“لم أكن أعتقد أنكِ جبانةٌ إلى هذا الحد.”
“أنت.”
“وماذا في ذلك إن أخطأتِ؟ يمكنكِ ببساطة تقبّل الأمر.”
رفعتُ رأسي.
ظلّ لو يحمل نفس التعبير المعتاد، وكأنني كشفتُ عن نقاط ضعفي بلا أيّ تصفية، ومع ذلك استمرّ في التحدّث إليّ بنفس النبرة التي يعاملني بها دائمًا.
“العالم لن ينتهي إن اتّخذتِ اختيارًا خاطئًا. ستشعرين بالأسف فحسب.”
“……”
“بعد ذلك، يمكنكِ تحسين اختياركِ في المرّة القادمة. الفشل هو مجرّد حجر عثرةٍ نحو القرار الصحيح.”
صوته كان مرحًا، لكنه في الوقت نفسه دافئ. كأنه يحاول مواساتي.
“من نمط الفهد إلى نمط القطرات، ثم إلى الخطوط… أو شيءٌ من هذا القبيل.”
“هل يجب عليكَ حقًا استخدام هذا التشبيه؟”
“حسنًا، ذوقكِ الأنيق المُروّع في الموضة صادمٌ جدًا.”
“يا هذا.”
عندما أطلقتُ له نظرةً حادّة، انفجر لو في الضحك مرّةً أخرى.
“لنبدأ اليوم بتحسين نمط القطرات أولًا.”
عندما وصلنا إلى المدينة وتوقّفت العربة، نهض ومدّ يده نحوي.
“هاتِ يدكِ. ألن تمسكي بها؟”
تطلّعتُ إلى يده الممدودة أمامي.
شعرتُ بشيءٍ غريب.
كان هناك فرقٌ بين الوقت الذي أمسكتُ فيه يده بلا تردّدٍ سابقًا والآن.
لكنني لم أستطع رفض يده.
أمسكتُ بها ببطء.
انتقل دفء جسده إلى أطراف أصابعي، مما جعلها تشتعل. انتابني شعورٌ غريب.
“أحسنتِ، شارل.”
حقًا، كان شعورًا غريبًا.
وفي تلك اللحظة…
‘ها؟’
حالما نزلتُ من العربة، رأيتُ طفلًا يمرّ بجانبي، ففتحتُ عينيَّ على اتساعهما.
‘إنه بالتأكيد…’
* * *
“يا إلهي! أهذه آنستنا التي يتحدّث عنها الجميع؟!”
“يا للسماء! لم أتخيّل أبدًا أنها ستكون بهذا الجمال!”
حالما دخلنا متجر الملابس، استقبلتنا سيداتٌ بأناقتهنّ الباهرة.
أخذن يَدُرن حولي بين التصفيق والضحك.
شعرتُ ببعض الدوار.
“بجمالكِ هذا، سيكون من الممتع أن نُلبسكِ!”
“أيّ شيءٍ سيناسبكِ! باستثناء ما ترتدينه الآن!”
في الحقيقة، الملابس التي أرتديتُها حصلتُ عليها من زملائي جارديان الذين كانوا سيتخلّصون منها.
والآن، لا يسعني إلّا أن أفكّر بجدية.
لماذا لم يخبرني أحدٌ أن هذه الملابس سيئة؟
ربما كنتُ منبوذةً بين جارديان…؟
بما أنني لم أكن أعلم أن زملائي كانوا خائفين مني لدرجة أنهم لم يتجرّأوا على قول أيّ شيء، لم يكن لديّ خيارٌ سوى التفكير بهذه الطريقة.
“لم تتمكن شارل من إحضار الكثير من الأمتعة لأنها أتت إلى العاصمة على عجلٍ بسببي. نرغب في توصياتٍ لملابس مناسبة للعاصمة. فساتين، قمصان، تنانير، بناطيل، كلّ شيء. آه، ونحتاج أيضًا إلى أحذيةٍ وقبعات.”
بينما كنتُ غارقةً في أفكاري، تحدّث لو إلى السيدات. فأسرعتُ بهزّ رأسي نفيًا.
“لا نحتاج كلّ هذا، إنه كثيرٌ جدًا.”
“يمكنكم التخلّص من الملابس التي ترتديها شارل الآن.”
“……”
آه.
عبستُ وشددتُ قبضتي على طرف التنورة دون سبب.
“حـ حسنًا! أهلاً بكم، سيد لو، آنسة شارل!”
“سنُظهِر جمالكِ الرائع بأبهى صورة!”
بدأت السيدات بالتحرّك بسرعة، مدفوعاتٍ بحماس، وجلبن حامل ملابس كبيرًا.
ثم شرعن في عرض القطع واحدةً تلو الأخرى قائلات.
“هذا قميصٌ مصنوعٌ من حريرٍ مستوردٍ من القارّة الشرقية. بتصميم ‘Leg of Mutton’ الأنيق الذي يعطي إحساسًا بالانسيابية.”
(Leg of mutton: أكمام ذات قمة كاملة مجمعة أو مطوية في فتحة الذراع ومدببة حتى المعصم حيث تبدو ككم عادي.)
صورة
“هذه التنورة سيعجبكِ أيضًا. تصميم ‘Bustle’ أصبح أقلّ حجمًا من قبل، ومصنوعٌ من الكتان لمزيدٍ من الراحة والإحساس بالبساطة.”
(Bustle: ملابس داخلية المبطنة أو إطار سلكي لإضافة الامتلاء أو دعم الستارة في الجزء الخلفي من فساتين النساء.)
صورة
بعد ذلك، تبادلن مصطلحات موضةٍ لم أفهم منها شيئًا.
في الحقيقة، كلّها بدت متشابهةً لي، لكن يبدو أن الأمر مختلفٌ بالنسبة لـلو.
بقيَ فترةً طويلةً يتأمّل الملابس بتعبيرٍ مفكّر، ثم قدّم لي بعض الفساتين.
“ما رأيكِ في تجربة هذه، شارل؟ بعد ذلك، يمكننا تحديد ما إذا كنا سنعدّلها أو نصنع واحدةً جديدة.”
نظرتُ إلى الفساتين الممدودة أمامي.
“أجرّب… كلّ هذه؟”
“نعم. بعد ذلك، يمكنكِ اختيار المفضّل لديكِ.”
“هل هذا ضروري…؟”
“شارل.”
أجبرني لو على حمل الفساتين بينما قال.
“أنا أمنحكِ هديةً للاختيار.”
لو سمعتُها من بعيد، لبدت ككلماتٍ رومانسية.
لو لم تكن عيناه متوهّجتين بحماسه لفلسفة الموضة.
“أليس هذا أقرب إلى إجباري على الاختيار؟”
“أساعدكِ أيضًا ليكون الاختيار أسهل.”
على أيّ حال، إنه يجيد الكلام.
رفعتُ الفساتين التي بين ذراعيَّ ونظرتُ إلى الدرج المؤدّي إلى غرفة القياس.
“سأجرّبها وأعود…”
“أسرعي.”
دفعتني السيدات ولو نحو الدرج.
“حسنًا، هل نختار الإكسسوارات الآن؟”
“ما رأيكَ بقبعاتٍ واسعة الحواف؟”
تجاهلتُ الكلمات التي تلت ذلك. سيتولّى لو الأمر، على أيّ حال.
كان لديّ شيءٌ آخر لأفعله.
تاك.
حالما دخلتُ غرفة القياس، وضعتُ كرسيًا أمام الباب لمنع فتحه من الخارج، ثم نظرتُ من النافذة.
على الرغم من أن الغرفة كانت في الطابق الثاني، إلّا أن الجسر المقوّس أسفل النهر المجاور جعل الارتفاع يعادل تقريبًا الطابق الثالث في المباني العادية.
لكن هذا لم يكن مشكلةً لي.
‘ذلك الطفل الذي رأيتُه.’
تذكّرتُ الطفل الذي مرّ بجانبي حالما نزلتُ من العربة.
‘إنه عميلٌ من ‘كاتاكل’.’
أحد العملاء الذين رأيتُهم عدّة مرّاتٍ في المقر.
‘كان بالتأكيد تحت قيادة نائب القائد هنري.’
منطقة نائب القائد هنري ليست الإمبراطورية، بل الخارج.
فلماذا يوجد عميلٌ يعمل معه في عاصمة الإمبراطورية؟
‘يجب أن أتحقّق.’
فتحتُ النافذة ووضعتُ قدمي على عتبتها.
ثم أمسكتُ بالإطار وتركتُ جسدي يتدلّى. بحثتُ بيدي الأخرى عن مكانٍ لوضع قدمي.
كانت هناك بعض النتوءات في الحجارة، لذا تمكّنتُ من النزول بسهولةٍ باستخدامها كدرجات.
لديّ حوالي 20 دقيقةٍ فقط قبل أن يبدأ أحدٌ بالشك.
يجب أن أجد ذلك الطفل خلال هذا الوقت.
‘اتّجه الطفل نحو منطقة التسوّق.’
تذكّرتُ أن وجهه ويديه كانتا ملطّختين بلمعة الأحذية.
إذن، فهو يتظاهر بأنه ملمّع أحذيةٍ هناك.
بعد تحديد الوجهة، بدأتُ بالمشي بسرعة.
لم أركض، لأن ذلك سيجذب الانتباه.
بدلاً من ذلك، اخترقتُ الحشود متجنّبةً الأنظار.
لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى وصلتُ إلى منطقة التسوّق، حيث وجدتُ الطفل يتظاهر بكونه ملمّع أحذية.
“هل تلمّع أحذية النساء أيضًا؟”
سألتُ بعد أن تنفّستُ بعمق.
“نعم! بالطبع! بالنسبة للنساء، خصمٌ خاصٌّ بسعر 5 بنسات…”
ابتسم الطفل مُرَحِّبًا بي، لكنه توقّف فجأةً عندما رأى وجهي. لقد تعرّف عليّ.
“أحسنتَ، لقد عرفتَني. سيكون التواصل أسهل.”
“أ… أنا…”
“إذا تظاهرتَ بعدم المعرفة، سأقتلك.”
“لكن…”
“إذا هربتَ، سأقتلكَ أيضًا.”
على الرغم من أنني كنتُ أبالغ، إلّا أن الطفل صدقني.
أنا عميلةٌ في كاتاكل منذ أكثر من 20 عامًا.
بينما هو طفلٌ لا يتجاوز العاشرة، مما يجعلني رفيقةً قديمةً بالنسبة له.
“لـ لا… لا يُفترض أن أتحدّث مع العميلة.”
بما أنه لا يعرف اسمي، ناداني فقط بـ’العملية’. لذا استجبتُ بلا اكتراث.
“لكننا بدأنا الحديث بالفعل، أليس كذلك؟”
ثم ابتسمتُ بخبث.
“بما أنكَ تحدّثتَ معي، إذا اكتشفوا الأمر، سأنجو بينما ستموت. إذن، ماذا يجب أن تفعل؟”
رأيتُ تفاحة آدم تهتز. مددتُ يدي نحو المسدّس المخفي في فخذي.
لكن…
“سألمّعها لكِ بـ5 بنسات! اجلسي على الكرسي وارفعي قدمكِ اليسرى أولاً!”
لحسن الحظ، لم أضطرّ لاستخدام المسدّس.
جلستُ على الكرسي بشكلٍ طبيعيٍّ ورفعتُ قدمي، ثم سألتُ بصوتٍ منخفض.
“ما الذي يفعله عميلٌ تابعٌ لنائب لقائد هنري في العاصمة؟”
“…لا يمكنني الكشف عن المهمة. مهلاً، حذاؤكِ متّسخٌ جدًا! سأجعله يلمع!”
“هل يمكنني التخمين؟”
راقبتُ الطفل الذي كان يؤدّي دوره ببراعةٍ ثم تابعتُ.
“أنتَ أيضًا تبحث عن الآثار المقدسة.”
“كح..كح!”
بدا الصبي مذعورًا تمامًا، وسعل سعلةً عصبية.
“البحث عن الآثار المقدّسة هو مهمة قائدنا بالتأكيد، فلماذا يتدخّل نائب القائد؟”
“هـ هذا.. نـ نعم! رجاءً قدمكِ اليمنى الآن! انتهيتُ من قدمكِ اليسرى بالفعل!”
“آه، فهمت.”
حدّقتُ في وجه الصبي المضطرب وقلتُ ببطء.
“تريدون تحقيق إنجازٍ قبل القائد، بهذه الطريقة يمكنكم من تقليص سلطته.”
مِلتُ إلى الأمام واقتربتُ منه أكثر. نظرتُ مباشرةً في عينيه المرتعشتين.
“أيمكن اعتبار هذا… تمرّدًا؟”
“لا! ليس كذلك أبدًا!”
لوّح الصبي بيده في الهواء بانفعال وهو لا يزال يحمل فرشاة الأحذية.
“إذا أخبرتُ القائد بهذا، ما الذي سيحدث لك؟”
عدتُ إلى وضعية الوقوف وتظاهرتُ بالبرودة بينما عقدتُ ذراعيَّ.
“سينجو نائب القائد هنري بالطبع. لكنكَ ستموت. ليس على يد القائد، بل على يد قائدكَ نفسه.”
اصفرّ وجه الصبي.
أنا أعرف جيدًا أولادًا في مثل عمره.
بالتحديد، أعرف جيدًا أولئك الذين أصبحوا عملاءً في مثل سنه.
ولاؤهم للمنظمة لا يزال ضعيفًا جدًا بالنسبة للمخاطرة بحياتهم.
لذا بالتأكيد لن يرغب في أن يُقتَل بسبب صراعات القوى الداخلية.
لقد كنتُ مثله من قبل.
وضعتُ يدي على كتفه وهمستُ بصوتٍ منخفض.
“لذلك… أخبرني.”
“……”
“ما الذي وجدتموه؟”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل "8"