ساد الهدوء دار المزاد.
كانت الأضواء المبهرة لا تزال متألّقة، لكن الموسيقى ثرثرة الناس الذين يتحرّكون تحتها قد اختفت تمامًا.
غادر الجميع.
لكن شارل لم تعُد بعد.
وقف لُــو في منتصف القاعة وأخذ نفسًا عميقًا.
حوله، كانت الشخصيات الساقطة ببدلاتها السوداء.
بعد أن غادر شارل لمطاردة القاتل، ظهر أولئك الذين جاؤوا لاغتيال ولي العهد.
وبالطبع، تمكن لُــو بسهولة من القضاء عليهم وأمَّن ولي العهد.
ولهذا السبب، لم يستطع ملاحقة شارل.
دقّ قلبه بشدّة. ثارت مشاعره التي في صدره، المليئة بالقلق والخوف، ووصلت إلى حلقه.
‘اللعنة.’
تمتم لُــو بلعنةٍ قصيرةٍ ومرّر يده في شعره.
‘يا لها من متهوّرة.’
لطالما كانت متهوّرة، وجريئةٌ جدًا.
لهذا السبب كنتُ خائفًا.
كنتُ خائفًا من أن تقع يومًا ما في خطرٍ لا تعرف طيف تتعامل معه، وأن لا تتمكّن من العودة.
‘….. لا.’
لا يجب أن أكون قلقًا جدًا الآن.
كان عليّ أن أثق بشارل وأنتظر. لن تموت بسهولة.
نظر لُــو حوله.
نظر إلى ما وراء جثّة المضيف، متسائلًا إن كان هناك أيّ دلائل فاتته.
كان المضيف وولي العهد يتحدّثان فيما بدا أنه ردهةٌ خلف المسرح.
لم يكن يفصل الغرفة سوى ستارة. لم يكن هناك أيّ أمنٍ على الإطلاق.
ولكن بفضل القاتل الذي لم يرَ ما خلف الستارة، أخطأت الرصاصة هدفها، ونجا ولي العهد.
من ناحيةٍ أخرى، كان المضيف، الذي كان ظهره إلى الستارة، قد مات.
‘…….’
خفض لُــو عينيه.
‘لماذا؟’
لماذا بحق السماء يستهدفون ولي العهد؟ في حين أن العديد من النبلاء كرهوا ولي العهد، إلّا أنه لم يكن يتمتّع بسلطةٍ كافيةٍ لتبرير اغتياله.
لهذا السبب كان أشبه بكيسٍ من القش.
إلى جانب ذلك، كانت الإمبراطورة وقائد كاتاكل يعملان معًا. لذلك، لم تكن كاتاكل لتستهدف ولي العهد.
‘….. مستحيل.’
حدّق لُــو في الفراغ.
«قتل ابن القائد، ماندارو. أعتقد أنهم سيقتلونه.»
ربما شعر ذلك ‘الابن’ بذلك وحاول قتل ولي العهد.
هذا يعني أيضًا أن الانقسامات الداخلية داخل كاتاكل كانت خطيرة.
‘يجب على أن أُبلِغ ……’
عضّ لُــو على شفته السفلى.
لا، لا.
ليس الآن وقت التفكير في مثل هذه الأمور.
شارل.
أليست متأخّرةً جدًا؟
أسرع لُــو نحو المدخل.
انتظر لُــوبهدوءٍ في الردهة، كان قلقًا من ألّا تتقاطع طرقهم ويضيّعها، لكنه فكّر أنه قد يكون من الجيد الصعود إلى الطابق العلوي والبحث عن شارل.
داس الرجلين اللذين لا يزالان يتنفّسان، مرتجفين، مرّةً أخرى، ثم أدار رأسه نحو الدرج.
في تلك اللحظة …
“هاه، ما هذا؟”
رنّ صوتٌ مألوف، كان الصوت الذي كان في أمسّ الحاجة لسماعه في تلك اللحظة.
“هل كان هناك آخرون؟”
“شارل!”
ركض لُــو مباشرةً إلى شارل وعانقها بشدّة.
الآن بعد أن شعر بأنفاسها، دليل حياتها، هدأ قلبه المتسارع أخيرًا.
لذا خطرت في باله هذه الفكرة …
مهما حدث، لا يمكنني ترك تشارلز.
يجب أن تبقى شارل على قيد الحياة، ويجب أن تبقى بجانبي.
هذا كلّ ما أتمناه.
* * *
عانقني لُــو بشدّةٍ بمجرّد أن رآني.
وجدتُ نفسي محاصرةً بين ذراعيه، أبتلع ريقي بصعوبة.
“هل أنتِ بخير؟ هل لديكِ أيّ إصابة؟”
أمسك بكتفيّ وفحص جسدي باضطراب.
“لقد كنتُ مرعوبًا للغاية عندما سمعتُ صوت طلقتين ناريتين. هل أنتِ بخير؟”
كانت أطراف أصابعه ترتجف قليلاً.
لُــو، يلهث ويشعر بقلقٍ شديدٍ عليّ رغم أنني لم أُصَب بأذى … شعرتُ بأُلفةٍ كبيرة، وأوجعتني مشاعري بشدّة.
أخذتُ نفسًا عميقًا.
“أجل. أنا بخير. لكن مَن هؤلاء الناس؟”
أشرتُ إلى الأشخاص الممددين في الردهة.
“هم مَن هاجموا ولي العهد بعد أن غادرتِ. أوه، لم أقتلهم. أخضعتُهم فقط.”
“أحسنت.”
“أحسنت، ما هذا…”
تنهّد لُــو وأراح خده على خدي.
“كان يجب أن أذهب أنا.”
صر على أسنانه وتحدّث.
“إذا تكرّر هذا، أرجوكِ دعيني أذهب.”
“حسنًا.”
ضحكتُ على كلماته بارتياح.
“لا يمكننا أن ندع هذا يحدث.”
وغيّرتُ الموضوع بسرعة.
“ولي العهد؟”
أغمض لُــو عينيه قليلًا، ثم أجاب بصوتٍ خافت.
“عاد مع الطبيب. لحسن الحظ، قالوا إن الرصاصة أصابته فقط.”
“والآخرون؟”
“تم إخلاء المكان من الجميع.”
زفرتُ ببطء.
ثم سألتُ مرّةً أخرى.
“المضيف؟”
مرّت لحظة صمت. تغيّر تعبير لُــو في لحظة.
“….”
آه. صحيح.
فهمت.
خفضتُ نظري. رأيتُ طرف فستاني، ملطّخًا بالدماء، ربما من مصدرٍ مجهول.
تحدّثتُ بهدوء.
“في كلّ مرّةٍ أرى فيها شخصًا يموت هكذا.”
تحدثتُ بهدوء، بتأنٍّ، لكنني كنتُ أعرف. في أعماق قلبي، كانت مشاعر تغلي، تتحرّك باضطرابٍ أوجعني.
“أتساءل لماذا كان عليهم أن يموتوا.”
شخصٌ لا أعرف اسمه اختفى من هذا العالم بين عشيّةٍ وضُحاها.
“وأفكر في مَن ربّوهم.”
لكنه لا بد أنه نشأ في كنف شخصٍ ما.
“لم يكن والداه ليتخيّلا أنه سيتم التضحية به هكذا، أليس كذلك؟”
لكنه مات.
“أصدقاؤه، زملاؤه، كلهم. لم يكونوا ليتخيّلوا أنه سيموت هكذا.”
الشخص الذي قضوا معهم أيامًا اختفى في لحظة. دون سابق إنذار، هكذا ببساطة.
“أعلم. الموت يصيب الجميع بالتساوي. إنه أمام أعيننا في كل حين.”
أخذتُ نفسًا عميقًا ووضعتُ يدي على جبهتي.
“لكن …”
نظرتُ إلى لُــو.
راودتني هذه الفكرة مرّاتٍ لا تُحصى من قبل.
لكنها اليوم محفورةٌ في ذهني بوضوح.
“ماذا لو كنتُ أنا مَن يُعجِّل هذا الموت؟”
كانت يداي تبردان.
من الواضح أنني لم أقتل أحدًا بيديّ قط.
لكن هل يعني هذا أنني بريئةٌ حقًا؟
ألم يكن الناس سيموتون بسبب المعلومات التي جلبتـها، بسبب الأشياء التي اكتشفتُها؟
حتى اليوم ……
لو لم أطارد القاتل، لكان قد نجا.
انحبست أنفاسي في حلقي، تخنقني. ازداد إحباطي، مما جعل حلقي يؤلمني.
“شارل.”
انحنى لُــو قليلًا، ليُصبح في مستوى عينيّ.
“مَن قتل شخصًا هو مَن ضغط على الزناد.”
“…..”
“لم تقتليهم.”
“لكن.”
“أعرف ما ستقولينه. استمعي إليّ.”
تابع لُــو، وهو يمسك كتفيّ بشدّة.
“هناك أناسٌ في هذا العالم يبقون على قيد الحياة بدوْس الآخرين. ليسوا مضطرّين لذلك، لكنهم يُداسُون مرارًا وتكرارًا.”
“….”
“لكنكِ قاومتِ. كان عليكِ أن تقاتلي. هكذا ستنجين.”
مسح خدي برفقٍ بإصبعه. ثم ارتسمت ابتسامةٌ مريرةٌ على وجهه.
“لا تلومي نفسكِ. أرجوكِ.”
انفرجت شفتاي للحظة، ثم أطبقتا مجددًا.
لم أعرف ماذا أقول.
لا، ربما لأن لُــو قال ما أردتُ سماعه أكثر من أيّ شيءٍ آخر.
تلمّستُ الكلمات التي كانت تملأ فمي. ثم أمسكتُ بيده التي كانت على كتفي.
“لُــو.”
حدّقتُ في عينيه.
“لا أريدكَ أن تموت.”
أخذتُ نفسًا عميقًا.
لقد استنتجتُ شيئًا من حديثي مع أدريان.
سيقتل لُــو، أينما كان.
حتى لو عاد لُــو إلى المملكة المقدسة دون أن يعرف هويته الحقيقية، فلن يستسلم أدريان أبدًا.
في هذه الحالة، لم يكن هناك سوى شيءٍ واحدٍ يمكنني فعله.
“أنت.”
قلتُ وأنا أحدّق في عيني لُــو الزرقاوين.
“هل تساءلتَ يومًا عن والديكَ البيولوجيين؟”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات