الفصل 9
اندفعتُ فورًا للبحث عن السيّدة ميلر. كانت في مكتبها تُحصي المال الذي جمعناه اليوم.
-بام!
فتحتُ الباب بعنف، فصرخت السيّدة ميلر مندهشة:
“ما هذا؟ ألا تعرفين كيف تطرقين الباب؟”
شعرتُ بحرارة الغضب تتصاعد في وجهي.
لم يضربنا والداي قطّ، ولم يتظاهرا حتّى بالتفكيرِ بالضرب أو التهديد به، لكن امرأة رأيتها لأوّل مرّة بالأمس تركت آثارًا حمراء على أجساد إخوتي.
غضبي جعل رؤيتي ضبابيّة.
“مالذي فكرتِ به عندما ضربتي إخوتي؟!”
“ضرب؟ كيف تسمّينه ضربًا؟ هذا تأديب. تأديب لم تستطيعي القيام به.”
“تأديب؟ ليو عمره ثماني سنوات فقط! يجب أن تُوبّخيه بالكلام وتجعليه يفهم!”
“ثماني سنوات عمرٌ كافٍ. إذا لم يُجدِ الكلام، يجب تصحيح سلوكه بالضرب.”
“هل تعتقدين أنّ الثماني سنوات عمرٌ كبير لتقولي هذا؟”
“كيف تجرؤين على الردّ بوقاحة؟”
اقتربت السيّدة ميلر منّي بخطوات واسعة، وصفعتني على وجهي قبل أن أتمكّن من إيقافها.
-سلاب
لم أشعر بالألم بقدر ما شعرتُ بالصدمة. أصبح ذهني فارغًا، وتلعثمتُ دون أن أعرف ماذا أقول.
“لمـ-لماذا تضربينني، ماذا قلتُ، لا، ماذا تقولين انتِ…”
خرجت كلماتي متلعثمة. لم أصدّق هذا الموقف.
وجهٌ لم يضربه والداي قطّ، صفعته امرأة رأيتها بالأمس لأوّل مرّة. صدمتي جعلت نفسي يتوقفُ، وأصدرتُ أصوات نشيج.
نظرت إليّ السيّدة ميلر بعيون حادّة دون أدنى شعور بالأسف.
“يبدو أنّكِ أيضًا بحاجة إلى تأديب.”
“أنتِ…”
صررتُ على أسناني. بينما كان صدري يعلو ويهبط، كان ذهني يغلي غضبًا.
“لماذا تضربينني؟!”
“ماذا؟”
“لماذا ضربتِ أخوتي؟ لا يمكنكِ ضربهم! من أنتِ لتضربيهم؟”
“كيف تجرؤين؟!”
نظرت إليّ السيّدة ميلر من رأسي إلى أخمص قدميّ، ثمّ هزّت قبضتها وضربتني على رأسي.
-بوم.
توقّف تنفّسي من صدمة الضربة التي جعلت رأسي يرنّ.
ما الذي يحدث؟ صدمتي جعلت الدموع تترقرق في عينيّ.
تجمّعت الدموع بسرعة، وسخن أنفي. لكنّ كبريائي جعلني أحدّق فيها بنظرة غاضبة.
صرخت السيّدة ميلر وهي تلهث:
“يا لكِ من وقحة لا تعرف الأدب! أنتم متسوّلون من سييرا، ولا تعرفون الامتنان لمن آواكم!”
“وماذا عنكِ، أنتِ التي سرقتِ أموال المتسوّلين!؟”
“ماذا؟ هل انتهيتِ من الكلام؟”
“أنتِ التي تسطين على أموال المتسوّلين، شخص حقير وفاسد! أيتها اللصّة الوقحة! أعيدي مالي! أعيديه الآن!”
تحوّل وجه السيّدة ميلر إلى اللون الأحمر، ثمّ إلى الأزرق من شدّة الغضب.
حدّقت إليّ بنظرة حادّة، ثمّ ذهبت إلى المكتب بخطوات ثقيلة وسحبت عصا طويلة وسميكة من الدرج.
‘آه…’
فكّرتُ أنّ الضرب بهذه العصا سيكون مؤلمًا جدًا، وفي الوقت نفسه، شعرتُ بالغضب لأنّها استخدمتها لضرب أخوتي الصغار.
صررتُ على أسناني بقوّة. لم أكن لأستسلم لهذه العصا، ولم أستطع.
“حسنًا، لِمَ أغضبُ من طفلةٍ لم تتلقَ تربية صحيحة بسبب إهمال والديها؟”
ضربت السيّدة ميلر العصا في الهواء، فأصدرت صوتًا يشقّ الهواء. اقتربت منّي خطوة بخطوة.
“لهذا السببِ نحن هنا، لأمثالكِ من الأوغاد. طالما أنتم إخوة هنا، سأقتلع هذا السلوك الوقح من جذوره.”
كان الأمر غريبًا. السيّدة ميلر كانت أقصر منّي، لكن ظلّها الممتدّ جعلها تبدو مخيفة للغاية.
-هوووش. هووك.
أصدرت العصا صوتًا في الهواء. تجمّد رأسي، وتصلّبت ساقاي.
كان خدّي ورأسي يؤلمانني. فكّرتُ أنّه إذا ضربتني السيّدة ميلر، يجب أن أردّ الضربة، لكنّ ذلك لم يكن سهلًا.
لأنّني لا مكان لي لأذهب إليه. أدركتُ متأخّرًا أنّ مغادرة هذا المكان تعني التفرّق عن إخوتي.
‘يجب أن أتحمّل الضرب.’
كان هذا شعورًا غريزيًا. مع هذه الفكرة، عضضتُ على أسناني بقوّة.
سمعتُ صوت ليو يبكي ويناديني من الخارج، فأمسكتُ قبضتيّ وكبحتُ صوتي.
لو أظهرتُ ألمي، كنتُ أعلم أنّ ليو الحساس سيصاب بالصدمة.
“ها… ها.”
بعد أن ضربتني لفترة، ألقت السيّدة ميلر العصا وهي تلهث. كان جسدي يؤلمني وكأنّه سيتفتّت.
“يا لكِ من عنيدة! لم تصرخي ولو مرّة!”
أمسكت السيّدة ميلر بياقتي بعنف وسحبتني إلى الخارج.
قلقتُ أن يرى ليو ودانيال حالتي المزرية، لكن عندما خرجتُ إلى الرواق، لم أجدهما. لحسن الحظ، بدا أنّهما ليسا هناك.
سمعتُ بصوت خافت صوت دانيال يطلب من أحدهم الابتعاد من غرفة الأولاد.
أخذتني السيّدة ميلر إلى غرفة صغيرة جدًا، أشبه بالمخزن أو السجن. دفعتني إلى الداخل وقالت:
“ستبقين في غرفة العقاب لثلاثة أيام. فكّري جيّدًا فيما اقترفتِه.”
-كريك. بام!
أغلق الباب بصوت مفاصل صدئة، وسمعته يُقفل من الخارج.
انهرتُ على الأرض. لا مكان في جسدي خالٍ من الألم.
رفعتُ تنّورتي، فوجدتُ آثارًا حمراء وزرقاء حتّى تحت الملابس.
أسندتُ وجهي إلى الحائط وفكّرتُ.
أليس من الأفضل أن ننشأ متفرّقين في بيئة أفضل بدلًا من العيش في مكان كهذا؟
خفتُ من شكّي في قراري.
هذا الواقع، الذي لا أعرف إجابته الصحيحة، كان أكثر إيلامًا من الجروح. أغمضتُ عينيّ وأفرغتُ ذهني.
أردتُ الراحة أوّلًا. جسدي كان يؤلمني جدًا.
***
“أخي، متى ستخرج أختي؟”
“لا أعرف. كُل طعامكَ بسرعة.”
“لا أريد. طعمه سيّء.”
“إذن لا تأكل.”
بكلمات دانيال الباردة، كاد ليو أن يبكي.
لم تتحمّل ماتيلدا المشهد، وحاولت تهدئة ليو، لكنّه صدّ يدها بعنف.
“لا تلمسيني!”
كان صوته حادًا للغاية بالنسبة لطفل. عيناه الرماديّتان المتّقدتان بدتا كعينيّ نمر صغير.
ومع ذلك، بدأ ليو يبكي بشدّة وهو يقول إنّه يريد أخته.
“أريد أن أكون مع أختي. لن آكل. أريد الذهاب إليها!”
“توقّف عن البكاء!”
لم يتحمّل دانيال أكثر، فضرب ليو.
فتح ليو عينيه بدهشة، ثمّ بدأ يلهث من الغضب.
لم يستطع كبح غضبه، فرمى ملعقة مليئة بالحساء الخفيف نحو دانيال و سال الحساء على وجهه.
“أيّها المجنون!”
“من أنتَ لتضربني؟ أنتَ أضعف منّي!”
“هل انتهيتَ من الكلام؟”
“ابتعد، أيّها الأخ الأكبر الأحمق! أنا بحاجة إلى أختي فقط!”
“أيّها الـ…”
لم يتحمّل دانيال أكثر، فاندفع نحو ليو.
رغم أنّ فارق العمر بينهما سنتان، لم يكن هناك فرق كبير بسبب نحافة دانيال.
لذلك، لم تكن المعركة انتصارًا ساحقًا لدانيال، بل تدحرج الاثنان على الأرض في صراع متبادل.
“لو كنتُ أكبر بسنتين فقط، لما استطعتَ مواجهتي!”
“هل تعتقد أنّك الوحيد الذي يكبر؟ أيّها الأحمق ليونارد هيرنغتون!”
“أنا لستُ أحمق!”
“أنتَ تبكي وتبحث عن أختكَ طوال الوقت، أيّها الطفل الباكي!”
“قلتُ إنّني لستُ طفلًا باكيًا!”
هزّ ليو قبضته.
كان ليو صغير الحجم، لكن قبضته كانت قويّة.
كان لديه مهارات رياضيّة فطريّة، ويده وقدمه كبيرتان، كما لو أنّه سيكبر كثيرًا في المستقبل.
نتيجة لذلك، سالت الدماء من أنف دانيال بعد ضربة ليو.
اشتعلت عينا دانيال بالغضب عندما رأى الدم.
“هذا ما يحدث عندما أتساهل معك!”
كانت معركة الصبيّين الصغيرين شرسة جدًا.
“توقّف عن الدلال! أيّها المدلّل!”
في الحقيقة، لم يكن دانيال ولا ليو من النوع الهادئ.
كان دانيال حساسًا وانطوائيًا، لكنّه كالكرة التي لا تعرف إلى أين سترتد عند الغضب.
أمّا ليو، فكان حساسًا وخجولًا ويبكي كثيرًا لصغر سنه، لكنّ طباعه الفطريّة كانت عدوانيّة.
كلّ منهما كان له شخصيّة قويّة، وكانا بحاجة إلى شخص يتوسّط بينهما كإسفنجة، وكانت ليليبيت تؤدّي هذا الدور حتّى الآن.
كانت ليليبيت أكثر الإخوة هدوءًا في الطباع. حتّى أنّ والديهما قالا إنّ الإله أخذ من ليليبيت الذكاء اللافت وشغف الدراسة، لكنّه منحها شخصيّة طيّبة.
على النقيض، كان لإخوتها الصغار ذكاء أو مهارات رياضيّة متميّزة، لكنّ طباعهما كانت مزعجة من وجهة نظر والديهما.
كان دانيال يصبح مخيفًا عند الغضب، وكان ليو يشتعل كالنار ويضرب بقبضته أوّلًا، ممّا جعل شجارهما يزداد شراسة.
“توقّفا! ألا تستطيعان التوقّف؟”
فجأة، ظهرت السيّدة ميلر وأمسكت بياقتيهما وفصلتهما.
ثمّ رفعت يدها نحو ليو، الذي كان يحاول الاندفاع مجدّدًا بسبب ضربة دانيال.
في تلك اللحظة، صرخ دانيال:
“قانون إمبراطوريّة كيرزن الخاصّ بمنع ومعاقبة جرائم إساءة معاملة الأطفال، الفصل الأوّل، الأحكام العامّة. المادة الثانية، التعريف، البند الثالث: جريمة إساءة معاملة الأطفال تشمل جرائم الإيذاء في الفصل الثالث، الجزء 43 من قانون العقوبات، والمادة 68 بشأن الاعتداء الخاص، وتشمل التخلّي، الإهمال، الضرب، الحبس، التهديد، الاختطاف، والاتّجار بالبشر!”
توقّفت يد السيّدة ميلر، التي كانت على وشك صفع ليو، مندهشة من صراخ دانيال و اتّسعت عيناها.
صرخ دانيال بصوت عالٍ: “الفصل الثاني، الأحكام الخاصّة بشأن معاقبة جرائم إساءة معاملة الأطفال. المادة السادسة: من يرتكب جرائم إساءة معاملة الأطفال المنصوص عليها في المادة الثانية بشكل متكرّر، يُعاقب بالإعدام كحدّ أقصى حسب خطورة الجريمة! قرأتُ القانون قبل القدوم إلى هنا تحسّبًا. إذا ضربتِ ليو مجدّدًا، لن أصمت! يمكنني تلاوة كلّ شيء من الفصل الأوّل إلى السادس، بما في ذلك الأحكام الإضافيّة!”
ظهر الخوف على وجه السيّدة ميلر، كما لو كانت ترى شيئًا غريبًا. لم تكن وحدها.
ماتيلدا وجميع الأطفال الذين شاهدوا الموقف كانوا في حالة ذهول.
كسر الصمت صوت بكاء ليو. بدأ يبكي بشدّة، ربّما بسبب صدمة الصفعة.
“واآآ! أختي! أختي!”
بين صوت بكاء ليو، سمعتُ همهمات الأطفال تقول: “وحش.”
وحش.
كان الناس في العالم يسمّون دانيال وحشًا. في سييرا، كان زملاؤه في المدرسة يشيرون إليه وينظرون إليه بعيون مليئة بالخوف.
لهذا السبب، اختبأ دانيال في المنزل.
لم يتوقّع أن يسمع هذا الوصف خارج سييرا، فأمسك قبضتيه وارتجف قليلًا.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"