نقرة.
عدتُ إلى غرفتي، وأغلقتُ الباب، وسقطتُ على الحائط.
“هيك.”
خرجت مني شهقة.
لم أفعل شيئًا مُرهقًا، ومع ذلك شعرتُ بالإرهاق.
‘بسبب أدريان.’
و……
‘وبسبب لُــو أيضًا.’
نقرتُ لساني قليلًا، مُتذكّرةً صمت لُــو طوال رحلة العربة، وكيف تجاهلني وذهب مُباشرةً إلى غرفته لحظة وصولنا إلى القصر.
‘ربما يكون غاضبًا مني.’
لُــو من النوع الذي يكرهني، لكنه يُحاول أن يُعجَب بي على أيّ حال.
ظننتُ أن ذلك قد يكون قاسيًا بعض الشيء.
لكن …….
“أنا مُحقة في النهاية، أليس كذلك؟”
نحن محرّد رفاق.
هذا يعني أنه عندما نكون في مَهمة، لا ينبغي أن نتأثّر بمشاعرنا الشخصية.
بالطبع، كان لُــو لطيفًا معي ويهتمٌ بي.
لكن في الوقت نفسه، كان أيضًا شخصًا يشكّ بي، وشخصًا لا يمكنني أبدًا أن أدع هويتي الحقيقية تُكشَف أمامه.
لهذا السبب كان عليّ أن أكون أكثر حزمًا.
لذا أرجوك، لا تقترب مني أكثر.
‘معدتي تؤلمني.’
ازداد ألم معدتي بشكلٍ حاد، شديدٌ لدرجة أنني لم أستطع التمييز إن كان في معدتي أم صدري.
أردتُ فقط الاستلقاء في السرير والراحة، لكنني لم أستطع.
«تعالي الليلة.»
لأن عليّ الذهاب لرؤية أدريان.
* * *
اضطررت للخروج ليلًا مرّةً أخرى.
لكنني لم أكن قلقةً جدًا اليوم.
‘لُــو غاضبٌ الآن، لذا لن يدخل غرفتي.’
همم. أعتقد ذلك.
كان الجو جيدًا حتى تناولنا الطعام.’
لم أتخيل يومًا أني سألتقي بأدريان فجأةً.
‘هاه.’
التقطتُ المعطف الأسود المُعلَّق على الشماعة، أنزلتُ شعري، وربطتُ ردائي.
ثم توجّهتُ نحو النافذة.
خارج النافذة، امتدّ ليلٌ هادئٌ أمامي، حديقةٌ تُغطّيها سكون الليل.
بعد أن ألقيتُ نظرةً سريعةً حولي، صعدتُ إلى حافة النافذة ودفعتُ نفسي للأعلى. تشقلبتُ في الهواء وهبطتُ على الأرض.
ثم انحنيتُ بسرعةٍ وغُصتُ في الظلام.
وصلتُ إلى العنوان المكتوب على الرسالة التي سلّمني إياها أدريان سرًّا في وقتٍ سابقٍ من ذلك اليوم.
كان من المبالغة بعض الشيء أن أُسمّيه قصرًا، لكنه كان كبيرًا جدًا بالنسبة لمنزلٍ صغير.
كان يُمكن سماع ضحكاتٍ عاليةٍ وموسيقى هادئةٍ في الخارج.
“لا بد أنه صالون.”
كنتُ أعلم أن أدريان يتردّد على الصالونات أو يختبئ فيها كثيرًا، فتوجّهتُ نحو القصر دون أن ألاحظ أيّ شيءٍ غير عادي.
اعترض الحارس الواقف عند الباب الأمامي طريقي.
“جئتُ لأرى أدريان.”
بعد أن تفحّص وجهي بإيجازٍ من تحت غطاء الرأس، أومأ الحارس وفتح الباب.
ما إن فُتِح الباب، حتى قابلتني مجموعةٌ من الشباب بوجوهٍ نضرة.
كانوا جميعًا يضحكون ويتحدّثون بسعادة، لكن كان هناك شيءٌ غريبٌ في الأمر.
كما لو أنهم تناولوا مخدّرًا.
‘هل استخدموا الأورا؟’
تسك. نقرتُ بلساني قليلًا ومررتُ بهم.
ثم مشيتُ بهدوءٍ إلى زاوية الصالون ورفعتُ ستارةً حمراء، مخفيّةً عن الأنظار.
خلفها، كان هناك بابٌ مخفيٌّ آخر.
“…..”
نظرتُ حولي للحظة.
لم يبدُ أن أحدًا لاحظ وجودي، لكن خلف ضحكات النبلاء المتكلّفة، شعرتُ وكأن عيونًا خفيّةً تراقبني.
لكنني لم أُبالِ.
ففي النهاية، كنتُ أرتدي قلنسوة، حتى لا يتعرّف عليّ أحد.
مددتُ يدي بهدوءٍ وأدرتُ مقبض الباب.
طقطقة.
ما إن فُتِح الباب، حتى لامس هواءٌ باردٌ بشرتي.
عالمٌ مختلفٌ تمامًا عن المكان الفخم في الخارج.
مكانٌ هادئ، مظلم، ولكنه سريٌّ بنفس القدر.
لم يكن هناك وجودٌ فيه سوى لشخصٍ واحدٍ.
“… أدريان.”
الذي اتصل بي.
* * *
“هل غيّرتَ مكانكَ مرّةً أخرى؟ ماذا عن القصر السابق؟”
دخلتُ الغرفة بهدوءٍ عمدًا، متظاهرةً بأن شيئًا لم يحدث.
“هُدِم ذلك المكان بعد أن أحدث سيدٌ شابٌ مخمورٌ ضجّةً كبيرة.”
“ما الذي فعله بحق السماء ليستحق الهدم؟”
“قام بإشعاله.”
“…..”
من الصعب الإجابة على هذا السؤال بعفوية.
أشحتُ بنظري وجلستُ على الكرسي الذي أراني إياه أدريان.
“لماذا استدعيتَني؟”
حدّق بي أدريان.
ركّزت عيناه الداكنتان، كظلامٍ كثيفٍ قاتمٍ يلفّ الغرفة، عليّ.
انحنى فوق مسند الكرسي الذي كنتُ أجلس عليه وقال.
“ظننتُ أنكِ قد تشعرين بالفضول حيال شيءٍ ما.”
حدّقتُ به باهتمام.
“نعم، لديّ بعض الأسئلة.”
أغمض أدريان عينيه وابتسم، كما لو كان يتوقّع مني ذلك.
ثم مدّ يده ولعب بأطراف شعري.
“لماذا؟”
“ماذا؟”
“لماذا ناديتَني شارل أمام لُــوفانتي؟”
كان أدريان هو العميل الأكثر موهبةً في كاتاكل.
يقول البعض إن أدريان يتصرّف دون تفكير، لكن هذا دون معرفته الحقيقية.
أفعاله، أقواله، حتى نظراته، كلّها محسوبةٌ بعناية.
لذا، إذا ناداني أدريان شاران أمام لُــو، فلا بد أن ذلك كان لغرضٍ واضح.
“هل تريدني أن أفشل في المَهمة لأن هويتي انكشفت؟”
“مستحيل.”
“إذن لماذا …!”
“شارل.”
شدّ أدريان شعري بقوّةٍ خفيفة.
أفزعني الألم الخفيف في فروة رأسي، فأغلقتُ فمي.
“لا تكوني مهووسةً بإخفاء هويّتكِ. إن كان الأمر مُهِمًا حقًا، يمكنكِ قتله. لماذا أنتِ قلقةٌ جدًا؟”
“…..”
“ما هذا التعبير الذي على وجهكِ؟ أنتِ لا تريدين قتل لُــوفانتي أليس كذلك؟ كما لو كنتِ تحبّينه حقًا …”
بُتِرَت كلمات أدريان فجأةً.
شعرتُ بقشعريرةٍ تسري في جسدي، وانفرجت شفتاي المرتعشتان لأُنكِر ذلك.
“بالتأكيد لا.”
“حقًا؟ إذًا، لا ينبغي لشارل أن تقلق حيال ذلك.”
ارتسمت ابتسامةٌ رقيقةٌ على شفتي أدريان مجددًا.
“هل هناك أيّ شيءٍ آخر يثير فضولكِ؟”
هناك شيءٌ ما كنتُ أتساءل عنه منذ مدّة.
لا، لأكون دقيقة، إنها فكرةٌ تراودني منذ غرق السفينة.
“مستحيل.”
قلتُ وأنا ألتقط أنفاسي.
“أنت؟”
أمال أدريان رأسه.
“هل حاولتَ قتلي؟”
عندها، انفرجت شفتا أدريان، كما لو أنهما على وشك الانهيار.
ضحك، كما لو أنه سمع شيئًا مُسلّيًا، وقبّل رأسي، مُجبِرًا إياي على الاتكاء على صدره.
“لماذا أقتُلُكِ؟ أنا أحبّكِ حقًا، شارل.”
لقد كان أدريان.
حاول أدريان قتلي أنا ولُــو.
“حاولتُ إنقاذكِ، شارل. بالطبع، ذلك الرجل لُــوفانتي، أو ما شابه، أخّر الأمور عليّ قليلًا.”
ارتجفت عيناي.
