شعرت إيف بأن هذا الموقف بدأ يصبح أكثر تعقيدًا مما ظنّت.
‘ما الذي كان يتحدث عنه مع إيرين طوال هذا الوقت حتى الآن؟‘
“كان هناك أمر أكثر أهمية كان علينا الحديث عنه.”
“أي أمر؟“
“إيرين تعيش في وهم كبير.”
كان وجه باليريان عند نطقه بهذه الكلمات خاليًا تمامًا من أي تعبير ضاحك، بل جادًا على نحو غير مألوف، مما جعل إيف تحدق به في توتر، تنتظر ما سيقوله بعد ذلك دون حتى أن ترمش.
“إيرين تظن أنك تكرهينها.”
لكن هذه الجملة جعلت إيف تفقد قوتها دفعة واحدة.
“هذا طبيعي. فأنا أكون صارمة معها كثيرًا، ومن الطبيعي أن تفكر هكذا.”
“لا يا إيف. هذا ليس مجرد كلام طفل غاضب قاله في لحظة عابرة. مهما حاولت أن أشرح لها عكس ذلك، فهي مقتنعة تمامًا أنك تكرهينها.”
ساد الصمت.
وتبدّلت ملامح إيف، وأدركت حينها مدى خطورة ما سمعته.
“في الحقيقة، تأخرتُ لأنني كنت أهدئ من بكائها.”
ثم بدأ باليريان بسرد الحديث الذي دار بينه وبين ابنتهما.
وبعد أن أنهى كلامه، هوَت إيف على السرير فجأة، وكأن قواها خارت.
وضعت يدها على جبينها الذي برد فجأة.
‘كيف لها أن تكون تظن هذا كل هذا الوقت؟‘
مرت ذكريات كثيرة في عقل إيف وكأنها شريط سينمائي…من لحظات كانت تعنف فيها إيرين، إلى تلك النظرات القلقة والمتوترة التي كانت تراها في عينيها كلما اقتربت منها.
‘لقد كنت قاسية دون أن أدرك.’
‘التأديب مهم، نعم، لكن لمَ نسيت أن الحب والحنان لا يقلان أهمية؟‘
أرادت أن تذهب فورًا إلى غرفة إيرين وتحتضنها وتقول لها إن كل ما تظنه ليس إلا وهمًا، لكن الوقت كان متأخرًا، ولم ترغب في إيقاظها.
وهكذا، وبينما لم يستطيعا النوم بسبب اضطرابهما، قررت إيف وباليريان الخروج إلى الحديقة لاستنشاق بعض الهواء.
وأثناء سيرهما في الممر، سمعت إيف صوت حوار قادم من المطبخ فتوقفت فجأة.
“ريان، انتظر.”
“هم؟“
“…أعتقد أن الحديث يدور عن إيرين.”
اقتربت من باب المطبخ وأصغت بانتباه.
— هل ما حدث اليوم بين الآنسة الصغيرة وديفين هو خطؤها فعلًا؟
ديفين. كان اسم الخادم الذي رفعته إيرين في الهواء صباحًا.
— الآنسة تصرفاتها دائمًا حرّة، ربما كانت هي السبب.
— لا، أنا أعرف من المخطئ حقًا. هاها.
— حقًا؟
— سمعت أن ديفين هو من استفزها أولًا.
ما إن سمعت ذلك حتى شعرت إيف وكأن دمها تجمّد.
‘استفزّها؟‘
طقطق.
بدا وكأن مقبض الباب الذي أمسكت به بدأ يتشقق من شدة قبضتها.
— ماذا؟ استفزّها؟
— لا تتوهمي، لم يكن شيئًا كبيرًا… فقط قال إنه “ربّاها قليلًا“.
— هاها، وما نوع هذا “التأديب“؟
— قال لها إن الفتيات يجب أن يكنّ مطيعات حتى يحبهن الآخرون.
شهقت إيف ساخرًة دون أن تشعر، لا تصدق ما تسمعه.
— ياإلهي…
— أليس من المفترض أن نخبر السيد والسيدة بهذا؟
— ششش، اصمتي. لا شأن لنا بمثل هذه الأمور. نحن مجرد خدم، ومن الأفضل أن ننشغل بأعمالنا فقط.
— لكن من أخبركِ بكل هذا أصلًا؟
عندها أصغت إيف أكثر بانتباه.
— روبرت من أخبرني.
حينها، أمرت إيف وباليريان باستدعاء كبيرة الخدم، وطلبا منها إحضار الخادم المدعو روبرت فورًا.
طقطق…
كانت إيف تتذكر ما قاله روبرت كلمة بكلمة، بينما صوت طحن أسنانها يملأ الغرفة، يشير إلى الغضب العارم الذي بدأ يتملكها…
‘لم تكن إيرين تثير الفوضى مع الجميع، كما ظننت.’
لم تتصرف بذلك الشكل مع المربية والخادمات اللواتي اعتنين بها منذ طفولتها، بعد أن بدأت بالكلام.
‘لا بد أن لديها أسبابها.’
‘لكن، لماذا غفلت عن ذلك؟‘
انشغلت بالتفكير بمستقبلها، ونسيت أن أحتويها في حاضرها.
حين تخيّلتُ ما شعرت به إيرين من ألم بعد أن سمعت تفاهات ديفين، اشتعل الغضب في صدري.
“آه… كيف يمكنني تلقينه درسًا؟“
لم يعلّق باليريان منذ أن سمع ما جرى. جلس يقرأ بصمت، لا تعبير على وجهه.
نظرت إليه إيف، وضاق صدرها.
