< الخاتمة 1-2>
“إيف !”
بعد مرور بعض الوقت، هرع باليريان نحوها لاهثًا، وإلى جانبه كان الطبيب الذي جاء معه غارقًا في العرق من شدة الجهد.
كان باليريان قد أحضر الطبيب بنفسه بعدما علم أن حالتها ليست على ما يرام.
‘ لم أكن أتوقع أكثر من وصفة دواء بسيطة…’
لم تكن تظن أنه سيأتي بطبيب على وجه السرعة.
شعرت إيف بالذنب تجاه الطبيب الذي بدا مرهقًا بسبب تمارضها.
‘ أنا آسفة…’
اعتذرت في سرها، وهي تدرك أن اعتذارها لن يصله.
“ إيف، هل أنتِ بخير؟“
لكن المفارقة أن باليريان، الذي كان قلقًا إلى حد إحضار طبيب، بدا هو نفسه أكثر شحوبًا منها.
‘ في الحقيقة، يبدو هو المريض هنا…’
دارت عيناها بتوتر، لتقع على نظرات صبي يلوّح لها بإشارة “ كل شيء على ما يرام“.
وبالقرب منه، وقف صاحب المقهى الذي كان قد حفظ لها الزهور والخاتم.
‘ ما الذي تفعله هناك؟‘
أن تتلقى عرض زواج بينما يحدق بها هذا العدد من الناس… شعرت بالحرج الشديد.
‘ اللعنة… ألا يوجد من يفقدني الوعي للحظة فقط؟‘
في تلك اللحظة، كانت مستعدة لأن يسقط حجر على رأسها لتفقد الوعي وتفلت من هذا الموقف المحرج.
نعم، كانت تتمنى ذلك بكل جوارحها.
لكن للأسف، لم تكن ضعيفة إلى هذا الحد، ولم تكن ستفقد وعيها لأمر كهذا.
بل وحتى الخمر لا يُسكرها، بفضل عشبة الخلود التي أعطاها لها باليريان.
… ولذا كان عليها مواجهة هذا الموقف بكل وعيها.
‘ يا إلهي… هل عليّ فعل هذا فعلًا؟‘
رفعت إيف عينيها نحو باليريان بنظرة مصدومة.
فهم تلك النظرة على أنها لا تزال مريضة، فسارع يطلب من الطبيب فحصها.
“ أرجوك، افحصها بسرعة!”
لكن الطبيب، الذي لم يكن قد التقط أنفاسه بعد، بدا هو الآخر في حالة يُرثى لها من التعب والعرق.
‘ ربما من الأفضل أن تريح هذا المسكين أولًا.’
“ آه، نعم، هاه…!”
حمل الطبيب سماعته وتقدم لفحصها بجدية، لكنها رفعت يدها رافضة بلطف.
“ لقد ارتحت قليلًا، أشعر بتحسن الآن. يمكنك العودة، آسفة لإزعاجك. وسأتكفل بأجرك كاملًا.”
“هاه؟ آه …!”
تردد الطبيب متفاجئًا، بينما تجهم وجه باليريان.
“ إيف، ألم تتعهدي بعدم إخفاء شيء عني؟ لقد قلتِ بنفسك أنك لستِ بخير قبل قليل…”
“… لكنني أشعر بتحسن الآن، صدقني.”
قالت هذا رغم شعورها بالذنب، وقد أخفت باقة الزهور وخاتم الخطوبة خلف ظهرها.
لا بد أن الطبيب يغادر حتى يتمكن باليريان من التقدم بخطبته.
! أرجوك، غادر الآن…’
نظرت إلى الطبيب نظرة ترجٍّ، لكنه لم يفهم مغزاها وبقي واقفًا في حيرة.
ثم، وقف أمامها جسد باليريان الطويل، فحجبها تمامًا عن نظر الطبيب، حتى إن الطبيب لم يعد يرى نظراتها المتوسلة إليه.
مما جعل الموقف أكثر حرجًا بالنسبة لها
‘ لا يمكنه التقدم بعرض الزواج هكذا أمام الناس!’
كانت تتمنى طرد الطبيب أولًا، ثم التمهيد للأمر لاحقًا.
لم تكن مناسبة للخطوبات العلنية.
‘ في الحقيقة، هذا أشبه بعرض زواج علني بالفعل…’
تذكرت بائع الزهور وصاحب المقهى المختبئين في مكانٍ ما يراقبون بوجوه مليئة بالحماس، فقبضت على قبضتيها بشدة.
كادت تضربهما لتُبعدهما!
“إيف …”
عندما نظر إليها باليريان، بدا وكأن عينيه الزرقاوين تلمعان بالدموع.
فزعت إيف من هذا المنظر وسارعت إلى تبرير موقفها.
“ لا، لا! ليس الأمر كما تظن!”
لكن… كان الأوان قد فات.
من نظرته، أدركت أنه واثق تمامًا بأنها تخفي أمرًا ما. ولكن لمَ يبدو واثقًا إلى هذا الحد؟
أرادت أن تسأله، لكنها عندما تذكرت ما فعلته مؤخرًا… أدركت أنها لا تملك حجة تبرر بها شيئًا.
‘ لا بأس… لا مهرب من هذا الآن.’
وإن كانت لا تستطيع تبديد شكوكه بكلمات، فما عليها سوى المضي قدمًا.
وبلا مقدمات، مدت إليه باقة الزهور التي كانت تخفيها.
سمعت صوتًا يهمس من بعيد بـ “ آه…” لكنها تجاهلته.
‘ أعلم… أعلم كم أن هذا سخيف…!’
شعرت برغبة في البكاء.
“…….؟ “
حدّق باليريان باندهاش في الباقة التي قُدّمت له فجأة دون تفسير.
ثم، وبينما نظراته تعجّ بالدهشة، ترددت إيف قليلًا وفتحت فمها بتلعثم:
“…إنها … مفاجأة …!”
‘ آه، لما لا أُجيد الاعتراف أبدًا؟!’
أخذت تندب حظها في داخلها وهي ترى نفسها محاطة بمراقبين مختبئين، وطبيب واقف أمامها بوجه حائر، وهي مضطرة لتقديم عرض زواج في هذا الموقف العبثي.
‘ لو أنني فقط دعوتَه إلى المنزل بدلًا من هذا…!’
لكن بعد أن سلّمته الزهور، لم يعد من الممكن التراجع.
‘ ربما أتمسك بفكرة أنها مفاجأة ليس إلا…’
‘ سأدّعي أنه يوم مميز اخترعته، والزهور هي هدية فقط، وأؤجل عرض الزواج إلى وقتٍ لاحق.’
‘ نعم، هذا حل مناسب.’
لكن قبل أن تتم قرارها تمامًا…
“… إيف، لا تقولي إنك…!”
اتسعت عينا باليريان فجأة.
فتح فمه وكأنه على وشك قول شيء، لكنه سرعان ما أغلقه مجددًا وبقي صامتًا.
رؤيتها له بهذه الحال جعلت إيف تدرك أنه لا فائدة من التراجع الآن.
‘ لقد فهم الأمر…’
وإن أنكرت الآن وقالت إنه ليس عرض زواج، سيبدو باليريان سعيدًا من الخارج، لكنه سيتألم داخليًا بلا شك.
‘ لقد بدا عليه منذ مدة أنه يريد الزواج فعلًا…’
ورغم ذلك، حرص ألا يُثقل عليها أو يفرض الأمر، بل لم يصرّح به صراحة.
خصوصًا بعدما تعافى مؤخرًا وتسلّم منصب قائد الفرسان، مما جعله يقضي وقتًا أطول في القصر، فقلّت لقاءاتهما بعض الشيء.
‘ آه، ما الذي عليّ فعله؟‘
رآها تتردد وتُحجم عن الكلام، فبدت ملامح باليريان غامضة. وكأنه يحاول كتم ابتسامة، أو لا يعرف كيف عليه أن يرد.
‘لا أعلم …!’
بما أن الأمر قد انكشف بالفعل، فإن التردد لن يزيده إلا تعقيدًا وسوء توقيت.
وإذ عقدت إيف عزمها، نهضت فجأة من على المقعد.
