الفصل 10
عدم القدرة على النسيان يعني أنّك لا تستطيع محو الذكريات التعيسة، وفي الوقت نفسه، أنّك مضطرّ لأن تكون أكثر نضجًا ممّا يناسب عمرك.
بدأ دانيال الكلام عندما كان أقرانه يثرثرون، وتعلّم القراءة عندما بدأ أقرانه بالكلام، وبينما كان الآخرون يتعلّمون القراءة، أكمل ما يتعلّمه أشخاص أكبر منه بعشر سنوات.
لكنّ ذكاءه الاستثنائي لم يعنِ أنّه ناضج عقليًا.
كان أكثر نضجًا قليلًا بسبب معرفته الواسعة، لكنّه كان طفلًا عاديًا يحبّ اللعب والجري ويهتمّ ببيوت النمل.
لذلك، لم يُرسله والداه إلى صفوف متقدّمة، بل أرسلاه إلى المدرسة الابتدائيّة.
لكن بعد أسبوع واحد فقط، اضطرّ دانيال لترك المدرسة. لم يكن ذلك بسبب ملل الدروس.
“إنّه وحش! وحش!”
“دانيال هيرنغتون مسكون بشبح عمره مئة عام!”
تلقّى دانيال صدمة كبيرة عندما أدرك أنّه مختلف عن الآخرين.
في الحقيقة، كان بإمكانه ملاحظة تميّزه من خلال ليليبيت أو ليو الصغير.
لكن ليليبيت وباقي إخوته لم يهتمّوا كثيرًا بذاكرته الاستثنائيّة.
“إنّهم يقولون إنّني وحش.”
قبل أن يترك المدرسة، اعترف دانيال بهذا و هو منهمرٌ بالبكاء، وكانت ردود فعل العائلة مختلفة.
“من قال هذا الهراء؟ لو كانت لديّ ذاكرتك، لما عانيتُ في فترة الامتحانات! أنتَ لستَ وحشًا، أنتَ عبقريّ!”
غضبت ليليبيت كما لو أنّ الأمر يخصّها.
“دانيال، فقط أخبرني بأسمائهم.”
ابتسم إدوارد ببرود، مُلمّحًا إلى أنّه سينتقم له.
أمّا ليو…
“وحش! وحش! دانيال أحمقٌ، وحشٌ!”
بسبب مضايقات ليو، شعر دانيال أنّ مشكلته تافهة، فضحك دون قصد.
قبل أن يقلق والداه، ساعدته ردود فعل إخوته المتنوّعة على تهدئة قلبه الجريح.
رغم تركه المدرسة، استطاع دانيال ألّا يكره نفسه وألّا يؤمن بأنّه وحش.
لكن اليوم، بدون والديه، ولا حتّى إدوارد، ولا ليليبيت، ناداه الجميع بالوحش.
‘مخيف…’
كان دانيال الأكثر حساسيّة وضعفًا بين الإخوة.
كان أكثر حساسيّة من ليليبيت، فكان هذا الموقف مرعبًا بالنسبة له.
و في تلك اللحظة-
“أيّها الوحش الأحمق! أنا لستُ طفلًا باكيًا! اعتذر! أُريد أختي! الجدّة الشرّيرة القبيحة حاولت ضربي!”
بفضل بكاء ليو واستلقائه على الأرض، تغيّر الجوّ فجأة.
أمسكت السيّدة ميلر، التي كانت مصدومة، بيد ليو وسحبته.
قبل أن يتمكّن دانيال من إيقافها، سحبت ليو بعنف.
“ليو، ماذا ستفعلين به؟ إذا ضربتيه مجدّدًا، سأ…”
لم يستطع دانيال إكمال كلامه. رمته السيّدة ميلر في الغرفة التي كانت فيها ليليبيت.
“ليو!”
“أختي!”
احتضنت ليليبيت ليو مندهشة. انفجر ليو بالبكاء عندما شعر بدفء أخته.
“أختي، اشتقتُ إليكِ. واآآ!”
“عيش مع أختكً ألف عام! أيّها الصغير اللعين!”
-بام!
أغلقت السيّدة ميلر الباب وقفلته.
ليليبيت، التي لم تفهم الموقف، بدأت تهدّئ ليو بحيرة.
بكى ليو بحرقة وهو يروي ما حدث بتلعثم:
“لذلك… هك! هك! الجدّة الشرّيرة ضربتني هنا… هك…”
لم يمضِ سوى ساعات قليلة على فراقهما، لكن ليو كان سعيدًا جدًا بلقاء أخته، فدلّل نفسه وتعلّق بها.
ربتت ليليبيت على رأس ليو وهو يتلعثم وينشج.
كان قلبها يؤلمها لرؤية عينيه الحمراء المنتفختين، وفي الوقت نفسه، شعرت بالغضب الشديد.
“أختي، افعلي لي ‘هوو’.”
“حسنًا، حسنًا. هوو. ليو، لا بدّ أنّك تألّمتَ كثيرًا. لكن، ليو، لا يجب أن تقول لأخيك ‘وحش أحمق’.”
في الماضي، وبّخته عدّة مرّات لأنّه سخر من دانيال بكلمات مثل “أحمق” و”وحش”.
نظر ليو إلى ليليبيت بحذر، وفرك وجهه بكتفها بدلال، محاولًا تجنّب التوبيخ.
“ليو.”
عندما أصبح صوت ليليبيت صلبًا، وعد ليو بصوت خافت:
“لن أفعلها مجدّدًا. سأعتذر لأخي أيضًا.”
“جيّد. أحسنت.”
“هاام. أختي، أنا نعسان.”
“هل أضع ذراعي وسادة لك؟”
“نعم.”
في الغرفة الضيّقة، كان عليها أن تلتصق بالجدار لتمدّ ذراعها.
غرق ليو في النوم بسرعة تحت تربيت أخته المنتظم، مرهقًا من كثرة البكاء.
نظرت ليليبيت إلى صدر أخيها يعلو ويهبط، وعيناها تترقرقان بالدموع.
كرهت نفسها لأنّ قرارها بمغادرة سييرا أدّى إلى هذا.
‘لو بقينا في دار السيّدة سيمسون، لما حدث هذا… آسفة، ليو، دانيال.’
كان ضوء القمر المتسلّل من النافذة الصغيرة هو الوحيد الذي يواسي ليليبيت وهي تبكي بصمت.
***
طق.
طق طق.
طق طق طق.
طق طق. طق طق طق.
في الظلام، اخترق صوت خافت أنفاس ليو النائمة.
كنتُ نائمة بعمق، لكن الصوت أزعجني، ففركتُ عينيّ ونهضتُ من الأرض.
كان جسدي يؤلمني وكأنّه سيتفتّت، فتأوّهتُ دون قصد.
“أوو.”
تمتم ليو في نومه بجانبي.
وسط ذلك، سمعتُ صوت طقطقة من مكان ما.
“…أختي!”
سمعتُ صوتًا حذرًا من خلال القضبان الصغيرة في الباب.
“دانيال؟”
“أختي؟”
“دانيال، لماذا أنتَ هنا؟”
نهضتُ بسرعة واتّجهتُ نحو الباب، فرأيتُ دانيال.
كانت القضبان في الباب عند مستوى عينيّ شخص بالغ، فكان دانيال متعلّقًا بها، وبالكاد تظهر عيناه، ربّما لأنّه كان يقف على أطراف أصابعه.
“أختي، ألستِ جائعة؟ يبدو أنّ السيّدة ميلر لم تُحضر لكِ شيئًا.”
بالطبع، أنا جائعة. بعد الضرب وقلّة الأكل، شعرتُ أنّ طاقتي قد نفدت.
“لا، أنا بخير.”
“أختي، خذي هذا بسرعة.”
دفع دانيال شيئًا من خلال القضبان الضيّقة. أمسكتُ به بشكل غريزيّ في الظلام. كان خبزًا جافًا.
“من أين حصلتَ على هذا؟”
لا يمكن أن تكون السيّدة ميلر قد أمرته بإحضار الخبز لي.
“سرقته من المطبخ.”
“من المطبخ؟”
“نعم.”
لم أصدّق أنّ دانيال “سرق” شيئًا. لقد وصلنا بالأمس فقط، ومع ذلك تسلّل إلى المطبخ، وجد طعامًا، وسرقه؟
من المرجّح أنّه أخفى حصّته من الخبز في العشاء وأحضرها لي.
وكما توقّعتُ، كان الخبز مضغوطًا ومكوّمًا، كما لو أنّه كان في جيبه لفترة طويلة.
هل يجب أن أقبل هذا؟ وإذا قبلته، كيف آكله؟ دانيال ليس سوى طفل في العاشرة.
أن يتخلّى عن طعامه من أجلي…
شعرتُ أنّ قلبي ممتلئ بمجرد هذا الشعور، كما لو أنّني سأعيش على الماء فقط لفترة.
أصبح أنفي ساخنًا وعيناي رطبتين.
أردتُ إعادته، لكن رفضه سيؤذي مشاعر دانيال، فلم أستطع.
“شكرًا. سآكله… جيّدًا.”
اضطررتُ لشدّ صوتي حتّى لا يرتجف.
لحسن الحظ، كانت القضبان مرتفعة، والليل مظلم، فلم يرَ وجهي.
لم يلاحظ دانيال شيئًا، وبدأ يتحدّث بتلعثم:
“رأيتُ أنّ السيّدة ميلر لم تُحضر طعامًا. لم يبدُ أنّكِ ستخرجين قريبًا… لا تعطي ليو شيئًا، كليها كلّها بنفسكِ.”
بعد أن قال ذلك، بدا أنّه شعر بالقلق، فصحّح كلامه:
“إذا جاع، سيشتكي مجدّدًا، لذا يمكنكِ إعطاءه لقمةً واحدة فقط. واحدة فقط. كلي الباقي بنفسكِ.”
لم تكن لحظة للضحك، لكن كلمات دانيال كانت لطيفة جدًا، فتسرّب ضحكي دون قصد.
كان لطيفًا في اهتمامه رغم شجاره المستمرّ مع ليو، وتظاهره بعدم الاكتراث كان لطيفًا أيضًا.
“أختي، لماذا تضحكين؟”
“لا شيء.”
“لكن السيّدة ميلر بدت غاضبة جدًا، هل أنتِ بخير؟ هل عاملتكِ كما عاملتنا؟”
“هل أبدو كمن يسمح بذلك؟ فقط تجادلنا.”
هذه كذبة. كذبة صريحة جدًا. لكنّني لم أستطع قول الحقيقة.
بغضّ النظر عن حساسيّة دانيال، كبريائي كأخت لم يسمح بذلك.
“اذهب إلى غرفتكَ الآن. إذا لم تنم مبكرًا، ستكون متعبًا طوال الغد.”
“حسنًا. تصبحين على خير.”
“وأنتَ أيضًا، تصبح على خير. أحلامًا سعيدة.”
رأيتُ ظلّ دانيال يبتعد عن غرفة العقاب عبر القضبان.
كان الليل مظلمًا، لكن ظهره الصغير النحيف جعلني أبتسم.
فجأة، خرج شيء من الظلام وأمسك بذراع دانيال.
كانت السيّدة ميلر.
“ما الذي تفعله هنا في منتصف الليل؟”
سألت السيّدة ميلر بصوت بارد وصلب. توقّف قلبي من الخوف، قلقة أن يُحبس دانيال في غرفة العقاب مثلي.
توقّعتُ أن يرتجف دانيال، لكنّه كان هادئًا بشكل مفاجئ واعتذر:
“آسف، ضللتُ الطريق وأنا أبحث عن الحمّام.”
“الحمّام في الاتّجاه المعاكس. ألم تأتِ لرؤية أختكَ؟”
“كان الظلام يعميني، فأخطأتُ الاتّجاه. وما فائدة رؤية أختي الآن؟ من الواضح أنّها نائمة.”
“همم.”
حدّقت السيّدة ميلر إلى دانيال بتمعّن. بعد أن نظرت إليه لفترة، قالت:
“اذهب إلى غرفتكَ ونم.”
دفعته إلى غرفته، ثمّ اتّجهت نحوي.
استلقيتُ بسرعة بجانب ليو وأغمضتُ عينيّ بقوّة.
تعلّق ليو بي في نومه. توقّفت خطوات السيّدة ميلر أمام الباب.
لم أستطع فتح عينيّ، فانتظرتُ رحيلها.
بعد فترة، سمعتُ خطواتها تبتعد.
تنفّستُ الصعداء. نهضتُ ببطء وتفقّدتُ الخبز في حضني.
كان الخبز مشوّهًا تمامًا لأنّني استلقيتُ وهو في جيبي. مجرّد لمسه جعلني أعرف مدى تشوّهه.
شعور غريب، لا أعرف إن كان أسفًا أم حزنًا، اجتاحني كالموج.
هل هذا ما يسمّونه شعورًا مؤثّرًا؟ أم حزنًا عميقًا؟
ارتجف قلبي من هذا الشعور المجهول.
“أختي…”
احتضن ليو خصري وتعلّق بي في نومه.
شعرتُ بدفء جسده الصغير، وفكّرتُ.
أنا سعيدة حقًا بوجود إخوتي الصغار.
رغم صعوبة الوضع، كنتُ ممتنّة لأنّني معهم.
للحظة، شعرتُ أنّني أفهم كلمات أبي عندما كان يصرخ أنّ العائلة هي الأفضل.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"