قال
“الزواج؟ لا، ما أطلبه هو وظيفة لها. عندما تبلغ، وفر لها عملًا وحسب.”
أي شرطٍ أكثر سخرية من هذا؟
في ذلك الوقت، لم يكن سيدويــــن سوى فتى مُشرّد، يحتمي بكرم عائلة أونيد الفيكونتية، ويعيش في ظلّها دون أدنى أمل في المستقبل.
كيف لشخصٍ مثله أن يَعِد بوظيفة لشخصٍ آخر؟
كاد أن يضحك من فرط العبثية.
“وكيف لك أن تعلم ما سيكون عليه حالي حينها؟”
ضحك برود مرة أخرى، وكأنه يرى المستقبل بعينيه، ثم ربت على عنق حصانه الغبي وقال بثقة
“بالتأكيد ستكون قد صنعت لنفسك مكانًا في هذا العالم. لا شك أنك تمتلك طريقًا لتسير فيه.”
كان برود رجلًا ماكرًا، يتلاعب بالكلمات كما لو كان أفعى عاشت لمئة عام.
لكن سيدوين، كما كان الحال دائمًا، لم يكن يملك خيارًا. لم يكن لديه سوى قبضتين فارغتين، يشتد عليهما الألم كلما ضغط عليهما.
في النهاية، لم يكن أمامه سوى إيماءة صامتة بالموافقة.
كان العــــــــقد بسيطًا للغاية :
1. عندما تبلغ حفيدته سن الرشد وتأتي إليه، يجب عليه توفير وظيفة لها.
2. لا يجوز له فصلها تعسفيًا، أو إلحاق أذى جسدي بها، أو التسبب في ضرر نفسي بالغ، إلا في حال وجود سبب مقبول.
3. إن رغبت الحفيدة في المغادرة، فعليه تأمين مبلغ مالي كافٍ لاستقلالها، وعندها يُلغى العقد فورًا.
في هذا الاتفاق، وضع برود حفيدته، أعز ما يملك، كضمان، بينما وضع سيدويــــــــن، الذي لم يكن يملك شيئًا على الإطلاق، حياته الهشة كرهان.
“آمل أن يكون هذا العقد مفيدًا لكلينا. قبل أن يحين ذلك اليوم، سيكون من الأفضل أن تراها ولو لمرة واحدة. سأبلغك بموعد مناسب لذلك.”
اللعنة على هذا العجوز.
عضَّ سيدوين برفق على الجدار الداخلي لفمه وهو يمد يده لمصافحة برود، ليكون ذلك جوابه الصامت.
لم يمضِ وقت طويل حتى التقى بحفيدته، فوقف متأملًا إياها بصمت.
نظر إلى وجنتيها المتورّدتين تحت وهج الغروب، إلى أنفها الصغير المتناسق، وإلى تلك الخصلات المجعدة التي تراقصت فوق جبهتها البيضاء المستديرة.
لحسن الحظ، لم تكن تشبه برود في شيء.
وربما لهذا السبب بدت لطيفة للغاية… بل ربما، في أعماقه، شعر بشيء يشبه المودة تجاهها.
حبس سيديوين أنفاسه دون أن يدرك، وعيناه تتابعان حدقتيها الزرقاوين المتدحرجتين بفضول.
راحت بوني تتفحصه بعناية، بدءًا من حذائه إلى ملابسه، ثم وجهه، وأخيرًا شعره. ثم رفعت يدها الصغيرة وأشارت نحوه.
حين تحرك فمها الصغير، الشبيه بمنقار فرخٍ صغير، شعر سيدوين بتوتر لا يدري سببه. تُرى، ماذا ستقول؟
“جدي، من يكون هذا العجوز؟، هل هو صديقك؟”
ماذا؟…عجوز…؟
“آه… ههه، بوني…”
كان سيدوين على وشك أن يبلُغ الرابعة عشرة من عمره.
نموه كان أسرع من أقرانه، فجسده كان طويلاً وصلباً، لدرجة أنه قد يُخطئ البعض في ظنه رجلاً بالغًا.
لكن حتى لو كان يبدو كراشد، فهذا لا يعني أنه يمكن قبول مناداته بـ “العجوز”! ثمة حدود يجب إحترامها!
“إنها طفلة، ربما لا تعرف كيف تختار الألقاب الصحيحة.”
ربما لهذا نادته بهذا الشكل. نعم، ربما…
لكن، هل هذا ممكن حقًا؟
كان هذا أول لقب من نوعه يسمعه في حياته، فنظر إلى بوني بتعبير ساخط.
كانت نظرتها الحادة ثابتة عليه، مختلفة تمامًا عن تلك النظرة اللطيفة التي كانت توجهها إلى برود.
“كنزي الصغير، لماذا ظننتِ ذلك؟”
وفي تلك اللحظة، رأى سيدوين ذلك. رأى العداء الصريح ينعكس في عينيها، رغم أنها بدت وديعة في البداية.