هل أعتبره من حسن حظي أنه لم يستطع رؤية تعبيري الآن، وأنا بين ذراعيه؟
قبضتُ على اليد التي كانت على فخذي.
“لماذا؟”
ثم حرّك أدريان يده ببطء. رفع ذقني، ممسكًا به.
“لو أخبرتُكِ أن هذا أمر القائد، هل ستتعاونين؟”
“لا تكذب.”
رددتُ بحزم.
“القائد لا يعلم بالأمر. أنكَ توزّع الأورا، أو أنكَ تجنّد أبناءً نبلاء إلى صفّك.”
ارتعشت رموش أدريان الفضيّة ببطء. حدّقتُ به باحزم.
“هل تفعل كلّ هذا لمجرّد معارضة القائد؟”
ابتسم أدريان. كانت ابتسامةً تأكيدية.
هذا جعلني أكثر حيرة.
لماذا يُعارِض بايلور، والده؟
لو بقي ساكنًا، فكلّ ما أنجزه بايلور سيصبح مِلكه في النهاية.
“إذن، لماذا؟”
بينما كنتُ أتحدّث، نقر أدريان بلسانه وجلس.
“شارل، تبدين متعبةً بعض الشيء.”
ثم وضع ذراعيه على مسند الرأس بجانب رأسي.
فجأةً، وجدتُ نفسي محاصرةً بين ذراعيه، فحبستُ أنفاسي وتجمّدتُ.
“شارل خاصتنا تحتاج إلى أن تكون أكثر جرأة.”
“……”
“أليس الأمر مملًّا بعض الشيء الآن؟”
ضحك بخفّةٍ وتابع.
“أتعلمين، شارل.”
أمال أدريان رأسه وقال.
“هل تعلمين ما هو أهمّ شيءٍ عند أَسْر شخصٍ ما؟”
ثم قرّب وجهه من أذني.
“أن أُمسِكَ بما يرغب به.”
أعلم.
كان أدريان هكذا دائمًا.
يتحرّك دائمًا مستغلًّا نقاط ضعف الآخرين.
كالصّياد، ينصبُ فخًا وينتظر، وعندما يُمسِكُ بنقطة ضعفه، يستغلّها ويتلاعب بها.
“شارل، أنا أملكُ ما ترغبين به.”
يا إلهي، نفخ في أذني. سرت قشعريرةٌ في عمودي الفقري للحظة، جعلت كتفيَّ يرتجفان.
“وما الذي أريده؟”
“الحرية.”
عضضتُ شفتي السفلى لا شعوريًا. هززتُ رأسي بسرعة.
“أعتقد أنني حرّةٌ بما فيه الكفاية بالفعل.”
عندها، رفع أدريان رأسه مرّةً أخرى. وحدّق بي.
“الأسماك التي تعيش في حوضٍ تظنّ أن السباحة فيه حرية، مع أن هناك في الواقع مساحةٌ حرّةٌ حقيقيةٌ تُسمّى المحيط.”
‘ربما يُشير الحوض إلى كاتاكل، والمحيط إلى العالم خارج كاتاكل.’
صررتُ على أسناني.
“مهما قلتَ، فأنا لا أستمع إلّا إلى القائد.”
“حسنًا، هذا هو الوضع.”
أرخى أدريان قبضته عليّ وتراجع خطوةً إلى الوراء. نظر إليّ، ويداه مشدودتان خلف ظهره.
“هل هذا بسبب شعوركِ بالذنب تجاه أزميرالدا؟”
أدريان.
“لهذا السبب تتمسّكين بوالدي أكثر. تشعرين بالذنب جدًا. تريدين أن تدفعي ثمن ما فعلتيه.”
أخذتُ نفسًا عميقًا.
من بين المشاعر المعقّدة التي أشعر بها تجاه بايلور كان الشعور بالذنب.
مصدر هذا الشعور، لو أستطيع تبسيطه، هو.
فشلتُ في حماية ابنة بايلور الوحيدة.
لولاي، لربما عاشت أزميرالدا.
شددتُ قبضتي وحاولتُ السيطرة على أنفاسي المتسارعة.
“هل تعلمين، شارل.”
رمش أدريان وابتسم ابتسامةً ساخرة.
كانت ابتسامةً ماكرة، كطفلٍ على وشك كشف سرٍّ سيئ.
“هل تعلمين؟”
ثم مال برأسه نحوي مرّةً أخرى.
كانت أنفاسه الحارّة وصوته الخافت على أذني كافيين لجعل قلبي يخفق بشدّة.
“أزميرالدا قد قُتِلت على يد والدها.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
تجدون الفصول المتقدمة لغاية فصل 60 على قناة التيلجرام، الرابط: Link
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات