“إيف، لا أعتقد أن الكونت والكونتيسة فعلا ذلك بنية سيئة.”
وأردف بابتسامة:
“ففكرة المُتحف التذكاري هي أن تبقى الذكرى حية. وشراء تذكار صغير منه يجعل الزيارة أكثر أثرًا في النفس، أليس كذلك؟“
كلماته الرقيقة خففت من حدّة تعبيرات وجهها، ولم تستطع إنكار منطقيته.
‘صحيح، ما قاله معقول.’
من الطبيعي أن تترسخ الذكريات أكثر حين يعود الزائر بشيء ملموس، لا بمجرد صورة ذهنية.
فالبشر بطبعهم يتذكرون ما يلمسونه أكثر مما يتخيلونه.
قفز والداها على الفرصة، وسرعان ما انضما لرأيه:
“أجل! هذا بالضبط ما قصدناه!”
لكن إيف كانت واثقة تمامًا من نواياهما الحقيقية.
هي تعرف أنهما يبيعان هذه الأشياء بدافع المتعة والفضول، لا لأي سبب عميق كما يدّعيان الآن.
لكنها رغم ذلك لم تعلق.
‘حسنًا، لا بأس… طالما أن الذكرى ستبقى، فالقصد لا يهم.’
ثم نظرت إلى لافتة الكشك التي كُتب عليها “متجر التذكارات السحرية“، وتنهدت بعمق قبل أن تتابع طريقها.
* * *
بعد خروجهما من قاعة المتحف التذكاري، رفعا رؤوسهما نحو السماء.
لقد اكتست الأفق ألوان الغروب؛ مزيجًا من الأحمر والذهبي، وقد غطّى المشهد بسكينة حالمة.
راح الزوّار يغادرون المكان جماعات، يتبادلون الضحكات والحديث، في مشهد يملؤه السلام والطمأنينة.
إيف التي كانت تشاهدهم شاردة، تذكّرت فجأة أن عودتها الآن ستكون مضيعة لهذه الفرصة.
‘اليوم بالذات، لا بدّ أن أنهي ما بدأته.’
ترددت قليلًا، ثم نظرت إلى باليريان الذي كان يتأمل الشمس الغاربة خلف الأفق، وقالت بتردد:
“ما رأيك أن نتمشّى قليلًا في منتزه البحيرة؟“
نظر إليها متسائلًا:
“هل أنتِ جائعة؟“
هزّت رأسها بسرعة نافِية:
“لا، لا… أردتُ فقط أن أتمشّى.”
هل يظنني دائمًا ما أجوع؟!
رمقته بنظرة جانبية حادة، لكنه ضحك بلطف وأمسك بيدها:
“بالنسبة لي، أي وقتٍ معك هو وقت جميل.”
كانت حرارة يده أشد من المعتاد، مما جعل قلبها يخفق بقوة وهي تخطو إلى جانبه.
غير أن باليريان لم يلبث أن لاحظ أن إيف تمشي بصمتٍ غير معهود دون أن تتفوّه بكلمة.
وما أقلقه أكثر هو شحوب وجهها الملفت.
اقترب منها قلقًا وسألها:
“إيف، هل تشعرين بتوعّك؟“
“لا… أنا بخير، لا تقلق—”
لكنها سرعان ما غيّرت رأيها وهزّت رأسها بالإيجاب بدلًا من النفي.
كانت هذه فرصتها، ولا يجب أن تضيع.
“في الحقيقة… لا أشعر أنني بخير. سأذهب لعيادة قريبة وأعود بسرعة، هل يمكنك انتظاري هنا؟“
“سأذهب أنا! أنتِ اجلسي هنا وارتاحي.”
وقبل أن تستطيع الاعتراض، كان باليريان قد انطلق مبتعدًا في عجلة.
“هاه؟!”
أنا التي كان من المفترض أن تذهب…
نظرت إليه يبتعد بعينين خاليتين من الحيلة، ثم تنهدت بعمق:
“لا بأس… لا مفرّ من الأمر.”
وبخلاف ما طلب منها أن تبقى جالسة، وقفت على الفور وكأن لا شيء بها.
لم تكن تشبه مريضة بأي شكل.
“عليّ أن أُسرع وأُحضر الزهور والخاتم.”
كانت قد أودعت الزهور والخاتم لدى مقهى قريب مساء البارحة.
كان من المفترض أن يعرض عليّ باليريان الزواج في هذا المكان…
وتذكّرت ذلك اليوم الذي فاجأها فيه بطلب الزواج، فيما كانت هي على وشك إخباره برغبتها في الانفصال.
امتلأ فمها بجفاف مرير، وكأن حبيبات رمل تدور فيه.
“حسنًا… هذه فرصتي للتعويض.”
دخلت المقهى بخطى حازمة، لكنها تجمدت فور أن وقعت عيناها على وجه مألوف.
“أوه… أنت؟ ماذا تفعل هنا؟“
كان الفتى الصغير الذي يعمل كبائع زهور، ذاك الذي اعتاد أن يبيع لها الزهور عندما كانت تزور باليريان أثناء مرضه.
اقترب منها متهلّلًا:
“واو! هل الشخص الذي ستطلبين يده هو ساحر؟!”
“آه… لا، ليس كذلك.”
اللعنة… من بين كل الناس، يُصادف أن يكون هذا الفضولي هو من رآني!
أكمل الفتى بثقة:
“آه، لا تحاولي الإنكار! وجهكِ تمامًا كوجه من يستعد لطلب الزواج! كثير من الزبائن يمرّون علينا، وقد اعتدتُ على هذا النوع من التوتر. ثم إنّ كل الزهور التي طلبتها تستخدم عادة في عروض الزواج!”
لوّح بورقة الطلب وكأنه يمتلك إثباتًا قاطعًا.
“لكنني طلبتها من متجر زهور مختلف!”
“أنا أساعد أحيانًا في عدّة متاجر.”
يا لسوء الحظ.
بل إنه قالها وكأنها وسام شرف… مما زاد قلقها.
“همم… تبدين غير متمرسة. هل تريدين بعض المساعدة؟“
“وماذا يعرف طفل مثلك؟“
ردّت عليه ببرود.
لكنه تابع بثقة:
“من شخصيتك التي لاحظتها، أظن أنك اعترفتِ له سابقًا بطريقة جافة خالية من أي رومانسية، أليس كذلك؟“
طعنٌ مباشر!
تصلّبت ملامح وجهها، فيما ظلّ هو يراقبها بنظرة متفحّصة كأنما يقول “كما توقعت.”
“دعيني أساعدكِ، سأفعلها من باب الشفقة على النفوس التائهة… ولن آخذ أجرًا مقابل ذلك.”
“من دون أجر؟“
ذلك جذب انتباهها فعلًا.
حسنًا… لا بأس، لنرَ ما لديه.
فأخذت تتذكّر اعترافها الأول لِباليريان:
“مرحبًا، أعتقد أنني وقعت في حبك. فهل تودّ الخروج معي؟“
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 101"