حبست إيف أنفاسها لوهلة. هل ما سمعته الآن حقيقي؟ لم تشكّ يومًا في أذنيها كما تفعل الآن.
نظرت إليه، إلى ذلك الرجل الذي كان يحدّق فيها بصمت، منتظرًا ردها بعينين هادئتين، وسألته ببطء:
“ماذا قلتَ للتو؟“
فأجاب، وصوته يحمل ثقل القرار:
“إن بقيتِ على هذه الحال، سيُكشف أمرك عاجلاً.”
“…وما توصلتَ إليه بعد كل ذلك، هو أن نهرب معًا؟“
كانت كلماتها مشوشة، ليس لأنها لم تسمع ما قاله، بل لأنها لم تستوعبه.
هل قال للتو… أن نهرب معًا؟
“نعم.”
“هل فقدتَ صوابك؟“
لم تستطع إيف إلا أن تسأله ذلك. بدا وكأن كل مساميره قد انفرطت.
“أرجوك قل لي أنك لم تتعاطَ شيئًا غريبًا…؟“
أو ربما كان ثملاً؟ لكنها لم تشم منه رائحة خمر.
“أنا في قمة وعيي، وأكثر عقلانية من أي وقت مضى.”
“لا، لست كذلك يا باليريان… أنت الآن شخص مجنون تمامًا.”
“إن كان قتلُكِ هو التصرف العقلاني، فأنا أفضّل أن أكون مجنونًا.”
صمته المليء بالصدق جعل إيف عاجزة عن الرد.
لم تدري إن كان يجب عليها أن تضحك أم تبكي، وهو واقف أمامها دون أن يسل سيفه المقدس.
“هل أنت… جاد؟“
لم يجب.
ومن ذا الذي سيمزح في موقف كهذا؟ كانت تدرك أن سؤالها ساذج، لكن كلماته نزلت عليها كضربة هراوة.
‘نهرب سويًا؟‘
أمر لا يُصدّق. إن هربت معه، فلن يكون بعد اليوم سوى فارٍّ مثلها.
لم تكن لتسمح بأن ينتهي حال باليريان على هذا النحو.
صحيح أن عائلتها أخفت هويتها الحقيقية، لكن باليريان لم يكن له ذنب سوى أنه خطبها مخدوعًا.
قالت بصوت مختنق:
“لا تفعل هذا، لا يصح… لا يجوز يا ريان.”
كانت ممتنّة لمشاعره، لكنها لم تستطع القبول بأن يرميا نفسيهما من الجرف معًا.
“فكر في من سيبقون خلفك يا باليريان.”
“إيف… أنتِ تجعلين الأمور أصعب عليّ.”
رمقها بنظرة مضطربة، كأنها تزعزع قناعته بكلماتها.
قبل أن يأتي إلى هنا… في ليلٍ عميقٍ نام فيه كل شيء، ظلّ عالقًا في دوامة أفكاره.
السبب؟ حقيقة واحدة.
إيف إستيلّا… شيطانة.
هذه الحقيقة وحدها زلزلت كيانه كله.
ما من أحدٍ في الإمبراطورية يعرف الشياطين أكثر منه.
لقد عايشهم منذ طفولته، ورأى كم هم عبيدٌ لرغباتهم.
فمن الطبيعي أن يظن أن إيف اقتربت منه لهدفٍ ما.
كما اقتربت منه شيطانة أخرى من قبل، وكان دافعها جليًا.
لكن نظرات إيف الآن… كانت مختلفة، مشبعة بالقلق، صادقة على نحوٍ غريب.
‘وإن كان كل هذا تمثيلًا؟‘
فهو تمثيل بارع، لا شائبة فيه.
والمشكلة الحقيقية… أنه يريد تصديقها، حتى لو كان يعلم أنها تكذب.
إن كانت كلماتها ومشاعرها وحتى حبها السابق له، كانت كلها كذبة… فذلك أشبه بالغرق في مستنقع من الوهم.
اختناق… لا يُحتمل.
كان يود لو يستطيع تجاهل الحقيقة.
لو أنه لم يعرفها من البداية.
لكنه عرف… ولم يعد بالإمكان أن يُغمض عينيه.
‘الشيطان يستحق الموت.’
لكن هذه القناعة… بدأت تنهار داخله.
“لماذا ابتعدتِ عني فجأة؟“
سؤاله المفاجئ جعلها تصمت لبرهة، ثم قررت أن تبوح.
“لأني… لم أكن أريد أن أموت على يديك.”
فقال، بنبرة هادئة:
“كان يمكنكِ قتلي أنتِ إذًا.”
“ماذا؟“
اتسعت عيناها بدهشة. هل قال لتوّه إنه يريدها أن تقتله؟
نظرت إليه مشككة، لكنه بدا جادًا، شفاهه مشدودة ونظراته ثابتة.
“كيف… كيف لي أن أقتلك؟“
همست، ويدها ترتجف دون وعي.
لم تكن المسألة مسألة قوة… بل قلب.
هي لم تكن قادرة على قتله.
منذ اللحظة التي وقعت فيها في حبه، لم يتغير ذلك.
هو تنهد، ضاحكًا بسخرية مرة.
“كلامك حلو كفاية لفهم سبب طرد حواء من الجنة.”
حيرها تشبيهه المفاجئ.
حواء… وشجرة المعرفة.
الأسطورة المعروفة في الإمبراطورية!
كيف أكلت حواء من الثمرة المحرّمة، وخالفت أمر الرب، وطُردت.
لكن ما دخل ذلك الآن؟
ابتسم، بابتسامة مائلة تحمل مرارة.
“أعرف أن كلماتك ليست صادقة… لكني أتمنى تصديقها. يا لي من أحمق.”
لم تكن قد استوعبت الأولى حتى صدمها بالأخرى.
“أحمق؟ وكلماتي ليست صادقة؟ ما الذي تقصده؟“
كان كلامه مهينًا بعض الشيء.
كيف عرف إن كانت صادقة أم لا؟
“وهل يكذب من يواجه الموت؟“
“إن لم يكن بشرًا، فربما.”
رمقها بنظرة حادة كالسكين.
فكتمت غيظها، وقالت:
“حتى لو لم أكن إنسانة، لدي مشاعر… مثل أي أحد!”
ألمها كان حقيقيًا… أن تُحكم بناءً على هويتها فقط، وكأنها مخلوق بلا قلب.
عندما رأى عينيها تلمعان بالدموع، مدّ يده، ولطّف وجنتها بأصابعه.
فارتجفت، وصفعته بيدها لتدفعه بعيدًا.
“هل يبدو كلامي مزحة بالنسبة لك؟“
“لا، ولم يبدُ لي الأمر كذلك ولو للحظة.”
‘وهنا تكمن المشكلة الحقيقية.’
لكنه لم يُكمل الجملة، وابتلعها بصمت.
غير أن إيف التقطت تغيّر ملامحه.
لقد بات متطرفًا في مشاعره لدرجة أفزعتها.
‘نعم، أنا ساحرة، وأُعد خطيرة…’
لكنها لم تتوقع أن تكون ردة فعله بهذا الشكل.
شيء ما في حديثه… لا يسير في الاتجاه الصحيح.
وكأنّه… لا يراها كساحرة، بل كشيطانة.
“باليريان… إن لم أكن إنسانة، فماذا تظن أنني؟“
لم يجب. أراد أن يتكلم، لكن الكلمات علقت في حلقه.
حينها غيرت هي السؤال:
“إذن، كيف عرفت أنني لست إنسانة؟“
أجاب ببطء:
“في غابة الوحوش… عثرتُ على جثة شيطان.”
“جثة؟ هل تعني… ليليث؟“
“إن كانت تلك الشيطانة التي اختطفتك تُدعى ليليث، فغالبًا نعم.”
لكنها فكّرت في سرٍّ:
هل يمكن حقًا وصف ما فعلته ليليث بـ اختطاف؟
توقّف باليريان عن الكلام لوهلة، ثم أومأ برأسه ببطء.
