بعدما تلقّى التقرير من كانييل، بدأ الصداع يزحف إلى رأس زافيير، فرفع يده يدلّك ما بين حاجبيه.
‘حملٌ…؟‘
لو وصل هذا الخبر إلى آذان باليريان…
ما الذي قد يحدث؟ من المؤكد أنه سيُجنّ، لكن بأي صورة؟ هذا ما لم يستطع زافيي أن يتخيله، وهو ما جعله يشعر بالقلق.
“لا تُخبروا الدوق لودفيغ بشيء في الوقت الحالي.”
لكن عدم صدور أي رد أزعجه، فرفع حاجبًا وهو يقول:
“كانييل؟“
وكانييل وقد بدا التوتر واضحًا في ملامحه، تردد قليلًا ثم اعترف بصوت خافت:
“في الواقع… أخبرته وأنا في طريقي إلى هنا…”
فمجرد رؤيته لباليريان جعلته ينسى كل التعليمات ويشاركه الخبر بلا تفكير.
هو ليس بغريب أليس كذلك؟ وما الضير في أن يسمع شيئًا مفرحًا كهذا؟
وحين رأى بشائر الحياة تعود إلى وجه باليريان الكئيب، اقتنع كانييل أن قراره لم يكن خاطئًا.
“وكيف تقول له ذلك؟ لقد أزداد الأمر تعقيدًا!”
“أعتذر يا سمو الأمير… لكن، بما أن الفرصة سنحت، فهلّا وافقت على استقالتي؟“
قالها بسرعة، كأنه كان ينتظر هذه اللحظة.
فأجابه زافيير وهو يضيّق عينيه:
“كانييل، وأين ستذهب وتترك جلالة الإمبراطور مريضًا؟“
“لكن حالته تحسّنت كثيرًا بفضل سحر السيدة لودفيغ، أليس كذلك؟“
‘نعم، إيف لودفيغ…’
كان سحرها مذهلًا بحق. ربما لأنها لا تزال تشعر بالذنب تجاه تناولها إكسير الخلود الوحيد في العالم فقد تطوعت لعلاج الإمبراطور.
وقد نجحت بالفعل، فقد كان المرض لعنة سحرية، ووجد السحر طريقه إليه.
كانييل كإنسان فرح بالنجاح… لكنه كطبيب، لم يستطع الشعور بالراحة.
رؤية مرض لا دواء له يُشفى بالسحر جعلته يتساءل عن جدوى الطب نفسه.
وزافيير الذي كان يعرف ما يدور في نفسه قال:
“كانييل، هل المريض الحقيقي هو فقط من يعاني من داءٍ لا يُرجى شفاؤه؟“
“………مولاي.”
“أنا لا أقول إنني لا أفهم وجهة نظرك… لكن سيأتي يوم يظهر فيه مرض لا يجدي معه سحرٌ ولا دواء. فقل لي، يا كانييل… إلى أين سيذهب من يُصاب به؟“
“لقد كنتُ ضيّق الأفق، يا مولاي.”
“لا بأس، فقط احرص ألا تُطلق مثل هذه الكلمات أمام الآخرين بسهولة. عملك ما يزال ذا قيمة كبيرة.”
“أشكرك… يا مولاي.”
نظر زافيير إلى كانييل الذي كاد يبكي تأثّرًا، وشعر بالارتباك.
فقد بات من الصعب عليه أن يؤنّبه بعد الآن.
‘أشعر وكأنني وقعت ضحيته بطريقة ما…’
وما إن خرج كانييل من المكتب، حتى سُمِع صوت طرقٍ متسارعٍ على الباب.
طق، طق، طق، طق—
طرقات تنم عن عجلة وشخصية نارية لا تخطئها الأذن.
ولم يحتج زافيير إلى كثير من التفكير ليعرف من الطارق.
“ادخل.”
فُتِح الباب بعنف.
“ما قاله كانييل… هل هو صحيح؟!”
أي لعنة دفعت هذين الاثنين إلى أن يتقابلا وجهًا لوجه؟!
بقي زافيير صامتًا، لكن باليريان فسّر الصمت على طريقته.
واشتعل وجهه بالحمرة شيئًا فشيئًا.
“حقًا… إيف حامل؟“
بدت السعادة على ملامحه بشكل فج، فتردد زافيير هل يسكب عليه دلوًا من الماء البارد أم لا، لكنه قال أخيرًا:
“باليريان، أرجو أنك لم تنسَ في أي موقف أنت الآن.”
وسرعان ما خمدت ملامح الفرح في وجهه، لتعود الكآبة، ثم لاح أملٌ صغير جعل عينيه تلمع من جديد:
“ربما، الآن بعدما علمت بالحمل… قد تكون غيّرت رأيها.”
“باليريان!”
مدّ زافيير يده ليمنعه من الانطلاق، لكن باليريان خرج مسرعًا، وتركه واقفًا يشير بيده إلى الفراغ.
هزّ رأسه وتنهد، ثم تمتم:
“إنه يستخف بعناد إيف إستيلا…”
فهو يعرفها جيدًا.
حتى لو كانت تحمل طفلاً، فلن تتراجع عن قرارها من أجل ذلك.
من المؤسف أن الزوج وحده من يجهل أن زوجته بهذه الدرجة من البرودة والقسوة.
* * *
بينما كان كانييل يفحصها، اندفع نواه إلى الداخل وقد أنهكه الانتظار في الخارج.
“هاي، كيف أقنعته؟“
وبما أن ملامح كانييل لم تكن توحي بشيء سيئ، افترض أن الكذبة قد نجحت، فدخل مطمئنًا. لكنه سرعان ما تجمّد حين رأى وجه إيف شاحبًا كأن الدم انسحب منه.
“ما الأمر؟ هل كشف أمرك؟“
“لا… لم يكتشفني بالضبط…”
“لكن؟“
ثمة شيء غريب في نبرة صوتها، فألحّ نواه مستفهمًا.
“قال لي إني حاملًا… ثم غادر.”
“ماذا؟ قال إنكِ حامل؟“
شهق نواه وكأن أنفاسه انقطعت.
دار بعينيه حائرًا لا يدري كيف يستوعب الموقف، ثم تمتم بشيء أقرب إلى الكلام:
“آه… مبروك؟“
“المشكلة أني لست حاملًا أصلًا!”
“ماذا؟!”
صار رأس نواه يدور كأن الدنيا تلف به.
أولًا ظن أن الأمر مرض ثم اتضح أنه حمل، والآن تبيّن أنه لا حمل ولا مرض!
ما الذي يحدث بالضبط؟
نظرت إليه إيف، وقد تمدّدت على الأريكة منهكة، وشرحت له باختصار ما جرى.
وبينما كان يستمع، تغيّر لون وجه نواه مرارًا، بين الاحمرار والاصفرار.
“… أوليس نحن في ورطة حقيقية؟“
“لا تقل نحن. الورطة ورطتي أنا.”
تجهم وجه إيف، إذ كانت تعلم أن أفراد عائلتها كانوا دائمًا يربطون أفعالها بمسؤولية جماعية، مما جعل الحديث عن الطلاق أكثر تعقيدًا.
“اسمعي، ربما من الأفضل أن تتصالحي معه.”
“ألم تكن تقول قبل قليل إنه مجنون ويجب أن أطلقه؟“
“فكرت في الأمر جيدًا بالخارج… ولو كنتِ أنتِ من فعل شيئًا كهذا، فأظن أن اندفاعك هو ما جعلك تسيئين فهمه.”
“هاي! هل أنت أخي أم من عائلة باليريان؟“
“هل عاملتِني يومًا كأخ؟“
“لا، أبدًا.”
أجابت دون تردد.
نظراتها كانت صافية، لا شائبة فيها ولا تظاهر، مما جعل نواه يصمت مصدومًا من وضوحها المفرط.
“حقًا، لا أصدق…”
“هذا ليس مهمًا الآن.”
لوّحت إيف بيدها وكأنها تطرد شيئًا، راغبة في تغيير الموضوع. فالوضع لم يكن يحتمل هذا النوع من الثرثرة.
“ما يهم الآن هو شيء واحد، كيف نُصلح هذه الفوضى؟“
“ببساطة، قولي الحقيقة!”
قالها نواه كأنه لا يرى داعيًا للسؤال أصلًا.
“وفي هذا التوقيت؟! بعد أن وصلت الأمور إلى هذا الحد؟“
“هل تنوين التظاهر أنك حامل؟!”
“……..”
لم ترد إيف، لأنها كانت تعلم أن الاقتراح جنوني.
أحست بجرح في كبريائها، كونها بدأت تنهزم أمام مناظرة مع نواه. لكنها لم تكن ساذجة إلى درجة إنكار الواقع.
‘صحيح… لا بد من قول الحقيقة.’
تناولت أوراق الطلاق من على الطاولة.
موعد تقديمها بات على الأبواب.
رغم أنها كانت تنتظر هذه اللحظة طويلًا، إلا أن مشاعرها كانت متضاربة.
كانت واثقة بأنها ستضعف حين ترى وجهه، وهذا ما جعلها تتجنّب مقابلته طوال الوقت.
* * *
في اليوم التالي.
جلست إيف داخل العربة، تحدّق عبر النافذة في المشهد الخارجي.
كانت الثلوج تتساقط بغزارة، والبرد قارسًا إلى حد أن أنفاسها تحولت إلى سحب بيضاء.
‘كلما فكرت في الأمر، ازداد غرابة…’
من المفترض تقديم أوراق الطلاق في مقر شؤون الأحوال المدنية.
لكنه قريب من القصر الإمبراطوري، واليوم هو يوم إجازة هناك.
لماذا إذن طُلب منها تقديمها في القصر؟
‘منذ متى صار لمقر شؤون الأحوال المدنية إجازات؟‘
الجواب كان لا، لم تكن لديهم عطلات أصلًا. باستثناء المناسبات الكبرى كعيد التأسيس، كان مقر شؤون الأحوال المدنية يعمل بلا توقف. وسبق أن طالب الموظفون بإجازات، لكن تم إخماد الاحتجاج بإعطائهم بديلًا نقديًا للعطل.
واليوم، بالصدفة البحتة، إجازة الدائرة؟
وفي اليوم ذاته الذي ستقدّم فيه أوراق الطلاق؟
‘أشعر أن هناك أمرًا مريبًا…’
لكن العودة لم تكن خيارًا. إن لم تقدّم الأوراق اليوم، فستفقد صلاحيتها القانونية.
وفي القصر، كان باليريان جالسًا في غرفة الاستقبال، يتأمل الخارج بوجه يملؤه القلق.
ينظر إلى النافذة، ثم يغض بصره، ثم يعاود النظر مرة أخرى.
‘إما أن تنظر من النافذة بشكل طبيعي، أو لا تنظر على الإطلاق. قرر!’
تنهد زافيير الذي كان يراقبه بضيق.
عاد باليريان ينظر من النافذة، وقال:
“آمل ألا تأتي إيف اليوم.”
“طبيعي. لأن قدومها يعني أنها عازمة فعلًا على الطلاق.”
“ولهذا لا أعرف… أريد أن أرى، لكن لا أريد أن أرى في الوقت نفسه.”
لم يرد زافيير، اكتفى برشفة من الشاي.
باليريان المسكين، الذي بذل جهدًا كبيرًا ليصل إلى الزواج، ها هو الآن على وشك فقدانه. وتحت ضغطه أعلن عن إجازة مفاجئة لكل مقر شؤون الأحوال المدنية.
القرار فاجأ الموظفين، لكنهم ما لبثوا أن ابتهجوا لأنه إجازة مدفوعة الأجر.
طبعًا، الأجور كانت على نفقة عائلة لودفيغ.
‘بفضله وحده، يعيش موظفو الدولة أزهى أيامهم.’
لكن زافيير لم يكن مرتاح الضمير. أحس أن هذه الفوضى سببها ملاحظة صغيرة كتبها في نهاية الرسالة التي أرسلها لإيف.
‘وإن انتهى الأمر بالطلاق فعلاً…’
لم يجرؤ حتى على تخيّل ما سيفعله باليريان بعدها.
زفر بضيق وعقد ذراعيه وشدّ حاجبيه حتى كادت جبهته تتجعد من التفكير.
“باليريان، هذه آخر مرة أتدخل فيها.”
‘يجب أن تكون الأخيرة… إن تكرّر هذا، سأفضّل الموت.’
نظر إليه زافيير بطرف عينه. بدا واضحًا كم شُغل قلبه في الأيام الماضية، فوجهه شاحب وهزيل، ونظراته حادة.
حتى موظفو القصر صاروا يتحاشونه، لا أحد يجرؤ على مبادرته بالتحية إن لم يبدأ هو.
‘أشعر وكأن هذا المشهد تكرر من قبل.’
تذكر زافيير كيف هُجِر باليريان سابقًا بشكل مفاجئ بعد فسخ الخطوبة، وما عاناه من مصاعب لاحقًا.
عندها سمع همهمة:
“…انظر هناك.”
نظر زافيير إلى الخارج مع باليريان، فاتسعت عينا زافيير الخضراوان قليلاً.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 109"