اليوم، طلبتُ من السائق الذهاب إلى وسط المدينة، فأخذني ببساطةٍ دون أن يقول أيّ شيءٍ آخر.
لم يسأل عن وجهتي.
كنتُ قد أعددتُ إجابةً تحسّبًا لأيّ طارئ، لكن ربما كنتُ متوتّرةً بلا داعٍ.
‘لكن لا أحد يعرف ما قد يحدث.’
كنتُ أكثر توتّرًا اليوم لأنني كنتُ سأتتبّع مَهمة كاتاكل.
يُخطِّط بايلور بالتأكيد لانقلاب.
لكنه لن يفعل ذلك بمفرده.
ربما يستغل منظمة كاتاكل لمصلحته.
في هذه الأثناء، أنا عاجزةٌ حاليًا.
الشخصان الوحيدان اللذان يستطيعان مساعدتي هما بينكي الصغير وداميان الميت. ماذا يمكنني أن أفعل بهما؟
‘لهذا السبب عليّ مطاردتهما.’
هذا يعني أن عليّ أن أعرف بالضبط ما يفعله بايلور وما يُخطّط له.
فكّرتُ في هذا، فعدّلتُ ملابسي بينما تباطأت العربة ببطء.
“اعتني بنفسكِ يا آنسة!”
“أجل، شكرًا لك.”
مع أنني انفصلتُ عن جيمس هكذا، إلّا أنني ما زلتُ أشعر بعدم الارتياح.
حتى لو رفض لُــو السؤال عن مكاني، وحتى لو قال إن لديه عملًا آخر وأنه خارج المنزل اليوم، لم أستطع الوثوق به تمامًا.
“سلّة تفاحٍ فقط، من فضلك.”
“هل ترغبين بسلطةٍ اليوم؟”
“أريد قهوةً دافئة.”
لم أستطع الاسترخاء إلّا بعد تجوّلي في المدينة، وزيارة جميع محلّات الفاكهة والمطاعم والكافيتريات.
‘لا مطاردون.’
بعد أن نظرتُ حولي مرّةً أخرى وتأكّدتُ من محيطي، دخلتُ بسرعةٍ إلى الزقاق.
كان الزقاق المهجور مليئًا بالمحلّات الصغيرة.
مررتُ بمحلّاتٍ تبيع حُليًّا صغيرةً لطيفة، ونبيذًا مستوردًا من الخارج، وأعشابًا غريبة.
وأنا أتقدّم قليلًا في الزقاق، صادفتُ بابًا خشبيًا مألوفًا.
فوق الباب الخشبي الخشن، عُلِّقت لافتةٌ باليةٌ كُتِب عليها ‘مكتبة مستعملة’.
ما إن فتحتُ باب المكتبة، حتى رنّ جرسٌ برونزيٌّ قديمٌ برنينٍ خافت.
انبعث صوتٌ خافتٌ مصحوبٌ برائحة الغبار والورق.
تكشّفت مساحةٌ ضيقةٌ وطويلةٌ تصطف على جانبيها رفوف الكتب.
تسلّل ضوء الشمس خافتًا عبر النوافذ، لكن الداخل ظلّ مظلمًا وصامتًا.
لم يكن هناك زبائن.
لم يزُر هذا المكان الكثير من الناس.
حسنًا، على وجه التحديد، كان الزوّار الوحيدون هم عملاء كاتاكل والذين ضلّوا طريقهم.
مشيتُ على طول رف الكتب، وأنا أمرّر إصبعي على الأغلفة كما لو كنتُ أختار كتابًا.
[تاريخ وتطوّر الموانئ الإمبراطورية]
بدا الكتاب مملًّا للغاية للبعض.
لذا، حتى لو كان مجرّد كتابٍ هناك، مغطًّى بالغبار، فلن يكون غريبًا.
لكن هذا الكتاب لم يكن مجرّد كتابٍ عادي.
قلبتُ صفحاته على مهل. شعرتُ بصفحةٍ صغيرةٍ مطوية.
[الفصل 7. الريح التي تعصف بالبحر]
بدا وكأنه تاريخٌ بسيطٌ لصناعة الشحن الإمبراطورية، لكن الكلمات المخبأة داخل هذه الصفحات كانت في الواقع نصًّا مشفَّرًا مُرتّبًا وفقًا لقواعد مُحدّدة.
اتّبعتُ طريقة فكّ الشيفرة وأعدتُ تجميع الجمل.
[هدف المراقبة: الميناء الإمبراطوري، الرصيف 3
المعلومات الاستخباراتية: اشتباهٌ في تجارة إمداداتٍ عسكريةٍ غير مشروعة.
الهدف: مراقبة موقع المعاملة وتأمين المواد المُهرَّبة.
الانسحاب الفوري عند طلب الكشف.]
جملٌ قصيرةٌ ومُوجَزة.
خفضتُ عينيّ ببطءٍ وأخذتُ نفسًا عميقًا.
‘إمداداتٌ عسكريةٌ غير مشروعة.’
تعيش الإمبراطورية حاليًا في سلام.
لكن حقيقة حدوث التهريب فتحت الباب أمام عددٍ من الاحتمالات.
إلى جانب ذلك، على حدّ علمي، الشخص المسؤول عن هذا العمل الأمني هو نائب القائد كينريك.
كان كينريك دائمًا على خلافٍ مع القائد، أليس كذلك؟
لو أن القائد أمر بالتهريب، لكان كينريك غافلًا عنه.
‘هذا جيد.’
بعد أن قرّرتُ، أعدتُ الكتاب إلى مكانه دون أن أترك أثرًا، وخرجتُ ببطءٍ من المكتبة.
كنتُ أحمل ورقةً صغيرةً مزّقتُها من الصفحات وأنا أقلّب صفحات الطتاب.
الآن، بدأ العمل الحقيقي.
* * *
هبّت نسمة البحر بقوّة.
رائحة الميناء المميّزة، رائحة الملح والزيت، وحتى الرطوبة المتسرّبة من سطح السفينة الخشبي القديم.
كان كلّ شيءٍ عنصرًا مثاليًا في ليلة الميناء.
‘هذه أوّل مرّةٍ أعود إلى الميناء منذ أن جئتُ إلى هنا لأجد آثار هنري.’
أتذكّر.
العثور على سجلّ سفينة هنري، ثم الاصطدام بلُــو وكنا لى وشك الموت معًا.
في ذلك الوقت، عندما كان الماء يرتفع وكنتُ ألهث لالتقاط أنفاسي ……
«إن كنتِ آسفةً حقًا كما تقولين. إذًا عليكِ اختيار فستان الزفاف بنفسكِ.»
حاول لُــو طمأنتي بقوله ذلك.
في ذلك الوقت، كان الأمر سخيفًا لدرجة أنني صُدِمت، لكن بالنظر إلى الماضي، ربما كان أفضل شيءٍ قاله لُــو.
فكرة أنه اختار تلك الكلمات بعنايةٍ من أجلي أثلجت صدري.
و…
‘بالتفكير في الأمر، لقد تبادلنا قُبلةً أيضًا، أليس كذلك؟’
صحيح أنّه نفخ فيّ الهواء حين كنتُ عاجزةً عن التنفّس، لكن على أيّ حال!
فُزعت من الذكرى المفاجئة، فغطّيتُ شفتي بكفّي.
لماذا نسيتُ ذلك!
ولماذا تذكّرتُه فجأةً الآن!
‘آه….’
غمرني شعورٌ بإحراجٍ لا داعي له. شعرتُ بحرارةٍ في وجهي.
‘كان مجرّد تنفّسٍ اصطناعي.’
لم تكن قبلةً بين عاشقين أو شيءٍ من هذا القبيل.
لذا، دعنا لا نفكّر في الأمر. لا تفكّري في الأمر … لكن، كان لطيفًا، أليس كذلك؟
“يا إلهي.”
عودي إلى رشدك، شارل.
صفعتُ وجهي بخفّة، محاولةً استعادة رباطة جأشي.
ثم راقبتُ الأرصفة مجدّدًا.
ومضت الأضواء بشكلٍ متقطّع. تمايلت أعمدة إنارة الشوارع القديمة وأصدرت صريرًا في الريح، وسُمعتُ أصواتًا خافتةً لبحارةٍ يضحكون ويتحدّثون في البعيد.
اختبأتُ بعيدًا عن الأنظار، وتأملّتُ تصميم الأرصفة.
بحكم العادة، أحسبتُ طريق التراجع أوّلًا. وما إن أنهيتُ حساباتي، حتى اختفيتُ في الظلام.
كان من المفترض أن أكون عند الرصيف 3.
“….”
نهاية الرصيف.
بينما كنتُ أتّجه نحو حيث اشتدّت رائحة السمك، رأيتُ مستودعات بالكاد مضاءً.
ألقى المستودع بظلالٍ رماديةٍ عميقة.
أبطأتُ من سرعتي.
ثم، وأنا ألتقط أنفاسي، تحقّقتُ من اتجاه الريح والصوت. ووقفتُ مُقابل الريح مُباشرةً.
‘تهريبٌ غير مشروعٍ للإمدادات العسكرية.’
ضممتُ أصابعي.
بالطبع، لم يكن الأمر مُؤكَّدًا. كان مُجرّد تحذيرٍ لرصد وتتبّع أيّ تهريبٍ غير مشروعٍ للإمدادات العسكرية المُشتَبه به.
لكن ……
أخبرني التوتر الذي تحمله الرياح.
لا ينبغي أن أكون مُرتابة، بل واثقة.
‘لنُعِد النظر في الأمر.’
تعيش الإمبراطورية في سلامٍ حاليًا.
لا مجال لاندلاع حرب، ولا ينبغي أن تحدث كذلك.
فلماذا يُهرِّبون الإمدادات العسكرية؟
“……”
شعرتُ بشعورٍ مشؤوم.
‘لا يُمكن.’
مستحيل.
هززتُ رأسي وركّزتُ أكثر. بدأت الأصوات تأتي من مكانٍ ما.
“سيحدث قريبًا …”
“… لن يطول الأمر …”
“تحرّك بسرعة …”
بسبب المسافة، لم أستطع السمع بوضوح.
هل أصعد إلى المستودع وأقترب؟ رفعتُ رأسي ومسحتُ السماء بنظري. كان في ذلك الوقت.
شعرتُ بوجودٍ قريب. على بُعد خطواتٍ قليلةٍ فقط.
حسبتُ الموقف بسرعة.
هل من الممكن وجود عابر سبيلٍ عشوائي؟ لا. عذا غير محتمل.
هل من المحتمل أن يأتي هجومٌ أولًا من هذه المسافة؟ احتمالٌ كبير.
لذا …
‘سأتحرّك أولًا.’
دون تردّد، استدرتُ على كعبيّ وأرجحتُ يدي التي تحمل الخنجر بسرعة.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
تجدون الفصول المتقدمة لغاية فصل 95 على قناة التيلجرام 🙈 الرابط: Link
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات