‘ولماذا بالضبط نعزز قوتنا خطوة خطوة؟ وإلى أي غاية؟‘
أن يصدر مثل هذا الكلام بهدوء كهذا، لم يكن إلا جنونًا في نظرها.
“لنقل أنني نجحت في الاستيلاء على العرش. من الذي سيتولى شؤون الحكم عندها؟“
“حسنًا، ذلك من البديهي أن—”
نظر الكونت والكونتيسة إلى إيف معًا، بينما أطلقت هي تنهيدة عميقة.
“أنا بالكاد أتحمل أعباء إدارة شؤون عائلة الكونت، والآن تريدون مني أن أدير مملكة بأكملها؟ لا تقولوا كلامًا غير منطقي.”
“الإنسان، عندما يُوضع في موقف لا مفر منه، فإنه يفعل ما يجب فعله.”
“في هذه الحالة، تفضلا أنتما وتوليا أمور العائلة بنفسيكما.”
“نحن… صرنا كبارًا على هذه المسؤوليات.”
نظرت إيف إلى والديها اللذين ابتسما بأسى وندم يملأ عيونهما، ولم يخطر ببالها وصف يليق بما رأت سوى:
“لا أمل.”
لم يكن لديهما أي خطط حقيقية. كل ما أراداه هو أن تنال ابنتهما المجد والسلطة، بلا حدود، بلا أن يعارضها أحد.
“لكن… أليس من المؤسف أن ينتهي الأمر بهذا الشكل؟“
“حتى لو كان كذلك، لا يمكننا تغيير الماضي.”
حين يخطئ من يمتلك سلطة مطلقة، فإن تلك الأخطاء تترك جراحًا عميقة لا يمكن لأي تعويض أو مواساة أن تُخفف من ألمها.
دموع الامتعاض لمعت في عيون الزوجين. وعندما رأت إيف ذلك، سادها شعور معقّد، فسكتت.
“لا بد أنكما عانيتما كثيرًا من قبل.”
في الواقع، مرّ والداها بالكثير من الصعاب حتى قبل زواجهما.
كانت والدتها هي من تقدمت بالزواج أولًا، لكن والدها ظل يرفض طلبها مرارًا.
وكان السبب يكمن في السرّ الخطير الذي ارتبط بعائلة الكونت إستيلّا.
نسل السحرة، والعدو الأول الذي تسعى الإمبراطورية للقضاء عليه.
من الذي يستطيع تقبّل فكرة مشاركة سرٍ كهذا مع من يحب، ثم يمضي ليعيش معه حياة زوجية؟
إن كنتَ تحبّ شخصًا بصدق، فلن تقدر على تحميله عبء ذلك السر.
لهذا رفض والدها عرض الزواج بشدة… لكن والدتها، حينئذ، هددت:
“إن لم تتزوجني، فسأغرق وجهي في طبق ماء وأموت!”
وبعد أن مثلت فعلًا مشهدًا وكأنها ستشنق نفسها، فقد والدها وعيه من الصدمة. وعندما استعاد وعيه، لم يجد بُدًّا من أن يبوح بالحقيقة.
“فيرونيكا… أنا في الحقيقة، من نسل السحرة.”
كان ذلك سرًا لا يمكن الإفصاح عنه بسهولة. ومع أنه كان يواجه خطر الموت، فقد اختار أن يثق بها ويكشف لها حقيقته.
اختفت والدتها لعدة أيام بعد ذلك، ثم عادت لتقول:
“لنتزوج.”
وهكذا، بعد كل تلك المنعطفات، تزوجا وأنجبا أطفالًا.
وكان طفلهما الأول صبيًا. وبما أن الذكور لا يملكون القدرة على استخدام السحر، شعر الزوجان بالطمأنينة.
“لم تُولد فتاة في عائلة إستيلّا منذ مئة عام.”
لذا، لم يخرج المولود عن القاعدة غير المعلنة في العائلة. لكن، ربما بسبب شعورهما بالاطمئنان، حمِلت والدتها من جديد.
صحيح أنهما تفاجآ، لكنهما افترضا أن الجنين سيكون صبيًا كالعادة.
لكن المفاجأة كانت… أنها أنجبت فتاة.
لأول مرة منذ مئة عام، وُلدت فتاة في عائلة إستيلّا.
ومنذ تلك اللحظة، بدأت مسيرة محفوفة بالمخاطر.
كانا يبتسمان عند ضحكات ابنتهما الصغيرة، لكن دائمًا ما كان هناك قلق يعتريهما بشأن مستقبلها المجهول.
سعادة أشبه بزجاج هشّ، قد يتحطم في أي لحظة.
عاش الزوجان في ظل هذا القلق، يخفيان السرّ ويكتمانه طوال حياتهما.
‘…أستطيع تفهّم ما يشعران به.’
عندما فكّرت في معاناتهما، شعرت إيف بمرارة في فمها.
لكن بالرغم من ذلك…
‘هذا تصرف غير مسؤول إطلاقًا!’
الشفقة شيء، والواقع شيء آخر.
لقد مرّت سبع سنوات منذ ورثت إيف شؤون العائلة.
حينها، لم يكن قد مضى عام حتى على تخرجها من الأكاديمية الابتدائية.
‘لا يجب على الإنسان أن يكون ذكيًا أكثر من اللازم.’
حتى في العمل، إذا كنت تؤدي عملك بإتقان مبالغ فيه، تنهال عليك المهام.
تعلمت من حياتها السابقة أن إظهار بعض السذاجة أحيانًا هو أمر ضروري.
لكن من كان ليتوقع أن هذا ينطبق على العائلة أيضًا؟
منذ سن الثالثة عشرة، تولّت إدارة شؤون العائلة…
تذكّرت كل ما مرّت به، ثم قالت بحزم:
“يجب أن نرضى بهذا الحد. هذا هو الأنسب لوضعنا الحالي.”
كلما فكرت بالأمر أكثر، ازداد يقينها بصحة موقفها.
* * *
بعد مرور شهر.
ذهبت إيف إلى محل الزهور المعتاد، واختارت بعض الأزهار.
كان الفتى العامل هناك يبتسم لها كعادته كلما زارتهم.
“أوه! آنسة الساحرة!”
“قلت لك لا تناديني بهذا اللقب.”
تضايقت من نبرة الصبي، فلقب ساحرة كان ملفتًا لأنظار المارة.
“هل الزهور التي تشترينها اليوم من أجل مراسم افتتاح المتحف؟“
“آه…”
عندها فقط تذكّرت إيف أن اليوم هو يوم افتتاح المتحف التذكاري لتكريم السحرة.
‘إذًا، هذا سبب الحماس والملابس الجديدة التي اشتراها والداي بالأمس.’
كانت تظن أنهما خرجا في نزهة، ثم عادا محملين بالحقائب.
اتضح لاحقًا أنها كلها ملابس وأحذية فاخرة جديدة من بوتيك شهير.
كان والداها متحمسين أكثر منها لافتتاح المتحف.
‘لكنهم كانوا يرفضون الفكرة أصلًا…’
ناس بسيطون، سريعي التغيّر.
ورغم أنها كانت تحب هذه البساطة في والديها، فإنها كانت تشعر ببعض القلق عليهم، خشية أن ينخدعوا بشيء.
نظر إليها الصبي ببريق أمل، ظنًا منه أنها ستشتري المزيد من الزهور.
كانت نواياه التجارية واضحة، لكن إيف هزّت رأسها.
“معذرة… لكن لا أنوي حضور الافتتاح.”
“حقًا؟! لماذا؟ إنه متحف لتكريم السحرة!”
تفاجأ الصبي، ليس لأنه لن يبيع الزهور، بل لأن بطلة الحدث نفسها لن تحضر.
“أنتِ لن تحضري؟!”
“نعم.”
ردّت بهدوء، ثم تحركت نحو زاوية في المحل.
المكان الذي وقفت أمامه كان مزدانًا بأزهار الليسيانثِس المتفتحة ببَهاء.
“أعطني أفضلها، من فضلك.”
“ن–نعم!”
ناولها الفتى الأزهار المغلَّفة بخفةٍ واعتداد، وقد اعتاد تلقي طلباتها، وكانت الأزهار من نوع ليسيانثِس بحالة نضرة ومنتعشة. لكن وجهه كان مفعمًا بالفضول وخيبة الأمل.
“هذا النوع من الزهور عادةً ما يُشترى عند التقدّم لخطبة أحدهم… هل لي أن أعرف لمن ستهدينها؟“
“لا.”
“حاضر.”
قطعت إيف حبل فضوله بجواب حازم.
كان فتىً مجتهدًا، لكنها رأت فيه ميلًا مفرطًا للتطفّل.
وخاصةً عندما يتعلّق الأمر بها بصفتها ساحرة، كان لا يتوانى عن نشر الحكايات هنا وهناك.
نظرة خفيفة إلى وجهه الكئيب جعلت شيئًا من قلبها يلين، ففتحت فمها قائلة:
“…هناك شخصٌ أنتظر عودته.”
“ساحرتنا؟ آه… لعلّه السيد إيلا؟“
كان صبيًا حادّ الملاحظة، على ما يبدو.
إيف لم تؤكد ولم تنفِ، واكتفت بتسلم الأزهار ودفع الثمن، ثم غادرت محل الزهور بخطًى خفيفة.
كانت العربة التي صعدت إليها تشقّ طريقها الآن نحو قصر دوقية لودفيغ.
فبعد أن طالت غيبوبة باليريان، قام الدوق بنقله من القصر الإمبراطوري إلى داره، معللًا بأن قصره ينعم بضوء شمس أوفر.
“ضوء الشمس، إذًا؟“
وكأنه يتعامل معه كأنه نبتة!
فكّرت إيف بتهكّم، وإن كان باليريان نباتًا، وإن كان يُشبه الزهرة التي بين يديها الآن… فلا شك أنه سيكون زهرة عباد الشمس.
لم تستطع منع ابتسامة صغيرة من التسرب إلى وجهها، فخصاله تتماشى تمامًا مع زهرةٍ تعشق الشمس.
بل وحتى المعنى الرمزي لتلك الزهرة هو “الحب الأبدي“.
وهي… كانت على وشك أن تقطف زهرةً كهذه بيديها.
“……”
حدّقت خارج النافذة بوجه خالٍ من التعبير، تراقب المارّة وهم يتبادلون الضحكات.
ومع مرور الوقت، ظل هو غائبًا عن الوعي، بينما استمر العالم في الدوران دون توقّف.
إيف بدورها واصلت حياتها تزوره في النهار، وتعود لعملها في قصر الكونت ليلًا.
لم يكن غيابه المؤلم بالقدر الذي تخيلته… لكن الإحساس بالخواء في قلبها كان شيئًا لا يمكن إنكاره.
كأن العالم الملوّن الذي اعتادت رؤيته قد تحوّل فجأة إلى لوحة باهتة بلا حياة.
فجأة، انسابت دمعة بصمت على خدّها.
“لقد وصلنا.”
مسحت إيف دمعتها عند سماع صوت السائق، ثم دخلت قصر الدوق بهدوء.
لم يكن في وجهها أي أثر للحزن، كأنها لم تبكِ قبل لحظات.
طرقت باب غرفة باليريان ثم فتحته، وأمل صغير وميض في عينيها.
ربما… يكون قد استيقظ؟ ربما سيرحب بها بنفسه؟
لكن الواقع لم يكن رحيمًا.
“صباح الخير.”
كان الطبيب المرافق جالسًا إلى جوار باليريان، الذي لا يزال ممددًا بعينين مغمضتين.
رفع رأسه ورحّب بها وكأن الأمر أصبح جزءًا من الروتين اليومي.
“شكرًا على مجهودكِ اليوم أيضًا. كيف هي حالته الآن؟“
سألته إيف بهدوء، فأجاب الطبيب بهز رأسه نافيًا.
“لا جديد.”
“فهمت…”
حاولت إيف ألا تُظهر خيبة أملها، وأقنعت نفسها بأنه سيستيقظ يومًا ما. لكنها لم تنجح تمامًا في إخفاء الانكسار الذي خيّم على ملامحها.
راقبها الطبيب بطرف عينه، ثم قال:
“سأترك لكِ الغرفة لبعض الوقت.”
“شكرًا لك، تفضل.”
غادر الطبيب الغرفة بخطى هادئة، وعلى وجهه ارتسمت ابتسامة خفيفة لم تلحظها إيف، رغم أنها لم تكن خافية تمامًا.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 99"