الفصل الخاص 〈 9 〉
“ كان العكس؟“
لم تستطع إيف أن تستوعب ما يقوله.
“ ما الذي تعنيه بذلك؟“
“… إيف، فقط لا تسيئي الفهم واسمعيني. في الحقيقة، عندما ألمسكِ أنا…”
“ عندما تلمسني؟“
قاطعت إيف كلامه مستعجلة الجواب، وقد احمرّ وجهه أكثر من أي وقت مضى.
“ جسدي… يبدأ في التفاعل دون إرادتي.”
“ أي تفاعل؟ اكشف لي الأمر، بدأت أشعر بالضيق. كن صريحًا.”
كادت إيف تنفجر من القلق.
هل أصيب بحساسية أو شيء من هذا القبيل؟ هل يحصل ضرر لأحد الطرفين عندما يلمس إيلا أحد السحرة؟
لم تشعر هي بشيء غير طبيعي، لكن ربما كان باليريان مختلفًا.
‘ ما الذي فعلته بالضبط؟‘
إن كان الأمر كما تظن، فهي تكون قد ارتكبت خطأً فادحًا.
وبينما أخذ وجه باليريان يزداد احمرارًا، شحب وجه إيف فجأة.
“ قل لي، تكلم! كيف لي أن أعرف إن لم تشرح؟“
سألته بإلحاح.
“ لا أستطيع قول المزيد… ليس هنا…”
خفض باليريان رأسه حتى غطى خجله وجهه بالكامل، وقد احمرت حتى أطراف أذنيه. حينها لاحظت إيف شيئًا غريبًا.
‘ لم يبدو وكأنه يشعر بالحرج؟‘
‘ لو كانت مجرد حساسية أو تفاعل سحري، لما كان هناك داعٍ للخجل.’
‘ إذاً لا بد أن هناك سببًا آخر…’
“ إيف… أ– أعلم أن ما سأقوله سيجعلني أبدو منحرفًا.”
غطّى باليريان وجهه بكلتا يديه وهو يتمتم.
“ لا تقولي إنك… بدأتِ تشعرين بالاشمئزاز مني…”
“ أنا لا أستطيع تمالك نفسي كلما رأيتكِ.”
نظرت إليه إيف بدهشة.
‘ أهذا… هو السبب فعلًا؟‘
“هاه …”
تنهد باليريان طويلًا وقال:
“ أعلم، حتى أنا أشعر وكأنني وحش. كنت أريد أن أخبرك، لكني خفت أن تكتشفي حقيقتي وتبتعدي عني… ففضلت الصمت.”
كادت إيف تنفجر ضاحكة، لكنها قاومت.
‘ إياكِ أن تضحكي الآن إيف إستيلّا. إن ضحكتِ، ستجرحين مشاعره.
تماسكي… تمااااسكي.’
وبعد عدة محاولات لتهدئة نفسها، نجحت أخيرًا في إخفاء ملامح الضحك عن وجهها، وبلغة هادئة وجادة قالت:
“ نحن عاشقان، بل زوجان أيضًا. ما يحدث بيننا أمر طبيعي تمامًا…
لكن، ما الذي جعلك تفكر بهذه الطريقة يا باليريان؟“
“ لأنكِ أعجبتِ بي… بسبب شهامتي وفروسيتي، ذلك الجانب النبيل الذي رأيته فيّ…”
“ باليريان، دعني أكون صريحة معك. ذلك لم يكن السبب.”
“…ماذا؟ “
أنزل باليريان يديه عن وجهه في دهشة.
“ أخيرًا رأيت وجهك الجميل مجددًا.”
قالت إيف مبتسمة برضا، ومدّت يدها تلامس خده.
“ لقد وقعت في حبك من النظرة الأولى… بسبب وجهك فقط، زوجي البريء.”
“……..”
لم يتفوّه باليريان بكلمة.
فأمسكت إيف بخده بلطف، وقالت ممازحة:
“ ماذا بك؟ هل خاب أملك لأني أحببت شكلك فقط؟“
“…لا .”
لكن نظراته الزرقاء كانت تحمل حرارة غريبة… حرارة لم تخفَ عنها.
أحسّت إيف بتغيّر الأجواء، فحاولت أن تسحب يدها من على جسده، لكن الأمر خرج عن السيطرة.
فقد أمسك باليريان بيدها فورًا، وبدت على شفتيه ابتسامة خفيفة لكنها واضحة.
“ الآن… لا بأس بأن أكون صريحًا، أليس كذلك؟“
ثم اقترب منها أكثر، وضمّ خصرها برفق. ومع لمسة ناعمة على شفتيها، همس:
“ وهل كنتِ ستكرهينني على ذلك؟“
شعرت إيف فجأة أنها ربما تكون قد ضغطت على الزر الخطأ…
لكن، في النهاية…
ألم يُحلّ الأمر بطريقة ما؟
* * *
مرّت عدة أشهر منذ ذلك اليوم.
وصار من المعروف داخل القصر، بل عند كل من فيه، أن العلاقة بين الدوق لودفيغ وزوجته في أوج اشتعالها… ولم تكن هناك أي مؤشرات على أن ذلك سيهدأ قريبًا.
“ هناك من يراقبنا يا ريان…”
كان من المحرج جدًا لإيف أن ترى باليريان جالسًا بجوارها في قاعة الطعام، ممسكًا بيدها بإحكام، غير عابئ بمن حولهم.
ابتسم برقة وقال:
“ رغم أن خجلك يبدو جميلاً، إلا أنني سأتراجع إن كان يزعجك يا إيف.”
ثم فجأة، غيّر ملامحه ونظر ببرود إلى من حوله.
“ أغمضوا أعينكم.”
فأغمض الخدم أعينهم فورًا.
لم يكن في وسعهم أن يعارضوا أمرًا صريحًا من سيد القصر.
قطّبت إيف حاجبيها ونفخت شفتيها اعتراضًا.
“ هذا ليس ما قصدته.”
رمقها باليريان بنظرة طويلة ثم بدت عليه علامات الفهم، فهتف:
“ جميعكم، غادروا المكان.”
“ لا، مهلاً! نحن نتناول الطعام الآن، لا حاجة لهذا كله! ابقوا في أماكنكم!”
اعترضت إيف بسرعة، فظهرت على وجه باليريان نظرة خفيفة من الإحباط، وانحنت حاجباه كطفل عُوقب ظلمًا.
“ إيف… إذًا أنتِ لا تحبينني هكذا، أليس كذلك؟“
فيما كانت تبحث عن رد، ترقرقت الدموع في عينيه فجأة.
“ لا… ليس كذلك.”
اقتربت منه وهمست وهي تنظر إلى الخدم:
“ أقصد أننا يجب أن نراعي الوقت والمكان.”
“ ولِمَ لا؟ أليس هذا بيتنا؟ ما الذي يمنعنا من التصرف فيه بحرّية؟“
“…صحيح، لكن …”
للحظة، لم تجد إيف ما تقوله في مواجهة منطقه العفوي.
‘ هل هذا هو نفس باليريان الذي أعرفه؟‘
منذ ذلك اليوم، بدأت إيف تدرك أن باليريان أصبح أكثر جرأة وتحررًا.
صحيح أنهما في شهر العسل، لكن تصرفاته بدأت تميل إلى التهوّر.
وبينما كانت تراقب من حولها، شعرت بحرارة على وجهها فاحمرت وجنتاها كأنهما تفاحتان ناضجتان.
“ أنت تعلم أنني لا أحب أن يُقاطعني أحد أثناء الطعام، أليس كذلك؟“
“ نعم، كنت أعلم ذلك.”
رد بسرعة وهو يبتسم.
“ فهمت. ما دمتِ تأكلين، لن أُزعجك.”
لكن إيف شعرت أن كلامه يحمل ضمنًا أنه لن يتردد إن لم تكن تأكل.
حدّقت فيه بنظرة جانبية فيها بعض التوبيخ، لكنها لم تكن غاضبة حقًا.
“هُه .”
اكتفت بإخراج صوت من أنفها وتابعت تناول طعامها.
غير أن هناك شيئًا غريبًا.
مهما أكلت، لم تشعر بالشبع.
“ ريان، ألا تظن أن شهيتي ازدادت في الآونة الأخيرة؟“
“ نعم، وهذا يسرّني. لطالما كنتِ نحيفة لدرجة أنني خشيت أن تسقطي إن لمسك أحد.”
‘… في أي زاوية رأيتني بذلك المظهر؟‘
يبدو أنك لا ترى نظرات الاستغراب من حولك، يا باليريان…
هزت إيف رأسها بيأس وتنهدت.
“ لكن المقلق أن وزني لا يزداد رغم أنني آكل كثيرًا.”
فأمسك باليريان بمعصمها النحيل كما لو كان يتحسس قطعة فنية نادرة.
“ ممم، مع ذلك… لا تشبعين مهما أكلتِ؟“
“ هل أطلب لك المزيد من الطعام؟“
قالها وهو يبتسم برضًا، كأن الأمر لا يستدعي القلق. لكن هذا الرد زاد من ضيق إيف، فوضعَت الشوكة جانبًا وعبست.
“ هذا ليس ما أعنيه! أعلم أنني أحب الأكل، لكن هذا تخطى الحد الطبيعي. أظن أن هناك شيئًا خاطئًا في جسدي.”
وما إن علت نبرة صوتها بنفاد صبر وقلق، حتى تجمد وجه باليريان فجأة.
“ إيف، هل أنتِ مريضة؟“
“ لستُ مريضة… لكنني أشعر بضعف غريب، وجوع دائم لا يزول…”
فورًا، نادى باليريان كبير الخدم.
“ استدعِ الطبيب في الحال.”
“ حاضر.”
“ لا داعي لكل هذا… أعتقد أنني فقط بحاجة إلى بعض الراحة.”
نظرت إيف إليه وشعرت أنها ربما بالغت في الأمر.
ما كان يبدو أمرًا بسيطًا، أصبح الآن مصدر قلقٍ لباليريان.
‘ هل كنت أبالغ؟ هل أنا من توتر بلا داع؟‘
تأملت وجهه الجاد، وشعرت بالذنب لأنها أقلقته من غير ضرورة.
“ لا أظن أن الأمر خطير إلى هذه الدرجة.”
لكنه قال بجدية:
“ حين يكون الأمر متعلقًا بصحتك، فهو بالتأكيد أمر خطير.”
كل محاولات إيف لطمأنته ذهبت سدى.
فمنذ أن سمع منها أنها تشعر بتوعك، بدا وكأن العالم كله توقف عند تلك الجملة.
تنهدت وهي تنظر إلى باب الغرفة.
ربما من الأفضل أن يأتي الطبيب بسرعة وينهي هذا التوتر.
مظهر باليريان القلق كان كافيًا ليجعل أي أحد يشعر بالضغط.
وما إن سُمع طرق خفيف، حتى فتح باليريان الباب بعنف.
وكان الطبيب قد رفع يده ليطرق، فتراجع مذعورًا، يقطر عرقًا.
“ دوقي، وصلت بأقصى سرعة حين سمعت أن حال الدوقة حرجة!”
“ إذا كانت حالتها حرجة بالفعل، فقد كان وصولك بطيئًا. تأكّد من أن تكون أسرع في المرة القادمة.”
“ نعم… عذرًا، سيدي.”
‘ رغم أنه لم يمر حتى دقيقة واحدة، لكن ماذا عساي أفعل؟‘
فكرت إيف في نفسها وتجاهلت ما يجري بينهما.
“ ما وضعها؟“
سأل باليريان بلهفة، فاقترب الطبيب ليفحص النبض، ثم عبس بقلق.
“ نبضها… ضعيف جدًا.”
سادت لحظة صمت خنقت الأجواء، قبل أن يقطعه باليريان بصوت حاد:
“ ما معنى هذا؟“
“ في الواقع… لست متأكدًا تمامًا…”
قال الطبيب ذلك وهو يمسح جبينه المتعرق.
وما إن لمح بريق أعين باليريان الزرقاء وقد اشتد، حتى تلعثم وقال:
“ ه– هل سبق أن مرّت بمثل هذه الأعراض؟“
“لا …”
أجابت إيف وهي تهز رأسها.
“ في الواقع، لم يحدث شيء كهذا من قبل. هذا غريب فعلًا.”
“ إذًا، إيف… هذه أول مرة تمرّين بعارض صحي بهذه الخطورة، أليس كذلك؟“
“ قلت لك، لستُ مريضة إلى هذا الحد…”
لكن باليريان التفت إلى الطبيب وقال بحدّة:
“ أيها الطبيب!”
كانت نظراته حادة كالسيف.
“ هل ترى عائلة لودفيغ بلا قيمة لتتخاذل هكذا؟“
“ م– مستحيل يا سيدي!”
“ فإذاً قدّم فحصًا طبيًا محترمًا، حالًا.”
“ ل– للأسف، لا أستطيع الجزم بشيء حتى الآن…”
“ انتظر باليريان!”
وقفت إيف لتمنعه من التصعيد، لكنها شعرت بدوار مفاجئ وكادت تسقط، فأسرع إليها واحتضنها قبل أن تنهار.
عندها، بدت عليها ملامح التذكر، وتمتمت:
“… أعتقد أنني عرفت السبب.”
وفعلاً، حين تذكرت أنها لم تمرّ بدورتها الشهرية هذا الشهر، اتسعت عيناها.
وبعد أيام قليلة، انتشر الخبر كالنار في الهشيم في أنحاء العاصمة إن دوقة لودفيغ حامل.
_____________
ترجمه: سـنو
واتباد :
@punnychanehe
واتباد الاحتياطي:
punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 111"