استيقظت إيف اليوم أيضًا بحالةٍ ممتازة.
فمنذ عدة أيام، كانت تشعر بأن جسدها خفيف للغاية.
وكأنها لو قفزت في مكانها، لقفزت فوق الغيوم.
“يبدو أن تلك العشبة الأسطورية، أو أيًّا كان اسمها، كانت فعالة فعلًا.”
نظرت إلى نفسها في المرآة، فبشرتها بدت أفضل من المعتاد.
وبينما كانت تتأمل انعكاسها، تمتمت إيف بهمس:
“أشعر بالذنب دون سبب…”
فقد فكرت بالشخص الذي جلب لها تلك العشبة العجيبة.
باليريان الذي خاطر بكل شيء وجلب لها تلك العشبة النادرة من كابيلا، فقط بسبب كذبة واحدة منها.
شعور بالذنب اجتاحها فجأة.
وبالمقابل، تسلل القلق إلى قلبها كذلك.
ما العذر الذي يمكنني استخدامه الآن؟
لقد فقدت حتى رغبتها بالمقاومة.
وبينما كانت تحدق بشرود من النافذة، فكرت:
الجو غائم قليلًا اليوم. فعلاً، الطقس المشمس هو الأفضل.
فهي تحب الشمس المشرقة… لأنها تذكّرها بباليريان.
وفي اللحظة التي كانت تتأمل فيها المشهد، بدأت الغيوم الرمادية التي كانت تملأ السماء بالتلاشي دون أثر.
وعندما رأت ذلك بأم عينيها، لم تستطع تصديق ما رأت.
“ما هذا… بحق السماء…”
لقد بدا وكأن الغيوم هربت فجأة من السماء، مما جعلها تشعر وكأنها تحلم.
“آه!…”
وللتأكد من أنها لا تحلم، قرصت خدها… وكان الألم حقيقيًّا.
نظرت مجددًا إلى السماء، بوجه جاد.
لا بد أنه مجرد صدفة…
لكن شعورًا غريبًا بدأ يزحف داخلها. ولتجربة الأمر، تمتمت مرة أخرى:
“ليت السماء تمطر بغزارة الآن…”
لكن السماء ظلت هادئة.
تنهدت إيف بارتياح.
بالضبط! لو أن الطقس تغير بمجرد تمنياتي، لما كنت بشرًا بل حاكمًا!
ضحكت على سخافة فكرتها، فقد خطر لها أنها ساحرة، لذا ساورها الشك لوهلة.
لكنها سرعان ما توقفت عن الضحك.
“صحيح… ليس وقت الضحك الآن.”
لم يتبقَ سوى أقل من شهرين على موعد نزول القديسة يوري.
وهذا يعني أن الوقت الذي سينكشف فيه سرّ إيف بات وشيكًا.
“تبًّا…”
لم يكن الوقت مناسبًا للراحة.
قفزت من سريرها وبدأت تتجول في الغرفة بقلق.
ماذا سأقول لريان؟ يجب أن أجد عذرًا جديدًا…
نسيَت موضوع الانفصال وكل شيء آخر، فبقاؤها على قيد الحياة صار الأولوية.
لكنها استنفدت كل الأعذار الممكنة.
وفي تلك اللحظة، سُمِع صوت طرقٍ على الباب.
“تفضل بالدخول.”
“صباح الخير با إيف.”
وبمجرد سماع الصوت، عرفت فورًا من هو، فتفاجأت دون أن تدري:
“با… باليريان؟!”
شعرت وكأن قلبها سقط أرضًا.
ما الذي يفعله هنا في منزل الكونت وفي هذا الوقت المبكر؟!
“جئت لأتأكد من أن حالتك جيدة.”
“أ،أنا بخير! لكن… لماذا لم تعد إلى منزل الدوق بعد؟ لا بد أن الدوق قلق عليك كثيرًا.”
زياراته المفاجئة بهذه الطريقة تضعها في موقف صعب.
لكنها لم تبح بنيّتها، بل حاولت الإشارة إلى عائلته لتثنيه.
“أبلغت والدي أني آسف. على أي حال يا إيف… هناك مكان أريد أن أذهب إليه معك.”
صُدمت إيف قبل أن تستوعب أنه قضى الليلة في قصر الكونت، بل زاد صدمتها قوله بأنه يريد اصطحابها لمكان ما.
“…إلى أين؟“
سألت بشكل تلقائي ثم أغلقت فمها بسرعة. ورفضت سريعًا:
“أنا… لا أشعر أنني بخير كفاية للخروج اليوم…”
فهي لا تستطيع الخروج برفقة باليريان هكذا فجأة.
لكن باليريان نظر إليها بعينين مليئتين بالقلق.
“لهذا السبب بالذات، عليكِ أن تأتي معي.”
“…لـ،لماذا؟“
هل كان هناك خطأ في كلامها؟
نظرت إليه بدهشة وسألته مرة أخرى.
أمسك باليريان بيدها بإحكام وقال:
“سنذهب إلى المعبد. سنتأكد من حالتك باستخدام القوة المقدسة، وسنتلقى علاجًا مؤكدًا.”
“…لكنني بخير حقًّا.”
“ألم تقولي إنك مريضة قبل قليل يا إيف؟“
“صحيح… قلت ذلك، لكن لو استرحت قليلًا هنا فـ-“
“من الأفضل أن نتأكد من كل شيء. لا أستطيع أن أطمئن هكذا.”
رموش باليريان ارتجفت وهو ينظر إليها بقلق، مما جعل إيف غير قادرة تمامًا على رفضه.
لقد وقعت في شرك عذرها الذي اختلقته بلسانها. تمنّت لو أنها عضّت لسانها بدلًا من قول ذلك.
كان عليّ أن أختلق أمرًا آخر تمامًا!
أن تقول “أنا مريضة” لشخص قلق عليها أصلًا… كان أسوأ عذر ممكن.
‘ولا يمكنني الآن أن أعترف أن مرضي كان كذبة.’
نظرت إلى عينيه الزرقاوين الصافيتين، ولم تجد بُدًّا من أن تبدأ بتجهيز نفسها للخروج.
* * *
“إيف! هل حالتك جيدة؟“
اقتربت رئيسة الكهنة آرييل من إيف بقلق، وتفقدت حالتها الصحية.
رغم أن تصرفها المبالغ فيه كان يسبب لها إحراجاً، إلا أن إيف أومأت برأسها بشكل متوتر.
“أنا بخير الآن، سيدتي الكاهنة.”
“آه، حقاً؟ هذا خبر سار.”
سرعان ما تحولت نظرة آرييل عن إيف، فتغيرت من القلق الشديد إلى عدم مبالاة سريعة، متباينة بشكل واضح مع تعبيرها السابق. ابتلعت إيف زفرة سرية في قلبها، وكانت تفضل هذا التجاهل.
“آه، بالمناسبة، باليريان. لو كنت عدت لكان يجب أن تأتي إلى المعبد أولاً! كيف تدخل هكذا الآن؟“
كانت آرييل تبدو أكثر حماسة من المعتاد.
سأل فاليريان: “هل حدث شيء ما؟“
ارتسمت ابتسامة على شفتي آرييل، مختلفة في شدتها عن المعتاد. حتى إيف التي تعرفها منذ أكثر من عشر سنوات، لم ترَ رئيسة الأساقفة تبتسم هكذا من قبل.
‘لابد أن هناك أمراً يثير فرحتها وحماسها الشديد.’
إيف التي لم تكن تعلم أن الأمر متعلق بنزول القديسة، ظنت أنه شيء جيد مهما كان.
تمكنت آرييل بصعوبة من كبح حماسها وقالت لياليريان:
“هذا ليس المكان المناسب للحديث عنه، سنتحدث لاحقاً.”
“حسناً، فهمت. لكن يجب أن أوصل إيف لذا لا أستطيع البقاء طويلاً.”
“حقاً؟ إيف، ألا يمكنك العودة بمفردك؟“
رفضت إيف فوراً بهزة رأس. هذه فرصة لها!
“أنا أستطيع العودة بمفردي تماماً يا باليريان، يبدو أن رئيسة الكهنة مشغولة بأمر مهم، ابق هنا ولا تقلق بشأنّي.”
قال باليريان بغضب خفيف:
“لو كان الأمر بيدي لما جلبت الإكسير الخالد من الأساس.”
إذا كان الرفض بلطف وبحزم يُعتبر مهارة، فإن باليريان كان بارعًا فيها. شعرت إيف بالحرج.
‘باليريان لم يكن هكذا أبداً…’
صمتت إيف.
في تلك اللحظة، اقترب الكهنة الذين كانوا بجانبهم.
“أه… السير لودفيغ.”
كان هؤلاء الذين تجمعوا بعد سماع شائعات عن باليريان وإيف.
الكهنة الذين اكتشفوا أن الشائعات المتعلقة بالإكسير الخالد صحيحة، لم يتمالكوا أنفسهم وبدأوا الكلام.
“هل حقاً ذهبت إلى غابة التنين لجلب الإكسير؟“
“نعم.”
“واو…”
أبدى الكهنة إعجابهم وردّوا بإعجاب على تصريح باليريان، مما أثار دهشة إيف التي كانت تستمع للمحادثة.
“ماذا؟ غابة التنين؟“
رغم عدم اهتمامها الكبير بالأمور، كانت تعرف عن غابة التنين.
كان ذلك مكاناً ممنوعاً.
لأن لمس أي شيء يعتز به التنين قد يجلب كارثة عظيمة.
سأل الكهنة بنظرات متألقة:
“سمعنا أن الكابيلا من كنوز التنين، كيف أحضرته؟“
ابتسم باليريان بابتسامة محيرة بين كل هذا الاهتمام وقال:
“كنت محظوظاً.”
“التضحية بالحياة من أجل الحب! حتى الحاكم سيعجب بهذا الإخلاص.”
تحولت نظراتهم الممتلئة بالاهتمام إلى مشاعر تأثر حقيقي. فليس من السهل أن يكون الإنسان مستعداً لفعل ذلك من أجل حبيبته.
ابتسم الكهنة بسعادة دافئة، وكأن قلوبهم امتلأت بالإنسانية.
‘آه… اللعنة.’
بالطبع، إيف لم تستطع أن تبتسم لوحدها.
كل هذا ممكن لأنهم يؤمنون بشدة أن مرضها مستعصي.
كانت ضمائرهم تؤلم قلبها بشدة.
سألها ياليريان بقلق:
“هل تشعرين بأي ألم يا إيف؟“
حينما نظر الكهنة المحيطون بها بارتباك، قالوا:
“آه! نعتذر يا آنسة إستيلا. لم نكن ننتبه بما فيه الكفاية. كيف لجعل من تعافت لتوها تقف هكذا…”
“لا، لا بأس.” (تسعل)
أطلقت إيف كحة، وكانت تود الهرب من هناك حتى لو تظاهرت بالمرض.
لم تستطع البقاء وخداع هؤلاء الناس الطيبين والبرئ، فقد كانت ضمائرها تؤنبها.
قالت آرييل بابتسامة دافئة وهي تمسك بإيف برفق:
“سأتولى علاجك شخصياً. تعالي معي.”
“شكراً جزيلاً، يا رئيسة الكهنة.”
قالت آرييل مازحة لباليريان لتطمئنه:
“حسناً، طالما أنها مخطوبة لأحد، فلا بأس.”
دخلت إيف غرفة العلاج مع آرييل وهي تشعر بالتوتر يتلاشى.
‘في الرواية الأصلية، يُقال إن يوري الوحيدة القادرة على اكتشاف قوتي السحرية.’
لذلك، على الأرجح، لن تستطيع آرييل اكتشاف قوتها.
“انا حقًا بخير يا رئيسة الكهنة. في الحقيقة تظاهرت بالمرض لأن اهتمام الكهنة كان مزعجاً.”
“حقاً؟ نعم، منذ الصغر لم تحبي أن تكوني محط اهتمام الناس.”
أومأت آرييل موافقة على كلام إيف برحابة صدر.
“لكن ما كان مفاجئاً أن تعطي خطيبك الخاتم أولاً.”
“نعم، هذا صحيح…”
كان صوت آرييل يحمل نوعاً من البرود الذي لم يكن موجوداً من قبل، مما سبب شعوراً غريباً لإيف، لكنها وافقت بخجل.
أصبحت تلك اللحظة من أكثر الأشياء التي تندم عليها في حياتها.
من كان يعلم أنها ستولد بمصير ساحرة؟
لم تقل إيف شيئاً، وأغلقت فمها بإحكام.
شعرت بعدم الارتياح من كون الحديث يتركز حولها باستمرار.
فتحت إيف فمها مجدداً وهي تتذكر الحوار الذي دار بين آرييل وباليريان:
“كنت تبدين سعيدة عندما التقينا أول مرة، هل يمكنني أن أسألك ما الأمر؟“
ابتسمت آرييل ابتسامة مماثلة لتلك السابقة، مزيج من الحماس والفرح الغريب.
‘لابد أن هناك أمراً جيداً حقاً.’
شعرت إيف بالفضول لرؤية آرييل تكتم سرها بصعوبة.
“سأخبرك إياه لأنكِ إيف فقط، ولكن احفظي السر.”
همست في أذنها:
“في الواقع… لقد نزلت نبوءة عن اقتراب نزول القديسة.”
ترجمة : سنو
انستا : soulyinl
واتباد : punnychanehe
التعليقات لهذا الفصل " 11"