“شارلوت، شارلوت!”
لم يمضِ على فجر أوّل ضوء الصيف سوى عشر دقائق بالكاد، وفي ذلك الصباح الباكر، سمعت إيف صوت طرق على الباب. فتثاءبت وتثاقلت حتى استيقظت.
“آه… ما الأمر في هذا الوقت؟“
كانت الصوت مألوفًا، إنها السيدة مارغريت التي تسكن بجانبها.
تساءلت إيف ما المشكلة العاجلة التي دفعت مارغريت تناديها بهذا القدر من القلق.
نادت مارغريت مرّة أخرى وهي على وشك الانفجار غضبًا.
“شارلوت! لم أعد أطيق الأمر بسبب هؤلاء الخنازير البرية!”
شرحا مارغريت وبينلي أن قطيعًا من الخنازير البرية ظهر الليلة الماضية ودمر المحاصيل.
“هل تعنين أنهم نقبوا حتى الشتلات التي زرعتها؟“
“نعم، نعم!”
تنهدت إيف وهي تمسك رقبتها المتصلبة بابتسامة خافتة، مدركة أن كل تعبها بالأمس ذهب سدىً. تمنت لو تستطيع التعبير بكلمات أقسى.
“لذا قررنا أن نذهب لصيد هذه الخنازير.”
“في هذا الوقت من الصباح؟“
“إنهم يشبعون الآن من المحاصيل التي نقبوها وينامون. وقت نشاطهم عادة يكون من المساء حتى الليل، لذا علينا أن نجد عرينهم قبل ذلك ونقضي عليهم بسرعة!”
وقف بينلي وهو يحمل رمحًا ثلاثي الرؤوس أكبر منه بفخر واعتداد.
“احذر يا عمي بينلي، ماذا لو أصبت كتفك كما في المرة السابقة؟“
شعرت إيف بالقلق أكثر من الشعور بالاطمئنان تجاهه، خصوصًا بعد المشاكل البسيطة التي ظهرت في مفاصله مؤخرًا. وساعدت مارغريت على التعبير عن ذلك.
“نعم، بينلي! استمع لكلام شارلوت.”
تنهد بينلي ووافق بحركة رأسه، ثم وضع الرمح أرضًا.
“حسنًا، أنا حقًا أصبحت كبيرًا على مثل هذه الأمور.”
“هذه المهمة تناسب شارلوت أكثر.”
تساءلت إيف في حيرة، كيف تحولت الأمور هكذا فجأة؟
نظرت إلى مارغريت وبينلي، وكأنهما اتفقا على إلقاء المسؤولية عليها بكل بساطة. تملّكها الشعور بعدم الرغبة، فتنهدت بعمق.
“لا أستطيع القيام بذلك بمفردي.”
“كيف نتركك تذهبين وحدك؟ سنذهب جميعًا معك.”
“أرون جاهز بالفعل في الانتظار.”
“هل انتهى أرون من الاستعداد؟“
“كما تعلمين، في قريتنا، الشباب هم أرون وأنتِ فقط. هاها.”
كان واضحًا أن مشاركتها أمر محسوم.
قالت إيف بقبول مضطر:
“حسنًا، سأجهز نفسي، انتظروني بالخارج قليلًا.”
حاولت تهدئة نفسها وهي ترتب معدات صيد الخنازير البرية.
إذا كان أرون قد استعد، فالأمر حتمي أن هذه الخنازير تسببت في أضرار واسعة.
“إذا كان هؤلاء الخنازير هم السبب في تدمير المحاصيل الثمينة، فلا بد من ردعهم سريعًا.”
لم يكن سلاح إيف سوى سكين صغير، لذا استعارت مضربًا خشبيًا من بينلي.
عندما اتجهوا نحو مدخل الجبل حيث ظهرت الخنازير، كان أرون، أطول رجل في القرية، وأول من لفت الأنظار.
ربما بسبب ممارسته للزراعة منذ الطفولة مع والديه، كان أرون قوي البنية ومتناسقًا.
