– أهه… هييك… استيقظي، إيف أوني!
وسط ضبابٍ ثقيل من اللاوعي، صدح صوت مألوف في ذهن إيف كأنّه صدى بعيد يتردد في أعماق رأسها.
ارتجفت جفونها الثقيلة قليلًا قبل أن تفتح عينيها بصعوبة.
رمشت ببطء، وما إن بدأ نظرها يستعيد وضوحه تدريجيًا حتى ظهرت أمامها امرأة بشعرٍ أسود.
“…يوري؟ “
– هييك …
وما إن رأت يوري أن إيف استعادت وعيها حتى انفجرت بالبكاء.
جلست إيف بصعوبة، تحدق من حولها في حيرة، لا تفهم ما الذي يحدث.
“… هل… استيقظتِ؟“
قال لوغان بتردد، وكأنّه لا يعرف كيف يبدأ.
نظرت إليه إيف وقد استعادت وعيها تمامًا، ولكن بشرود.
ثم فجأة، اجتاحها شعور قوي بالريبة، فبدأت تفتش المكان بعينيها بسرعة.
“… باليريان؟“
لم يكن هناك.
كادت تسأل لوغان ويوري عنه، لكنها توقفت قبل أن تنطق.
الوجوم المظلم على وجهيهما بعث في قلبها نذير سوء.
“ انتظري، أنتِ… كيف خرجتِ من الحاجز؟“
نظرت إلى يوري أخيرًا، وقد لاحظت وجودها خارج الحاجز السحري.
“ باليريان… هو من أنقذني.”
تجمدت إيف.
ذلك الاحتمال الذي تمنّت في أعماقها أن يكون مستحيلًا… خرج الآن من فم يوري نفسه.
بمجرد أن سمعت ذلك الاسم، شعرت وكأن الزمن توقف.
‘…ماذا؟ ‘
باليريان؟ هو من كسر الحاجز وأنقذ يوري؟
هو، الذي لا يستطيع حتى استخدام السحر؟
‘ هذا… غير معقول…’
أرادت أن تضحك وتقول إن الأمر مجرد مزحة سخيفة، لكنه لم يكن كذلك.
لو كان كذلك، لكانت كل خلية في جسدها الآن لا ترتعش بهذه الطريقة…
“… مهلًا، ما هذه الدماء؟“
لمّا رأت بقع الدم منتشرة حول الحاجز، شحب وجهها على الفور.
والتزم كل من يوري ولوغان الصمت.
“ ما الأمر؟! أجيباني!”
دقّ قلبها بعنف حتى شعرت أنه سينفجر.
صاحت بصوتٍ حاد ومضطرب تطلب جوابًا.
لكن رغم ضجيج أنفاسها، بدأ كل شيء يهدأ فجأة.
“… باليريان، أليس كذلك؟“
سألت وهي تمسك بذراع لوغان، وبنبرة يغالبها البكاء.
حتى لو كانت يوري لا تدري بسبب فقدانها للوعي، فلوغان كان سليمًا نسبيًا، ما عدا بعض الجراح السطحية.
لابد أنه رأى كل شيء.
“…لا أعلم .”
تهرّب لوغان من الإجابة.
لكن إيف كانت قد فهمت بالفعل، وسقطت يدها المرتجفة إلى الأسفل كأنها فقدت كل قوتها.
وشعرت بأن قلبها هو الآخر هوى معها إلى القاع.
‘لا أصدق …’
كل ما يحدث بدا لها كأنه حلم. بل كابوس مريع لا ينتهي.
‘ لم أعتذر له كما يجب… ولم أخبره بما في قلبي…’
أن ينتهي كل شيء هكذا، بهذه البساطة؟
رفضت تصديق الواقع.
لا، من المستحيل أن يكون باليريان قد مات.
همست، وقد سيطر عليها الذهول:
“ باليريان… هو البطل، لا يمكن أن يموت هكذا…”
هكذا كانت تراه. بطل الرواية في قصة، مهما تعرض للأذى، ينهض دومًا من جديد.
“… آنسة إستيلّا.”
لوغان ويوري تبادلا نظراتٍ حائرة، وقد بدا أنهما لم يسمعا ما تمتمت به إيف.
“إيف .”
كانت تجلس على الأرض تحدق في الفراغ، حين سمعت صوتًا يأتي من خلفها.
نهضت فجأة، لكنها فقدت توازنها، ولولا أن أحدهم أمسك بها ببراعة، لسقطت أرضًا.
ذلك العطر المألوف… كان دافئًا وحنونًا، كأنّه يجسّد الشخص الذي لطالما شعرت بالراحة قربه.
فتحت إيف شفتيها المرتجفتين:
“ باليريان… أهذا أنتَ حقًا؟“
“ إيف، ألم تنسي مجددًا؟ قلت لكِ أن تناديني بـ ريان.”
كان صوته دافئًا كأشعة الشمس، ونبرته رقيقة…
نعم، كان هو.
دفعته إيف من بين ذراعيه بسرعة، وبدأت تتفحص ملامحه بأصابعها المرتجفة.
وكأنها تتأكد أنه ليس وهْمًا… بل هو حقًا أمامها.
نعم، كان هو. عيناها بلونهما الياقوتي بدأت تترقرق فيهما دموع خفيفة.
قالت إيف بصوتٍ مختنق بالبكاء:
“ ظننت أن شيئًا فظيعًا حدث لك بسبب تعويذة الحماية…”
فضحك باليريان برفق وأجاب:
“ هاه، قلتيها وكأنها كارثة كبرى… لقد كنتِ تقلقين بلا داعٍ.”
أرادت أن تبتسم كما ابتسم، لكنها لم تستطع.
كان هناك شعور غريب يلفّها، قلق غامض لا اسم له.
‘ ما هذا الإحساس؟‘
كان من المفترض أن تشعر بالراحة وتبتسم لمجرد أنها تأكدت من أنه لا يزال على قيد الحياة، لكن شيئًا غامضًا راح يعتصر صدرها ويمنعها من الضحك.
ولم تمضِ لحظات حتى أدركت إيف مصدر ذلك القلق الذي ينهش داخلها.
“ باليريان… هل أنت مريض؟“
بدا عليه الشحوب بوضوح.
أمسكت بيده بحذر، وإذا بها تبرد كالثلج.
رجلٌ وُلد وهو يحمل قوة الشمس، جسده أكثر دفئًا من الآخرين… والآن، يده أبرد من يدها؟
“ لا، انتظري لحظة فقط… سأخرج قليلًا.”
محاولته المفاجئة للمغادرة بدت مريبة أكثر من أي وقت مضى.
أمسكته إيف بسرعة.
“ سأذهب معك.”
لكن باليريان هز رأسه.
“ إيف، عليكِ أن تبقي بجانب يوري حتى يحين وقت الخسوف. سأكون في الجوار لأراقب الوضع.”
فتح البوابات بين العوالم لا يمكن أن يتم إلا في لحظة اتحاد قوى القمر والشمس، أي وقت الخسوف الكلي.
كان ما قاله منطقيًّا، لكنه… لم يكن على ما يرام.
أصرت إيف، لذا لم تطلق سراحه.
“ لو بقينا معًا، لكان من الأسهل حماية يوري.”
كانت تحاول إقناعه عندما قاطعها فجأة.
“كح، كح …”
أدار رأسه جانبًا، وضع يده على فمه، وبدأ يسعل بشدة.
تجمد وجه إيف من الذعر.
كان الدم يتسرب من بين أصابعه.
“… ما الذي يحدث لك؟“
“… هاه، لا شيء. لا داعي للقلق.”
“ اتفقنا من قبل أن نكون صادقين دائمًا، أليس كذلك؟ أنا أقول الحقيقة دائمًا، وأنت كذلك!”
صرخت إيف بشدة وقد نفد صبرها.
بادر لوغان بالكلام قلقًا:
“ إن رفعتِ صوتك أكثر، قد تجذبين الشياطين إلى المكان—”
[ إييلو.]
دون تردد، شكّلت إيف جدارًا من الجليد عند المدخل.
كان قويًا وسميكًا بما يكفي لصد أي شيطان عادي.
الآن، لم تكن الشياطين هي ما يشغلها.
استند باليريان إلى الجدار وهو يلهث.
“ سأكون بخير بعد قليل من الراحة. فلا تقلقي يا إيف.”
‘…الحاجز .’
عرفت إيف فورًا السبب.
ذلك الدم الغزير حول الحاجز… لم يكن لأي شخص، بل كان دمه هو.
وكم كانت تتمنى للمرة الأولى أن تكون مخطئة.
لكن الواقع كان واضحًا وقاسيًا.
لم تستطع إنكار الحقيقة.
إن باليريان دمّر جسده وهو يخترق الحاجز.
عضّت شفتيها بقوة.
ذلك القدر من الدم… لا يمكن أن يخرج من جسد شخص واحد.
لذا لم يكن من المستغرب أن يفقد وعيه في أية لحظة.
كان قد انزلق إلى الأرض جالسًا مستندًا إلى الجدار يرمش بعينين ثقيلتين.
“ سأستريح قليلًا فقط… آسف يا إيف. لم أتمكن من حمايتك.”
“… ماذا تقصد؟“
كيف يقول إنه لم يتمكن من حمايتها؟ كانت على وشك أن تنهره لأنه يهذي بكلام غير منطقي…
لكن جفونه بدأت تنغلق ببطء.
أمسكته إيف بذعر من كتفيه.
كان على وشك أن يغيب عن الوعي.
“ر …ريان !”
“ فقط… للحظة قصيرة. إن أغمضت عينيّ، سأكون بخير. أنا أعلم بحالي أكثر من أي أحد… فلا تشغلي بالك يا إيف.”
“ باليريان! استيقظ!”
لكن صوته انقطع، وجفونه أغلقت بالكامل.
تصلبت إيف في مكانها، عاجزة عن الحركة.
بدا وكأنه نائم بسلام، لكن ما شعرت به إيف وهي تنظر إليه كان أقرب إلى نهاية العالم.
جسدها كله راح يرتجف بلا توقف.
ماذا عساها أن تفعل الآن؟
“… باليريان، لا…”
رنّ صوت يوري المرتجف بجوارها، لتضيء نظرة أمل في عيني إيف الحمراء.
‘ نعم! يوري ما تزال هنا!’
بطلة القصة الأصلية، والقديسة المختارة.
إن كانت هناك أي فرصة لإنقاذ باليريان، فهي الوحيدة القادرة على ذلك.
بل، هي من أنقذته في القصة الأصلية بعد إصابته على يد ليليث.
“ يوري، أرجوكِ… عالجيه. أرجوكِ!”
أمسكت إيف بيد يوري وتوسلت بإخلاص.
“… لا يمكنني ذلك.”
شحب وجه يوري، وأجفلت وهي تهز رأسها.
توترت إيف أكثر.
“ ه– هل تكرهينني لهذه الدرجة؟ إن كنتِ غاضبة، فأنا من أخطأ! أعتذر بكل صدق… إن أردتِ، سأركع أمامك!”
كادت تركع بالفعل، لكنها أوقفتها مذعورة.
“ ل– لا! لستِ المخطئة يا إيف أوني! كل هذا حدث بسبب سوء فهمي فقط!”
“ إذن ما المشكلة؟!”
سألتها إيف بانفعال، غير قادرة على فهم ترددها.
الوقت لا يسمح بالمماطلة.
إذا اقتحم الشياطين المكان الآن… سيكون باليريان، الأضعف حاليًا، وهو أول من يُستهدف.
“ في الحقيقة… لقد استنفدت الكثير من قواي حين أنقذت حياتكِ يا إيف أوني…”
“… ماذا قلتِ؟“
اتسعت عينا إيف في ذهول، ويوري لم تستطع الاسترسال بالبكاء.
فتدخل لوغان لشرح الموقف.
بعد أن تعرضت إيف لسم كبير أطلقته رئيسة الكهنة، هرع باليريان لإنقاذها وأحضر القديسة يوري.
وحين أدرك أنه أصيب بجروح قاتلة لن تمكنه من القتال، طلب من يوري ألا تخبر إيف بحالته.
مع كل كلمة، كانت إيف تغرق في صدمة أكبر.
كل ما حدث… كان ثمنًا لإنقاذها.
كانت تدرك بعقلها أن لوغان صادق… لكنها لم تستطع تقبّل الحقيقة.
“ لا يمكن… لا يمكن معالجته بأي شكل؟“
“ آسفة… حقًا آسفة أوني…”
أجابت يوري باكية.
“ لماذا؟ لماذا أنقذتِني؟! أنتِ من كنتِ تحبين باليريان! كان عليكِ إنقاذه أولًا!”
لكن صوتها بدأ يخفت… لأن إدراكًا مرًّا اجتاحها فجأة.
‘ ما الذي أفعله الآن؟‘
حتى لو ألقت اللوم على يوري، فلن يعود باليريان للحياة.
“ لكن… لقد ترجّاني بكل حرارة. لم أستطع رفضه… هاه… هييك…”
كانت يوري قد استيقظت باستخدام قوة إيلا، وما إن رأت باليريان واقفًا أمامها، شعرت بسعادة غامرة.
لكن ما لبثت أن أدركت حجم الفوضى، حتى غمرها القلق.
“ أرجوكِ، أنقذي إيف. لا أستطيع العيش من دونها…”
حتى وهو يتقيأ دمًا، ترجاها باكيًا.
رأت صدقه، وشعرت به، ولم تستطع إلا أن تستجيب له.
لم تستطع إيف تحمّل فكرة أن حياتها كانت مقابل موت محبوبها.
لم تشعر بالعجز بهذا الشكل من قبل.
‘ لا… لا يمكن أن ينتهي كل شيء هكذا.’
اقتربت منه.
تذكّرت كيف أنقذها من قبل باستخدام قوة إيلا.
– تشااارغغ.
تمسكت ببصيص أمل، وبدأت تنقل إليه طاقتها السحرية.
لكن لم يحدث شيء.
لم يتحسن حاله على الإطلاق.
ذلك لأنه لم يُصب بسمٍ كالمرة السابقة، بل تضرر من الداخل بفعل تعاويذ سحرية.
“…مستحيل .”
همست إيف بيأس، تضع يدها الباردة على جبينها وهي تحاول التفكير في حل.
دموعها كانت تتساقط بلا توقف.
وفجأة، وسط هذا الجو المفعم بالحزن، دوى تصفيق في المكان.
“ هاهاهاها! يا له من مسرحية تراجيدية ممتعة! كان عليّ الحضور في وقت أبكر. من كان يظن أن أرييل ستؤدي دورًا بهذه الأهمية؟ يا لها من مفاجأة بالفعل.”
كان صوتًا سمعته إيف من قبل.
… في الزنزانة.
_________
كم نجمه وانزل الي بعده؟
ترجمه: سـنو
واتباد :
@punnychanehe
واتباد الاحتياطي:
punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 95"