“ ر– ريان!”
“…نعم، إيف .”
كان رده متوترًا على نحو واضح.
أما إيف، فجمعت ما تبقّى لديها من شجاعة متناثرة في الأرض، ثم أخذت نفسًا عميقًا.
‘ بما أن عرض الزواج يحدث مرة واحدة في العمر، فلا بد أن يكون رومانسيًا، ومعسولًا لدرجة تذوب معها الألسن!’
كانت تردد في ذهنها النصائح التي همس بها إليها فتى متجر الزهور قبل قليل.
“ سأكون خطيبتك الأبدية.”
“ عزيزي، ترقّب هذه الليلة… آه! لماذا تضربني؟!”
… لا، هذا غير مناسب.
حتى وهي تفتقر للخبرة في مثل هذه المواقف، فهمت أن تلك النصائح لم تكن ذات فائدة تُذكر.
أن يُقدّم لها مثل هذا الكلام السخيف تحت مسمّى “ مساعدة مجانية” كان بالفعل أمرًا يستحق أن لا تدفع له ولو فلسًا واحدًا.
باختصار، اليوم ليس يومها.
كادت أن تتراجع وتعيد التفكير، لكنها شعرت بنظرات حادة جعلتها تتوقف.
رفعت عينيها بلا وعي، لتجد باليريان يحدّق بها بإصرار لا يفتر.
‘ حسنًا… بما أنني وصلت إلى هنا، فلأكمل ما بدأت.’
الانسحاب الآن سيبدو أكثر بؤسًا.
فتحت فمها من جديد، وعيناها الياقوتيتان التائهتان استقرتا أخيرًا عليه، ثم نطقت بحزم:
“ هل تتزوجني؟“
فتحت علبة الخاتم التي كانت تخفيها، ومدّتها مباشرة أمام وجهه.
عندها ظهر الخاتم الذي اختارته بعد تفكير طويل.
كان في وسطه حجران ياقوت وزفير، متداخلين بتناغم، يلمعان بنعومة تحت وهج الغروب، وقد نُقش على الخاتم اسماهما معًا.
( لون عيون إيف ياقوتي ولون عيون باليريان متل حجر الزفير)
أمعن باليريان النظر في الخاتم بعيونه الزرقاء الصافية.
أما هي، فازدردت ريقها بقلق، إذ لم يكن يُبدي أي رد فعل.
‘ لمَ لا يأخذه؟‘
‘ لا يكون… هل سيرفض؟‘
تسللت الشكوك إلى قلبها وبدأت تبرد بعد أن كانت تغلي خجلًا وترقّبًا.
وهي تسترجع ما اقترفته في حقه طوال الفترة الماضية، أدركت أن طلبها للارتباط الأبدي به ربما لا يُمكنه أن يتقبّله بهذه البساطة.
‘ لكن رغم كل شيء…’
كانت إيف تريد أن تبقى معه. لقد قررت ألا تخفي عنه شيئًا بعد الآن، وأن تكون دائمًا صادقة معه.
لكنها لم تكن بحاجة لشرح شيء، لأن ما فعله بعدها جعل وجهها يشتعل خجلًا من جديد كبركانٍ ثائر.
“أوه …؟ “
فجأة، أمسك بذقنها بلطف وقرّب وجهه ليطبع قبلة على شفتيها.
ثم ابتسم وهو يهمس لها بصوت خفيض:
“ ما رأيك أن نتزوج الآن؟“
انحنت عيناه الزرقاوان اللتان تشبهان صفحة السماء بابتسامة دافئة ومليئة بالحب.
أما وجهها، فاحمرّ بلون الغروب خلفه، ولم تبدُ عليه أي علامة من علامات الهدوء.
ومع ذلك، أومأت برأسها بخفة.
في تلك اللحظة، بدا كأن العالم كله قد اختفى من حولهما، ولم يبقَ سوى هما في مركز الوجود.
ثم توالت قبلة أخرى، أحلى من سابقتها.
__________
< نهاية الخاتمات>
ترجمه: سـنو
واتباد :
@punnychanehe
واتباد الاحتياطي:
@punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 102"
أبغىىى أصيييييححححححح