اللعينة.
بصق بايلور الشتيمة حرفًا حرفًا وهو ينطقها.
حتى قبل لحظة، عندما رأى شارل في غرفة الاستجواب، كان بايلور يُصدِّقها في أعماقه.
ففي النهاية، لم يُذكَر اسمه حتى على لسان شارل.
لقد أشارت إلى الإمبراطورة فقط كمذنبة.
لم تكن شارل هي مَن ذكرت بايلور، بل الإمبراطورة.
إذن، ربما لم تخنه شارل بعد؟
بعد أن أُلقي القبض عليه، وأُجبر على الاعتراف، لم يكن أمامه خيارٌ سوى ذِكر اسم الإمبراطورة. فكّر بايلور في هذا، مُحاولًا أن يثق بشارل.
نعم.
حتى ذلك الحين.
حتى رأى شارل جالسةً في غرفة الاستجواب.
لم يكن على وجهها أيّ أثرٍ للذنب أو الندم أو الخجل.
حدّقت في بايلور فقط.
لا، بل بالأحرى، كان يرى الذنب الذي تُكنِّه لبايلور. وبدا أنها تقول ‘ادفع ثمن جرائمك الآن’.
ذلك الوجه الهادئ، الخالي من التعابير.
شعر بايلور بقشعريرةٍ تسري في جسده، وكأن قطع الأحجية تتكشّف في تلك النظرة.
محاولة اغتيال الإمبراطور الفاشلة،
اتّهام الإمبراطورة، الذي دفعها لجرّ بايلور إلى هذا الموقف،
وحقيقة وقوف بايلور هنا في تلك اللحظة بالذات – كلّ ذلك كان من تخطيط شارل.
استشاط بايلور غضبًا.
لقد ربّاها.
صنعها بأطرافه، بشفراتٍ في الظلام.
كان قلقًا من أنها لن تتبع إرادته، لكنه وثق بها.
ومع ذلك، في النهاية، وجّهت سيفها نحوه.
وهكذا تكلّم بايلور من كلّ قلبه.
“شارل، يجب قتل تلك المرأة.”
بالطبع، وهو الآن مسجون، ينتظر موعد إعدامه، لم يكن بيده شيء.
لم يكن أمامه سوى الاستسلام لمصيره ومواجهة الموت.
سيظن الجميع أنه قد انتهى.
لكنه لم يكن من هذا النوع من الأشخاص.
لم يكن بايلور يومًا من أولئك الذين ينهارون ببساطة. كان واثقًا من أنه سينتهز الفرصة بطريقةٍ ما للرّد والنجاة.
“… تسك.”
في اللحظة التي نقر فيها بلسانه واتّكأ إلى الخلف، سمع صوت خطواتٍ خفيفة. رفع بايلور وجهه الملطّخ بالدماء ونظر باتجاه الصوت.
“أوه، يا أبي. تبدو بشعًا. هاها.”
رنّ صوتٌ مألوفٌ في أذنيه.
صوتٌ كان يكرهه عادةً، لكنه الآن بدا وكأنه مُنقِذ.
“أدريان!”
رحّب بايلور بأدريان بابتسامةٍ مشرقة.
لمع بريقٌ جنونيٌّ في عينيه.
انتابته رعشةٌ وإثارةٌ لا يمكن السيطرة عليها.
“لماذا تأخّرتَ كثيرًا؟ ألم تقل إنكَ ستصل قريبًا؟”
“تم استبدال الحرّاس بالكامل مؤخّرًا، لذلك لم يكن لديّ خيارٌ آخر. اضطررتُ للانتظار حتى يصل شخصٌ أعرفه.”
لوّح أدريان بحقيبة العملات الذهبية التي كان يحملها. لقد كسب هذا الوزن ولاء الحراس، وفتحت تلك العملات الفضية الباب.
لقد دخل السجن بإغراء حارسٍ تعرّف على وجهه.
وقف أدريان أمام بايلور بخبث، يزفر ببطء.
“إذن يا أبي.”
انحنى أمام قضبان السجن ورفع رأسه.
لمعت عيناه بغرابةٍ تحت الضوء الخافت.
“ما الذي تنوي فعله؟”
حمل السؤال معانٍ متعدّدة.
كان يعني ماذا، ومَن، وكيف سيُسقطهم.
وأخيرًا، كان تأكيدًا على قدرته على النهوض مجددًا.
“لقد خانتكَ الإمبراطورة بالفعل يا أبي، وكاتاكل على وشك الانهيار. في هذا الوضع اليائس، ماذا يستطيع أبي أن يفعل؟”
أمال أدريان رأسه وابتسم ابتسامةً خفيفة.
لكن كانت هناك سخريةٌ قاسيةٌ في نهاية كلماته.
“لقد جهّزتُ سلاحي.”
قال بايلور بحزم. لم يكن هناك شكٌّ أو تردّدٌ على وجهه.
رفض الاعتراف بهزيمته ولو للحظة.
“اجمَع كلّ العملاء. ما علينا سوى الاستيلاء على القصر.”
كان صوته منخفضًا، لكنه صلبٌ كالفولاذ.
لا يزال الكبرياء المُطلَق ينبعث منه حتى وهو في هذا الوضع.
“ليقتل جانبٌ منكم الإمبراطور، وليقتل الآخر لُــوفانتي.”
ارتفع حاجبا أدريان قليلًا.
نقر على ركبته بأطراف أصابعه وضحك بخفّة.
“يجب أن نُبقي الإمبراطورة على قيد الحياة. من أجل الشرعية.”
“أجل. لكن كلّ هذا سينتهي عندما أُصبِح إمبراطورًا.”
كان يعني أنه لن يسمح أبدًا للإمبراطورة التي خانته بالبقاء على قيد الحياة.
لمعت عينا بايلور بشارسة.
لكن أدريان لم يُجِب. أمال رأسه إلى الجانب، ناظرًا إلى بايلور باهتمام.
بعد لحظة،
تحدّث أدريان ببطء.
“لنبدأ إذن.”
نهض وهزّ كتفيه.
ارتسمت ابتسامةٌ مخيفةٌ على شفتيه الشاحبتين.
“سأقتل لُــوفانتي.”
همس أدريان، ثم توقّف عن الكلام كوحشٍ بريٍّ مستعدٍّ للصيد.
“أردتُ حقًا أن أفعل ذلك.”
كانت عيناه، المبتسمتان كحيوان، تحملان ترقّبًا ومتعةً قاسية.
“هل تسمح لي، أبي؟”
أومأ بايلور ببطء، راضيًا.
“نعم.”
ثم تصلّب تعبيره مرّةً أخرى وفتح فمه.
“لكن.”
ضاقت عيناه ببرود.
“أنقِذ شارل.”
تسلّلت نيّة قتلٍ عارمةٍ تحت جبينه، حيث بدت عروقه واضحة.
“سأقتل تلك العاهرة بنفسي.”
كان صوته يحمل نيّة قتلٍ مرعبة، انتقامًا سيمزّق قلبها.
حدّق أدريان في عينيه للحظة، ثم ضحك.
“هذا يشبه أبي تمامًا.”
ضحكوا.
للحظةٍ طويلة، كما لو أن خطّتهم لا يمكن أن تفشل أبدًا.
* * *
بعد يومين، ومع اقتراب الساعة الثانية صباحًا، أخذتُ نفسًا عميقًا بهدوءٍ ونظرتُ إلى النافذة الصغيرة.
لا أعرف كيف ينوي داميان تهريبي.
لكن هناك شيءٌ واحدٌ مؤكد، سيفي بوعده.
في الواقع، حتى عندما تلقّيتُ ملاحظة داميان لأوّل مرّة، كنتُ مشتّتة.
هل أهرب؟
هل أتمسّك بهذه الحياة وأنجو؟
هل من الضروري حقًا النجاة هكذا؟
تألّمتُ كثيرًا، ثم توصّلتُ إلى قرارٍ متسرّع.
لنَمُت فحسب.
لن أهرب.
لكن …..
«شارل.»
عندما رأيتُ لُــ يناديني، ورأيتُ الحزن على وجهه، تغيّرت أفكاري.
ماذا سيحدث للُــو إذا متُّ؟
ماذا سيحدث للُــو إذا تم إعدامي؟
ربما… لن يتمكّن من العيش بسلام؟ ألن يكون الأمر صعبًا عليه؟ ألن يكون في عذاب، كما لو كان سيموت هو؟
لذا، قرّرتُ أن أعيش.
من أجل لُــو.
على الأقل، ما دمتُ على قيد الحياة، لن يعاني لُــو. سيكون ذلك أفضل من موتي.
لذا.
“هااه…”
أخذت نفسًا عميقًا آخر ونظرتُ إلى النافذة.
كان الوقت ينفد.
الآن، كل ما عليّ فعله هو الانتظار …
“شارل.”
عندها، في تلك اللحظة تحديدًا، سمعتُ صوتًا تمنّيتُ سماعه أكثر من أيّ صوتٍ آخر، لكنني لم أستطع.
أدرتُ رأسي ببطء.
ورأيتُ شخصًا يقف في الظلام.
“ماذا … تفعلين؟”
لُــو.
لقد كان هو.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات