4
“أنا… أنا…”
عندما ترددتُ في الإجابة، قال السيد ريد بنبرةٍ ساخرة:
“سأعود بعد ثلاثة أيام. عندها أعطيني جوابًا واضحًا.”
ثم مرَّ بجانبي بعد أن قال ذلك.
مع ابتعاد صوت خطوات السيد ريد، لاحظتُ أن أعينَ إخوتي الثلاثة تتجه نحوي.
كان ليو قد فَزِعَ لدرجة أنه نسيَ البكاءَ ورفعَ عينيه نحوي.
“أختي، ما معنى ’يانغنا‘ -ابنة بالتبني-؟”
ليو، الذي لا يزال يجهل كثيرًا من الكلمات،
كان متجمدًا من الخوف بسبب الأجواء السيئة.
أما دانيال فقد عضَّ شفتيه بقوة ثم أنزلَ رأسه.
قطرات الدموع التي سالت من عينيه سقطت على الأرضية الرخامية بنقرات خفيفة.
وإدوارد…
“إدوارد!”
استدار إدوارد فجأة وركض خارج المنزل.
حاولتُ مطاردته على الفور، لكن سرعته كانت فائقة لدرجة أن المسافة بيننا تزايدت فقط.
“توقف، إدوارد! أقول لك توقف الآن!”
أنا التي نشأتُ في المدينة لم يكن بمقدوري اللحاق بإدوارد الذي ترعرع في الريف.
“آه…”
تنفستُ بصعوبة وأنا أراقب إدوارد يبتعد بعينيَّ.
لِسببٍ ما، بدا ظهره وهو يبتعد حزينًا جدًا،
فشعرتُ بشيءٍ يعتصر قلبي ويتصاعد من داخلي.
اقتربتُ من السيد ليد الذي لم يركب العربة بعد، وصرختُ بصوتٍ عالٍ ليسمعه الجميع:
“حتى عائلة كوبر يجب أن تعرف حدودها! كيف يمكنها أن تطلب مني التخلي عن عائلتي بهذه السهولة ثم يتوقعون أن أكون جزءًا عائلتهم؟ هل سيُعاملون ابنةً بالتبنّي اشتروها كدميةٍ وكأنها ابنتهم الحقيقية؟ لا تقل هذا الهُراء ولا تعود إلى منزلنا مجددًا!”
أطلقتُ كلماتي دفعة واحدة دون أن آخذ نفسًا.
ومع ذلك شعرتُ أن ذلك لم يكن كافيًا،
فقررتُ تقليد تصرفٍ فظٍّ رأيته من عامل الإسطبل.
“تفو!”
بصقتُ على الأرض، وكان ذلك يبدو أخرقَ جدًا حتى في نظر نفسي.
لكنني أردتُ إهانتهم بهذه الطريقة على الأقل.
غياب والديَّ لا يعني أنني لم أعد هيرنغتون.
ولا يعني أنني لم أعد عائلةً لهؤلاء الأطفال. لقد كنا دائمًا عائلةً منذ ولادتنا، وإخوةً أعزاء.
أن يطلبوا مني التخلي عنهم والانضمام إلى كوبر أو أيٍّ كان، هذا كلامٌ لا يُعقل.
نظرتُ إلى السيد ريد بنظراتٍ غاضبة، ثم استدرتُ لأعود إلى المنزل.
لا أدري متى تبعاني، لكن دانيال كان يمسك بيد ليو وينظر إليَّ.
“د… دانيال…”
لقد رأى مظهري المخزي…
كان تصرفًا لم يكن ليفعله أبي أو أمي.
“لماذا لم تذهبي معه؟”
“لا تقل أشياءَ سخيفة!”
مهما كان ذكيًا وناضجًا، فإن دانيال لا يزال طفلاً في العاشرة بحاجةٍ إلى الحماية.
أستطيع أنا، بسنّ الرابعة عشرة،
أن أرى مدى الأذى والخوف اللذين شعر بهما في هذا الموقف.
أحاول التظاهر بأنني الأكبر سنًا،
لكنني أريد أن أبذل قصارى جهدي لأكون مع إخوتي.
هذا ما تعلمتُه عن العائلة.
“ليليبت، العائلةُ هي التي تكون معًا في السراء والضراء.”
هكذا علمني أبي و أمي قيمة العائلة.
التضحية والتنازل هما الحب، والعائلة هي من يحبون بعضهم بعمق.
“سيكون هناك طريقة أخرى. لا تقلق كثيرًا.”
حملتُ ليو ودخلتُ إلى المنزل حيث كان العمال يتحركون في فوضى.
كان عليَّ أن أجد حلاً ما.
***
[ إلى السيدة روز المحترمة،
كيف حالكِ يا سيدتي؟ أنا ليليبت، ابنتكِ بالمعمودية، إليزابيث هيرنغتون.
أود أن أسأل إن كان بإمكاني الحصول على مساعدةٍ صغيرة…
أنتظرُ ردكِ. مع تمنياتي بالسلام.]
لا أعرف كم رسالةً أرسلتُ حتى الآن.
لقد بعثتُ برسالة إلى كل شخصٍ بالغ أعرفه،
من الأباء بالمعمودية لإخوتي إلى أصدقاء أبي و أمي.
لكن لم يتقدم أحدٌ لمساعدتنا.
‘كل ما يمكنني فعله الآن هو انتظار الردود…’
أن يكون الانتظار هو الشيء الوحيد الذي أستطيع فعله أمرٌ مروعٌ وصعب.
لم يبقَ سوى يومين فقط حتى يتعين علينا إخلاء المنزل.
إذا لم يتقدم أحدٌ لمساعدتنا خلال يومين، فسنصبح جميعًا في الشارع.
لكن قبل ذلك…
‘أين ذهب إدوارد بحق خالق السماء؟’
لقد مرَّ خمسة أيام وإدوارد لم يعد إلى المنزل.
طفلٌ في الثالثة عشرة لن يعيش في الشوارع،
أين هو وماذا يفعل؟ هذا يقلقني كثيرًا.
في النهار، أوكلتُ ليو إلى دانيال وحاولتُ البحث في الأماكن التي قد يذهب إليها إدوارد،
لكنني لم أجد حتى شعرةً منه.
“ها… إيدي…”
*ليليبت دلع لإليزابيث و إيدي دلع إدوارد
لعلَّ شيئًا لم يحدث له، أليس كذلك؟
كانت مخاوفي تتتابع كالسلاسل.
في تلك اللحظة، سمعتُ طرقًا على الباب.
فتحتُ فإذا بدانيال يقف أمامي بملابس النوم.
“ألا تستطيع النوم؟”
“نعم، أختي. لا أستطيع النوم.”
“هل أغني لكَ تهويدةً؟ تعالَ إليَّ.”
كان ليو نائمًا، على سريري.
لكن دانيال لم ينم بجانب ليو، بل اختا
رَ أن يجلس معي على الأريكة في الزاوية.
وضعتُ ذراعي حول كتفيه وربتتُ عليه و أسندَ دانيال وجهه إليَّ.
على عكس ليو الذي لم يستطع إخفاء قلقه طوال اليوم،
حاول دانيال ألا يظهر مشاعره.
لكنه في العاشرة فقط، وأرى بوضوح ما في قلبه،
فتحمل الألم وحده ليس بالأمر السهل.
لا بد أنه يشعر بالوحدة والخوف مثلي تمامًا.
بسبب عاطفتي تجاه أخي الثاني، فركتُ ذقني برأسه.
شعره الأسود الناعم كان ممتعًا للمس.
“أين ذهب الأخ الأكبر؟”
“سيعود قريبًا.”
“وماذا لو لم يعد؟”
“…لن يحدث ذلك.”
“تقرير وفاة أمي وأبي لا يفارق ذهني.”
دانيال طفلٌ لم يُمنح نعمة النسيان التي يتمتع بها العاديون.
سيظل يتذكر كل لحظةٍ صادمة، فكم سيكون ذلك مؤلمًا؟
ربما يعاني حزنًا أعمق وأطول منا.
“لا بأس. كل شيء سيكون على ما يرام.”
“حقًا؟”
“بالطبع. سأجعل ذلك يحدث.”
إليزابيث هيرنغتون، أنتِ كاذبةٌ كبيرة.
لكن من أجل هذا الطفل، يمكنني أن أكون كاذبةً دون أن أرفَّ عيني.
إنه عائلتي التي أحبها وأخي الذي يجب أن أحميه،
لذا سأظل كاذبةً يتم لعنُها في الجحيم إلى الأبد.
حينها قبّلتُ رأس دانيال.
بدا جسد أخي البالغ من العمر عشر سنوات، الصغير مقارنةً بأقرانه،
يثير الشفقة بشكلٍ خاص.
“هذا سرٌّ.”
توقفتُ لحظة ثم همستُ لدانيال:
“لديَّ بعض المال.”
“مال…؟”
“قبل أن يذهب أبي وأمي إلى العاصمة، أعطاني أبي مصروفًا كبيرًا.
ثلاثة ملايين بيرك.”
لأنني عشتُ في الطبقة العليا، لا أعرف قيمة ثلاثة ملايين بيرك بالضبط.
إذا كان زوج الحذاء الجلدي بخمسين ألف بيرك والخبز بألف بيرك،
فهو ليس مبلغًا تافهًا، أليس كذلك؟
“وفي حساب البنك، ادَّخرتُ مالاً منفصلاً.”
“ألم يُصادر حسابكِ البنك أيضًا؟”
“ربما لأنني قاصر، لم يمسوه. هناك حوالي خمسة عشر مليون بيرك فيه.”
“كم يمكننا أن نعيش بهذا المال؟”
“لا أعرف بالضبط. لكنني سأتركُ المال في البنك كما هو.”
“لماذا؟”
“لماذا؟ لأنك أنتَ و إدوارد بحاجة إلى الدراسة.”
نظرَ إليَّ دانيال بعينين مستديرتين مندهشتين.
إنه ذكيٌّ جدًا مقارنةً بأقرانه ويفهم كل شيء بسرعة،
لكنه في مثل هذه اللحظات مجرد طفلٍ بريء في العاشرة.
“يمكنك الذهاب إلى الجامعة حتى دون تخرج من مدرسة خاصة.
اذهب إلى مدرسة عامة ثم إلى الجامعة.
أنتَ تحب الدراسة أكثر من أي شيء في العالم، أليس كذلك؟”
“لكن…”
“نجاح الرجل بعد تخرجه من الجامعة أسرع من نجاح المرأة.
وأنتَ تعلم أنني أكره الدراسة.”
على عكس إدوارد الذكي ودانيال المولع بالعلم،
لم أكن مهتمةً بالدراسة ولن أكون في المستقبل شخصًا مهمًا.
كل ما أحببته هو جمع توقيعات المغنين المشهورين وتناول الحلويات اللذيذة.
والداي لم يكترثا كثيرًا بتعليمي أيضًا.
كان لديهما ثلاثة أبناء أذكياء بشكلٍ مذهل،
خاصة إدوارد الذي يمتلك موهبةً فطريةً في الإدارة، بينما بدوتُ أنا بلا أمل.
“عندما بلغتُ الرابعة عشرة ودخلتُ المدرسة المتوسطة، تحدثتُ كثيرًا مع أبي.
قال لي إن أدرس بجد لأرث الفندق، لكنني قلتُ إنني أفضل أن أكون عاطلةً عن العمل لا مديرة.”
“…”
“الآن أصبح من الصعب أن أكون عاطلةً عن العمل. على أي حال، حتى لو حصلت أنت و إدوارد على منحة دراسية للجامعة، فستكون هناك تكاليف كبيرة، لذا يجب أن نستعد مُسبقًا.”
خلال الأيام القليلة الماضية،
فكرتُ حتى كاد شعري يتساقط في كيفية استخدام المال الذي ادَّخرته.
كان بإمكاني استخدامه كمهرٍ للزواج من رجلٍ مناسب عندما أصبح بالغة،
مما سيجعل حياتي مريحة.
لكن عندما فكرتُ في أحلام إخوتي ومستقبلهم،
وفي ليو الذي لا يبحث إلا عني، أدركتُ أن هذه فكرةٌ سخيفة.
“غدًا أو بعد غدٍ، ستصل الردود. لننتظر قليلاً.
شخصٌ ما سيساعدنا بالتأكيد. وإدوارد سيعود أيضًا.”
ربتتُ على دانيال وأنا أقول ذلك.
شعرتُ أنه يرتاح في حضني تدريجيًا حتى غفا بهدوء.
شعره الأسود يشبه شعري، لكن ملامحه النائمة كانت كملاكٍ تمامًا، على عكسي.
“نم جيدًا يا أخي الصغير.”
غطيته ببطانية وأنا أتمنى ألا يرى كوابيس.
أرجو أن يحمل الغد أخبارًا طيبةً لنا.
***
“إذا رأى احدٌ إدوارد، فليخبره أنني أنتظره بفارغ الصبر.”
كررتُ طلبي لرئيس المطعم الذي كنا نرتاده مع والدينا،
ثم أمسكتُ يد ليو وغادرنا المحل.
في الصباح، أعددتُ الإفطار لدانيال الذي كان لا يزال ناعسًا،
ثم أخذتُ ليو إلى المطعم الذي اعتدنا زيارته كعائلة.
لم يكن ذلك لشراء شيء،
بل لأسأل عما إذا رأوا إدوارد ولأطلب منهم إبلاغه برسالتي.
“أختي، ساقاي تؤلمانني.”
“تؤلمانك؟ هل أحملك على ظهري؟”
“نعم!”
انخفضتُ أمام ليو فتسلق ظهري بسرعة.
“آه!”
إنه في الثامنة وثقيلٌ حقًا، لكنني لا زلت أستطيع حمله.
لكن العام القادم قد لا أقدر على هذا.
‘من حسن حظي أنني أكثر نضجًا من أقراني.’
أنا أطول من أقراني ووجهي يحمل ملامح شخصٍ مرَّ بالكثير،
لذا لا أحد يظنني في الرابعة عشرة.
في الأغلب يظنونني في السابعة عشرة أو الثامنة عشرة.
“أختي، متى سيعود الأخ إيدي؟”
“لا أدري. ألستَ جائعًا؟”
“أنا جائع.”
“لنعد إلى المنزل بسرعة. سأعد لكَ أومليت بالملفوف.”
“حسنًا.”
بينما كان ليو يعبث بشعري من الخلف،
سرتُ بخطى سريعة حتى وصلنا إلى المنزل.
ما إن وصلنا حتى فُتح الباب فجأة وخرج دانيال راكضًا.
“أختي، لقد وصلت رسائل!”
في يد دانيال كان هناك خمس رسائل.
“يا إلهي!”
من بين الخمس، لا بد أن واحدةً على الأقل تحمل خبرًا بمساعدتنا.
ابتلعتُ ريقي وأخذتُ الرسائل، ثم هرعتُ إلى الغرفة وبدأتُ بفتحها.
نظرَ إليَّ دانيال بعينين مليئتين بالتوقع و…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 4"