عندما رآها أرون، بدا عليه الارتباك.
“عمي بينلي، هل ستأخذ شارلوت إلى الجبل في هذا الفجر؟“
“كيف لنا أن نترك شارلوت بعيدًا عن هذه المهمة؟ هاها!”
ربّت بينلي على ظهر إيف، وهو يمازحها.
نظرت إيف إلى المضرب الذي في يد بينلي بلا مبالاة، ثم قالت ببرود:
“هل يكفي هذا المضرب لصيد الخنازير فقط؟” (من لم يفهم فهي تهدده بمزح بأن تضربه)
ارتعب قليلًا من طريقتها في الحديث ورفع يديه ممازحًا وكأنه يعلن استسلامه.
بعد قليل، أتت مارغريت بمجموعة إضافية من الناس، ودخلت إيف الجبل معهم.
لكن أهل القرية واجهوا موقفًا صعبًا.
“ما سبب وجود كل هذه الآثار هنا؟“
“بالفعل، في ظل هذا الوضع، بات من الصعب التمييز بين آثار أقدام الخنازير البرية وآثار أقدام حيوانات أخرى…”
راودت إيف شك غامض، فقد بدت لها تلك الآثار مألوفة وكأنها رأتها من قبل، لكنها لم تستطع تذكّر متى أو أين.
“لا فائدة من البحث بهذا الشكل العشوائي. من الأفضل أن نتحرك ضمن مجموعات صغيرة.”
كان هذا اقتراح بوناد، الذي أكبرهم سنًا، فوافق الجميع على فكرته بمن فيهم إيف، لأن البحث الجماعي بهذه الطريقة لم يكن مجديًا، وربما لا يُثمر حتى عن شعرة من خنزير بري.
“إذًا، ستكون شارلوت مع آرون، وأنا مع بينلي…”
قسّموا أنفسهم إلى فرق من شخصين، ولم تكن الجبال التي يطأونها مأهولة بالنمور، بل أكثر ما يُخشى فيها هو الخنازير البرية أو الذئاب. لكن الذئاب لم تُشاهد مؤخرًا.
‘هل انتقلوا الخنازير إلى منطقة أخرى؟‘
فالجبال هنا فقيرة بالمؤن، لذا من المنطقي أن تهبط الخنازير بحثًا عن الطعام في القرية. وإن كان ذلك مؤسفًا… لكنه لا يبرر تدميرهم للمزارع.
‘لكن لا مفر من مواجهتهم… لا يمكننا تقديم محاصيلنا لهم إلى الأبد.’
قبضت إيف على العصا الخشبية بيدها وهي تفتّش في المسار الجبلي مع آرون.
“لم أرَ آثار أقدام كهذه من قبل…”
تمتم آرون وهو يتأمل الأرض.
“هل رأيتِ مثلها من قبل يا شارلوت؟“
“ممم… أشعر وكأنني رأيتها، لكن لا أتذكر أين.”
هزّت إيف رأسها، لكن بما أن آثار أقدام الخنازير لم تختفِ تمامًا، فالبحث لم يكن معقّدًا بعد.
“أليست هذه؟“
قال آرون بعد أن اكتشفا جحرًا محفورًا في التراب. أومأ برأسه موافقًا.
“يبدو أنه المكان.”
“إنه كبير. هل سنتمكن من اقتحامه نحن فقط؟“
كان الجحر من الداخل مظلمًا للغاية، لدرجة أنهم لم يستطيعوا رؤية ما بداخله. لو كانت وحدها لربما استعانت بالسحر، لكن بوجود آرون، اضطرت للاعتماد على قوتها البدنية.
ورغم أن إيف أقوى من معظم الرجال البالغين، إلا أنها لم تكن واثقة من قدرتها على مجاراة خنزير بري.
“لحظة… أسمع صوتًا داخل الجحر.”
قال آرون وهو يصغي بانتباه، فشعرت إيف بالتوتر.
