تاداك!
بدأتُ بالركض فور دخولي الجسر.
لقد أهدرتُ وقتًا أكثر مما كنتُ أتوقّع في حديثي مع ذلك الطفل.
لو كنتُ في موقفي الطبيعي، لكان لديّ متسعٌ من الوقت لإنهاء القياس، بل وكان الوقت كافيًا لجعل لو يشك بيّ.
‘همف!’
التقطتُ أنفاسي بقوّةٍ وقفزتُ عاليًا لأمسك بالطوب البارز من الحائط. ثم دفعتُ بقدمي على طوبةٍ أخرى لأقفز مرّةً واحدةً نحو نافذة غرفة القياس.
وشش!
انزلق جسدي داخل الغرفة، وبسرعة بدأتُ بفكّ أزرار اقميص.
“شارل، هل ما زلتِ غير جاهزة؟”
كما توقّعت، كان لو يقف أمام الباب.
“فـ فقط دقيقة!”
خلعتُ التنورة بسرعة واخترتُ واحدًا من الفساتين التي أعطاها لي دون تفكير.
“همم.”
سمعتُ صوت لو الغليظ من خلف الباب.
هل كان يشعر بأن شيئًا ما غريب؟
أدخلتُ ساقيّ في الفستان بسرعةٍ وحاولتُ إغلاق الأزرار الخلفية.
وفي تلك اللحظة بالضبط—
“سأدخل الآن.”
مع صوت دوي! انقلب الكرسي وانفتح الباب.
التفتُّ نحوه بسرعة بينما كنتُ أحاول إغلاق الزر الأخير عند عظمة الكتف.
“ام، امم.”
بدأتُ بالتبرير باضطراب.
“لم أستطع الوصول إليه.”
من المؤكّد أن منظرِي وأنا أحاول يائسةً إغلاق الأزرار الخلفية كان كافيًا لتبديد شكوكه … ربما.
“لم أفكّر في ذلك. التفتي، سأفعل هذا من أجلكِ.”
اقترب لو مني بخطواتٍ ثابتة، ثم وضع يديه ببطءٍ على الزر الذي لم أستطع إغلاقه.
لا أعرف إذا كان جسدي قد أصبح باردًا، أم أن يديه كانتا حقًا ساخنتين.
لكن على أيّ حال، لمست أصابعه الحارّة جسدي.
شعرتُ بحرقةٍ في حلقي.
لا أعرف إذا كان ذلك بسبب خوفي من شكّه بي، أم لسببٍ آخر.
لكنني شعرتُ أن قلبي ينبض أسرع من أيّ وقتٍ مضى.
“الفساتين تناسبكِ جيدًا.”
بينما كان يُغلِق الزر الأخير، مال قليلًا نحوي، حتى أن أنفاسه لامست جلدي.
هاه، حبستُ أنفاسي دون أن أشعر.
“يحتاج الخصر إلى تعديلٍ بسيط. هل تشعرين بعدم ارتياح؟”
“…لا، كلّ شيءٍ بخير.”
“هذا جيد.”
نظر لو إلى انعكاسنا في المرآة.
“شارل.”
قال لي بينما نتواصل عبر المرآة.
“لماذا سدَدتِ الباب بالكرسي؟”
كدتُ أن أرتجف لوهلة.
لكن لا يمكنني أن أبدو متوترة. لا يجب أن أترك له أيّ دليلٍ يشكّك بي.
“خشيتُ أن تدخل فجأةً هكذا.”
“أوه، ألا تثقين بي إلى هذا الحد؟”
“لقد دخلتَ بالفعل إلى الغرفة، فما معنى الثقة الآن؟”
رمش لو ببطء، ثم خفض نظره نحو قدمي.
“حذاؤكِ نظيف.”
يا له من شخصٍ مُلاحِظ!
كنتُ مستعدةً لهذا السؤال، فأجبتُه ببرود.
“نظّفتُه لأنه كان يزعجني بينما أغيّر ملابسي.”
“هذه أوّل مرّةٍ أرى حذاءكِ نظيفًا.”
“لقد نظّفتُه للتوّ كما قلت.”
أمال رأسه قليلًا ونظر إليّ من الأعلى.
“لا أعرف إذا كنتِ تريدينني أن أصدّق ذلك أم لا.”
لقد كانت همهمةً منخفضة، ولكن لم أتمكّن من منع نفسي من سماعها لأننا كنا قريبين جدًا..
شعرتُ بوخزٍ في عيني، كأن شيئًا دخل فيهما ووصل إلى رأسي.
لكنني لم أرفع نظري عن انعكاسنا في المرآة.
خشيتُ أن يفعل لو شيئًا ما، خشيتُ أن لا يكتفي بالشك بي، بل أن يعتقلني.
“أعتقد …”
تحرّكت عيناه من وجهي الجانبي إلى رقبتي. شعرتُ بقشعريرةٍ تسري على جلدي.
“أنه من الأفضل أن ترتدي قلادة.”
لمس رقبتي المتوترة بأطراف أصابعه وقال.
“كي لا تهربي بسهولة.”
***
“هاااه.”
ألقت بنفسها على السرير فور عودتها إلى المنزل وأطلقت تنهيدةً طويلة.
في جانب الغرفة، كانت الملابس التي اشترتها اليوم مكدّسة، وقد أجّلت ماردي ترتيبها إلى الغد.
من الواضح أن ترتيبها سيستغرق سنينًا.
‘وهذه ليست كلّ الملابس حتى.’
الفساتين المطلوبة خصيصًا ستصل الأسبوع المقبل. سأصبح مغطاةً بالملابس حتى أتمكّن من بناء منزلٍ منها.
اشترى لو عشرات الملابس، بما في ذلك الفساتين التي قمتُ بقياسها.
قلتُ له إنه لا داعي، لكنه كان عنيدًا.
قال شيئًا عن الحفاظ على ماء وجهه.
لم أفهم السبب.
إنه يشكّ بي، ومع ذلك يزيّنني كخطيبته للحفاظ على مظهره؟
ـ كي لا تهربي بسهولة.
من الواضح أنه كان يعرف.
أنني خرجتُ من المتجر سرًّا.
ومع ذلك، لا يزال يعاملني كعميلة لـ ‘جارديان’.
لم أفهم.
‘لماذا لا يستجوبني مباشرة؟’
هذا صحيح.
رغم شكّه بي، إلّا أنه يكتفي بمراقبتي.
‘لماذا؟’
كان بإمكانه الإبلاغ عني لـجارديان، أو على الأقل إخبار الكاهن الأكبر، أبيه بالتبني.
لكنه يكتفي بمراقبتي بعناد، هكذا.
‘هل لأنه لا يوجد دليلٌ كافٍ؟’
لكن حتى لو كان الأمر كذلك، كان بإمكانه استجوابي. بدلًا من ذلك، يستمر في اختباري بهدوء.
‘مثل اليوم.’
لمستُ رقبتي دون وعي، حيث لمسها لو.
كانت يده ساخنةً على جلدي، وأنفاسه القريبة بينما كان يُغلِق الأزرار كانت ناعمةً بشكلٍ لا يصدق.
لو لم يكن يشكّ بي ولو لم أكن جاسوسة، لكان الموقف رومانسيًا بالتأكيد.
لو كنا رجلًا وامرأةً عاديين … لربما شعرنا بالخجل أو بالحماس.
‘أعتقد أنني شعرتُ بقليلٍ من الخجل.’
لكن لـو لم يبدُ كذلك.
بدا هادئًا تمامًا.
‘بالتفكير في الأمر، لم أره مذعورًا قط.’
لا يمكنني حتى تخيّل شكله مذعورًا.
لـو الذي أعرفه هادئٌ دائمًا، تحليلي، ومرتاح.
‘هل هذا هو السبب في أنه يتركني هكذا؟’
ربما يريد مراقبتي بهدوءٍ حتى أُسقِط دليلًا واضحًا.
للقبض عليّ بشكلٍ قاطع …
“بمجرّد انتهاء هذه المَهمة، يجب أن أطلب العودة إلى الإمبراطورية.”
لا أعرف إذا كان كاتاكل سيسمح بذلك، لكن من أجل صحتي العقلية، لا بد لي من فعل ذلك.
“أشعر أنني سأموت، حقًا.”
تمتمتُ بينما نهضت.
ثم أخرجتُ علبة دهان الأحذية التي أعطاني إياها الطفل الذي قابلتُه أثناء هروبي من المتجر.
ـ لم أجد أيّ شيءٍ بعد.
ـ لكنني سمعتُ بعض المعلومات عن الآثار المقدسة.
ثم أعطاني علبة دهان الأحذية.
من الواضح أن سبب بحث نائب القائد هنري عن الآثار هو منافسة القائد.
لهذا يفعل كلّ هذا سرًّا.
‘يمكنني استخدام هذا لاحقًا بطريقةٍ ما.’
والطفل الذي قابلتُه اليوم أيضًا.
هذه المعلومات غير المتوقعة ستكون مفيدةً لي، كجاسوسةٍ عملتُ لأكثر من عشر سنوات.
بينما كنتُ أفكّر، فتحتُ علبة الدهان.
كانت ممتلئةً بدهان أحذيةٍ صلب، وكأنها جديدة.
بدأتُ أزيل السطح الصلب بملعقةٍ صغيرة. لم تستغرق العملية وقتًا طويلًا لأن العلبة لم تكن كبيرة.
“وجدتُها.”
بعد إزالة الدهان بالكامل، ظهرت أحرفٌ منقوشةٌ في القاع.
كانت رسالةً مشفًرةً باستخدام شيفرةٍ مستخدمةٍ داخل كاتاكل.
“ذهب…”
فككتُ الشفرة.
“صانع الذهب يسعى إلى تصحيح الحقيقة.”
عرفتُ ما تعنيه فور قراءتها.
على الرغم من أن الصورة الحالية للخيميائي هي صانع دواء، إلّا أنني سمعتُ أن هدفهم النهائي في الماضي كان صنع الذهب.
‘صانع الذهب’ تشير إلى الخيميائي، ‘ثيميس’…
“الحقيقة بالتأكيد تتعلق بالآثار.”
لا أعرف لماذا يريد تصحيح الحقيقة، لكن من الواضح أن ثيميس لديه معلوماتٌ عن الآثار.
لكن كيف؟
لا أعرف بالضبط…
“يجب أن أمنع لو من مقابلته بأيّ ثمن.”
كنتُ أفكّر في ذلك بالفعل، لكن الآن لديّ سببٌ أقوى لفصلهما.
“المشكلة هي كيف أفعل ذلك.”
بعد تفكيرٍ قصير، وجدتُ الإجابة.
هناك العديد من الطرق لمنع ثيميس من التحدّث إلى لو دون أن يعرف الأخير.
لذا …
‘لنرتح اليوم.’
أحرقتُ الشيفرة في الموقد ثم استلقيتُ على السرير مرّةً أخرى.
ـ كي لا تهربي بسهولة.
حاولتُ أن أنام بينما كنتُ أحارب صوت لـو الذي ظلّ يتردّد في رأسي.
غدًا هو يوم الحفلة في منزل الماركيز.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات