5
تأرجحت عينا باليريان الزرقاوان بلا هدف وهو ينظر إليها.
نظرت إليه إيف دون أن تهتز.
إذا أظهرت أي تردد هنا، فسيحاول باليريان إقناعها.
لذلك كان عليها أن تقطع الأمور بأكبر قدر ممكن من البرود.
ارتسمت ابتسامة متكلفة على وجهه المتصلب وهو يحاول تفسير كلامها.
“آه، إيف. إذا كنتِ متعبة جدًا، يمكننا التوقف هنا اليوم.”
كان تفكيره الإيجابي شيئًا يصعب مشاهدته بعينين مفتوحتين. توقعت إيف أنه سيجد صعوبة في تصديق الانفصال.
‘بالنظر إلى أن الأمر جاء بهذه المفاجأة.’
كان باليريان شخصًا عاطفيًا. عندما قُتل أحد رفاقه في حملة عسكرية على يد شيطان، لم يستطع تناول الطعام بشكل صحيح لفترة من الزمن.
فما بالك بخطيبته؟ توقعت مدى الألم الذي سيشعر به بسبب قرارها، لكنها هزت رأسها بحزم.
‘ليس هذا ما أقصده.’
ثم نطقت بكلمات فاصلة، لا تحتمل أي تأويل أو تفسير شخصي.
“اعتبارًا من اليوم، لن نلتقي مجددًا يا باليريان.”
ارتعشت زاوية شفتيه عند سماعه ذلك. لقد فهم. كان هذا إعلانًا صريحًا بالانفصال.
“إيف، لا أفهم ما تعنينه…”
نظرت إيف مباشرة إلى الرجل الذي لا يزال يشع نورًا كالشمس في هذه اللحظة.
كلما أقدمت على هذه الخطوة، زادت قناعتها بأنها على حق.
“هل سمعتكِ خطأ؟ إيف.”
“ستُرسل أوراق فسخ الخطبة إلى عائلتك قريبًا، يا باليريان.”
على أي حال، لم يكن من الممكن أن يستمر ارتباطهما منذ البداية. كانت ممتنة لأنها تمكنت من إنهائه الآن.
“إيف، لا أفهم. كيف يمكن أن ننفصل؟”
تأرجحت عينا باليريان الزرقاوان من جديد وهو يستعيد ما حدث مؤخرًا، متسائلًا إن كان قد ارتكب أي خطأ.
لكن مهما فكر، فقد كانا يعيشان كحبيبين طبيعيين.
“إيف، هل فعلتُ شيئًا خاطئًا؟”
“لا، لم تفعل.”
“إذًا لماذا؟”
حاول إخفاء القناع الذي بدأ بالتشقق، وارتسمت على شفتيه ابتسامة متكلفة. استعرض بيأس تصرفات إيف في ذهنه.
إن كانت لديه أي أخطاء، فإيف كانت لتشير إليها بوضوح.
لم تكن شخصًا يعبر عن استيائه من خلال إنهاء العلاقة هكذا.
إيف تابعت بصمت التغيرات التي طرأت عليه.
ظهرت الصدمة على وجهه، ثم الحيرة، وأخيرًا لمع في عينيه بريق غريب من اليقين.
“هناك شيء يحدث، أليس كذلك، يا إيف؟”
لمح بريقًا باردًا في عينيه الزرقاوين، لكنه اختفى بسرعة لدرجة أن إيف لم تلاحظه.
لم تنكر بل اكتفت بالإيماء برأسها.
“نعم، لقد حدث شيء يفرض علينا الانفصال.”
وهو أنك البطل في القصة الأصلية، بينما أنا في موقع ملكة الشياطين التي ستُقتل على يديك.
بالطبع، لم تكن تنوي قول الحقيقة.
ارتجفت حاجباها بشكل يوحي بالأسى، ثم تحركت شفتاها ببطء.
“… عائلتي أفلست.”
“……ماذا؟”
ظهر في عينيه نظرة من الذهول، لكن إيف واصلت تمثيلها حتى النهاية وهي تقول
“لذلك، إذا كنت تفكر في عائلتك… فمن الأفضل أن ننهي علاقتنا هنا. اعتنِ بنفسك يا باليريان.”
بعد أن ألقت تحيتها الأخيرة، استدارت إيف بخفة.
طقطقة.
بدا وكأن شيئًا ما سقط خلفها، لكنها لم تهتم بالأمر.
“في النهاية، لا شيء يصمد أمام المال.”
حتى لو لم يكن الأمر كذلك بالنسبة للخطوبة، فإن الزواج دائمًا ما يكون مرتبطًا بالمصالح.
خصوصًا مع دوق لودفيغ، المعروف ببروده، فمن المستحيل أن يبقى مكتوف الأيدي بعد سماع هذا الخبر.
“سيسرع في إتمام فسخ الخطبة بلا شك.”
وبذلك، سيتعين على باليريان الامتثال لرغبة والده ونسيان الأمر.
شعرت وكأن حملاً ثقيلاً قد أزيح عن صدرها، مما جعلها تشعر براحة لم تختبرها منذ وقت طويل.
“بهذا، يكون كل شيء قد انتهى بسلاسة.”
وبهذا الوهم المريح، عادت إيف إلى قصر الكونت.
* * *
مرّ الوقت بسلام.
أو بالأحرى، كان يبدو كذلك، لكن إيف كانت مشغولة للغاية طوال اليوم، إذ كان عليها تنفيذ خطتها الثانية.
بمجرد أن يتم تسجيل مستندات فسخ الخطبة رسميًا في الدوائر الحكومية، كانت تعتزم حمل أمتعتها والتوجه إلى القصر الريفي الذي أعدته مسبقًا.
“بالنظر إلى الأمر، أعتقد أن هذا يكفي من الأمتعة…”
كانت أغراضها قليلة على نحو غير متوقع لحياة في الريف.
نظرًا لأنها لن تضطر إلى حضور أي مناسبات اجتماعية، فقد استغنت عن جميع مجوهراتها وفساتينها، مما جعل أمتعتها خفيفة إلى هذا الحد.
عندها، قطع صوت مستاء أفكارها.
“……أنتِ حقًا تنوين الرحيل؟”
كان ذلك صوت نواه إستيلا، شقيقها الأكبر، والابن البكر لعائلة إستيلا.
رغم أنهما لم يفترقا سوى بعامين، إلا أنهما كانا دائمًا يتمنيان لو لم يُعرفا كأشقاء. ومع ذلك، كان الشبه بينهما شديدًا لدرجة أن من يراهما قد يظنهما توأمين متطابقين.
الاختلاف الوحيد كان لون أعينهما، حيث امتلكت إيف عيونًا حمراء، بينما كانت عينا نوح بلون الجمشت.
(الجمشت حجر كريم بنفجسي اللون)
بعد أن ظل بعيدًا عن المنزل بحجة الانشغال بالعمل، عاد فجأة دون سابق إنذار.
‘هذا الذي لا يعود أبدًا بمجرد خروجه من المنزل…’
لم تكن علاقة إيف بنواه جيدة منذ الصغر. فقد كان والداهما يفضلانها عليه بوضوح، مما جعله يفرّغ استياءه عليها بطرق شتى، متسببًا لها في الكثير من الإزعاج.
‘لكن هذا كله من الماضي الآن.’
إيف كانت شخصًا متسامحًا، أو هكذا اعتقدت على الأقل. كانت لديها من السعة في الصدر ما يكفي لتغفر ماضي شقيقها الأحمق.
رسمت ابتسامة ماكرة على شفتيها وهي تقول
“نعم، لا بد أنك سعيد جدًا، أليس كذلك؟ أختك المزعجة سترحل بنفسها، كم هذا مريح لك!”
عند كلماتها، تكدّر وجه نواه على الفور.
“نعم، أشعر براحة لا توصف!”
كان واضحًا أن لديه المزيد ليقوله، لكنه اكتفى بالنظر إليها بحدة قبل أن يدير رأسه بعيدًا.
أما إيف، فاكتفت بهز كتفيها وهي تعاود تفقد أمتعتها.
عندها، سُمع صوت طرق خفيف على الباب.
-طَرق، طَرق.
“إيف، إنه أنا.”
“تفضل بالدخول.”
عند سماع صوت والدها، ردت إيف على الفور. دخل كل من والدها ووالدتها إلى الغرفة معًا.
أمالت إيف رأسها قليلًا وسألت
“هل حدث شيء ما؟”
قال والدها وهو يمد لها رسالة
“وصلتنا رسالة من عائلة لودفيغ.”
“أوه، بهذه السرعة؟”
فرحت إيف وأخذت الرسالة بسرعة من يد والدها.
‘سيتم تسريع إجراءات فسخ الخطوبة!’
بهذا، ستتمكن من مغادرة العاصمة إلى الريف في وقت أقرب مما توقعت. لكن، كلما قرأت محتوى الرسالة، كلما اختفى الابتسام عن وجهها تدريجيًا.
‘هذه… الرسالة تحتوي على شيء غريب؟’
لم تصدق عينيها، فقرأت الرسالة مرة أخرى. لكن لا، لم يكن هناك أي خطأ، المحتوى كان كما هو.
إلى الكونت إستيلا المحترم،
أنا باولو أستريا، المشرف المالي لدوقية لودفيغ.
…(تفاصيل أخرى محذوفة)…
بأمر من دوقية لودفيغ، سيتم منح نصف ثروة العائلة إلى عائلة كونت إستيلا بدءًا من اليوم.
سيتم التعامل مع الإجراءات القانونية من قبل أفضل المحامين في الإمبراطورية، لذا لا داعي لأي قلق بهذا الشأن.
هذا مجرد دعم لتعزيز الروابط بين العائلتين، لذا نأمل أن تتقبلوه دون أي تردد، بناءً على رغبة صاحب السمو.
