وفي الخارج كانت الرياح تعصف كالسكاكين، بينما الثلج يتساقط بغزارة خلف النوافذ.
كان الناس يتوقعون أن تعمّ الفرحة والحيوية قصر الدوق مع اقتراب الحدث السعيد،
لكن الواقع كان على النقيض تمامًا.
ساد القصر أجواء خانقة تشبه أجواء بيت العزاء.
حتى خدم الدوقية حين يمرّون في الممرات، كانوا يحرصون على ألا يُسمع لهم صوت، لا همس ولا حتى أنفاس.
وكل ذلك… بسبب حالة سيدة القصر.
“إيف، كيف تشعرين اليوم؟“
سألها باليريان، وهو يمسك يدها الممددة على السرير.
“…أنابخير.”
أجابت ببطء وهي ترمش بعينين شاردتين.
أرادت أن تمسك يده بالمثل، لكن جسدها خذلها، وغاص كقطن مشبع بالماء.
كان النعاس لا يفارقها.
‘لو كنت أعلم أن الأمر سيصل إلى هذا، لما فكرت أصلًا في إنجاب طفل…’
تملكه الغضب والندم، متهمًا جهله بأنه السبب فيما يحدث.
فالسحرة يمتلكون أجسادًا أقوى من البشر، لذا لم يأخذ مسألة الحمل على محمل الجد.
والأسوأ أن حمل الساحرات لم يُوثّق بما يكفي، مما يعني أنه كان من الأولى أن يكون أكثر حذرًا وحيطة…
لكنّه أدرك ذلك بعد فوات الأوان.
‘ما الذي يمكنني فعله الآن؟ ما الذي بوسعي أن أقدمه لها؟‘
اجتاحه شعور عميق بالعجز، إذ لم يكن قادرًا على فعل أي شيء من أجلها.
حتى حين قصد قصر الكونت إستيلا وبحث طوال الليل في مكتبته، لم يجد ما ينفع.
بل اكتشف أن حمل الساحرات قد يعرّض حياتهن للخطر،
فالجنين يتغذى على طاقة الأم السحرية، ولذلك كانت حالة إيف تتدهور يومًا بعد يوم، كزهرة تذبل.
ولم يجد سوى استنتاج واحد…
أن كل هذا سينتهي على خير حين تتم الولادة.
‘لكن… ماذا لو ماتت قبل أن تضع الطفل؟ أو إن ماتت من المضاعفات بعد الولادة؟‘
كلما ساءت حالتها، انجرف خياله إلى أسوأ الاحتمالات.
اهتزت يده المرتجفة وهو ما زال ممسكًا بيدها.
‘…ريان، لا تقل لي إنك تتخيل أشياء سخيفة مجددًا.”
ابتسمت بخفة، وقد أدركت ما يدور في ذهنه، ثم تنهدت واعتدلت في جلستها.
“أتظن أن الموت سهل إلى هذا الحد؟ آه، صحيح… أنا لست إنسانة.”
حتى مزاحها الخفيف لم ينجح في تخفيف قلقه.
ظلّ وجهه مشدودًا، دون أن يبتسم.
“ثم إنني تناولت إكسير الخلود التي أعطيتني إياها، أليس كذلك؟“
وحين بدأت تنهض، قال على عجل:
“إيف، ابقي في السرير.”
“البقاء في السرير طوال الوقت يجعل الجسد يتصلب. صحيح أنني بطبيعتي أحب الراحة، لكن يبدو أن لكل شيء حدود. أشعر أنني بحاجة للمشي قليلًا.”
ابتسمت ابتسامة باهتة، بدت أضعف مما كانت عليه من قبل.
فأمسك باليريان بكتفيها بحزم، دون أن يُظهر ما يشعر به، ليتأكد من أنها لن تسقط.
“منعش حقًا أن أستنشق هواء الحديقة بعد كل هذا الوقت.”
قالت وهي تقف في حديقة لودفيغ، تتنفس بعمق وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة.
عندها فقط بدأ وجه باليريان يلين.
“الحمد لله.”
قالها بهدوء.
“لذا، لا تتصرف وكأنني على وشك أن أموت.”
قرصت خده مازحة، فعاد لوجهه ذلك الابتسام الخفيف الذي غاب عنه طويلًا.
“طبعًا، من يجهل كم أنتِ قوية يا إيف؟“
لكن ما أغرب الأمر… فكلما طمأنته، كلما شعرت بشفقة نحوه أكثر.
زفرت في سرّها.
لم تُظهر ذلك له، لكنها هي أيضًا كانت قلقة بشأن التغيرات التي تطرأ على جسدها.
‘لم يسبق لي أن شعرت بهذا الضعف من قبل…’
حتى قبل قليل، لو لم يكن باليريان يتحدث إليها، لكانت غارقة في نوم عميق لا تستطيع مقاومته.
في الحقيقة، ما زالت تشعر بالدوار، وكل شيء تراه يبدو كألوان صارخة بلا تفاصيل.
‘…على ذكر ذلك، أمي أيضًا كانت تنام طوال الوقت.’
تذكرت كيف كان والدها قلقًا حدّ الرعب من أن تموت أمها… لكنها في النهاية أنجبت إيف بسلام.
وهكذا أقنعت نفسها إن لا بد أنها أيضًا ستلد بسلام.
فقط بهذه الطريقة، كانت قادرة على الاستمرار.
بالطبع… كانت تخاف من الولادة.
‘فلا وجود هنا لطب حديث متطور كما في زماني…’
كانت الرعاية الصحية لا تزال ضعيفة إلى حد أن اثنتين من كل عشر نساء يمتن أثناء الولادة.
ورغم أنها كانت تدرك أن القلق المسبق لا يجدي نفعًا، وجدت نفسها تلامس بطنها المثقل لا شعوريًا وقد غمرها القلق. ثم فجأة—
“آآآه…!”
“إيف!”
تجثو إيف على الأرض قابضة بيديها على أسفل بطنها، بعدما باغتها ألم غريب ومقلق.
لقد بدأت آلام المخاض.
* * *
“نعتذر، لكن على سمو الدوق أن يغادر الغرفة من أجل النظافة، يجب أن يقتصر التواجد على الحد الأدنى من الأشخاص.”
“لكن، بصفتي زوجها وأبًا لطفلي القادم، أليس من الطبيعي أن أكون إلى جوارها أثناء الولادة؟“
قابلت المُولّدة احتجاج باليريان بحزمٍ قاطع:
“إن حدث مكروه في وجودك، فلن أتحمل المسؤولية يا سمو الدوق.”
ورغم جدالهما، كانت النتيجة محسومة.
لم يكن بمقدور باليريان الذي لم يشهد ولادة من قبل، أن يتجاهل تحذير المُولّدة.
في النهاية، اضطر إلى الرضوخ.
كان إلى جانبه دوق لودفيغ السابق، دييغو لودفيغ الذي حضر بعد سماعه بالخبر، فوقف مؤيدًا القابلة:
“باليريان، الولادة أمر لا يمكننا التحكم به.”
“…مع ذلك، أنا قلق. ماذا لو حدث مكروه لإيف؟“
“وإن دخلت، ماذا يمكنك أن تفعل؟“
“ربما أستطيع أن أمدّها بقليل من قوة إيلا…”
تمسك باليريان بأمل ضئيل وتحدث برجاء.
“ومن يضمن لك ما قد يحدث لو مُررت طاقة إيلا إلى ساحرة وهي تلد؟“
“…صحيح.”
كان يعلم ذلك. يعلم كم أن فكرته مستحيلة وغير منطقية.
“ستصبح أبًا قريبًا. لا تتصرف كطفل يا باليريان.”
كانت كلمات والده حازمة لكنها مشبعة بالصدق والقلق.
هدأ الحماس العارم الذي كان يسيطر على باليريان.
أما المُولّدة الواقفة بجوارهم، فقد تنفّست الصعداء سرًا، وهي تمسح العرق البارد عن جبينها.
“سأعود الآن إلى الداخل.”
وفجأة، سُمع من خلال الباب الموارب صراخًا مألوفًا. شحب وجه باليريان.
لو لم يضع دييغو يده على كتفه مهدئًا، لكان اندفع إلى الغرفة فورًا.
طَرق.
أُغلق الباب من جديد، وعاد الصمت الخانق ليسيطر على الممر.
ثم بعد لحظات—
أووآآآآه!
انطلق من الداخل صوت بكاء طفلٍ قوي. بدت ملامح الارتياح على وجه باليريان.
كان على وشك أن يفتح الباب، لكنه توقف فجأة.
من المفترض أن تخرج المُولّدة أولاً عند انتهاء الولادة بسلام.
لكنها لم تخرج حتى الآن.
بدأ القلق يعتصر عنقه كأفعى تلتف حول فريستها، لكنه قاوم مشاعره وفتح الباب بهدوء.
دخل الغرفة، ولم يسمع سوى صوت بكاء الطفل.
فاتجه مباشرة نحو إيف.
“ما الذي حدث هنا؟“
سأل بشفاه مرتجفة.
كانت إيف نائمة، مغمضة العينين.
لكن ذلك لم يكن نومًا عاديًا.
فبحكم كونه إيلا وفارسًا مقدسًا، كان لدى باليريان حسّ داخلي قوي. وقد شعر على الفور أن ما تمر به إيف ليس نومًا طبيعيًا.
قالت المُولّدة وهي التي أشرفت على الولادة:
“لم يكن هناك نزيف كبير، وكانت الولادة سلسة نسبيًا. لكن… يبدو أنها دخلت في غيبوبة غير مفسَّرة.”
كانت هذه المُولّدة تملك خبرةً تفوق الثلاثين عامًا، وقد استدعيت خصيصًا إلى قصر الدوق لما عُرف عنها من مهارة.
ومع ذلك، لم تستطع تحديد السبب.
قبض باليريان على قبضته بقوة.
‘لا شك أن الأمر له علاقة بخاصية السحر الكامنة في جسدها…’
وإن صحّ ذلك، فهذا يعني أن حتى إيلا نفسه باليريان لا يستطيع إدراك السبب الدقيق.
كل ما فهمه أن الغيبوبة قد تكون نتيجة جانبية للولادة.
ويا لها من نتيجة عقيمة، لا تفيده في إنقاذها بشيء.
أووآآآه!
تابع الطفل البكاء بجانبه.
أسرعت الخادمة، التي كانت تساعد المُولّدة، واحتضنت الطفل لتهدئته.
لكن لاليريان لم يلتفت إليه ولو لمرة واحدة.
مع استمرار سيدتهم في الغيبوبة، غرق قصر لودفيغ يومًا بعد يوم في أجواء كئيبة ومظلمة.
كان بكاء الطفل يبعث شيئًا من التوازن، لكنه لم يكن كافيًا.
وما زاد الطين بلة، أن الدوق لودفيغ لم يقترب من الطفل، بل ترك أمره بالكامل للخادمات والمربيات.
ومع مرور الوقت، انقضى شهران، واقترب موعد مهرجان الإمبراطورية الذي يُقام مع بدايات الربيع وهو اليوم الوحيد الذي يحصل فيه موظفو القصر الإمبراطوري على عطلة.
وقد حصل نواه جامع الضرائب الملكي على إجازة بعد طول انتظار، فتوجه إلى قصر لودفيغ صباحًا ليطمئن على حالة إيف.
“…بهذا الشكل، لا يُقال إنها نائمة، بل في سبات شتوي.”
وقف نواه يتأمل وجه شقيقته الصغرى النائمة، والمشاعر المتضاربة تنهش قلبه.
رغم أنها بدت كأنها نائمة بسلام، كان صدره يضيق كأن صخرة قد رُميت فيه.
‘وتخيل أن هناك من يراها هكذا كل يوم…’
وفقًا لما سمعه، فإن باليريان لا يغادر جانب إيف إلا إن اضطُرّ لحضور شؤون العائلة.
تذكر نواه تلك المرات التي رآه فيها في القصر الإمبراطوري… كان كمن يسير وجسده خالٍ من الروح.
‘لم أستغرب حاله… لكن كفى تعذيب للنفس.’
لم يكن يلوم وفاء باليريان لزوجته، بل كان ممتنًا له في قرارة نفسه.
ومع أن لديهما طفلًا، فلا يمكن ترك الأمور على حالها إلى الأبد.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 112"