بعد مغادرة المتجر، مشينا قليلاً.
أرسلتُ العربة إلى القصر أولاً، ظناً مني أن اختيار الفستان سيستغرق وقتاً طويلاً.
لكن ركوب العربة المستأجرة كان مُحرِجاً بعض الشيء، مع كثرة الناس الذين ينظرون إلينا بنظراتٍ خاطفة.
“هل نذهب إلى المقهى؟”
سألتُ لُــو، الذي ظلّ صامتاً طوال فترة مغادرتنا المتجر.
“إذا ذهبنا وشربنا فنجاناً من القهوة، ألن تصل عربتنا في الوقت المحدّد؟ أخبرتُه أن يعود بعد أربع ساعات، لذا لدينا ساعتين فقط.”
لكن، كما هو متوقّع، لم يُجِب.
عبستُ قليلاً، ظناً مني أنه يتجاهلني، والتفتُّ إليه.
“لماذا لا تقول شيئاً؟ ألا تريد التحدّث معي؟”
“لا، ليس هذا ما أريده.”
أجاب لُــو فوراً.
لكنه استغرق وقتاً أطول قليلاً ليكمل حديثه.
“حالياً، ماذا أقول …”
أخذ لُــو نفساً عميقاً وقال.
“هل أقول إنني أريد أن أكون وحدي؟”
“…هل تحاول القول إنكَ تكرهني بطريقة ملتوية؟”
“لا أكرهكِ، ليس حاليًا.”
كان من الأفضل لو لم يُضِف ‘حاليًا’.
عضضتُ على شفتيّ بحنق.
“إذن لنأخذ عربةً مُستأجَرة. لنبقَ معاً حتى نصل إلى القصر فقط.”
“هذا …”
توقّف لُــو للحظة مترددًا.
“يا إلهي!”
سمعتُ صوتاً حادًّا واضحاً.
كان صوتاً مألوفاً جداً. التفتُ أنا ولُــو برأسينا في نفس الوقت.
“مَن هنا؟ أليست هذه الآنسة شارل؟”
كانت إيفلين فلوريا.
لا. لم تكن وحدها.
كانت أغاثا لوكوود، ودوروثي هارينغتون، وسيسيل روزفيلدت هناك أيضًا.
“لم أتخيّل يومًا أن ألتقي بالآنسة شارل هنا!”
“من الجميل رؤيتكِ. كيف حالكِ الآن؟”
اقتربوا مني بابتسامةٍ ودودة، كما لو كننا صديقاتٍ قديمات.
لا. يا رفاق؟ أليس لُــو الذي بجانبي مباشرةً مَن تحيّيونه؟
أنتم… ألا تُحبنن لُــو؟
لكن على عكس توقعاتي، ركضوا نحوي وأمسكو يدي بقوّة.
“انظري إلى هذا. نصف وجهكِ قد اختفى من الضعف. ويداكِ نحيلتان جدًا!”
“يا للأسف. وجهكِ الجميل مُتضرّر.”
“ما زالت جميلة حتى ووجهها مُتضرّر.”
كان الشخص الذي لفظ الكلمات الأخيرة هذه هي سيسيل.
ألم تكوني تكرهيني؟
‘أعتقد أن ذلك لأنني أنقذتُ ابن أخيها.’
ربما أصبحتُ أكثر شهرةً قليلًا؟
“أوه. لُــو هنا أيضًا. تأخّرتُ في إلقاء التحية.”
“هاها، صحيح.”
وكأنهن قد رأين لُــو أخيرًا، الذي كان واقفًا هناك كمزهرية، سارعت الشابات لتحيّته.
“مرّ وقتٌ طويل. أتمنى أن تكونوا بخير، آنساتي.”
“شكرًا لك!”
رحّب لُــو بالسيدات بابتسامةْ رقيقة، كما لو أنه لم يكن منغمسًا في اللحظة هكذا من قبل.
“بالمناسبة، إلى أين أنتما ذاهبان؟”
“آه.”
أجاب لُــو.
“لم نكن ذاهبين لأي مكان، لقد عُدنا للتوّ. أتينا اليوم لنرى فساتين زفافٍ لشارل.”
“يا إلهي!”
“سمعتُ أنكما ستتزوّجان، يبدو أن الموعد قريبٌ جدًا!”
انحنى لُــو قليلًا للسيدات اللواتي صفّقن بأيديهن.
“سأحرص على إرسال الدعوات في أسرع وقت. سيكون شرفًا لي لو حظينا بشرف حضوركنّ لهذه المناسبة.”
‘بالتأكيد، سنذهب بالتأكيد، ولو من أجل الآنسة شارل!’
….. لأجل الآنسة شارل.
رمشتُ بضع مرّات، وشعرتُ ببعض القلق.
“إذن ليس لديكما خططٌ بعد ذلك؟”
“لا، ليس لدينا.”
“إذن لمَ لا تأتيان في نزهةٍ معنا؟”
التفتُّ إلى لُــو. كان لُــو قد قال قبل لحظةٍ إنه يريد أن يكون بمفرده.
“أنا …”
نظر إليّ لُــو، ثم وضع يده بسرعةٍ على صدره وانحنى.
“ليس من الصواب أن ينضمّ رجلٌ بلا لباقةٍ إلى تجمّعٍ للشابات. سأعود، لذا استمتعن بوقتكنّ مع شارل.”
كما هو متوقعٌ من لُــو.
كيف له أن يقول إنه لا يريد الذهاب بشكلٍ غير مباشرٍ منمّقٍ ولطيف؟
أعتقد أنني سأتعلّم هذه الطريقة في الكلام يومًا ما.
بالطبع، حدّقت بي الشابات، غافلاتٍ تمامًا عن أفكار لُــو.
