رياض الأطفال.
كان مؤسسة انتشرت شهرتها مؤخرًا بين الطبقات العليا في الإمبراطورية.
في الأصل ، كان من المعتاد أن يقوم النبلاء في الإمبراطورية بتعيين معلمين خصوصيين لتعليم أطفالهم.
لكن في رياض الأطفال ، يتم جمع الأطفال من نفس الفئة العمرية و تدريسهم معاً.
عادةً ما يلتحق أبناء النبلاء بالمدرسة الملكية عند بلوغهم سنّاً معينة ، و كانت فكرة رياض الأطفال هي تجربة الحياة المدرسية مسبقًا.
قيل إن المعلمين يتم اختيارهم بعناية فائقة ، و أن المرافق ممتازة للغاية.
كما قيل إنها تساعد كثيرًا في تكوين الصداقات و بناء العلاقات الاجتماعية.
لكن ، فوق كل ذلك:
“الجميع يرسل أطفاله إلى هناك”
فجأة ، اتسعت عينا دانتي و بدت عليه الحماسة.
ثم تابع حديثه بجدية: “إذًا ، هل من المعقول أن يكون جيريمي الوحيد الذي لا يذهب؟”
عندما سمعت إلزي ذلك ، نظرت إلى دانتي بوجهٍ شديد التعب.
بالطبع ، يُقال إن القنفذ يرى أولاده أجمل من غيرهم.
لكن ، … ألا يبدو هذا مبالغًا فيه؟
أعادت إلزي إلى ذهنها حقيقة كانت قد تغاضت عنها:
دانتي ليس فقط زوجًا محبًّا ، بل أيضًا أبًا مفرط الإهتمام …
“هل هذا من أجل تعليم جيريمي؟ أم …”
ضيّقت إلزي عينيها و سألته: “أم لأنك لا تطيق فكرة أن جيريمي لا يفعل ما يفعله باقي الأطفال؟”
“الاثنان معًا”
أجاب دانتي بوقاحة واضحة على وجهه.
“كل ما يفعله الأطفال الآخرون ، يجب أن يجربه جيريمي أيضًا ، دون استثناء”
“…”
فقدت إلزي الكلمات للحظات.
و في نفس الوقت ، رفع دانتي كتفيه بخفة و قال: “على أي حال ، أنا فعلاً أظن أن هذا سيكون مفيدًا لتعليم جيريمي”
“مفيد لتعليم جيريمي؟”
“نعم. أعني ، ليس من ناحية المعرفة أو الأمور الأكاديمية”
و بعد لحظة صمت ، تحدث دانتي بصوت منخفض: “كما تعلمين جيدًا ، لم يكن لدي يومًا من أستطيع أن أسميه صديقًا ، أليس كذلك؟”
و أقرب شخص كان له علاقة ودية معه هو ليام ، لكن حتى ليام لم يكن من الممكن اعتباره صديقًا متساويًا تمامًا.
كان الاثنان في النهاية مجرد ربّ عمل و مستشار.
ابتسم دانتي ابتسامة مريرة.
“لذلك … أتمنى لو كان لدى جيريمي الكثير من الأصدقاء”
“دانتي …”
“لا يمكنني إجبار جيريمي على تكوين صداقات ، لكن على الأقل … أريد أن أمنحه ما يكفي من الفرص”
ازدادت ابتسامة دانتي عمقًا قليلًا.
“فالشخص الذي يمكن أن يشاركك مشاعرك … كلما كان أكثر ، كان أفضل ، أليس كذلك؟”
… هكذا إذن.
عضّت إلزي شفتها السفلية بخفة.
يحاول دانتي أن يمنح جيريمي كل ما لم يستطع هو نفسه الاستمتاع به في صغره.
و مع أنها تفهم هذا الشعور …
إلا أن قلبها شعر ببعض الحزن.
“إييين …”
و في هذه الأثناء ، و بينما كان الحديث الهامس مستمرًا ، عبس جيريمي قليلًا في نومه و تململ.
رغم أنهما حاولا خفض صوتيهما ، يبدو أن الأمر أزعجه بعض الشيء.
‘أوه ، لا.’
فوجئت إلزي و سارعت بمد يدها لتربّت بلطف على جسد جيريمي.
“حسنًا ، حبيبي جيريمي”
و بعد أن تحرّك قليلًا ، عاد جيريمي إلى نومه العميق.
في تلك اللحظة ، همس دانتي بصوت منخفض إلى إلزي:
“ماذا لو خرجنا الآن؟”
يبدو أنه كان قلقًا من أن يزعجا نوم الطفل.
أومأت إلزي برأسها و رفعت جسدها بحذر.
و هي تنتبه حتى لا تصدر أي صوت ، غادرت الغرفة و أغلقت الباب خلفها بهدوء.
و فجأة ، احتضنت إلزي دانتي بقوة.
“… عزيزتي؟”
نظر دانتي إليها بوجه حائر.
دفنت إلزي وجهها في صدر دانتي و همست بصوت خافت: “على أي حال … أنا بجانبك”
“همم؟”
في تلك اللحظة ، أدرك دانتي سبب تصرف إلزي المفاجئ.
لا بد أنها كانت تفكر في كلماته قبل قليل ، حين قال: “أتمنى أن يكون لجيريمي الكثير من الأصدقاء”
“يا عزيزتي …”
ضحك دانتي بخفة.
