( لو فيه حد يسأل عن ايش صار بين إيف والشيطان آس في معركتهم، الرواية ما كتبت التفاصيل يمكن بسبب الدموية)
– طَرق طَرق.
دوّى صوت طرق الباب في قاعة استقبال الإمبراطور، فدخل أحد الخدم حاملاً رسالة.
تبادل الإمبراطور وزافيير نظرات متعجبة.
“ تقول إنها الآنسة إيف إستيلا، ابنة الكونت.”
نظر الاثنان إلى الساعة. كانت العقارب تشير تمامًا إلى الثالثة.
تذكّر زافيير جدول المواعيد ثم تساءل:
“ هل كان موعد مقابلة الآنسة إستيلا في الثالثة؟“
هزّ الإمبراطور رأسه نفيًا.
كان زافيير أيضًا يعتقد أن اللقاء مع الآنسة إستيلا مقرر في الساعة الرابعة، أي بعد ساعة من الآن.
“ يبدو أنها طرأت عليها حاجة ملحة. أدخلها.”
“ أمرك، جلالتك.”
انحنى الخادم بأدب وغادر، ثم دخلت إيف إلى قاعة الاستقبال.
“ هاه… هاه… جلالتك، مساء الخير…”
لكن بدا عليها شيء غير طبيعي.
كانت تلهث، غارقة في العرق، وكأنها ركضت من مكان بعيد دون أن تأخذ نَفَسًا.
وقف زافيير فجأة وهو يحدّق بها بقلق:
“ هل حدث شيء؟“
لم تكن إيف من النوع الذي يهرع على هذا النحو بلا سبب، لكنها هزّت رأسها نفيًا.
“ ل… لا. هاه… خفت أن أتأخر على الموعد، فركضت… كح كح…”
“ ولهذا وصلتِ قبل الموعد بساعة كاملة؟“
رفع الإمبراطور حاجبيه، ونظر إلى الساعة بدهشة.
نادراً ما يأتي الناس، حتى أكثرهم التزامًا، إلى قاعة الاستقبال قبل موعدهم بساعة كاملة.
“ ماذا؟ ساعة؟!”
ردّدت إيف بدهشة، ملامحها فارغة تمامًا. فهم زافيير ما يجري من نظرتها.
‘ يبدو أنها أخطأت في حساب الوقت.’
لم يكن مستغربًا. ففي كل اللقاءات السابقة، حين ناقشا أمر الخطوبة المزيفة، كانت دائمًا ملتزمة بالوقت بالدقيقة.
ولا يمكن أن تكون قد قررت الحضور إلى لقاء مع الإمبراطور قبل الموعد بساعة عن طيب خاطر.
“ أظن أنها خافت أن يكون جلالتك قد استدعيتها لأمر طارئ، فجاءت مسرعة.”
تدخل زافيير مبررًا، فهزّت إيف رأسها مؤكدة.
“نعم … هذا صحيح …”
لكن أنفاسها بقيت مضطربة.
‘ سأقتله.’
كانت تزمّ شفتيها في سرها، تستشيط غضبًا على نواه.
“ سأترككم الآن، جلالتك.”
قال زافيير وهو ينحني.
“ حسنًا، يمكنك الانصراف.”
استدار زافيير وغادر بخطوات واثقة. لم تنسَ إيف أن تلقي عليه نظرة امتنان وهو يمر بجانبها.
ثم تنفّست الصعداء، وبدأت تُطلق لخيالها العنان:
‘ لقد جعلني أتدرب مثل الكلاب.’
وشرعت تتخيل كيف ستنتقم من نواه، مرحلةً بعد مرحلة. بدأت باللكم وانتهت بتصوّره ممزّق الأوصال ومطروحًا أرضًا.
لكنها ابتسمت ظاهريًا برقة:
“ ما سبب استدعائك لي يا جلالتك؟“
“ آه، تفضلي بالجلوس، آنسة إستيلا.”
كان هذا تمهيدًا لحديث طويل.
وكانت إيف قد توقعت فحوى الحديث مسبقًا.
‘ لابد أن له علاقة بالمملكة المُقدسة.’
حين فكّرت في عائلتها والخدم الذين ظلوا متوارين كالمجرمين، وفي أفعالها الحمقاء مع باليريان، لم يكن هذا اللقاء محببًا لها.
لكنها كانت تعلم أنه لا بد أن تواجه الأمر عاجلاً أم آجلاً. ولم يكن هذا وقتًا لتترك مزاجها يؤثر على تصرفاتها.