أما إيف، فقبضت بقوة على طرف ثوبها بعدما سمعته يقول إنه وجد آثارًا للّيلِيث.
‘إذن، لا بد أن أثري السحري بقي هناك أيضًا…’
كانت قد قرأت في الكتب أن الجثث التي تُقتل على يد ساحر، تحتفظ حتمًا ببصمات سحره الخاص. لكنها لم تعرف هذه الحقيقة إلا بعد أن قضت على ليلِيث. غير أن ذلك وحده لا يكفي ليستنتج أحد أنها ساحرة.
‘لقد انقرضوا السحرة منذ مئة عام…’
بل على العكس، من يرى ذلك الأثر السحري قد يظنه أثرًا شيطانيًا، فيقع في الخطأ الأسهل:
‘لا، لا يمكن! هل يعقل أنه… يظنني شيطانة؟!’
صُعقت بالفكرة، كأن صاعقة نزلت على رأسها. لم يكن هذا سوء فهم بسيطًا، بل كارثيًا. ومع ذلك، لم تستطع تجاهل حدسها الذي أخذ يصرخ في داخلها بيقين:
‘باليريان… يظنني شيطانة.’
وإن كان هذا صحيحًا، فهي في ورطة حقيقية.
‘يا للجنون، كيف أمكنه أن يسيء الظن بي إلى هذا الحد؟!’
وفجأة، بدأت تفهم كل شيء. الحوار الذي دار بينهما قبل قليل أصبح مفهومًا تمامًا الآن.
‘الشيطان تجسيد للخداع والتمويه.’
ومن أدرى الناس بخداع الشياطين من باليريان نفسه، حامل نور الشمس وسيف العدالة والجلاد الذي وُكِل إليه القضاء عليهم؟ إن كان يظنها شيطانة، فلا شك أنه يرى كل ما قالته وكل دمعةٍ ذرفتها، مجرد كذب متقَن وخداع متعمد.
بل إنها أصبحت على يقين بأنه لا يظن ذلك فحسب، بل يؤمن به تمامًا.
وضعت يدها على جبينها، مأخوذة بالدوامة التي وجدت نفسها فيها.
ورغم سوء الفهم المؤلم، لم تستطع منع نفسها من التفكير:
‘لا بد أنه عانى كثيرًا، ممزقًا بين واجبه ومشاعره، وهو يظنني شيطانة…’
ثم تنهدت، ساخرة في سرّها:
‘لكن… لا، هذا غير مضحك.’
هي ليست شيطانة، لكنها أيضًا ليست بشرية. فهي ساحرة، من نسل انقرض منذ زمن. والنتيجة واحدة في نظر الناس.
جفّت ابتسامتها. وبدأت تسأل نفسها:
‘كيف يمكنني أن أزيل هذا الالتباس؟‘
الآن وقد عرفت الحقيقة، لم تستطع التفكير إلا في كيفية تصحيح هذا الظن. لكنها كانت تدرك أن الأمر ليس سهلاً. فإن حاولت أن تنكر، فلن يصدقها، بل سيظن أن هذا مجرد كذب شيطاني للنجاة.
كلما فكرت في الأمر، بدا لها أنه طريق مسدود. لم يبقَ أمامها سوى قول الحقيقة.
نادت بصوت خافت:
“باليريان…”
رفع عينيه الزرقاوين نحوها ببطء، ونظر إليها نظرة صافية، كلها انتظار.
شعرت بجفاف حلقها، وبلعت ريقها قبل أن تقول:
“أنا… لست تلك الشيطانة التي تظنني إياها.”
لكن، ما إن خرجت الكلمات من فمها، حتى أدركت أن نبرة الكلام بدت غريبة. وكأنها لم تنفِ التهمة، بل أكّدتها بطريقة ما.
حاولت أن تقنع نفسها بأنها تتوهم، لكن نظرة باليريان نحوها لم تكن واهمة… كانت مختلفة وغريبة، وكأن شكّه ازداد.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 65"