‘هل هذا يعني أنه مستيقظ؟‘
“ما الذي تسمعه بالتحديد؟”
سألته، فأجاب ببطء بعد أن أنصت مجددًا.
“…يبدو كأنه صوت مضغ شيء ما. هل يمكن أنه يأكل فاكهة؟“
“هذا لا يشبه صوت أكل فاكهة إطلاقًا.”
كان صوت طحن العظام واضحًا. بدا كما لو أن الوحش يلتهم فريسة حيّة.
وفعلًا، سواء أكان إنسانًا أم وحشًا، فإن اللحظة التي يأكل فيها هي اللحظة التي يكون فيها أكثر عرضة للهجوم.
فكّرت إيف قليلًا، ثم قالت:
“علينا أن نهاجم الآن.”
“الآن؟ حسنًا!”
ردّ آرون موافقًا، فقد كان يثق برأيها دائمًا.
وبينما كان يبتسم ببراءة، بدأت إيف تُخطط في سرّها:
‘لو حدث شيء مفاجئ داخل الجحر، فسأضرب آرون وأفقده وعيه، ثم أستخدم السحر.’
رفعت العصا الخشبية قليلًا نحو مؤخرة رأسه، وكأنها تحسب الزاوية المناسبة، ثم عبست.
‘ضربة خفيفة… لن تقتله، على الأرجح.’
هزّت رأسها مقتنعة بقرارها، ثم تمتمت بصوت خافت لا يسمعه سواهما:
“لننطلق.”
اقتربت هي وآرون من الجحر ببطء وبزاوية مائلة، وكلما اقتربا من الداخل، ازداد صوت المضغ وضوحًا… ومعه انتشر في المكان رائحة كريهة.
“آخ!”
لم يتحملان آرون وإيف الرائحة، فسدّا أنفيهما. كانت رائحة دماء حيوانات ممزوجة بعفونة لا تطاق.
وحين أدركا أن شيئًا ما ليس على ما يرام، توقّفا.
نظر آرون إلى إيف بإشارة عينيه:
“هل نتابع التقدّم؟“
قبل أن تجيب، سُمع صوت خطوات ثقيلة داخل الجحر، فاستعدّا فورًا واشتدّت قبضتهما على الأسلحة.
– تَتَتَتَك!
وفجأة، سُمعت خطوات ثقيلة تركض نحوهما، وشيء ضخم هجم مباشرة باتجاه آرون.
“غرووووو…”
اندفعت إيف بسرعة وسحبت آرون نحوها، فنجا بأعجوبة من الاصطدام، لكنه سقط على الأرض متألّمًا.
أدركت إيف أنها بالغت في سحبها له، لكن لم يكن هناك وقت للاعتذار.
عاد الوحش ليهاجم من جديد، فأهوَت إيف عليه بعصاها بكل قوتها.
بوووم!
“آرون، اهرب حالًا!”
صاحت وهي تركض خارج الجحر.
الظلام في الداخل كان يجعل القتال مستحيلًا، خصوصًا ضد وحش متيقّظ.
“ما هذا الشيء؟!”
صاح آرون برعب عندما تبعهم الكائن إلى الخارج.
تجمّدت إيف في مكانها عندما رأت المخلوق بوضوح.
لم يكن حيوانًا بريًا…
‘…وحش سحري؟‘
جسد ضخم، فراء أسود، أنياب كثيفة يتقطر منها سائل داكن، ومخالب دامية تتدلى منها بقايا لحم.
وقف الوحش على قدمين، يحدّق بهما.
كان شكله أقرب إلى مستذئب.
“غرووووو! غروغروغغغغ!”
وانقض الوحش عليهما فجأة!
“آه!”
لم يستطع آرون تفادي الهجوم، فخدشه الوحش في كتفه وطرحه أرضًا.
“أووخ!”
وما زاد الطين بلة، أنه ارتطم رأسه بحجر على الأرض وفقد وعيه تمامًا.
ترجمة : سنو
واتباد :
@punnychanehe
واتباد الاحتياطي:
punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 37"