“الشعر. لون شعره نفس لون شعرك، جدي.”
“آه، صحيح! يا لكِ من فتاة ذكية!”
ذكية؟ هراء! إنها حمقاء لا تستطيع حتى التمييز بين الشيب والشعر الفضي!
زمَّ سيديون شفتيه بغيظ.
“بسبب هذا العجوز، ذهبتَ إلى العاصمة، أليس كذلك؟ ولهذا لم تحضر إلى المنزل في عيد ميلادي؟”
إذاً، كانت تعرف كل شيء. فعلت هذا عن قصد.
ظننتُ أنه لا يوجد أي شبه بينها وبين برود، لكن يبدو أنها ورثت عنه القدرة على استنزاف أعصابي.
“جدي، هل ستذهب إلى العاصمة مجددًا مع هذا العجوز؟ ألا يمكنك البقاء؟”
“ههه، بوني، ارفعي رأسك وانظري إليه. عليكِ أن تُلقي التحية.”
“لا أريد! لا أريد تحيته! إنه الشخص الذي سرقك مني! واااه!”
وفي النهاية، انفجرت بالبكاء.
راح برود يربت على ظهرها بلطف، يهدهدها بإيقاع هادئ، لكن بكاءها لم يتوقف.
وحين لم تُجْدِ محاولاته في تهدئتها، لجأ إلى طريقة أخرى لم يكن لسيدوين أن يتخيلها أو يفهمها أبدًا-طريقة مجنونة تمامًا.
“إذًا، هذا الشخص جعل حفيدتي العزيزة تبكي بشدة… هل تريدين أن أُعاقبه؟ حسنًا، أيها الشرير، كيف تجرؤ على إزعاج حفيدتي؟!”
صفعة!
رغم أن الصفعة لم تكن مؤلمة، إلا أن الصوت كان حادًا ومفاجئًا.
صفعة! صفعة!
“لقد عاقبتُ هذا الشرير لأنه أزعج حفيدتي الحبيبة! ها قد أصبح كل شيء على ما يرام، لذا توقفي عن البكاء الآن، حسناً؟”
كان المشهد برمته عبثيًا لدرجة أن سيديون لم يستطع حتى إيجاد كلمات للرد. شعر أن عقله قد توقف عن العمل.
ما الذي يحدث هنا بحق الجحيم؟
حتى بوني، التي كانت تدفن وجهها في صدر جدها باكية، توقفت عن البكاء ورفعت رأسها باندهاش.
“هل هدأتِ الآن؟ هل تشعرين بتحسن؟ أوه، هل تريدين أن أصفعه مرة أخرى؟”
سألها برود بنبرة جادة، بينما لم يستطع منع طرف شفتيه من الارتفاع بابتسامة مكبوتة.
‘يا لها من عائلة مجنونة..’
تمتم سيديون بصوت خافت.
لكن سواء قال ذلك أم لا، لم يكن يهم.
بوني، التي أطلقت زفرة حادة، عادت إلى حضن جدها وغمغمت بصوت مكتوم:
“لا، لا بأس… لكني ما زلت أكرهه. أكرهه كثيرًا.”
ابتلع سيديون الكلمات التي كادت تفلت من شفتيه.
وأنا أيضاً. أكرهكِ كثيرًا، بوني تشيغو.
* * *
مرّت عدة أيام، لكن مستوى المودة لم يرتفع كما توقعت.
ظننت أنني سأجتاز المهمة بسهولة بمجرد الإمساك باللص، لكن الأمور لم تسر كما تخيلت.
“كنت متأكدًا أن المودة سترتفع!”
في عالمي السابق، لو تمكن أحدهم من القبض على لص باستخدام مكنسة فقط، لاحتلت قصته عناوين الصحف، وربما حصل على وسام شرف من أحد المسؤولين!
لكن مقارنة بذلك، مستوى المودة الذي حصلت عليه « عادي – المستوى الأول » لم يكن شيئًا يُذكر.
جربت بعدها عدة طرق أخرى لرفع مستوى المودة، لكن جميعها باءت بالفشل.
“من الصعب حقًا إرضاء شخص بهذه الدرجة من الانتقائية…”
هل كنت أفكر في الأمر بجدية أكثر مما ينبغي؟ ربما لهذا السبب، بالأمس، جاءني زائر بدا عليه القلق من مظهري المرهق.
بدون أن ينبس ببنت شفة، أخرج زجاجة صغيرة من جيبه وناولها لي بسرية.
داخل الزجاجة، كان هناك مسحوق أصفر ناعم مطحون بدقة.
“هذا مسحوق مصنوع من أعشاب نادرة لا تنمو إلا في قريتنا. عندما تذيبه في الماء، يصبح طعمه حامضًا قليلًا، لكنه يزيل التعب فورًا. إنه سر لا يعرفه سوى أهل قريتنا.”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "13"