“ألا تشعر بالغضب، يا ويان؟“
“……..”
“… لا بأس. يبدو أنني وحدي من فقد أعصابه.”
وارتمت على السرير بتنهيدة ثقيلة.
‘كيف يمكنني حل هذه المشكلة؟‘
وما إن أدارت جسدها إلى الجهة اليمنى، حتى وقعت عيناها على عنوان الكتاب الذي كان يقرأه باليريان:
130 طريقة للتعذيب…
‘ماذا؟! لماذا يقرأ شيئًا كهذا؟!’
انتفضت واقتربت بسرعة، وانتزعت الكتاب من يده.
نظر إليها أخيرًا، وابتسم بلطف:
“آه، آسف. كنت منهمكًا في القراءة، فلم أسمع ما قلتِه يا إيف.”
“130 طريقة للتعذيب؟! لماذا تقرأ هذا فجأة؟“
أجاب بابتسامة هادئة:
“من الجيد أن أكون مستعدًا مسبقًا لكل الاحتمالات.”
“ربما أتوهم، لكن كلامك يوحي بأنك تنوي استخدام ما فيه.”
“هاها، مجرد توهم لا أكثر. آه، صحيح يا إيف… ما اسم ذلك الخادم؟“
“قالوا إن اسمه ديفين سْرِين.”
“آه، صحيح… هكذا كان.”
وعاد لينظر إلى الكتاب مجددًا.
‘لا… لايمكن!’
استشعرت إيف الخطر، وانتزعت الكتاب بسرعة.
“لا تخبرني أنك تنوي تطبيق هذا على ديفين؟!”
“ولِمَ لا؟“
سألها بنظرة متجهمة، حاجباه معقودان.
لم تجد الكلمات لترد.
أشارت إلى إحدى الصفحات:
“حبسه داخل ثورٍ حديدي ثم إشعال النار تحته؟ أمام الطفلة؟!”
( ثورٍ: تمثال معدني مجوّف على هيئة ثور، يُستخدم كأداة تعذيب بالحرق من الداخل.)
أيقنت إيف أن باليريان لم يعد يرى إيرين كمشاغبة، بل كمخلوق شيطاني يستحق الانتقام له.
‘كيف نسيت هذا؟!’
كانت منشغلة تمامًا بإيرين، لدرجة أنها لم تنتبه إلى الصمت الغريب الذي لف باليريان طوال الوقت.
تذكرت فجأة إن حين يغضب حقًا… يصبح صامتًا.
نظرت إلى عينيه.
تلك النظرة… تمامًا كما كانت يوم أخبرته بفسخ خطبتهما وادّعت ارتباطها بزافيير.
هادئٌ ظاهريًا، لكنه يشتعل من الداخل.
دقّ ناقوس الخطر في رأس إيف.
‘الناس أصلاً يقولون إن إيرين طفلة مشاغبة، ولو فقد باليريان صوابه أيضًا، فلن يقترب منا أحد!’
سيؤثر هذا على مستقبل إيرين كله، من صداقاتها وحتى مكانتها في المجتمع.
الفكرة وحدها كانت مرعبة.
‘لا… لن أسمح أن تُصبح إيرين وحيدة.’
لكن رغم ذلك، بدأت إيف تتخيل الخادم ديفين أو ديفل أو كيفما كان اسمه محبوسًا داخل ثور حديدي يتقد نارًا!
‘ما الذي يجري لي؟! هل جننتِ يا إيف لودفيغ؟!’
صفعت خديها بيديها تحاول استعادة رشدها.
أيّ أم يمكنها أن ترى طفلها يتعرض للأذى ولا تغضب؟
في قرارة نفسها، أرادت أن تسحب ذلك الوغد من شعره وتضربه حتى ينهار، لكنها قاومت.
فقد كانت تؤمن أن على البالغ أن يكون قدوة، وأن السبيل لتربية إيرين على الطريق الصحيح، يبدأ من تصرفاتها هي.
“ريان، إن عذّبته حتى الموت بسبب هذا… ماذا ستتعلّم إيرين؟ ستنشأ قاسية وعنيفة!”
“ربما.”
“لهذا يجب أن نعلّمها معنى التسامح…”
“تسامح؟“
ومض في عيني باليريان بريق حاد.
“لا أقصد أن نغفر له بلا حساب، لكن يجب أن نهدأ.”
قالت إيف:
“نستدعي ديفين أمام إيرين، ونجبره على تقديم اعتذار صادق. من يرتكب خطأً، يعاقب بمقداره، لا أكثر.”
ابتسم باليريان بهدوء:
“إيف، أنا أيضًا كنت أنوي معاقبته بقدر خطأه فقط.”
ثم مدّ إصبعه الطويل وأشار إلى رسم في الكتاب:
رجل يُسحب لسانه بمِلقاطٍ حديدي.
“لسانه هو السبب، ومن العدل أن يُقطع.”
قالت إيف بذهول:
“لا تقصد أنك ستفعل هذا أمامها؟!”
اتسعت عينا باليريان بدهشة مصطنعة:
“بالطبع لا! سأفعلها حين لا تكون حاضرة.”
“أنت مجنون!”
انتزعت الكتاب من يده بسرعة.
“أرجوك، دعني أتعامل مع الأمر بطريقتي.”
تنهد وقال:
“أنت طيبة أكثر مما يجب يا إيف.”
“لست طيبة، بل حرصًا على مستقبل إيرين.”
فالعنف لا يجلب حولها أناسًا مخلصين، بل يُبقيهم مرغمين، وهذا لا يصنع علاقات حقيقية.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 117"