“لا بأس ، أنا لا أحتاج إلى أصدقاء”
“ماذا؟ لكن …”
“كما قلتِ ، أنتِ بجانبي ، أليس كذلك؟”
فجأة ، لم تستطع إلزي الرد.
فأكمل دانتي بصوت هادئ:
“أنا أكتفي بكِ”
“… “
“لذا …”
و بشكل مفاجئ ، شد دانتي إلزي في حضنه.
لكنه هذه المرة ، لم تُفاجَأ.
بل فتحت عينيها المستديرة ، و رفعت عينيها بلطف نحو دانتي.
و بينما كان يحدق في عينيها اللامعتين ، فكر:
‘تبًّا.’
شعر و كأن قلبه يكاد ينفجر.
كيف يمكن لامرأة أن تكون بهذا الجمال …
و بمجرد النظر إليها ، تدفع قلبه للجنون.
“أنا جاد.”
همس دانتي بصوت عميق و متزن.
“أنا بخير.”
طالما كانت إلزي إلى جانبه.
أخفى ما أراد أن يقوله بعد ذلك ، و انحنى نحوها.
طبع دانتي قبلة قصيرة على شفتي إلزي.
قبلة خفيفة ، كمن ينقر ، كأن طائرًا لامسها بجناحيه.
و عندما رأى إلزي تتقبل قبلة دانتي و كأن الأمر طبيعي جدًا …
شعر و كأنه يعرف أخيرًا معنى السعادة.
و كأن حياته كلها ستكون بخير لو بقيا هكذا وحدهما إلى الأبد.
“لكن، من الآن فصاعدًا …”
ابتعد دانتي قليلًا ، و ابتسم بعينيه بمرح.
“أود لو أحتكر حبيبتي لنفسي”
عند تلك الكلمات ، ضحكت إلزي بخفة.
“حقًا ، أنت أيضًا …”
مدّت ذراعيها و لفّتهما حول عنق دانتي.
تحت ضوء المصباح الخافت ، تلألأت عيناها العسليتان كالجواهر ، محتفظة بوميض غامض.
ثم همست بصوت عذب ، كطَعم العسل ، في أذن دانتي:
“و أنت بالفعل تحتكرني”
في تلك اللحظة —
انقطع خيط عقل دانتي تمامًا.
“هذا … أنتِ من أغراني ، تعلمين ذلك؟”
ضحكت إلزي بصوت خافت ، و هزّت رأسها موافقة.
“طبعًا”
بعد ذلك … الحقيقة أن إلزي لم تتذكر الأمور بوضوح.
كل ما أدركته حين استعادت وعيها ، أنها كانت ممددة فوق سرير ضخم.
و ملأ دانتي وحده مجال رؤيتها.
عينا دانتي الحمراوان ، الداكنتان كظلمة الليل ، كانتا تنظران إليها بتركيزٍ شديد.
نظراته كانت شرسة ، و كأنها على وشك التهامها من رأسها حتى أخمص قدميها.
ثم …
‘آه …’
انحنى دانتي ، و غطّى بعينيه عنقها بأكمله.
شفتيه تلامسان المكان بين عنقها و كتفها ، ثم ينزلقان إلى حفرة عظمة الترقوة ، يحتضنها برغبة لا تنتهي.
و مع ذلك الملمس ، توتر جسد إلزي كله تلقائيًا.
صار الهواء من حولهما أثقل و كانت تلك بداية ليلة طويلة جدًا.
* * *
بعد عدة أيام-
في روضة هربرت ، أول و أشهر روضة أطفال في الإمبراطورية ، كان المكان يعجّ بالناس منذ الصباح الباكر.
فقد كان يُعقد فيها شرحٌ تعريفي عن الروضة.
و بما أنها مخصصة بشكل رئيسي لأبناء النبلاء ، و لم يكن مفهوم “روضة الأطفال” شائعًا بعد في الإمبراطورية ،
فقد نظموا هذا اللقاء التعريفي خصيصًا.
“أليس هذان هما …؟”
“إنها زوجة الماركيز أوفنهاير ، أليس كذلك؟!”
بدأ الناس يتهامسون بأصوات مكتومة.
فعادةً ، لا يحضر النبلاء بأنفسهم لقاءات تعريفيّة كهذه.
بل يرسلون وكلاء عنهم للاستماع بدلًا منهم.
لكن في هذه المناسبة ، حضر الماركيز دانتي أوفنهاير و زوجته بنفسيهما.
‘قلتُ له لا داعي لأن يتبعني …’
حاولت إلزي تجاهل نظرات الجميع.
و كانت القصة ببساطة:
أرادت إلزي الحضور بنفسها كون المكان قد يكون مستقبل جيريمي.
لكن دانتي أصرّ على مرافقتها فورًا.
بل و أكثر من ذلك —
“إذًا ، كيف تخططون للعناية بالأطفال … أوه؟”
كان دانتي على وشك التحدث بنبرة غير رسمية كعادته ، لكنه استدرك الأمر فجأة بسبب وجود إلزي بجانبه ، فغيّر طريقته في الكلام على عجل.
رغم ذلك ، بدا الأمر و كأنه مزيج عشوائي بين الرسمي و غير الرسمي.
و بدأ العرق يتصبب من الموظف الذي يقف أمامهما.
“آ … في الواقع …”
لكن تصرفات دانتي الغريبة لم تتوقف عند هذا الحد …
التعليقات لهذا الفصل "الفصل الخاص 4"