نظر إليها الإمبراطور، وبدأ يتحدث بهدوء:
“ أجل… أعلم جيدًا أنكِ أنتِ وعائلتكِ، عانيتم كثيرًا في الآونة الأخيرة.”
“… أشكر جلالتك على تفهمك.”
لم تستطع أن تنكر الأمر، فقد مرت بالكثير من المحن والمصاعب.
شكرت له كلماته، وجلست تنتظر ما سيقوله لاحقًا. وقد كاد الإمبراطور أن يبتسم من رد فعلها الصادق.
ليس لأنه يستخف بما جرى، بل لأنه بدأ يفهم لماذا يكنّ زافيير لإيف كل هذا الإعجاب.
لكنه أيضًا كان يرى بوضوح أن هذا الإعجاب من طرف واحد، فبعث بتنهيدة خفية من قلبه لزافيير.
“ وأعلم كذلك أن لكِ فضلًا كبيرًا في تجنّب كارثة كادت تهزّ الإمبراطورية. ولهذا أود أن أكافئك بمنحك لقبًا وأرضًا.”
“… هل تقول إن جلالتك تودّ منحي تكريمًا رسميًا؟“
أومأ الإمبراطور برأسه.
أن يُكرَّم أحدهم من قبل الإمبراطور بنفسه يُعد شرفًا عظيمًا، ووجب عليه أن يُبدي الامتنان ويذرف الدموع.
لكن إيف لم تفعل ذلك.
فهي تعلم أن حالها لا يشبه حال سائر النبلاء.
“ لقد فعلت فقط ما يجب علي فعله كمجيدة في السحر. وإن أردت حقًا منح المكافأة، فامنحها لباليريان عندما يستفيق.”
كان في كلامها نبرة خفية.
رفع الإمبراطور حاجبه قليلاً وهو يحتسي الشاي.
كلماتها كانت توحي بالتواضع، لكن مضمونها رفض مهذب، وهو فهم ذلك تمامًا.
وخاصةً قولها “ فعلت فقط ما يجب علي فعله كمجيدة في السحر” كان بمثابة تصريح واضح.
‘ كما توقعت، آراؤها مختلفة.’
وعاد بذاكرته إلى ما جرى بالأمس.
في فترة ما بعد الظهيرة، استدعى الإمبراطور والديها إلى القصر.
وأبلغهم أنه سيمنحهم لقبًا وأرضًا كمكافأة على ما قدموه.
فرح الوالدان كثيرًا، ليس من أجل المال، بل لأنهما أخيرًا لن يضطرا للاختباء كالخارجين عن القانون.
‘ كنت أعلم أنهما طيبان وساذجان… لكن ليس لهذا الحد.’
ورغم سلاسة سير الأمور، شعر الإمبراطور بشيء مريب، فقرر استدعاء إيف نفسها.
فهي المعنية الحقيقية بكل ما حدث، أكثر من والديها.
وكما توقع، فهمت إيف ما بين السطور، ورفضت المكافأة بطريقة ملتفّة.
‘ يبدو أن الكونت وزوجته لم يخبروا ابنتهم بعد.’
وظهرت تجاعيد صغيرة عند زاوية عينه، ثم تكلم مجددًا بعد أن تردد قليلًا:
“… أشعر بالخجل حقًا. وأرغب في تقديم اعتذار صادق عن كل ما حصل.”
ثم أضاف:
“ وأريد أن أعلم ما الذي قد يُرضيكِ، لأتمكن من إيصال اعتذاري على أكمل وجه.”
كان صوته أكثر دفئًا، وشعرت إيف أن سؤاله نابع من نية صادقة.
وقد فهمت من نظرته أنه يريد منها أن تكون صريحة.
فغرقت في التفكير.
“هممم …”
وفي تلك اللحظة…
راودها مشهد رأته داخل السجن، سحر الوهم من ماضي السحرة قبل مئة عام.
— “ ليا! ليا لوسيّيلا!”
أصوات نساء تنادي بثقة وصلابة.
كان السحرة يسرعون الخطى خلف إيف، يحثّونها على الإسراع في محاولتهم لإنقاذ القديسة.
وما إن تقدّموا حتى انقضّت عليهم جحافل الشياطين محاولةً عرقلتهم.
غير أن السحرة واجهوهم بوجوه لا تعرف الخوف، بثبات لا يتزحزح، دون أن يظهر على أيٍّ منهم أدنى تردد أو رغبة في التراجع.
‘ لقد كانوا شجعانًا بحق.’
حتى وهي تعلم أن ما تراه مجرد وهمٍ سحري، لم تستطع إيف أن تمنع نفسها من الارتجاف أمام منظر الشياطين المتدفقة دون انقطاع.
لكن السحرة لم يكونوا مثلها.
ربما كانت شجاعتهم تلك نابعة من إيمانهم العميق بأنهم يقاتلون لأجل أمرٍ صائب، لأجل قضية يؤمنون بها تمامًا.
لكن الإمبراطورية… تخلّت عن أبطالها الحقيقيين.
‘ إن اكتفيتُ الآن بتسلُّم لقبٍ وأرضٍ مقابل ما حدث…’
فكما يتراكم الغبار على غلاف كتاب قديم حتى يبهت لونه، ستبهت تضحية أولئك الأبطال مع مرور الوقت وستُنسى.
كل ما سيبقى، هو أن التهمة زالت عنها فقط.
وحين استقر القرار في قلبها، لم تعد بحاجة إلى وقتٍ للتفكير.
فقد أصبح واضحًا لها ما الذي عليها أن تطالب به من الإمبراطور.
قالت إيف بحزم، وقد رفّت جفونها قليلًا:
“ كل ما أريده… هو أن تُخلّد ذِكرى ما فعله أولئك السحرة.”
هزّ الإمبراطور رأسه بجدّية، وقال بصوت هادئ:
“ ليكن، سأجعل الأمر كذلك.”
✦✦✦
حين عادت إيف إلى غرفة المرضى، أطلقت نظرة ثاقبة تمسح أرجاء المكان كما تفعل الضباع وهي تبحث عن فريسة.
“ هرب بسرعة، ذلك الوغد.”
تمتمت بغيظ، وهي تضغط على أسنانها. لا شكّ أن نواه قد شعر بالخطر وفرّ قبل أن تراه خوفًا من انتقامها.
وبأنّة ثقيلة، جلست بجانب باليريان.
كان الوسيم النائم مستلقيًا تحت ضوء الشمس، وكأنه غارق في حلم هادئ.
“ متى ستستيقظ، يا ريان؟“
لقد مضى أكثر من أسبوعين منذ أن فقد وعيه.
قالت وهي تجلس قربه وتبدأ بسرد ما جرى اليوم:
“ اليوم، استدعاني جلالة الإمبراطور.”
كانت تحدثه كما لو أنه يستطيع سماعها، إذ سبق أن سمعت أن من هم في غيبوبة يستطيعون أحيانًا سماع الأصوات من حولهم.
لكن رغم ذلك، لم تستطع طرد ذلك الإحساس بأنها تكلّم الفراغ.
كان قلبها مثقلًا، لكن صوتها خرج رقيقًا ومشرقًا.
لم تكن تريد لصوتها أن يحمل شيئًا من الحزن، حتى لو كان يسمعها.
أما زافيير، فكان واقفًا كالصخرة يتابع المشهد من خلف الباب الموارب، وقد وصل إلى هناك صدفة.
“ أرجوك يا جلالتك، امنع شقيقتي من التصرّف بهذه الطريقة.”
هذا ما كان نواه موظف جمع الضرائب في القصر الإمبراطوري، يقوله لزافيير في كل مرة يلتقيه فيها، متوسلًا منه أن يردع أخته التي تبالغ في انفعالاتها.
تلك الكلمات دفعت زافيير لزيارة باليريان بنفسه، ليطمئن على حاله.
لكن على عكس ما توقّع، لم يكن حاله سيئًا إلى تلك الدرجة.
بل بدا وكأنه يمكن أن يفتح عينيه في أي لحظة.
‘ إذًا… كانت هذه هي حقيقة مشاعرها.’
لم يرَ في تصرّفات إيف شيئًا من التصنّع أو الدراما، بل رأى صدقًا صافياً يفيض من قلبٍ يُحبّ.
لم يكن ما تفعله مبالغًا فيه كما قال نواه، بل كان انعكاسًا صادقًا لعاطفة عميقة.
أطال النظر إليها، ثم ابتسم بهدوء.
ابتسامة مريرة… لأنها موجّهة إلى نفسه.
إلى قلبه الذي أحبّها في الخفاء، دون أن يحصد شيئًا.
وبعد أن طوى مشاعره بصمت، استدار مغادرًا. وفي طريقه، رفع رأسه إلى السماء.
كان النهار خريفيًّا، والسماء زرقاء بشكلٍ قاسٍ في صفائها.
… وكأنها تجهل كل ما يجري تحتها.
________
ترجمه: سـنو
واتباد :
@punnychanehe
واتباد الاحتياطي:
punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 98"