– باولو أستريا
كانت الرسالة مكتوبة بأسلوب مهذب ومتوازن، لكن يد إيف التي كانت تمسك بها بدأت تتعرق.
نصف ثروة عائلة لودفيغ، العائلة الأغنى في الإمبراطورية؟
كان هذا رقمًا لا يمكن حتى تخيله.
قال والدها وهو يناولها بعض المستندات
“وهذه الأوراق مرفقة مع الرسالة.”
لم تكن إيف ترغب في استلامها، إذ شعرت بقلق شديد.
‘لماذا يفعلون هذا؟!’
لو أنهم فقط وافقوا على فسخ الخطوبة بهدوء، لكان ذلك أفضل!
في أي موقف آخر، كان من المفترض أن تشعر بالامتنان لهذه الهدية الضخمة، لكن هذا الوضع لم يكن مناسبًا لها أبدًا.
أمسكت بالمستندات على مضض، وما إن رأت الرقم المدون هناك حتى شهقت.
“خمسون مليون شيلينغ!”
بهذا المبلغ، يمكنها شراء كل الأراضي المتاحة في العاصمة. كان أشبه برأس مال يكفي لتأسيس مملكة صغيرة!
“هل… هل يعقل أنهم يمنحونني هذا المال بكل بساطة؟ هل هذا حقيقي؟”
‘دوق لودفيغ لم يكن بهذه السهولة أبدًا…’
لم يكتفِ بالموافقة على فسخ الخطوبة، بل قرر منحهم نصف ثروته؟ شعرت إيف برغبة في البكاء.
“كيف يمكنني قبول هذا المبلغ دون قلق؟!”
إذا قبلت هذا المال، فستصبح مركز اهتمام الجميع في الإمبراطورية. لا، هذا مستحيل، لا يمكن أن يحدث!
سألت وهي تحاول التمسك بأمل أخير
“هل يمكن أن يكون هناك خطأ ما؟”
لكن والدها أجاب بهدوء
“السير رين بيدرو جاء بنفسه لتسليمها.”
رين بيدرو، اليد اليمنى لدوق لودفيغ.
في تلك اللحظة، شعرت إيف بحرارة غريبة في وجهها وأبعدت نظرها عن الرسالة.
“م- ماذا يعني هذا؟”
عندها، قال والدها بصوت هادئ
“إيف، بهذا المبلغ، يمكننا جمع ما يكفي للتمرد.”
فجأة، أخذ المستندات من يدها بلطف.
“هل جننت؟!”
صرخت إيف دون وعي، بينما شحب وجه نواه، شقيقها، بجانبها.
قال الكونت بنبرة جدية
“صحيح، في البداية كنت سأحترم رغبتك وأدعك ترحلين، لكن فكرة أن تعيشي حياتك هاربة بلا سبب تؤلمني.”
حتى والدتها، التي كان من المفترض أن توبخه على اقتراحه المجنون، بدت مقتنعة.
“هذه العائلة لا أمل فيها.”
شعرت إيف بالدوار وجلست على سريرها وهي تتنفس بعمق.
“نواه، أقنعهم، أرجوك.”
لكن نواه وضع يده على جبينه وهو يتنهد بارتباك
“أنا… لا أعرف.”
حتى هو كان مذهولًا تمامًا، فقد عرف للتو أن إيف تمتلك قوى سحرية. نظرت إليه إيف بأمل، ربما، فقط ربما، قد يتمكن من إيقاف هذا الجنون.
لكنه قال
“ربما… ربما يكون هذا أفضل من أن تعيشي هاربة.”
“هل جننت؟!”
حدّقت إيف فيه بصدمة، غير مصدقة أنه قد يقول شيئًا كهذا. ظنت أنه سيكون عاقلًا، لكن يبدو أنها أخطأت.
“إذا فعلنا ذلك، سنُباد جميعًا!”
عند رؤية رد فعلها العنيف، تراجع الكونت قليلًا قبل أن يقول
“أفهم ما تقولينه، إيف. لكن فكري مرة أخرى، هل الفرار إلى الريف حقًا هو الحياة التي تريدينها؟”
ثم تابع بنبرة أكثر إقناعًا
“حياة هادئة في الريف؟ العيش في بساطة؟ تناول العشاء مع الجيران بكل مودة؟ هذه ليست الحياة التي تطمحين إليها، أليس كذلك؟”
لكن إيف ردت بحزم
“في الوقت الحالي، هذه هي الحياة الوحيدة التي أريدها. إنها الحياة المثالية بالنسبة لي.”
رمقته بنظرة باردة، ثم انتزعت مستندات التبرع من يده.
“آه!”
شهق والدها عند تصرفها المفاجئ، لكنها قالت بصرامة
“سأتولى الأمر بنفسي، لذا ابقوا بعيدًا عن هذا الموضوع!”
~ ترجمة سول.