تصحيح.
لم يكن تمثيلاً.
“مؤلمٌ جداً…”
تقلّبتُ في الألم بين أنينٍ وآخر. ممّا أدى إلى تَجعُّد البطانية التي وضعها أحدهم عليّ بعناية، لكنني لم أكن في وضعٍ يسمح لي بالاهتمام بذلك.
هل السبب أن هذه أوّل إصابةٍ لي منذ زمنٍ طويل؟
أم أنه التعب المُتراكم؟
لا أعرف السبب بالتحديد، لكن جسدي كلّه يتألّم.
كأن أحدهم ضربني بقسوةٍ لساعات، شعرتُ بآلامٍ عضليةٍ وحُمًّى شديدةٍ جعلتني أهذي.
“أغه…”
أشعر بالعطش.
رفعتُ جفنيّ الثقيلين بصعوبةٍ ومددتُ يدي. خطر لي أن هناك ماءً على المنضدة بجانب السرير.
“تفضّلي.”
في تلك اللحظة، قدّم لي أحدهم كوب ماءٍ بارد.
شربتُه بسرعةٍ دون أن أتمكّن حتى من فتح عينيّ بشكلٍ صحيح.
“هاا… أشعر أنني سأعيش.”
“لا تبدين كذلك بعد. يبدو كأنكِ على وشك الموت.”
جاء ردٌّ جعلني أرمش عدّة مرّات.
لا يوجد سوى شخصٍ واحدٍ يمكنه قول شيءٍ مزعجٍ كهذا.
“لُـو.”
استندتُ بظهري إلى الوسادة مرّةً أخرى وحوّلتُ نظري نحوه فقط.
كان جالساً على الكرسي بجانب السرير، يبدو أنيقاً كالعادة دون أيّ تغيير.
“منذ متى وأنتَ هنا؟”
“منذ وقتٍ طويل.”
“هذا يعني أنكَ أتيتَ للتوّ.”
“لماذا لا تثقين بكلامي؟”
عبس لـو وتذمّر، لكنني تجاهلتُه. بدلاً من ذلك، نظرتُ خارج النافذة. ورأيتُ سماءً مظلمة.
“لا يزال الليل. هل نمتُ ليومٍ واحدٍ فقط؟”
عُدتُ إلى المنزل في النهار، والآن الليل، لذا يبدو أن الوقت قد مرّ بشكلٍ معقول.
“شارل.”
لكن صوت لـو بدا غريباً بعض الشيء. نظرتُ إليه مرّةً أخرى.
“لقد مرّت ثلاثة أيام.”
“ماذا؟”
“لقد نمتِ ثلاثة أيامٍ متتالية. تتألّمين وتئنّين.”
“…أنا؟”
“نعم، أنتِ شارل.”
لهذا أشعر بتيبّس أكبرٍ في جسدي!
بالطبع سأشعر بالتيبّس إذا بقيتُ في السرير ثلاثة أيام!
أخيراً شعرتُ بآلام الظهر التي تغمرني وهززتُ رأسي.
“لا، لماذا؟ هل كنتُ أتألّم إلى هذا الحد؟”
“نعم.”
تابع لـو حديثه.
“قال الطبيب إنه يبدو أنكِ مرهقة. جسدكِ ليس في حالته الطبيعية، بالإضافة إلى الإصابة، لذا يبدو أنكِ لم تتحمّلي.”
نظر إليّ مائلًا رأسه.
“هل عَمِلت شارل بما يكفي لتُصبَح مرهقة؟”
حتى لو أجبتُ هذا، أيها الوغد.
“التعايش معك هو ما يسبب الإرهاق، بالنسبة لي.”
“يا إلهي. يا له من كلامٍ مُحزن.”
ضحك لُـو ورفع كتفيه.
“هل تريدين تناول الطعام؟”
“لا، سأنام أكثر.”
“حسناً، إذن. يقولون أن الراحة الجيدة مفيدة.”
بعد سماع كلمة ‘إرهاق’، شعرتُ أن جسدي أصبح أثقل.
سأستغلّ الفرصة لأرتاح أكثر.
مع هذا التفكير، وضعتُ وسادةً بين ساقي وقلبتُ جسمي جانباً.
لكن هناك شيءٌ غريب.
لم يغادر لُــو مكانه.
“لماذا لم تذهب؟”
“أنا؟”
“نعم. قلتُ للتوّ أنني سأنام. أليس عليكَ أن تخرج إذن؟”
حينها، حدّق لُــو بي مباشرة.
كأنه سمع شيئاً لم يكن من المفترض أن يسمعه، أو كأنه لا يفهم كلامي.
“ماذا، لماذا تنظر هكذا؟”
“إذا كنتِ شخصاً ينام بهدوءٍ فقط، لكنتُ غادرتُ منذ زمن.”
“ماذا تعني بهذا؟”
“شارل، أتعلمين أنكِ تصرخين أثناء نومكِ؟”
“أنا؟!”
انتفضتُ من الصدمة ورفعتُ جذعي، لكن بقي لُــو هادئاً كالعادة.
“نعم، تصرخين بصوتٍ عالٍ وتضربين بيديكِ أيضاً.”
هذا غير ممكن!
“كاذِب!”
“صدِّقي أو لا تصدِّقي، هذا اختياركِ. لكنني مُلزَمٌ بالبقاء بجانبكِ حتى تغوصي في نومٍ عميق.”
عقد لو ساقيه الطويلتين وردّ.
“بهذه الطريقة، لن يشكّ الخدم.”
“…..”
هذا محيّرٌ جداً.
أنا أصرخ أثناء نومي؟
هل هذا كذب؟
لكنني لا أرى أيّ فائدةٍ قد يكسبها لُــو من كذبةٍ كهذه.
“إذاً…”
سألتُ بحذر.
“ماذا تفعل عندما أصرخ؟”
ظهرت ابتسامةٌ شقيّةٌ على شفتي لُــو. وكأنه يخفي شيئاً، أو يريد مضايقتي.
“هذا …”
أمال لُـو رأسه تجاهي قليلاً وابتسم.
“سرّ.”
هذا الوغد …
“أنت …! أنتَ حقاً تريد مضايقتي …!”
في تلك اللحظة، فُتِح الباب فجأة. دخلت ماردي إلى الغرفة تحمل وعاء ماءٍ ومنشفةٍ بكلتا يديها.
“أوه، يا إلهي …!”
تفاجأت ماردي عندما رأتني. وضعت ما تحمله على الأرض بسرعةٍ وركضت إلينا.
“أيها السيد! إذا كانت الآنسة قد استفاقت، كان عليكَ إخبارنا! لماذا لم تنادي أحداً وتراقبها فقط؟”
لوّحت ماردي بيدها وكأنها ستضرب لُـو ثم أمسكت يديّ بحزم.
“آنستي… كم عانيتِ من الألم…”
“ماذا؟”
“لابد أن الأمر كان صعباً عليكِ. لابد أنكِ خفتِ. آنستنا… لا تستحقين كلّ هذا الألم.”
“ماذا؟”
“الآن ليس وقت هذا. سأُحضِر الطبيب. انتظري قليلاً، فقط لفترةٍ قصيرة! هل فهمتِ؟”
أطلقت ماردي كلماتها بسرعةٍ وغادرت المكان.
حدّقتُ في المكان الفارغ بذهولٍ ثم التفتُّ إلى لُــو.
“هل يُخَيّل إليّ أم أن ماردي أكثر ضجيجاً اليوم؟”
“لا تتخيّلين.”
“لماذا؟”
عكس لُـو ساقيه ورمش بعينيه ببطء.
“كان عليها أن تغسلكِ خلال هذه الفترة.”
“هل هذا صحيح؟”
“يبدو أن ماردي رأت الندوب عندما كانت تغسلكِ.”
لففتُ ذراعي حول نفسي دون وعي.
هناك العديد من الندوب على ذراعي، ظهري، صدري، بطني وساقي. معظمها جروح، وبعضها آثار رصاص.
“يبدو أنها بدأت تخمّن ماضيكِ بناءً على ذلك. أن شارل مرّت بأحداثٍ صعبةٍ جعلتها تصاب بهذا الكمّ من الإصابات.”
حسناً، يمكنني فهم ذلك.
أيّ شخصٍ عاديٍّ سيفزع عند رؤية ندوبي.
لكن هل هذا يستحق كلّ هذا الضجيج؟ لا أفهم حقاً.
“إذاً؟”
أملتُ رأسي وسألت.
“أفهم أنها خمّنت ماضيّي، لكن ما المشكلة في ذلك؟”
“هذا يعني أنها قلقةٌ عليكِ.”
“….”
قطّبتُ حاجبيّ تلقائياً لأنني لم أقتنع.
“لماذا؟”
“ماذا؟”
أظهر لُـو تعبيراً أكثر استغراباً وسأل.
“هل تقصدين أنكِ لا تفهمين سبب قلق ماردي عليكِ؟”
“نعم.”
واصلتُ كلامي.
“إنها ندوب. يعني أن الجروح قد شُفيت. إنها لا تؤلم الآن. فلماذا تقلق …؟”
“إنها قلقةٌ بسبب الماضي الذي خلّف هذه الندوب. إنها تشفق على أيامكِ الماضية.”
هذه أوّل مرّةٍ أسمع هذا الكلام.
أيامي الماضية تستحق الشفقة؟
هل عِشتُ حياةً صعبةً تستحق التعاطف؟
…لا.
لم يكن الأمر صعبًا عليّ.
رغم أنني مررتُ بتدريباتٍ قاسيةٍ طوال طفولتي وتأرجحتُ بين الحياة والموت، ورغم أنني كنتُ على وشك الموت عدّة مرّاتٍ أثناء المهام، ورغم أنني مضطرّةٌ للعيش طوال حياتي وأنا أخدع الناس، بهويّةٍ مزيّفة … لم يكن الأمر صعبًا.
بل على العكس، يمكنني القول إنني عشتُ حياةً مُرفّهةً بفضل بايلر.
ألم يقل بايلر ذلك.
«لقد تبنّيتُ شخصاً تافهاً مثلكِ، لذا اعتبري ذلك حظاً وواصلي العيش.»
هذا صحيح. اختيار بايلر لي كان من أعظم حظوظ حياتي.
لذا لم يكن بإمكاني أن أتذمّر من المعاناة، ولم أكن بحاجةٍ لذلك.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 14"