“آنسة شارل، هل لا بأس لديكِ؟”
“امم.”
تردّدتُ قليلًا قبل أن أُجيب.
“طالما أنها ليست مزرعة تماسيح.”
كان الوضع مروّعًا حقًا هناك …….
* * *
أطلعتني الشابات على المكان، وقلن إنه مكانٌ أكثر متعةً وتسليةّ من مزرعة تماسيح.
ضحكتُ، وأنا أحدّق في المشهد الذي يتكشّف أمام عيني.
صهيل!
“اركض! اركض!”
كنتُ في مضمار سباق.
هاه ……؟
“أليكس يبدو في حالةٍ جيدةٍ اليوم.”
“ثاندر (معناه الرعد) لا يبدو سيئًا أيضًا.”
“همم. على مَن سأراهن؟”
فكّرتُ وأنا أسترق السمع إلى حديث السيدات.
يا رفاق.
أنتم تُحبّون المقامرة حقًا.
لم يُثِر ذلك اهتمامي إطلاقًا، فتظاهرتُ بعدم الملاحظة وراقبتُ مضمار السباق.
أول ما رأيتُه كان بحيرةً واسعة. على ضفاف البحيرة، رأيتُ فرسانًا يتجوّلون بخيولهم بعد سباقاتهم.
‘مضمار سباقٍ على ضفاف بحيرة.’
إنه مكانٌ رومانسي، ولكنه أيضًا مليءٌ بالتخيّلات …
على أيّ حال، كان هذا المكان مثيرًا للاهتمام.
على النقيض تمامًا من هدوء البحيرة، كان مضمار السباق صاخب …
“اركضوا! اركضوا! من فضلكم!”
كانت الخيول تركض بسرعة الريح تحت أوامر الفرسان،
“آآآآه!”
حتى الناس صرخوا يائسين بعد خسارة أموالهم.
‘هل هذا ممتعٌ حقًا؟’
لا أطيق هذا النوع من المناظر.
لذلك جلستُ بجانب الشابات.
“لو كنتُ أعلم أنكِ ستأتين معنا آنسة شارل، لحجزتُ مقاعد كبار الشخصيات.”
قالت إيفلين بوجهٍ عابس.
“نحن نفضّل المشاهدة من هنا، لذا نستخدم المقاعد العامّة في بعض الأحيان.”
“أنا آسفة. سأحرص على أن أريكِ أفضل المقاعد في المرّة القادمة.”
نظروا إليّ بنظرة اعتذار فقلت.
“لقد أحببتُ هذه المقاعد. لا تقلقوا بشأن ذلك.”
لو كان الأمر كالسابق، لربما كنتُ سأُقابَل بتعليقاتٍ ساخرةٍ مثل ‘بالطبع، لأنها من الريف’.
لكن.
“الآنية شارل متواضعةٌ جدًا.”
“هذا يجعلها تبدو أكثر نُبلًا.”
الآن، أتلقّى إطراءاتٍ كهذه حتى.
أنا، لعلهم يُكنّون لي بعض المودّة الآن ……؟
“أوه، أوه، أوه! هيا بسرعة!”
ركّزت الآنسات، حاملاتٍ عدّة تذاكر، انتباههن على المضمار، تسائلتُ متى اشترين تذاكر المراهنة مرّةً أخرى.
أنا أيضًا، التفتُّ تلقائيًا نحو المضمار.
عندها.
“لقد مرّ وقتٌ طويل، أليس كذلك؟”
فُزعتُ، ونظرتُ جانبًا. ثم رأيتُ بينكي، يرتدي قبعةً متدليةً منخفضة. هـ هاه؟
“انظري للأمام. سيُشير الناس إليكِ بأصابع الاتهام إذا اكتشفوا أنكِ تقضين وقتًا مع طفلٍ فقيرٍ كهذا.”
عدتُ إلى وعيي بسرعة، وثبّتُ نظري على المضمار مرّةً أخرى.
آه، لقد أصبحتُ غافلةً بعض الشيء مؤخّرًا.
صفعتُ خديّ مرّتين.
“لماذا أنتَ هنا؟”
“ألا يوجد لديكِ ما تقولينه قبل ذلك؟”
“ماذا لديّ لأقوله؟”
شعرتُ بنظرة بينكي ثابتةً عليّ.
“لماذا لم تذهبي إلى المستودع المهجور مؤخّرًا؟”
آه.
بالتفكير في الأمر، لم أذهب إلى المستودع المهجور مؤخّرًا.
سمعتُ بعض المعلومات من أدريان، ولم أُرِد التفكير فيها، فتجاهلتُها.
لكنني لم أستطع الاعتراف بكلّ شيء، فاختلقتُ عذرًا آخر.
“كنتُ مشغولةً مؤخرًا. ولُــو يراقبني.”
“حتى لو كنتِ مشغولة، من فضلكِ لا تنسي إيداع المال. سيكون الأمر صعبًا بدونه.”
آه. إذًا الأمر يتعلّق بالمال …
أخرجتُ عملةً ذهبيةً من جيبي وناولتُها له. سمعتُه يضحك.
“إذن كنتَ تتبعني من القصر حتى هنا؟”
لم أنتبه. كنتُ قلقةً بعض الشيء، ظننتُ أن إحساسي بما حولي قد خاب.
“الأمر ليس كذلك. سمعتُ أن شيئًا ما سيحدث في مضمار السباق هنا، فانتظرتُ في المكان.”
“ماذا؟”
انحنى بينكي نحوي. ثم قال بصوتٍ جادٍّ وحازم.
“سيحدث هجومٌ إرهابيٌّ هنا.”
…… ماذا؟
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات